القوة الشيعية الناعمة

المد الشيعي

القوة الشيعية الناعمة


24/05/2018

لا يزال العقل العربي تائهاً في التعامل مع تطبيقات العقل الشيعي الصفوي الطائفي، ومن علامات التيه، التأخر الكبير في الوعي بتلك التطبيقات، وبالتالي التأخر المتوقع بالشروع في الاشتغال النظري والعَمَلي على إستراتيجيات مُضادة لها.

وإذا كانت أرضية تعامل عقلنا الجمعي مع المشروع الشيعي في المنطقة، خاصة عقلنا البحثي والسياسي والديني، تنهل من هذا التواضع في الرصد، بَلْه الاستشراف، فطبيعي أن تعج الساحة بتطورات نوعية للاختراق الشيعي الذي طال العديد من الدول العربية السنية، بل طال التواضع حتى الدول الأفريقية والأوروبية، ومن باب تحصيل، بَدَهي أن تسود القراءات العربية الاختزالية أو النمطية، على هامش الحفر البحثي في مضامين ومعالم ما اصطلحنا عليه في أكثر من مناسبة، بـ"تصدير التشيع" إلى دول المنطقة.

تأخر عقلنا الجمعي كثيراً في الحسم مع طبيعة المشروع الشيعي في المنطقة: هل نحن إزاء ظاهرة طائفية عابرة، محدودة زمنياً وإقليمياً؟ أم إزاء مشروع إستراتيجي، مُتعدّد الجبهات والأهداف والأطماع؟

القوة الشيعية الناعمة تتبلور من خلال مجموعة من المشاريع البحثية في عدة حقول عبر بوابة مراكز بحثية

واضح أنّ القراءات النقدية للمشروع الشيعي، تلك السائدة في المنطقة العربية، على قلتها أساساً، كان تثُب بشكل كبير في الانتصار لمضامين الطرح الأول، ولو أنها انتبهت قليلاً إلى مضامين الطرح الثاني، لكان الوضع الميداني، داخل وخارج المنطقة، مختلفاً كثيراً عما نُعاينه اليوم.

وحتى الأصوات السياسية أو الفكرية أو الدينية التي كانت تحذر بين الفينة والأخرى من أطماع المشروع، خاصة قبل أحداث "الفوضى الخلاقة" التي اصطلح عليها بحثياً وإعلامياً بأحداث "الربيع العربي"، كان مصيرها اللامبالاة أو التقزيم، وما أكثر الأمثلة في هذا السياق، لعل أبرزها، في الحقل السياسي بالتحديد، مُصطلح "الهلال الشيعي" الذي صدر عن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وأدلى به ليومية "الواشنطن بوست" 2004، لولا أن هذا التحذير قوبل بالتهميش، بل قزمت أهميته أغلب الأصوليات الدينية السياسية في المنطقة، وهذا متوقع لاعتبارات عدة، منها أن أغلب هذه الجماعات، كانت تتمنى أن يتكرر السيناريو الإيراني في الدول التي تشتغل فيها، وكان علينا انتظار بضع سنوات بعد اندلاع أحداث "الفوضى الخلاقة"، حتى نُعاين على أرض الواقع لائحة من تطبيقات التحذير الأردني سالف الذكر.

إذا اتفقنا على أننا إزاء مشروع إيراني، توسعي وإستراتيجي، يمكن حينها الحديث عن أولى مراحل الرصد النوعي؛ لأنّ هذا المنعطف المفاهيمي، سيُساعدنا على تسليط الضوء لاحقاً، في مرحلة ثانية، على التدقيق في معالم ومضامين المشروع، ومنها مجموعة من المُحدّدات التي كانت مُغيبة في المتابعة البحثية بَلْه المتابعة الإعلامية، ونذكر منها في هذا المقام "القوة الشيعية الناعمة".

نقصد بـ"القوة الشيعية الناعمة"، مجموعة من المشاريع البحثية التي تشتغل في عدة حقول علمية (فلسفة، علم كلام، إسلاميات، فلسفة دين، علم الاجتماع، تصوف، علم الاستشراف.. إلخ)، عبر بوابة مراكز بحثية ومجالات ومؤتمرات وندوات، داخل وخارج المنطقة، والتي وظفها المشروع الإيراني الشيعي الصفوي من أجل غزو عقول وقلوب شباب المنطقة العربية السنية، ومعه شباب الدول الأفريقية والأوروبية.

القوة الناعمة مجموعة من المشاريع البحثية داخل وخارج المنطقة وظفت من أجل غزو عقول وقلوب الشباب

كانت هذه المشاريع، من بين أهم أبواب الاختراق الشيعي، أخذاً بعين الاعتبار تواضع "المناعة المعرفية" عند هؤلاء الشباب من جهة، وأخذاً بعين الاعتبار أيضاً تواضع "المواجهة المعرفية" للخطاب الديني السني المضاد، وخاصة الخطاب الصادر عن المؤسسات الدينية التي كانت ولا تزال تعاني من عدة مشاكل وأعطاب، أفضت إلى عدة ولادة وتغذية عدة ظواهر دينية واجتماعية. (منها الظاهرة الإسلامية الحركية، ومنها بالطبع، الظاهرة الشيعية).

من الصعب إحصاء عدد المجلات الفكرية التي يُمولها المشروع الشيعي في المنطقة، والتي توزع على العديد من دول المنطقة، بل منها مجلات تتميز بمضامين لا نجدها لدى أهل "المقاومة المعرفية":

ــ تشتغل مجلة "الاستغراب" الشيعية، على مفهوم/ مشروع "الاستغراب" الذي كان المفكر المصري حسن حنفي من الداعين إلى الاشتغال عليه، ولكنّ نداءه المعرفي قوبل بالتجاهل من قبل صُناع القرار الثقافي في المنطقة، ولأن الطبيعة لا تقبل الفراغ، جاء التفاعل من صناع القرار الثقافي في المشروع الشيعي.

ــ خصّصت مجلة "المحجة" [الشيعية]، وهي مجلة مُتخصّصة في قضايا التصوف والعرفان، وتصدر عن "معهد المعارف الحكمية" [الشيعي]، أحد أعدادها الأخيرة لعام 2017 لظاهرة الإلحاد، وهي الظاهرة التي ارتفعت أسهمها خلال السنين الأخيرة في المنطقة العربية، بالسعودية ومصر على سبيل المثال، كما عاينا ذلك بعد هزات "الفوضى الخلاقة".

ونزعم أنّ عقد مقارنة عابرة بين مضامين تعامل المجلة مع الموضوع، مع تعامل الخطاب الديني في المنطقة العربية، كفيل للتوصل إلى نتيجة/ قاعدة "لا قياس مع وجود الفارق".

فشلت إيران فشلاً واضحاً في مشروع تصدير الثورة الإسلامية رغم حُلم العديد من إسلاميي المنطقة في تكرار التجربة

هذا غيض من فيض، ولو تأملنا لائحة المساهمين في هذه المجلات، بَلْه المؤتمرات والندوات، سنجد مجموعة من الأقلام البحثية الشيعية [من الشيعة العرب]، أو ترجمات لأسماء شيعية إيرانية، إضافة إلى مُساهمة الأقلام البحثية السنية، تحت شعار "التقريب بين المذاهب"، و"الانتصار للهاجس المعرفي على حساب الهاجس الديني الطائفي" وشعارات من هذه الطينة، تأكدنا بشكل متأخر، أنها لم تقف عائقاً لكي تُحقق "القوة الشيعية الناعمة" موازاة مع إنجازات أخرى ذات صلة بباقي مُحدّدات المشروع، من قبيل "زواج المتعة"، تمويل الطلاب العرب للدراسة في العراق وسوريا وإيران، وفي أوروبا أيضاً، تأطير أطفال وشباب ونساء الجاليات المسلمة السنية في إفريقيا وأوربا، وغيرها من المُحدّدات.

فشلت إيران فشلاً واضحاً في مشروع "تصدير الثورة الإسلامية"، رغم حُلم العديد من إسلاميي المنطقة في تكرار التجربة، وتورط بعض هؤلاء في "التشيع السياسي" الذي تقاطع مع "التشيع العقائدي"؛ ولكن مؤكد أنها نجحت نجاحاً واضحاً، في توظيف "القوة الشيعية الناعمة"، خدمة للمشروع البديل، وعنوانه "تصدير التشيع"، بما يقتضي وقفات مع معالمه في مقالات قادمة، بمقتضى القليل من إبراء الذمة، أخذاً بعين الاعتبار تفاعل الأغلبية البحثية الصامتة في المنطقة العربية، التي تتفرج على مشاريع "اختطاف الدين" من المشاريع الإسلامية الحركية، السنية والشيعية، دون أن تُحرك ساكناً.

الصفحة الرئيسية