لماذا يبدو الحوثيون غير متحمسين للشق السياسي من نموذج "حزب الله"؟

الحوثيون وحزب الله

لماذا يبدو الحوثيون غير متحمسين للشق السياسي من نموذج "حزب الله"؟


19/09/2018

هل في وارد الاحتمالات أن تنتهي الحرب في اليمن بظهور "حزب الله" آخر جنوبي تدعمه إيران في شبه الجزيرة العربية؟ الإستراتيجيون الأمريكيون يؤكدون أنّ المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة تقتضي ألا ينتهي أي اتفاق سلام للأزمة اليمنية برعاية الأمم المتحدة إلى خط ساحلي على البحر الأحمر خاضع لسيطرة مليشيا الحوثيين، أو رحلات جوية مباشرة غير خاضعة للتفتيش تهبط في المناطق الحوثية. ويبقى السؤال الأهم هنا عما إذا كانت البيئة الإقليمية والدولية قابلة، في حال امتداد الحرب اليمنية، لأنْ تتسامح مع هكذا سيناريو أم لا؟

مشروع لتشكيل "حزب الله"؟

مما لا شك فيه أنّ سيناريو كهذا مرفوض في شكل مطلق من قبل "التحالف العربي" الداعم للحكومة الشرعية في اليمن، بقيادة المملكة العربية السعودية. فخلال كلمة له في تموز (يوليو) الماضي أمام مؤسسة "بوليسي إكستشينج" في لندن، قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، "إن ما يحدث في اليمن مشروع لتشكيل حزب الله آخر"، كما أعرب عن أمله "بنجاح الجهود الأمريكية في تغيير سلوك إيران".

اقرأ أيضاً: الحوثيون.. مفتاح التغلغل الإيراني في اليمن

الباحث الإستراتيجي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، مايكل نايتس، ناقش في تحليل نشرته صحيفة  "ذا هيل"  الأمريكية في الثاني عشر من الشهر الجاري فرضية أن تنتهي الحرب في اليمن وقد نشأت هناك نسخة أخرى عن "حزب الله". وهو يقول في هذا الصدد إنه على الرغم من فظاعة الحرب اليمنية، فإنّ من المهم للغاية ألا يغضّ صانعو السياسات والمشرّعون الأمريكيون النظر عن الحصيلة الإستراتيجية التي كانت الحرب تهدف إلى تجنبها - وهي تحديداً نشوء "حزب الله جنوبي" تموّله إيران في شبه الجزيرة العربية، ويحيط بمضيق باب المندب وقناة السويس، ويشكل تهديداً صاروخياً جديداً على السعودية.

الأمم المتحدة :الحوثيون يستخدمون صواريخ بالستية وطائرات من دون طيار زوّدتهم بها إيران

ويوضّح نايتس أنّ الزيادة الحادة في القوة العسكرية للحوثيين وطموحاتهم، لم تأتِ نتيجة استيلائهم على ترسانة الدولة اليمنية من السلاح في أعقاب "الربيع العربي" عام 2011 فحسب؛ بل أيضاً في أعقاب زيادة المساعدات العسكرية من إيران و"حزب الله" اللبناني. ويقول نايتس إنّ الحوثيين انتقلوا في أقل من خمسة أعوام، من شن غارات على نمط حرب العصابات في محافظاتهم الجبلية إلى القيام بهجمات طويلة المدى تصل إلى 180 ميلاً، واستهداف العاصمة السعودية (الرياض) بصواريخ بالستية متوسطة المدى إيرانية الصنع. ويؤكد نايتس "لم يفعلوا ذلك بمفردهم: هم مقاتلون جيدون، ولكنهم ليسوا

المصالح الأمريكية تقتضي ألا ينتهي اتفاق السلام إلى خط ساحلي على البحر الأحمر خاضع لسيطرة الحوثيين

بارعين إلى هذا الحد. وإذا ما تعاظم مستوى النفوذ الإيراني على الحركة الحوثية خلال الأعوام المقبلة فقد يعني تمكّن طهران من إرسال الأسلحة للحركة سراً عبر ساحل البحر الأحمر الخاضع لسيطرة الحوثيين أو عبر وسائل نقل جوية غير مراقبة".

وفي هذا السياق ذكرت الأمم المتحدة أن الحوثيين يستخدمون صواريخ بالستية وطائرات من دون طيار زوّدتهم بها إيران؛ وتستمر التحقيقات للتثبت من أن إيران قد زوّدتهم أيضاً بأسلحة مضادة للسفن وصواريخ أرض-جو. وإذا تم تخفيف الحظر الدولي المفروض على الأسلحة، ستتمكّن إيران من توفير عدد من الصواريخ البالستية الكافية لأعوام، والقادرة على ضرب الرياض بواسطة بضع شحنات بحرية تمر عبر أيّ من موانئ البحر الأحمر الثلاثة التي تخضع حالياً لسيطرة الحوثيين، حسب ما يقول نايتس، الذي يخلص إلى أن المصالح الإستراتيجية الأمريكية تقتضي ألا ينتهي أي اتفاق سلام برعاية الأمم المتحدة إلى خط ساحلي على البحر الأحمر خاضع لسيطرة الحوثيين، أو رحلات جوية مباشرة غير خاضعة للتفتيش تهبط في المناطق الحوثية.

اقرأ أيضاً: ضابط برتبة عميد ينشقّ عن الحوثيين... من هو؟!

ويشدد الباحث الأمريكي على أنه ينبغي للولايات المتحدة أن تلتزم بتقديم الدعم غير المحدود للاعتراض البحري لشحنات الأسلحة الإيرانية إلى اليمن، على غرار الأسلحة التي اعترضتها المدمّرة التابعة للبحرية الأمريكية في 28 آب (أغسطس) الماضي.

منع ابتزاز دول الخليج

مثل هذا النقاش يعيدنا إلى البداية التي جاءت على أساسها استجابة دولة الإمارات القوية والسريعة والفاعلة لتشكيل التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية، من أجل منع ميليشيا الحوثيين من السيطرة على السلطة في اليمن وتهديد جنوب الجزيرة العربية، ومن أجل العمل على قطع الطريق على إيران من أن يكون لها في اليمن رأس حربة يمكّنها من السيطرة على باب المندب.

اقرأ أيضاً: غريفيث في صنعاء مجدداً.. هل يستأنف الحوثيون الحوار؟

وقد كان التحالف على إدراك كافٍ، كما ورد على لسان العديد من المسؤولين فيه، بأنّ وجود البحرية الإيرانية والمدمرات الإيرانية بالقرب من مدخل قناة السويس، وهي أهم ممر مائي في العالم، يعني تهديد خطوط التجارة العالمية. وتداعيات ذلك تتمثل في "ابتزاز دول الخليج ووقوعها رهينة القرار الإيراني"؛ إذ إنّ باب المندب يمرر ملايين من براميل النفط، وأضعافها تمر عبر مضيق هرمز يومياً، وفي قناة السويس ثمة مئات البواخر لطرق التجارة العالمية التي تمر بها، وفي هكذا وضعية "يصبح النظام الإيراني هو المسيطر، وبالتالي ستكون السعودية ودول الخليج رهينة الابتزاز والقرار الإيراني على المستوى الإقليمي".

صعوبات أمام الحوثيين

الحوثيون من طرفهم يسعون إلى إعادة تشكيل وجودهم المستقبلي في اليمن على غرار نموذج "حزب الله" في لبنان، مع إجراء تحويرات أساسية على النموذج تستجيب لمعطيات الحرب الراهنة؛ حيث يعمل الحوثيون على تكريس سلطتهم الفعلية في "إقليم شمالي" يشمل مناطق سيطرتهم الحالية، وذلك في إطار دولة اتحادية لا تمتلك فيها السلطة الاتحادية صلاحيات حقيقية ومؤثرة تجاه الإقليم، بينما يتدبر "الإقليم الجنوبي" شؤونه بنفسه.

كان التحالف يدرك بأنّ وجود البحرية الإيرانية بالقرب من مدخل قناة السويس يعني تهديد خطوط التجارة العالمية

مؤخراً، شنّتْ حكومة الشرعية اليمنية هجوماً لاذعاً على الأمم المتحدة، بعد توقيع مكتب المنظمة الدولية للشؤون الإنسانية في اليمن "اتفاقاً" مع جماعة الحوثيين ليل السبت لإنشاء "جسر جوي"، من أجل نقل جرحى ميليشياتهم إلى الخارج، وفق ما ذكرت صحيفة "الحياة" أول من أمس (الإثنين)، وعلى الأغلب أنّ مثل هذه الأمور تداعب أحلام الحوثيين بأن يقترن وجودهم المليشوي بقبول إقليمي ومباركة دولية تشمل احتفاظهم بالسلاح الثقيل الذي يرفضون تقديم تنازلات جوهرية بخصوصه، باعتباره أحد أهم مقومات تأسيس النموذج الحوثي على غرار "حزب الله" اللبناني. وعند هذه النقطة تحديداً، تظهر إحدى أهم صعوبات إعادة تأسيس الوجود الحوثي على غرار نموذج "حزب الله" عبر عملية تفاوض سياسي وبموافقة إقليمية، وخصوصاً أن حجة الحوثيين الأساسية للاحتفاظ بالسلاح الثقيل تصبح واهية للغاية عند ذلك؛ فحزب الله يزعم أن وظيفة سلاحه هو حماية لبنان من دولة لا تزال العلاقة بها رسمياً علاقة حرب (إسرائيل)، أما العلاقات السعودية-اليمنية فلا تُبرر مطلقاً بقاء السلاح في يد جماعةٍ ما بعد إبرام اتفاق سياسي.

تجربته زادت من تفسّخ المجتمع اللبناني

العسكري والسياسي في تجربة "حزب الله"

وبما أن الإقليم، ومعه قوى يمنية داخلية، يرفضان ترتيبات سياسية من النوع الذي يؤدي إلى وجود الحوثيين كدولة داخل الدولة، أو كقوة تحتفظ بسلاحها الثقيل وتفرض توازنات عسكرية نسبية على الداخل والإقليم، فإنّ طريق الحوثيين لفرض نموذج "حزب الله" ذلك يمر عبر مواصلة القتال، وتصعيد التهديد الإقليمي، وتعزيز السيطرة على ما تحت أيديهم من مناطق. لهذا الاعتبار يبدو الحوثيون في الوقت الراهن مَشدودين إلى الشق العسكري من نموذج "حزب الله" أكثر من شقِّه السياسي؛ فرغم إعجابهم بالأداء السياسي لـ "حزب الله"، فإن زعيمهم عبد الملك الحوثي عادةً ما يقصر إشادته بنموذج "حزب الله" على الجانب العسكري فحسب، فيصف حزب الله "بالنموذج المعاصر الأرقى في ميدان القتال وساحة النزال"، من دون الإشارة إلى نقل تجربته السياسية إلى اليمن.

اقرأ أيضاً: ميليشيا الحوثي تتأهّب لخسارة الحديدة

وعلى الرغم من أنّ اختطاف "حزب الله" للدولة في لبنان تحت تهديد السلاح وسطوته، ومن أنّ تجربته زادت من تفسّخ المجتمع اللبناني؛ بسبب فشل تجربة الحزب السياسية في تحفيز التنمية أوتحسين العلاقات مع المحيط العربي بسبب ضرب الحزب سياسة "النأي بالنفس"، فإنّ الحوثيين يدركون أن مشروعهم السياسي لا يقوم على قاعدة شعبية طائفية متماسكة كتلك التي يمتلكها "حزب الله" في الجنوب اللبناني أو في الضاحية الجنوبية، لذلك فإنّ الأفضل لهم هو الإبقاء على وضع السيطرة السلطوية الأحادية على مناطق الشمال اليمني أو الجزء الأكبر منها، بالتوازي مع القيام بسلسلة من الإجراءات الثقافية والتعليمية والاجتماعية الهادفة إلى تطويع البيئة الاجتماعية في مناطق سيطرتهم وإخضاعها وجعلها حاضنة قابلة للاستمرار، ومُعزِّزة لحضورهم السياسي مستقبلاً.

اقرأ أيضاً: بهذه الطريقة تهرّب إيران الأسلحة لحزب الله اللبناني

وبناءً على جميع تلك المعطيات، فإنّ الحوثيين أقل حماسة للشق السياسي من نموذج "حزب الله"، أقله حتى تتحقق لهم شروطُ هيمنة سياسية مفروضة عمودياً، إما بفعل تسوية سياسية مختلّة، أو نتيجة إخفاق عسكري يصيب التحالف العربي، وهو ما لا يبدو سيناريو مرجّحاً، في ظل حقيقة أن ميزان القوى عسكرياً واستخباراتياً ومالياً وسياسياً يلعب لصالح التحالف العربي، فضلاً عن أن الجانبين؛ الأمريكي والأوروبي مصرّان على ديمومة دعمهم للتحالف العربي في مساعيه لإنتاج حلول سياسية للأزمة اليمنية لا يكون من بينها انتصار "القاعدة" في اليمن، أو بقاء الحوثيين كمليشيا تهدد أمن البحر الأحمر، أو تساند المشروع الإيراني في المنطقة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية