أبو يعرب المرزوقي: التناقض المربك!

أبو يعرب المرزوقي: التناقض المربك!


30/05/2018

ثمة ضبابية في جلّ نصوص المفكر التونسي الإسلامي أبو يعرب المرزوقي؛ بل يكاد يكون نصّه وعراً ومغلقاً، بحيث يحتاج إلى أن يشرح كلّ جملة فيه بنفسه؛ فهو حين يتحدث عن الإسلام السياسي يتأرجح بين الإسلام السياسي كما هو في الواقع، وكما حدده أصحابه، وآخر متخيل عنده.

فعندما عدّ الإسلام السياسي خالداً بخلود الإسلام وقيمه، العام 2014، في أحد الحوارات معه التي حملها موقع "حقائق أونلاين"، كان يقصد الإسلام السياسي كما يتصوره هو، وينفي أن يكون الخلود للحركات التي تصل من خلال الإسلام إلى السلطة، التي هي الآن الأمل الوحيد بالنسبة إليه، في تحقيق النهضة المنتظرة، إن هي وصلت حققت ذلك، ليناقض أبو يعرب نفسه من عدة نواحٍ؛ فهو يجعل من متخيله السائل في ذلك الوقت خالداً دون أن يكون له ممثل في الواقع، والمناقضة الأخرى؛ حين يعدّ الإخوان المسلمين، بوصفهم ممثلين للإسلام السياسي، في مقالاته الأخيرة، أملاً في تحقيق النهضة.

عندما عدّ المرزوقي الإسلام السياسي خالداً بخلود الإسلام وقيمه كان يقصد الإسلام السياسي كما يتصوره هو

وأبو يعرب يقول ذلك كله دون التخلي عن أي واحد من التعريفين؛ أي الواقعي والمتخيل، وهذه بالطبع إستراتيجية دفاعية شهدناها كثيراً في دفاع حركات الإسلام السياسي عن نفسها؛ فهي تارة ممثلة للإسلام الذي تتخيله، ومطبقة له في لحظة قوتها وعزتها، وتارة مجرد حامل لقيم إسلامية لا تنتهي؛ فهي تربط بقاء قوتها بقوة الإسلام، وتوظّفه للوصول إلى السلطة، وفي حال سقوطها تدافع عن نفسها بمتخيلها الذي لا يتحقق؛ فهو بمثابة الكلي الذي لا يمكن الوصول إليه، لكن يمكن التبرير من خلاله كونه تعريفاً سائلاً، ولا يمكن الإمساك به والتعرف إليه.

اقرأ أيضاً: أبو يعرب المرزوقي: هل الإسلام السياسي أصل الاستئناف؟

يقع المرزوقي في مقاله الثالث في وجه آخر من أوجه التناقض؛ إذ يحمّل الحركات الإسلامية النهضة كونها حاملة للإسلام، ويجرّدها منه في آن واحد، حين لا يكون لها من الإسلام إلا اسمه، فيعدّ حكمها ليس جزءاً من العقيدة، وهذا ما لن تقبله الحركات الإسلامية نفسها؛ فجوهر الإسلام هو العقيدة، كونه ديناً توحيدياً تريد هذه الحركات من خلاله توحيد الحياة لله، بتعبير كبار منظري الإسلام السياسي، سيد قطب وحسن الترابي، في تفسيرهم للآية "قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين "، وهنا يبدو أبو يعرب في قمة الاضطراب، بين ما يريده والأمور كما هي في الواقع وعند أهلها.

حركات الإسلام السياسي تربط بقاء قوتها بقوة الإسلام وتوظّفه للوصول إلى السلطة

يحيل أبو يعرب المرزوقي جلّ مشكلات الحركات الإسلامية إلى عوامل خارجية؛ هروباً من المشكلات الداخلية الواضحة التي تعترف بها الحركات الإسلامية نفسها، فهو يريد أن يدافع عنها بأكثر مما تدافع به هي عن نفسها، كونه يعتقد أنّه يمتلك الأدوات الفلسفية التحليلية الكافية للدخول في المدافعة، وكانت أولى الخطوات الدفاعية لا تتميز كثيراً عما تقول به الحركات الإسلامية نفسها، فيضع حركات الإسلام السياسي موضع المخلص المنتظر، والحركات المناوئة لها موضع الشيطان الأكبر المتحالف مع الاستبداد، لنقع مرة أخرى في إحدى مشكلات النص اليعربي، وهي التعميم غير المفيد للفهم والجدل.

يرى المرزوقي أنّ الحركات الإسلامية ليست واحدة، وقادتها ليسوا على صعيد واحد، لكنّ هذا التعميم يبدو مقصوداً، لينتقل به وهو الذي درس في السوربون، من فيلسوف يعرف خطورة التعميمات إلى منظّر أيديولوجي للحركات الإسلامية، وهذا بالنسبة إلينا، نحن الذين نعيش واقع تجربة الحركة الإسلامية السودانية، أمر غير جديد؛ فهي تحمّل المعارضين لحكمها وتصوراتها معظم فشلها الداخلي السياسي والاجتماعي والاقتصادي؛ بل إنها تضعهم في سلة واحدة، كمناهضين لله، وهنا تظهر كبرى مشكلات الإسلام السياسي؛ إذ يصبح الدين ليس كما تخيله أبو يعرب، مجرد قيم عامة هادية للبشرية، إنما طرف ثالث في الحكم يتم توظيفه في الحشد الشعبوي من جهة، والإقصاء السياسي من جهة أخرى، وذلك من خلال التعميم الأيديولوجي، وتفريق الناس إلى طهرانيين، وهي فئة الإسلام السياسي، ومدنسين، وهم كلّ من يقع خارج دائرة الإسلام السياسي.

جعل إيران ملهمة معظم حركات الإسلام السياسي السنّي بثورتها شريكة إسرائيل في عداوة الإسلام السياسي

وهذا التقسيم قد وقع فيه أبو يعرب المرزوقي نفسه، في مقاله الرابع، من أصل الاستئناف، حين جعل كلاً من روسيا وأمريكا في اتجاه واحد، وإيران وإسرائيل في اتجاه واحد، وجميع هؤلاء مع الأنظمة العربية ضدّ الإسلام السياسي، وهذا ما لا يمكن؛ فهذه القائمة الطويلة من الكيانات والدول من المستحيل أن تتفق جميعها على رؤية سياسية، هذا إن تجاوزنا العداوة التي بينها، والتي تجاوزها المرزوقي، فجعل إيران، ملهمة معظم حركات الإسلام السياسي السنّي بثورتها، شريكة إسرائيل في عداوة الإسلام السياسي، وهذا تهافت لا يمكن أن يقع فيه فيلسوف إلا أن يجعل من الاستقطاب السياسي الحاد دليلاً مرشداً له في الكتابة.

يتبع...

الصفحة الرئيسية