سياسات الغنوشي داخل "النهضة"... هل تكتب نهاية الحركة الإخوانية؟

سياسات الغنوشي داخل "النهضة"... هل تكتب نهاية الحركة الإخوانية؟


12/01/2021

تُعدّ مسألة انتخاب رئيس جديد لحركة النهضة في المؤتمر المقبل، الذي لم يتم تحديد موعد لعقده، من أكثر المسائل الخلافية داخل حركة النهضة التي انقسمت إلى تيارين: أحدهما يرى في بقاء الغنوشي ضرورة ملحّة لاستقرار الحزب في هذا الظرف المتوتر الذي تشهده الساحة السياسية الداخلية والإقليمية، والآخر جبهة معارضة تدعو إلى استبعاده وتغييره وضخ دماء جديدة في الحركة، وضرورة استبعاده على خلفية محاولته الهيمنة على الحركة بدائرة عائلية ضيقة، وتكسّبه بشكل غير مشروع من الحركة، وجمعه لمليارات غير معروفة المصدر.

 

مسألة انتخاب رئيس جديد لحركة النهضة في المؤتمر المقبل من أكثر المسائل الخلافية داخل حركة النهضة

 

ويواجه الغنوشي أيضاً انتقادات كبيرة داخل حزبه واتهامات باحتكار الحزب وتمويلاته والتفرّد بالرأي، من قبل قيادات معارضة له باتت تشكّل أغلبية بالحركة، وتدعوه إلى التنحي عن منصبه واحترام النظام الداخلي للحزب، انتهت باستقالة قيادات بارزة بسبب غموض موقف الغنوشي من مسألة الترشح لولاية ثالثة حتى الآن، وفق ما أوردت العربية نهاية العام الماضي.

وفي السياق، تناول تقرير لمجلة "لوبوان" الفرنسية الطريقة التي يدير بها راشد الغنوشي حركة النهضة التونسية، لافتة إلى أنه أحكم قبضته من خلال "دائرة عائلية ضيقة"، تضم نجله معاذ، وصهره وزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام، و"بارونات'' يدينون له بالكثير، ما أدى إلى مزيد من التصدع في الحركة.

اقرأ أيضاً: أحد رموز بن علي في حضن الغنوشي.. هل تنتفض "النهضة"؟

وأضافت المجلة الأسبوعية الفرنسية في تقرير لها، كتبه مراسلها في تونس، بنوا دلما، تحت عنوان "اهتزاز القلعة الإسلاموية في تونس": "إنّ حركة النهضة، التي تمّ تقديمها في كثير من الأحيان باعتبارها نموذجاً للانضباط والتنظيم، لم تعد قادرة على إخفاء صراعاتها الداخلية، والقرارات داخلها أصبحت تتخذ بالأغلبية بإصرار من راشد الغنوشي، ما فتح الباب أمام استقالة العديد من الوجوه التاريخية". وقال التقرير: إنّ إدارة الغنوشي لحركته "في تراجع مستمر"، مشيرة إلى استقالة مستشاره السياسي ومدير مكتبه لأعوام عديدة، لطفي زيتون، في تموز (يوليو) 2019، التي اعتبرتها نوعاً من احتجاج على طريقة إدارة الحركة.

 

الغنوشي يواجه انتقادات كبيرة داخل حزبه واتهامات باحتكار الحزب وتمويلاته والتفرّد بالرأي

 

وتشهد حركة النهضة منذ نحو عام العديد من الاستقالات في صفوف قيادات الصف الأول، من التيار المعارض لرئيسها راشد الغنوشي. فقد قدّم في آذار (مارس) الماضي، عبد الحميد الجلاصي، أحد أبرز قيادات الحركة منذ الثمانينيات، استقالته احتجاجاً على هيمنة الغنوشي على الحركة.

وقال الجلاصي في رسالة استقالته، التي نشرت في وسائل الإعلام المحلية: "إنّ الحركة "لم تمرّ في تاريخها بمثل الحالة الراهنة في الموارد والمصالح والقرار في الكبير والصغير، وبمثل حالة التهميش للمؤسسات والسفه في إدارة الموارد المادية والبشرية والتجويف للهياكل، والمركزية مورثة لكلّ الأمراض، ومنها أن تنتشر الشللية والتدخلات العائلية".

اقرأ أيضاً: لماذا استدعى الغنوشي إلى البرلمان رمزاً لنظام بن علي؟

في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، استقال أمينها العام زياد العذاري "رفضاً لخيارات الحزب في مسار تشكيل الحكومة". كما أعلن هشام العريض، ابن القيادي في الحزب ورئيس الحكومة الأسبق علي العريض، وزياد بومخلة، وهما من أبرز القيادات الشبابية، استقالتهما بتاريخ 14 كانون الثاني (يناير) الماضي. وقبل ذلك، كان مدير مكتب الغنوشي زبير الشهودي قد أعلن في أيلول (سبتمبر) 2019 استقالته من الحركة، مطالباً رئيسها بـ"اعتزال السياسة، وإبعاد صهره رفيق عبد السلام و"كلّ القيادات الذين دلسوا إرادة كبار الناخبين، في إقصاء مباشر لكلّ المخالفين في الرأي من نساء وشباب وقيادات تاريخية".

وعرّج التقرير الفرنسي على الانقسام الذي ساد داخل مؤسسات الحركة، على خلفية سحب الثقة من حكومة إلياس الفخفاخ، مشيراً إلى أنّ "مجموعة الغنوشي العائلية قررت بسرعة طي صفحة الفخفاخ نهائياً من خلال عقد مجلس الشورى"، لكنّ النتائج أظهرت وجود عدد كبير من أعضاء الشورى ضد القرار، فقد صوّت 54 عضواً مع مقترح الغنوشي وعارضه 38 آخرون، وقد بدا أنّ الانقسام أصبح "واضحاً" داخل أعلى مؤسسة في الحزب، وفقاً لمجلة "لوبوان".

اقرأ أيضاً: كيف مهد اجتماع مجلس شورى النهضة لولاية ممتدة لـ"الغنوشي"؟

ولفت التقرير الفرنسي إلى أنّ حركة النهضة قد خسرت الكثير من قواعدها الشعبية بسبب إدارة الغنوشي، حيث لم تكسب في الاستحقاق الانتخابي الأخير في 2019 سوى 560 ألف صوت من مليون ونصف كانوا قد صوّتوا لها في عام 2011. وشدّدت المجلة على أنّ سياسات الغنوشي "أفقدت الحركة قاعدتها الجماهيرية".

 

حركة النهضة تشهد منذ نحو عام العديد من الاستقالات في صفوف قيادات من التيار المعارض للغنوشي

 

وكانت حركة النهضة قد خسرت سباق الرئاسة في انتخابات أيلول (سبتمبر) 2019، فقد نال مرشحها عبد الفتاح مورو 434 ألفاً و530 صوتاً، وحلّ ثالثاً من مجموع الناخبين الذي تجاوز 3 ملايين، وتراجع عدد مقاعدها في البرلمان من 89 مقعداً عام 2011، إلى 67 مقعداً في 2014، ثمّ 52 مقعداً في 2019. 

يقود حملة معارضة بقاء الغنوشي رئيساً للحركة عددٌ من القياديين فيها، أبرزهم عبد اللطيف المكي وسمير ديلو، وقد أكدوا في تصريحات صحفية، نقلتها وسائل إعلام محلية، أنّ الحركة في طريقها للانشقاق إذا ما استمرّ الغنوشي بسياسته، وبمحاولته البقاء على رأس حركة النهضة، رغم مخالفته للقوانين والأنظمة الداخلية التي تتيح لرئيس الحركة تسلم المنصب مرّتين فقط.  

وفي سياق متصل بالخلافات داخل الحركة، ذكرت صحيفة "تونيزي نوميريك"، بنسختها الفرنسية، أنّ "الخلافات التي عرفتها الحركة على امتداد أشهر تبدو في طريقها إلى الحسم، وفقاً لآخر الأخبار الواردة من مونبليزير (حيث مقر الحركة)"، موضحة أنّ رئيس الحركة راشد الغنوشي "بات موافقاً الآن على التنحي، كجزء من اتفاق بين مختلف أطراف الصراع الداخلي بحركة النهضة".

اقرأ أيضاً: تونس: دكتاتورية الغنوشي تهدّد بتمزيق "النهضة"

ويقضي الاتفاق -بحسب الصحيفة- بـ"تأجيل مؤتمر النهضة لمدة عامين، وتعهّد الغنوشي بعدم الترشح لرئاسة الحركة ولا للانتخابات الرئاسية المقبلة في البلاد، مع بقاء الشيخ رئيساً (شكلياً) للحركة، لكن بلا صلاحيات، ودون إدارة أي شيء بشكل مباشر".

يُشار إلى أنّ مجموعة من أعضاء مجلس شورى حركة النهضة، مكوّنة من 63 عضواً، وقّعت مؤخراً على عريضة لطلب عقد دورة استثنائية للمجلس، على أن يكون جدول أعمالها متضمناً الصراعات التي تعصف بوحدة الحركة.

هذا، وخلّفت النتائج التي أفرزتها انتخابات المكتب التنفيذي الجديد لحركة النهضة جدلاً واسعاً حول أسماء الذين صعدوا والذين خسروا مقاعدهم، على الرغم من عرض رئيس الحركة قائمة توافقية على التصويت، تجمع داعميه ومعارضيه، وفق ما أوردت قناة الجزيرة في 6 كانون الثاني (يناير) الجاري.

 

اتفاق في الحركة يقضي بـتأجيل مؤتمر النهضة لعامين، وتعهد الغنوشي بعدم الترشح لرئاسة الحركة ولا للانتخابات الرئاسية

 

وأعلنت النهضة في بلاغ رسمي عن تركيبة مكتبها التنفيذي (17 عضواً) بعد نحو 8 أشهر من حلّ رئيسها المكتب السابق، وتحويله لتصريف الأعمال، برّرته حينها بأنه "استجابة لمتطلبات واستحقاقات المرحلة".

وشهدت نتائج الانتخابات، التي جرت السبت الماضي، صعود أسماء محسوبة على الشقّ المعارض للتمديد للغنوشي على رأس الحركة، أو ما يُعرف بـ "مجموعة الـ100" على غرار القيادي عبد اللطيف المكي ونور الدين العرباوي، مقابل خسارة مبدئية لمقرّبين منه كأنور معروف ورفيق عبد السلام.

وسبق أن وجّه 100 قيادي في الحركة رسالة لرئيس الحركة راشد الغنوشي تطالبه خلالها بعدم الترشح لعهدة جديدة، احتراماً للقانون الداخلي الذي يكرّس مبدأ التداول، ويقضي بانتخاب رئيس جديد خلافاً للغنوشي خلال المؤتمر المقبل.

اقرأ أيضاً: هل تراجع زعيم "النهضة" عن قيادة الحركة؟.. قراءة في حوار مع الغنوشي

أمّا عن ثروة الغنوشي، فلم تتوقف الأسئلة منذ 10 أعوام حول سرّ حياة البذخ التي يعيشها رئيس حزب النهضة راشد الغنوشي مع عائلته وأبنائه وأصهاره.

وقد تجاوزت الأسئلة حدود ألسنة الخصوم التقليديين والأصوات المعارضة، إلى أن وصلت إلى أبناء الحركة الإسلامية في تونس وأصدقاء الغنوشي بالأمس، فقد أكدت مصادر مطلعة نقلت عنها صحيفة "العين" أنّ بعض القيادات المحسوبة على حركة النهضة وقّعت على عريضة تطالب راشد الغنوشي بكشف مصادر ثروته الطائلة.

وأوضحت أنّ العريضة المقدّمة تطالب بإبعاد صهره رفيق عبد السلام من المسؤوليات الحزبية وكل الخطط السياسية في الحركة.

وليست المرّة الأولى التي يمثل فيها صهر الغنوشي عنوان فساد مالي؛ فقد تمّ وصفه في رسالة قديمة، أطلقها القيادي الإخواني زبير الشهودي، بـ"الفئة الفاسدة والمفسدة".

وبحسب المصادر، فإنّ ثروة الغنوشي تتقاطع مصادرها مع أموال التنظيم الدولي للإخوان، وتغذيها شبكات التهريب وتبييض الأموال في المنطقة.

 

أبناء الحركة الإسلامية في تونس وأصدقاء الغنوشي يوقعون على عريضة تطالبه بكشف مصادر ثروته الطائلة

 

وبينت هذه المصادر المقرّبة من حركة النهضة أنّ حصة رئيس البرلمان التونسي من الريع الإخواني قد تصل قيمتها إلى أكثر من مليار دولار.

ويقود الغنوشي إمبراطورية من الشركات الاقتصادية والإعلامية من وراء الستار، يساعده في ذلك صهره رفيق عبد السلام وابنه معاذ، وفقاً للمصادر نفسها.

شعار ضرورة المحاسبة ترفعه أيضاً رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، التي تخوض مع أنصارها اعتصامات في مختلف المحافظات التي يتواجد فيها اتحاد القرضاوي.

كما أنّ القيادية بحزب التيار الديمقراطي سامية عبو طالبت في تصريحات إعلامية بضرورة كشف الملفات المالية للغنوشي، متهمة إياه وحليفه سيف مخلوف بـ"تبييض الأموال".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية