كيف سيتخلص الأسد من الوجود الإيراني فى سوريا؟

كيف سيتخلص الأسد من الوجود الإيراني فى سوريا؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
29/03/2021

ترجمة: إسماعيل حسن

يعدّ الرئيس السوري، بشار الأسد، الرئيس الوحيد من بين الزعماء العرب الذي خرج دون خدش من التظاهرات الشعبية، والتي أسقطت رؤساء قدامى، كالرئيس المصري مبارك، والليبي معمر القذافي، والتونسي بن علي، والرئيس اليمني، علي عبدالله صالح، لكنّ هذا البقاء دفع خلاله سكان سوريا ثمناً باهظاً، فقد قتل مئات الآلاف وشرد أكثر من عشرة ملايين من ديارهم، نصفهم، على الأقل، أصبحوا لاجئين خارج بلدهم.

لقد فهم الأسد أنّ إيران أصبحت عبئاً عليه يتعين التخلّص منه، مع إدراك أنّه من أجل الوصول إلى العالم، يجب أن يمرّ عبر إسرائيل

 والأسد نفسه، الذي ذبح مواطنيه بلا رحمة، اضطر أن يلجأ إلى إيران، كي ينجو من غضب شعبه، فقد بدأت الأحداث قبل عشر سنوات بإلهام من التطورات في تونس ومصر، وخرجت في آذار (مارس) 2011، جماعات من المواطنين إلى شوارع المدن السورية دون هوية محددة وزعامة موحّدة، تطالب بإسقاط النظام ومنح مزيد من الحرية والحقوق للشعب، وقمع النظام فى الأثناء هذه المظاهرات بعنف شديد، لكن، بعد سنتين، سيطر النظام السوري على الاحتجاجات التي تلقّت دعمها من الخارج، ودخلت منظمات سنّية معتدلة، بدعم من مصادر في الخارج، ممن شخصوا الفرصة لإسقاط الأسد، ابن الطائفة العلوية، من الحكم، وهي التي يبلغ عددها بالإجمال نحو 10 في المئة فقط من سكان سوريا، وبدؤوا يشعلون النار في أرجاء الدولة، ومقابل ذلك لاحظت إيران خطر سقوط حليفها في دمشق، وانهيار الجسر البرّي الذي يربطها عبر العراق وسوريا لحزب الله فى لبنان، فأمرت آلاف المقاتلين من حزب الله بالدخول لمساعدة الأسد، وتحولت المظاهرات المحلية إلى حرب أهلية مضرجة بالدماء، ونجح داعش، الأكثر تطرفاً وإجراماً من بين التنظيمات، في السيطرة على أجزاء واسعة من أراضي سوريا، وسارع نشطاء حزب الله والحرس الثوري الإيراني للقتال مع النظام السوري، وأصبحت سوريا ساحة قتال متعددة المشاركين، وانضمّت إليها أطراف محلية، كالأكراد، وأخرى خارجية من تركيا.

أصبحت إيران مشكلة الأسد

لقد جلب الأسد الإيرانيين لحلّ مشكلة تنظيم الدولة والحرب الأهلية، لكن بعد انتهاء التنظيم أصبحت إيران هي مشكلة الأسد الكبرى، والحلّ يكمن في إخراجها، ومع بداية العام 2015، عندما رأى بوتين انعدام رغبة التدخل الغربي فيما يجري في سوريا، والردّ على اتّهامات أوباما للأسد، باستخدام السلاح الكيميائي ضدّ أبناء شعبه، بدأت روسيا دخولها، وبنت بذلك معقلاً إستراتيجياً لسنوات طويلة، وقلب دخول سلاح الجو الروسيّ والقوات الخاصة الروسية إلى سوريا، إلى جانب إيران وحزب الله والميليشيات المؤيدة لإيران، الأمور رأساً على عقب، فهُزم داعش، وبدأ الإيرانيون يملؤون الفراغ الذي نشأ في سوريا، بالسيطرة على مجالات عمل مختلفة وبالحضور في الميدان؛ حيث ساعد التدخل الروسي وهزيمة التنظيم في تعميق الدور الإيراني في سوريا.

إسرائيل، من جهتها، قرّرت عدم التدخل في الحرب الأهلية منذ بداية الأحداث في سوريا، إلا في الحالات التي ينشأ فيها تهديد على أمنها، مثل تموضع مجال معادٍ على الحدود في هضبة الجولان، وبهذه الروح نشأت علاقات دعم ومساعدة مختلفة للثوار المعتدلين الذين سيطروا على منطقة الحدود، وهاجمت إسرائيل العديد من الأهداف التي حاولت التقدم نحو الحدود مع إسرائيل، خاصّة من قبل إيران، ورغم الهجمات الإسرائيلية المكثفة على سوريا، إلا أنّ إيران تواصل تعميق سيطرتها في سوريا، ولا تبدي نية للانسحاب من هناك، فنشطاء حزب الله، الذين قد دخلوا كمستشارين في كلّ صفوف الجيش السوري، يواصلون دعم مخازن الجيش السوري بالسلاح، وما تزال إيران، هي الأخرى، تزوّد سوريا بإرساليات من النفط؛ لذلك بات طرد الوجود الإيراني من سوريا، وقطع العلاقة بين طهران ودمشق في هذه اللحظة، مهمة صعبة للغاية، ربما خطوة غير واردة، لا سيما عند الحديث عن الوسائل العسكرية فقط، لكن ينبغي أن نتذكّر أنّ الروس غير متحمّسين، على أقلّ تقدير، من التواجد الإيراني، وكذا النظام السوريّ الذي تحوّل إلى رهينة لدى خامنئي، وباتت سوريا، التي لم تنتعش بعد من الحرب الأهلية، في حاجة ماسة إلى إعادة البناء بالمليارات، ووحده الغرب استعدّ لمساعدتها في إعادة الإعمار، لكن مقابل إبعاد الإيرانيين عنها.

كلّ ما يريده الإيرانيون

 إنّ كلّ ما يريده الإيرانيون بناء قاعدة أمامية ضدّ إسرائيل، وبدؤوا بالتعامل مع سوريا على أنّها ساحتهم الخلفية، وتتطلع إيران من خلال تواجدها داخل سوريا، لتطوير قدرة توجيه ضربة نوعية إلى جبهة إسرائيل الداخلية المدنية والعسكرية، وذلك من المسافة القريبة لإسرائيل، ورداً على ذلك شرعت إسرائيل بسلسلة هجمات موضعية في سوريا ومجالات أخرى، وتكيفت إيران وحزب الله مع الهجمات، وغيرتا طريقة تسليح حزب الله بسلاح دقيق، وذلك بتحويله إلى الأراضي اللبنانية، بدلاً من نقله عبر سوريا، وأصبح حزب الله اليوم يحوز مئات الصواريخ الدقيقة، ويواصل مساعيه للإنتاج والتحويل، وفي ظلّ التمسّك الإيراني بالوجود في سوريا، باتت روسيا منزعجة من هذا الوجود، حتى إنّ روسيا لا ترغب لأيّ وجود، سواء تركي أو أمريكي في سوريا، بل تسعى لأن تكون حصرية هناك، وهذا أمر مدهش أن نرى مدى تطابق المصالح الروسية مع المصلحة الإسرائيلية؛ حيث إنّ المصالح تقوم على إخراج إيران من سوريا ومنع حزب الله من تسليح نفسه بأسلحة متطورة، وتقييد حرّيته في العمل داخل لبنان وسوريا، وفي الوقت ذاته؛ فإنّ إمكانية مغادرة إيران لسوريا، مجرّد أحلام لن تتحقق بنظر الإسرائيليين.

تحدّثت تقارير عسكري إسرائيلية عن أنّ الأسد لن يوافق على المدى الطويل على الاشتباكات التي يولدها الإيرانيون وحزب الله في جنوب سوريا، وسيحاول تقليصها بطرق هادئة لاستعادة السيطرة عليها، وكانت الخطوة الأهم بتحريك قواته جنوباً، مما يكشف أنّه يشعر بالعجز والضعف في مواجهة الهجمات الإسرائيلية التي قد يتمّ تسريعها على المدى الطويل، لتهدئة المنطقة وتهيئة الاستقرار للنظام السوري؛ فالأسد يسيطر على ثلثَي مساحة الدولة السورية، بمساعدة حزب الله وإيران والروس، وبات مديناً لهم، لكنّه، في الوقت ذاته، تخلّى فعلياً عن السيطرة على الحدود البرية والبحرية، والتي تخضع لسيطرة جهات أجنبية، ورغم ذلك؛ فإنّ سيطرة الأسد على بقية سوريا تسمح له بالبقاء لفترة طويلة، حيث تمّ إنشاء مناطق نفوذ بحكم الأمر الواقع، مع استقرار نسبيّ دون وجود حلّ للأزمة القائمة، والروس يتمتعون بمكانة القوة التي تحكم الشرق الأوسط، وإسرائيل تحصل على الضوء الأخضر لقصف الأهداف الإيرانية على الأراضي السورية، والأسد يراقب المؤسسة الإيرانية في سوريا، التي تتلقى ضربات من السماء بشكل متكرّر، وكلّ ذلك يتمّ من أجل تضييق خطوات إيران في سوريا.

واقع الفوضى العارمة

 في المقابل؛ أجرى قادة إسرائيليون مباحثات مكثفة للتعرّف على واقع الفوضى العارمة في قيادة المنطقة الشمالية العليا، وحاول قادة الجيش الإسرائيليّ تنظيم المنطقة، كي يساعد، من بين أمور أخرى، في تدفّق المعلومات الاستخباراتية، لكن ما يثير استياء إسرائيل؛ أنّ حزب الله يخوض عملية إعادة تأهيل للجيش السوري بشكل أساسي، من خلال هيئة تسمى "القيادة الجنوبية"، تساعد السوريين على التعافي وجلب مواردها لهذا الغرض، والخوف الإسرائيلي هو من محاولة حزب الله فتح جبهة أخرى ضدّ إسرائيل على الحدود السورية، دون إغفال أنّ هناك توتراً كبيراً عبر الحدود بين روسيا وإيران، وكلّ منهما معنيّة بتعزيز نفوذه وتعزيز مصالحه في سوريا، فالاستقرار الذي يبحث عنه الأسد في سوريا غير مضمون لفترة طويلة، وليس هناك شكّ في أنّ سوريا بأكملها والمنطقة القريبة من الحدود، ستظلّ منطقة غير مستقرة ومنكوبة لسنوات طويلة.

لقد فهم الأسد أنّ إيران أصبحت عبئاً عليه، تجعله يرغب في التخلّص منها، مع إدراك أنّه من أجل الوصول إلى العالم، يجب أن يمرّ عبر إسرائيل، وربما يكون هذا هو سبب الاتصالات بين الدولتين مؤخراً، وأصبحت إيران تعاني من جودها داخل سوريا، لكنّها عصيّة على تركها، فإسرائيل استفادت كثيراً من الوجود الروسي هناك؛ لأنّ فلاديمير بوتين، الداعم القوي لنظام الأسد يتوسط بين إسرائيل والنظام السوري، ويسمح للطائرات الإسرائيلية بالدخول إلى أجواء سوريا وتنفيذ هجمات ضدّ إيران، واستمرارية هذه الهجمات تأتي لعدة أهداف رئيسة بالنسبة لإسرائيل، وهي؛ منع إقامة جبهة عسكرية جديدة على حدود الجولان، والحيلولة دون الوجود العسكريّ الإيرانيّ في سوريا، وحرمان حزب الله والقوات الإيرانية في سوريا من حيازة أسلحة هجومية بعيدة المدى، ووفق المعلومات الإسرائيلية المتاحة؛ فإنّ بشار الأسد يراوح مكانه بين الرغبة في العودة للإيرانيين لمساعدته المستمرة في الحرب لتثبيت نظامه، والرغبة في إعادة السلام لما تبقى من الدولة السورية المفككة، ويريد الروس كسب أكبر قدر ممكن من المال، والسيطرة والتأثير حتى يتمكّنوا من المناورة بين الطرفين.

مسح أمنيّ استخباريّ

 ومن أجل فهم أكثر لهذه المعادلة، يمكن لإسرائيل القيام بمسح أمنيّ استخباريّ لمحاور الحركة الجوية والبرية والحيوية، بين طهران ودمشق وبيروت، لا يريد الأسد أن يخسر جنوب سوريا، لكنّه، في الوقت ذاته، منزعج من الجهود التي يبذلها الإيرانيون وحزب الله للاستيلاء على المواقع العسكرية في هذه المنطقة، والإسرائيليون لا ينسون الدعوة التى وجهها قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، قبل اغتياله إلى مقاتليه، بالاندماج في المواقع الأمامية للجيش السوري القائمة في جنوب سوريا، لإنشاء مستودعات أسلحة ومواقع لجمع المعلومات الاستخباراتية، وخطط عملياتية تخدم المصالح الإيرانية، مثل الهجمات المسلحة والمناورات الواسعة، وهكذا وحّدت جهات من لبنان وإيران وسوريا قواها العسكرية، واستخدمت الأموال الإيرانية لنسخ التهديدات من جنوب لبنان إلى سوريا، ضباط بارزون في حزب الله يديرون معاً نشاطاً لوجستياً واسع النطاق بالتزامن مع رغبة الإيرانيين بالسيطرة على جنوب سوريا، لإنشاء قواعد من شأنها الضغط بشكل كبير على إسرائيل كي لا تهاجم إيران في المستقبل، الأمر الذي يعني استنزاف الجيش الإسرائيلي في الحدود السورية دون دفع ثمن في لبنان، لكنّ الضربات الإسرائيلية نجحت في الحدّ من قدرات الإيرانيين في سوريا، ومنعهم من تركيز خطوط دفاع ناجعة لمجابهة القصف الإسرائيلي، كما نجحت فى تدمير المنظومة الصاروخية "أرض جو" الإيرانية، التي تراها إسرائيل نسخة إلى حدّ ما من منظومة "إس 300" الروسية، وبعد كلّ هذه الضربات، والتي ما تزال متواصلة، أصبح الوضع في سوريا يصبّ في مصلحة إسرائيل، ففي ظلّ الظروف الحالية بدأت تتشكّل ملامح محور ثلاثي، يضمّ موسكو ودمشق وتل أبيب، وأصبحت قضية التواجد الإيراني في سوريا ودفعها إلى سحب قواتها ومليشياتها، أو التخفيض في عدد عناصرها، جزءاً من المفاوضات العالمية مع طهران.

 مصدر الترجمة عن العبرية:

https://www.israelhayom.co.il/article/860597



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية