قواعد الفكر الإخواني (23): ازدواجية الخطاب الإخواني تجاه الأزهر

الإخوان المسلمون

قواعد الفكر الإخواني (23): ازدواجية الخطاب الإخواني تجاه الأزهر


10/05/2018

لا يستطيع المراقب أو الباحث أن يفهم الموقف الحقيقي للإخوان المسلمين تجاه هيئة أو فصيل، اعتماداً على خطابهم الظاهر الذي يعتمد التقية سلوكاً ومنهاجاً، وعند تحليل موقف الجماعة من الهيئات الدينية التي كانت تراها في أبحدياتها تهديداً لحضورها وتأثيرها في الساحة المصرية، على وجه الخصوص، من المدهش ذلك الموقف المعلن عبر خطاب مهادن يعدّ تلك الهيئات مؤسسات يمكن أن يتعاون معها الإخوان في أداء رسالتها، مع الحرص على إبداء قدر وافر من الاحترام اللازم لها، ولرجالها، ومنهجها، وسلوكها، بما يخالف الموقف الحقيقي.

احترام في الظاهر

من هذه الهيئات الدينية؛ الأزهر الشريف، المرجعية الأهم للمسلمين السنّة حول العالم، الذي ظلّ أهمّ جامعة إسلامية معنية بنشر العلوم والثقافة الإسلامية على مدى مئات السنين، وخرج آلاف الدعاة المؤهلين، الذين انتشروا في كلّ العالم يدعون  للنسخة الوسطية للإسلام؛ بل حرصت الدولة المصرية، منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، على أن تتيح للكثيرين من أبناء الأقليات والشعوب الإسلامية الدراسة بالأزهر، وتبني النسخة المعتدلة للدين، حرصاً من الدولة المصرية على أن تواجه الحصاد المرّ الذي خلّفته دعاية الإخوان وغيرهم من الجماعات الدينية، التي أساءت تفسير الإسلام، وقدّمت منه نسخاً تتوافق مع مشروعاتهم؛ السياسية أو السرية.

لا يمكن فهم الموقف الحقيقي للإخوان المسلمين تجاه هيئة أو فصيل اعتماداً على خطابهم الظاهر

عند تحرّي رأي الإخوان في الأزهر، يظهر أنّ الخطاب الرسمي المعلن يحفل بعبارات التقريظ والاحترام؛ حيث يكشف الكتاب المعتمد عن تاريخ الجماعة من المجلد الثالث تحت عنوان "الإخوان والمجتمع المصري"، أنّ "الإمام البنا كان يأمر إخوانه الدعاة الذين تربّوا على يديه، أن يجتنبوا إعطاء الفتوى الشرعية في أيّ أمر يعرض عليهم، سواء فتوى خاصة، أو في حفل عام، أو في خطبة أو درس في مسجد، فإذا سُئل عن شيء من ذلك، فإنّه كان يقول: هذه من أمور الدين والعلم، فاسألوا عنها السادة العلماء ويحيلها إلى العلماء"، مبرراً ذلك، بحسب ما جاء في الفقرة نفسها، أنّه كانت له في ذلك غايات عديدة، منها: أنّه يبرز توقيره للأزهر وعلمائه، حتى لا تتحرك في نفوسهم معاني الحقد والحسد، وكان في ذات الوقت أبعد وأعمق؛ نظراً إلى أنّه يعلم أنّ أكثر الطوائف المنتسبة إلى دعوته لم يكن بهم من علم بالمسائل الشرعية، ما يؤهّلهم لأن يكونوا أهلاً للفتيا".

 

 

اتهامات بالردة والكفر

لم يحترم الإخوان ذلك تاريخياً، فقد كان السيد سابق، هو مفتي التنظيم، سواء العلني أو السري، وكان الإخوان يحتقرون فتاوى الأزهر والأوقاف، ويعدّونها مُسيَّسة، كما شكّلوا لاحقاً هيئات وتشكيلات، ضمّت بعض خريجي الأزهر من أعضاء الجماعة، ممن لم يتبحّروا في تخصصاتهم العلمية، وشكّلت منهم هيئات "كاتحاد علماء المسلمين"، و"علماء الكنانة"، وظهرت بيانات ممهورة بتوقيع أعضاء التنظيم تحرض على القتل، في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، تحكم بردة وكفر هيئات وأشخاص، كما ورد في بيان من يسمّون "علماء الكنانة"، الصادر في27 أيار (مايو) 2015، بعد أن يئست الجماعة من تحريك المشهد المصري عبر المظاهرات، فبدأ دور تلك الهيئات في التحريض على قتل عناصر الشرطة والجيش والقضاة والإعلاميين.

اقرأ أيضاً: قواعد الفكر الإخواني (15): انتهازية التعامل مع المرأة

ومما ورد في هذا البيان "الحكام والقضاة والضباط والجنود والمفتون والإعلاميون والسياسيون، وكلّ من يثبت يقيناً اشتراكهم، ولو بالتحريض، حكمهم في الشرع أنّهم قتلة، تسري عليهم أحكام القاتل، ويجب القصاص منهم بضوابطه الشرعية، مضيفاً أنّ الدفاع بأية وسيلة مشروعة عن النفس والعرض والمال حقّ مشروع؛ بل واجب شرعي".

كان الإخوان يقللون من شأن فتاوى الأزهر والأوقاف ويعدّونها مُسيَّسة وسعوا لتشكيل هيئات دينية منافسة

لم ينطلق عداء الإخوان للأزهر أو المؤسسة الدينية الرسمية من تغيّر موقف تلك الهيئات منها، او اتهام الإخوان لهم بالاشتراك في تبرير إجراءات أو سياسات بحقّهم؛ فالأمر أقدم من ذلك في الحقيقة، وهو ما يكشف الرأي الحقيقي للإخوان في الأزهر، منذ الثلاثينيات، وهو ما أكّده محمود عبدالحليم، مؤرّخ الإخوان، في كتابه "الإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ"؛ حيث كتب يقول: "أمّا الأزهر، وهو المصدر الوحيد الذي يتلقى الناس منه تعاليم دينهم، فإنّه كان أداة طيّعة في يد المستعمر عن طريق الحكام، نشر في الناس صورة باهتة مشوّهة للإسلام، فكان الإسلام في نظر الناس بفضل الأزهر، لا يتعدى طقوساً تؤدَّى داخل المساجد أو البيوت، وكادت الاستكانة أن تكون مرادفة للإسلام في نظرهم".

محاولة هدم شرعية الأزهر

هكذا يفصح أحد الإخوان عن حقيقة شعور أعضاء الجماعة تجاه الأزهر، بما يؤكّد أنّ الكلام السابق لحسن البنا محض نفاق مكشوف، يعكس ما درج عليه من خطاب مزدوج تجاه هيئة يعرف الشعب المصري دورها في خدمة الدين، والدفاع عن الأمة، وما يزال خطاب عبدالناصر عقب العدوان الثلاثي العام 1956، من على منبر الأزهر، مؤكداً أهمية استدعاء قوة هذا الميراث التاريخي، لهذه المؤسسة في الدفاع عن الأمة، في مواجهة الفرنسيين والإنجليز، وغيرهم ممّن اعتدوا على سيادة هذا البلد عبر التاريخ.

اقرأ أيضاً: قواعد الفكر الإخواني (12): العداء التاريخي للديمقراطية

كان البنا يدرك تلك الحقيقة جيداً، وشرعية هذه المؤسسة في النفوس؛ لذا حاول هدم تلك الشرعية عبر هذا الموقف المزدوج؛ حيث زاحمت نسخ الإخوان، ومن لفّ لفيفهم من تلك الجماعات الحضور الراسخ للتدين الأزهري المعتدل.

كما أنّ الديباجة التي تتحرك بها الجماعة وسط شعب متديّن، ما كان لها أن تمرّ على علماء الأزهر والمجتمع، الذي يحترم سلطتهم المعنوية، التي كان لا بدّ من كسرها عبر هذا التدبير المتحايل؛ موقف علني يحترم الأزهر ورجاله، وآخر سري يغتاله معنوياً ويتهمه بهدر حقائق الدين والترويج لنسخة متخاذلة منه.

عقب ثورة 30 يونيو ظهرت بيانات بتوقيع أعضاء التنظيم تحرض على القتل وتحكم بردة وكفر هيئات وأشخاص

كانت قناعة الإخوان؛ أنّهم وحدهم من يملكون التصور الصحيح للدين، لذا كان البنا يكرّر مخاطباً الإخوان: "أحبّ أن أقول لكم هنا، بكل وضوح، أنّ دعوتكم هذه أسمى دعوة عرفتها الإنسانية، وأنّكم ورثة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وخلفاؤه على قرآن ربّه، وأمناؤه على شريعته، وعصابته التي وقفت كلّ شيء على إحياء الإسلام، في وقت تصرفت فيه الأهواء والشهوات، وضعفت عن هذا العبء الكواهل، وإذا كنتم كذلك فدعوتكم أحقّ أن يأتيها الناس، ولا تأتي هي أحداً، وتستغني عن غيرها، إذاً هي جماع كل خير، وما عداها لا يسلم من النقص، إذاً فأقبلوا على شأنكم، ولا تساوموا على منهاجكم، واعرضوه على الناس في عزّ وقوة، فمن مدّ لكم يده على أساسه فأهلاً ومرحباً، في وضوح الصبح وفلق الفجر وضوء النهار، أخٌ لكم يعمل معكم، يؤمن بإيمانكم، وينفّذ تعاليمكم، ومن أبى ذلك فسوف يأتي الله بقوم يحبّهم ويحبونه"، بهذه الشوفينية ينظر البنا للهيئات الدينية، التي يراها منافسةً له في سوقه، ساحة العقول والقلوب التي يريد أن يستلبها، وهو الذي يسعى إلى توظيف كلّ هيئة لخدمة جماعته، فإن استعصت عليه لقوة شأنها، نافقها حتى يستطيع اختراقها والنفاذ لها، وتوظيفها من أجل مشروعه؛ لذا حرص، في المادة 18 من القانون الأساسي للجماعة، أن يؤكد على هذا المعنى "كلّ جماعة تعلن احترامها لهذا القانون وتضامنها مع الإخوان في تنفيذه، وتخطر المكتب بذلك، تعدّ دائرة من دوائر الإخوان المسلمين، مع بقاء اسمها، ونظامها الخاص بها، وشعائرها، وتعامل معاملة الدوائر الإخوانية".

بقي الأزهر عصياً على توظيف الإخوان وإن تمكن بعض عناصر الجماعة من اختراقه

مساعي الاختراق والتوظيف

يبدو مؤلف "أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين" أكثر صراحة في التعبير عن مراميه، يقول: "ولقد كان مسلك الأستاذ البنا من الأزهر التودّد إليه، ولم يكن مسلك مداهنة، ولا مصانعة؛ بل كان مسلك من يؤمن، أولاً، بأن تبقى للأزهر هيبته، وثانياً: بأنّه لا بدّ من أن تبذل الجهود لاستصفاء رجاله، ليكونوا أهل دعوة حقيقية".

لا يمثل عداء الإخوان للأزهر أو المؤسسة الدينية الرسمية تغيّراً في المواقف فالأمر أقدم من ذلك

الأزهريون من وجهة نظر الإخوان ليسوا إذاً أهل دعوة حقيقية، ثم يكمل قائلاً: "وكان من ثمرة هذا المنهج الذي اتبعه الإمام البنا نحو الأزهر، أن فتح الأزهر قلوباً وأبواباً، وأساتذة وطلاباً، لدعوة الإخوان المسلمين، كما أنّه ذوّب الاحتكار الذي كان يدعيه رجال الأزهر للدعوة الإسلامية، خاصة بعد أن التحق بعض طلبة الأزهر بالإخوان، وما لبثوا أن أصبحوا أساتذة ومدرسين، ووعّاظاً لهم التوجيه، ولهم القيادة في الأزهر، ووصل بهم الأمر أن حوّلوا الأزهر إلى ثكنة للإخوان، تشبه ثكنة الإخوان في الجامعة".

اقرأ أيضاً: قواعد الفكر الإخواني (8): كل شيء في سبيل الحكم

كان هذا هو الهدف إذاً؛ اختراق الأزهر كاختراق كلّ بنى الدولة، من أجل توظيفه، وتحويله إلى ثكنة، وبتأمّل لفظ ثكنة جيداً، فقد كان أثيراً للبنا، ضمن تدبير يبدأ بالمداهنة والتمسكن، حتى تتهيأ ظروف التمكّن، ليخترق الأزهر، شأنه شأن غيره من المؤسسات، ليكون في خدمة الجماعة، لكن لم تسر الأمور كما أراد الإخوان، فبقي الأزهر عصياً على التوظيف، شوكة في حلق الجماعة، وإن لم يستعصِ على الاختراق من بعض عناصر الجماعة.

 

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية