قواعد الفكر الإخواني (34): بين الأمس واليوم..هل كانت الجماعة وفيّة لمبادئها؟

الإخوان المسلمون

قواعد الفكر الإخواني (34): بين الأمس واليوم..هل كانت الجماعة وفيّة لمبادئها؟


02/09/2018

تبقى رسائل حسن البنا المصدر الأكثر تعبيراً عن أفكار الإخوان المسلمين ومقولاتهم الرئيسية؛ حيث لم تقدم الجماعة تنظيراً أبعد من الفضاء الذي ذهب إليه مؤسّسها؛ كما في رسالته "بين الأمس واليوم"، التي تداولها الإخوان باعتبارها تعرض مبادئ الإسلام، ووسائل الإصلاح التي رسمها الرسول، صلى الله عليه وسلم، ونبذة عن الدولة الإسلامية في مطلع نهضتها، وتقدم تحليلاً للعوامل التي أفسدت على المسلمين نهضتهم، وفي ختام الرسالة كلمات توجيهية لإصلاح حال الأمة لاستعادة مجدها.

تطرح هذه الرسالة ككثير من أدبيات الإخوان السؤال حول مدى استفادتهم في تجربتهم مما سطروه هم؟ أو سطره مرشدهم من دروس، كما يراها، كانت شروطاً لازمة لنجاح ما يسميه الإسلامويون بالمشروع الإسلامي؟

التمسّح بالدعوة النبوية

يواصل البنا في هذه الرسالة نهجه الأثير في عمل تماهٍ بين التجربة النبوية أو التجربة الإسلامية بمجملها، وتجربة جماعته التي يراها امتداداً لهذه التجربة وأميناً على تنفيذ مقتضياتها، فيمضى في تذكير المسلمين بمسلّمات هي بنظره ميراثهم المشترك الذي لا تستطيع جماعة مهما كان عدد أفرادها أو انتشار فروعها أن تحتويه أو تمارس من خلال هذا الادعاء حقوقاً على الأمة.

تطرح هذه الرسالة ككثير من أدبيات الإخوان السؤال حول مدى استفادتهم في تجربتهم مما سطروه هم أو مرشدهم

يموّه الرجل كالعادة بالحديث عن أصول الإسلام، التي يراها نفسها أصول الإخوان، والتي لخّصها بكلمات موجزة كعادته في سائر رسائله.

أول هذه الأصول الربانية التي قال عنها في رسالة دعوتنا "أما أنّها ربانية فلأنّ الأساس الذي تدور عليه أهدافنا جميعاً أن يتعرف الناس إلى ربهم، وأن يستمدّوا من فيض هذه الصلة روحانية كريمة تسمو بأنفسهم عن جمود المادة الصماء وجحودها إلى طهر الإنسانية الفاضلة وجمالها"، فهل كان سلوك الجماعة منذ النشأة متسماً بالربانية؟ ومستحضراً لهيمنة الإله العظيم على هذا الكون، فاستحضرت الجماعة مراقبته فلم تغش أو تكذب أو تقتل أو تفسد في الأرض؟ أم أن تصوّرها عن الربانية أن تستلب حق الله على عباده وتجعله لنفسها من دون الخلق والجماعات والدول؟

أوهام التسامي والأخوّة

ثم يعطف على أصل آخر هو "التسامي بالنفس الإنسانية"، فهل ألزمت نفسها وأعضاءها بهذا التسامي فتسامت عن الأطماع الدنيوية، وقدمت من أبنائها نموذجاً في حب الخير العام والتعفف عما في أيدي الناس، الواقع ينبئ بغير ذلك؛ فقد توّرطت الجماعة دون أي حرج شرعي في إنفاق أموال البر والجمعيات الأهلية التي أدارتها أو اشتركت في إدارتها، على أنشطتها السياسية وتكفّلت ماكينة الفتوى داخلها بالتبرير والتسويغ الشرعي لذلك، فهل يمثّل ذلك لوناً من ألوان التسامى واستحضاراً لما قرّرته الجماعة من أصول الإصلاح الاجتماعي ألا وهو "تقرير عقيدة الجزاء" الذي أورده البنا في رسالته هذه؟

يلبس البنا كالعادة بالحديث عن أصول الإسلام التي يراها نفسها أصول الإخوان والتي لخّصها بكلمات موجزة

ثم يعرّج البنا على أصل آخر أسماه "إعلان الأخوّة بين الناس"، فهل كانت الأخوّة التي يعتقدها الإخوان يوماً تتسع دوائرها لتبدأ بالأرحام فذوي القرابة فأبناء الوطن فأبناء الأمة إلى أخوة الإنسانية كما يزعمون؟ أم أنّ الدائرة كانت لديهم أضيق من أي دائرة من دوائر الأخوة المعروفة، إلى حد أنها لم تشمل سوى المؤمنين بحزب الإخوان أما غيرهم فهم أعداء وخصوم إلى الأبد؟

اقرأ أيضاً: هذه ملامح الانقلاب الذي دعا إليه البنّا

يواصل البنا تعديد ما سماها أصول الإصلاح الاجتماعي المستمد من الإسلام، فيشير إلى مبدأ اجتماعي آخر هو "النهوض بالرجل والمرأة جميعاً وإعلان التكافل والمساواة بينهما، وتحديد مهمة كل منهما تحديداً دقيقاً"، ويمكن ملاحظة التناقض الذي تنطق به هذه العبارة في ثناياها؛ حيث البنا يبدأ بتقرير المساواة لكنه يختم بعبارة مخاتلة كعادته يقول فيها "تحديد مهمة كل منهما تحديداً دقيقاً"، وهو ما فصّله بوضوح في "رسالة المرأة" حيث حرمها من التعليم وجعل حقها فيه أن تتعلم ما تصير به زوجة وحسب، فضلاً عما دعا إليه في مجلة الإخوان العام 1947 بحرمانها من الحق في الانتخاب القاعدة التي خرقها الإخوان أنفسهم عندما وجدوا أنها تعيق وصولهم إلى السلطة.

نشر بذور الفرقة

ثم يصل إلى نقطة أخرى أسماها "تأكيد وحدة الأمة والقضاء على مظاهر الفرقة وأسبابها"؛ التاريخ يؤكد أنّ الجماعة كانت دائماً أحد أهم أسباب الفرقة، بحرصها على الحزبية والحدية وتقسيم العالم إلى فسطاطين تحت راية الحرب الأزلية بين الحق والباطل كما تراها، كان الإخوان طوال تاريخهم مع الشذوذ والفرقة، فعندما اتجهت الآمال في مصر لتحرير الوطن من الاحتلال البريطاني واستعادة استقلال الأمة، عبأ الإخوان الطاقات في اتجاه آخر أبعد، وشغلوا الناس بمعركة وهمية أكبر هي استعادة وحدة الأمة تحت راية الخلافة، ولا نعلم كيف يمكن أن تُستعاد وحدة أمة عبر جمع أمم متشظية من داخلها ينخرها الجهل والمرض والفاقة فضلاً عن كونها محتلة من غيرها؟

خرق الإخوان القاعدة التي أرساها البنا بحرمان المرأة من الانتخاب عندما أدركوا أنّها تعيق وصولهم إلى السلطة

ثم تأتي أهم فكرة حاول البنا رزعها بين أصول الإصلاح الاجتماعي المنشود، ففي آخر تلك البنود يدعو إلى "اعتبار الدولة ممثلة للفكرة وقائمة على حمايتها، ومسؤولة عن تحقيق أهدافها في المجتمع الخاص وإبلاغها إلى الناس جميعاً".

تعد هذه الدعوة أخطر الأفكار الواردة في تلك الرسالة، فهي ذاتها التي نسجت على منوالها كل حركات التطرف والإرهاب منذ نشأة الجماعة وصولاً إلى "داعش"، التي فهمت هذه الرسالة وأخلصت لها فجعلت جهدها هو في تأسيس دولة تصنع مجتمعاً خاصاً، مدعية حماية الشريعة وساعية لإكراه الناس على تصورها عنها، ثم إبلاغ الناس جميعاً أن يخضعوا لسلطان هذه الدولة.

إنها دولة الدين الواحد ونمط الحياة الواحد والفكرة الواحدة والسلطة الواحدة المطلقة، وفق رؤية الجماعة؛ فلم يكن غريباً أن يتشبث الإخوان بالسلطة في العام 2013 وهم الذين يؤمنون أنهم ينفذون موعود الله وموجبات الدين في إقامة دولة تحمي الفكرة الإخوانية.

اقرأ أيضاً: حسن البنا يصنّف الناس برؤية إخوانية

اللافت أنّ الإخوان لم يلتزموا بما كتبه البنا في هذه الرسالة عندما تعرض لاستقصاء عوامل التحلل في كيان الدولة الإسلامية؛ حيث كان يرى أنّ من أهم تلك العوامل "الخلافات السياسية والعصبية وتنازع الرياسة والجاه، والتحذير الشديد الذي جاء به الإسلام في ذلك والتزهيد في الإمارة ولفت النظر إلى هذه الناحية التي هي سوس الأمم ومحطمة الشعوب والدول".

الوفاء للتجربة العثمانية

يواصل البنا عند حديثه عن "عوامل التحلل في كيان الدولة الإسلامية" صرف الأذهان عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى انهيار الدولة العثمانية فيقول "اطمأنت الدولة الإسلامية تحت لواء العثمانيين إلى سلطانها، واستنامت إليه وغفلت عن كل ما يدور حولها، ولكن أوروبا التي اتصلت بأضواء الإسلام غرباً بالأندلس وشرقاً بالحملات الصليبية، لم تضع الفرصة ولم تغفل عن الاستفادة بهذه الدروس، فأخذت تتقوّى وتتجمع تحت لواء الفرنجة في بلاد الغال، واستطاعت بعد ذلك أن تصد تيار الغزو الإسلامي الغربي"، فيتغافل البنا عن فساد الدولة والسوس الذي كان ينخر داخلها بفعل الاستبداد الداخلي من جهة والتسلط على الإمارات العربية التي نهبها العثمانيون وأفسدوها وأفقروها من جهة أخرى.. لم يكن هذا الأمر مستغرباً، فقد كان برنامج الجماعة من نشأتها برنامجاً حزبياً عثمانياً في جوهره.

كان برنامج جماعة الإخوان المسلمين من نشأتها برنامجاً حزبياً عثمانياً في جوهره

كان البنا واعياً بأنّ هذا الخيار سيرفضه الشعب وسيعاديه؛ لأنه ليس نبتا أصيلاً لهذه الأرض؛ لذا كان صريحاً في توطين عناصره على ما سيلاقونه من مصير لم يختلف على طول العهود ملكية كانت أم جمهورية، "أحب أن أصارحكم أنّ دعوتكم لازالت مجهولة عند كثير من الناس، ويوم يعرفونها ويدركون مراميها ستلقى منهم خصومة شديدة وعداوة قاسية"، ثم يختم تلك الرسالة بالقول "أردت بهذه الكلمات أن أضع فكرتكم أمام أنظاركم، فلعل ساعات عصيبة تنتظرنا يحال فيها بيني وبينكم، فلا أستطيع أن أتحدث معكم أو أكتب أليكم فأوصيكم أن تتدبروا تلك الكلمات وأن تحفظوها إن استطعتم، وأن تجتمعوا عليها، وإنّ تحت كل كلمة لمعاني جمّة".

اقرأ أيضاً: ازدواجية الخطاب والسلوك لدى الإخوان المسلمين

حفظ الإخوان دروس مرشدهم، لكن الأهم أنّ الأمة التي ادعى محاولة إصلاحها فقهت المغزى الذي يريد جيداً، وإن عاشت فصولاً من الغفلة بفعل عمل وسلوك فريق من الناس آمن بتلك الأفكار التي خدع بها البسطاء، قبل أن يدركوا مراميها في النهاية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية