أردوغان والقدس: الطريق لا يمر من عفرين

أردوغان والقدس: الطريق لا يمر من عفرين


20/12/2017

لا تتوقف التصريحات النارية لرجب طيب أردوغان بخصوص القدس، تصريحات تصل إلى حد الصراخ والتوعد بالويل، إلى درجة أن من يستمع إليها يتخيل أن القوات التركية ستتحرك اليوم قبل الغد لتحرير المدينة المقدسة، وهي تصريحات تذكرنا بتصريحات سابقة له، عندما كان يطالب كل صباح ومساء بإسقاط النظام السوري، ويعلن عن خطوطه الحمر الكثيرة قبل أن ينقلب على شعار إسقاط النظام ويتحول الأكراد إلى عدوه الوحيد في سورية، ويهدد صباح كل يوم باجتياح عفرين إلى درجة أن من يسمع هذه التهديدات قد يتخيل أن الطريق إلى القدس يمر عبر عفرين.

قرار ترامب في شأن القدس سعّر الاشتباك الإعلامي بين تركيا وإسرائيل، إذ سارع أردوغان إلى الدعوة إلى عقد قمة لمنظمة التعاون الإسلامي انتهت ببيان لا جديد فيه بخصوص القدس، يصرخ الرجل ويقول إن إسرائيل دولة إرهاب تقتل الأطفال على شكل تصريحات متكررة، مواقفه هذه استفزت بنيامين نتانياهو الذي انتقد أردوغان على الهواء مباشرة، عندما قال خلال مؤتمر صحافي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: «لا يعظنا أردوغان بأي عظات، شخص يقصف قرى كردية في تركيا، ويزج بالصحافيين في السجن، ويساعد إيران على التملص من عقوبات دولية ويساعد إرهابيين في مهاجمة أبرياء في غزة وأماكن أخرى». التصريحات النارية المتبادلة هذه أشعلت حرب رسائل بينهما، إذ لم يتأخر الناطق باسم الرئاسة التركية ابراهيم قالين في الرد على نتانياهو، عندما قال إن على إسرائيل أن تقدم الحساب على الخروقات التي ترتكبها ضد القانون الدولي، وإن على إسرائيل وضع حد لاحتلالها الأراضي الفلسطينية بدل مهاجمة تركيا وقائدها... وهكذا يتحول الأمر من إمكان إيجاد موقف عملي حقيقي داعم للقدس في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي والقرار الأميركي إلى اشتباك إعلامي، وصل إلى حد استحضار أفيغدور ليبرمان قضية سفينة مافي مرمرة، ودعوة حكومته إلى التراجع عن الاعتذار لتركيا عن مقتل ناشطين أتراك كانوا على متنها عندما هاجمتها قوات إسرائيلية في البحر عام 2010، حيث دفعت حرب الرسائل والتصريحات هذه، كثيرين إلى توقع أن أردوغان سيتخذ خطوات حقيقية تتجاوز التصريحات النارية إلى قرارات فعلية ملموسة من نوع قطع العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل، بخاصة أنه توعد قبل أيام من إعلان ترامب باتخاذ مثل هذا القرار في حال قررت الولايات المتحدة نقل سفارتها الى القدس، ومضت الأيام والأسابيع من دون إقدام أردوغان على هذه الخطوة، إذ إن سفارة بلاده في تل أبيب كما القنصلية في القدس تعملان على قدم وساق، وسط تقارير تقول إن نسبة التبادل التجاري بين الجانبين خلال العام الحالي زادت بنسبة 14 في المئة.                 

وإذا كان مفهوماً أسلوب أردوغان الذي يقوم على الصراخ الإعلامي والتصريحات النارية أكثر من انتهاج سياسة واقعية مدروسة قد تأتي بنتيجة، فإن الأخطر في حالة القدس هو حالته التي تقترب من جنون العظمة، إذ إن الرجل لا يكتفي من باب العاطفة بالقول: إن القدس نور عيوننا، ولن نترك مصيرها لدولة الاحتلال، وهكذا يتحدث الرجل كأن جيوشه على أهبة الاستعداد للتحرك نحو القدس وحماية المقدسات الإسلامية، وهو لم يعلن حتى الآن تجميد نشاط سفارته في تل أبيب! ولو فعل ذلك لربما اقتدت به بعض الدول العربية، والمشكلة كل المشكلة هنا، هي أن السقف الكبير للخطاب الاعلامي كثيراً ما يكون سبباً لعدم التوصل إلى موقف عملي حقيقي داعم للقدس في محنتها.    

في الواقع، منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا عام 2002، ثمة متغير في سياسة تركيا تجاه إسرائيل، وهو متغير داخلي أكثر من أي شيء آخر، وفي جوهر هذا المتغير سعي أردوغان الدائم إلى كسب النفوذ المتعاظم للتيار الإسلامي الشعبوي القومي في تركيا، فمن يريد البقاء في السلطة عليه أن يكون ملهماً لهذا التيار في الشارع وساحات المدن وإسماعه خطباً رنانة، ويبدو أن الخطاب الناري عن القدس وفلسطين أسهل طريقة للبقاء في قلب أصحاب هذا التيار بخاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التركية.

خورشيد دلي - عن"الحياة"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية