لماذا يستهدف تنظيم داعش أقباط مصر؟

لماذا يستهدف تنظيم داعش أقباط مصر؟


28/08/2018

يتردّد هذا السؤال كلما تكرّر حادث مستهدفاً الأقباط في مصر سواء في تجمعاتهم أو كنائسهم أو أعيادهم، بطبيعة الحال يبرز في هذا السياق تناول مغرض يطرح المشكلة باعتبارها تعكس تطرفاً في ثقافة المجتمع وضعفاً في أعراف المواطنة في مصر.

ولقد لفتني تغطية بعض المواقع الإخبارية للحادث الأخير، الذي استهدف كنيسة العذراء في مسطرد في مصر يوم السبت 11 آب (أغسطس) الحالي، وتم إجهاضه بفعل يقظة قوات الأمن التي احتاطت للأمر بعمل أسيجة أمنية صعّبت مهمة الانتحاري الذي أقدم على تفجير نفسه يأساً من الوصول لهدفه.

يبرز تناول مغرض يعتبر استهداف الأقباط تطرفاً في ثقافة المجتمع وضعفاً بأعراف المواطنة في مصر

حرصت بعض تلك المواقع على التعرض للحادث باعتباره يأتي في سياق زمني طويل، شهد حوادث متكررة ضد الأقباط؛ حيث عُرض الأمر مشفوعاً بـ"انفوغراف" زمني يستعرض هذا النوع من الحوادث منذ السبعينيات، انطلاقاً من "حادث الخانكة" العام 1972 في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، الذي ارتكب حينها خطيئة سياسية حين تدثّر بطوائف الإسلاميين في مواجهة المعارضة المصرية، وبالتالي فتح المجال لتلك التيارات لأن تبشّر بأفكارها عبر عناصر متطرفة، نشطت في الساحة المصرية منذ هذا التاريخ، وقد بدت تلك الممارسات منذ البداية معزولة عن ثقافة المجتمع السائدة وقيمه الراسخة، التي أكدت التعايش بين أبناء الوطن الواحد، الذي عكست اختياراته الحضارية مدى حرصه على ترسيخ ثقافة الاندماج الوطني.

اقرأ أيضاً: الأقباط يزفّون رفات أبنائهم في مطار القاهرة

قد يكون الشعب المصري استثناء من مجتمعات كثيرة في المنطقة تعاني من مشكلة الخلافات الإثنية أو القبلية أو الدينية؛ حيث عُرف المصري منذ القدم بالتسامح الديني والاجتماعي، ومن ثم بقيت تلك النزعات تعكس سلوك فئة غريبة تشرّبت أفكاراً أكثر غرابة، تستبطن تصوراً مغلقاً للكون عماده الحدية بين إيمان وكفر، أبيض وأسود، وتريد إخضاع الجميع لتصوّرها المعتلّ .

ارتكب السادات خطيئة سياسية حين تدثّر بطوائف الإسلاميين في مواجهة المعارضة المصرية

لكن، يجب أن نفرّق جيداً بين الحوادث التي تعرّض لها الأقباط في مصر منذ السبعينيات، والتي تجري اليوم؛ ففي تلك الحوادث التي جرت في العام 1972، كنا أمام توتّر بين طرفين من منطقة واحدة تصادف أنّهما؛ مسلم ومسيحي، وتدخّلت عوامل متعددة في تأجيج الأزمة في منطقة مكتظّة بالسكان، تحكمها أخلاقيات الزحام أكثر مما تحكمها الدوافع الدينية أو الطائفية، لكن العديد من الأطراف كان يهمّها أن تأخذ تلك الحوادث هذا المنحى، سواء في هذه الحادثة أو حادثة أخرى مماثلة جرت في الزاوية الحمراء في العام 1981، أشار البعض إليها باعتبارها فتنة طائفية، ولم يكن هذا صحيحا أيضاً بطبيعة الحال؛ فلم تكن المنطقة التي جرت فيها الحوادث بعيدة عن تأثير تلك الجماعات المتطرفة التي أغراها الهامش والدور الذي أتاحه لها السادات بمزيد من التطرّف والعلوّ والفساد، كانت تلك الجماعات التي تقبع في خلفية المشهد حريصة على تأجيج أي صراع اجتماعي وإكسابه هذا البعد، وجعله معركة دينية بين المسلمين والأقباط؛ ففي مثل تلك الأجواء تزدهر مقولات تلك التنظيمات وليس أفضل من معركة كتلك لتعبئة المجتمع في مواجهة النظام السياسي والدولة.

اقرأ أيضاً: الأقباط والتوازن الصعب.. من عبد الناصر إلى السيسي

تكرّرت لا شك حوادث فردية تجاه الأقباط كان يقف وراءها دوماً جماعات التطرف أو بعض عناصرها، في سياق سردية يؤمن بها أعضاء تلك الجماعات، تقول إنّ الدولة لها دين هو الإسلام وأنّ هؤلاء الأقباط إما أن يدخلوا في الإسلام أو يدفعوا الجزية وهم صاغرون، وكلما شعرت تلك الجماعات بشيء من القوة استعرضت تلك القوة إما في مواجهة الدولة ومؤسساتها كالشرطة والقضاء، أو الأقباط.. كان ذلك هو الحال في الحوادث التي سبقت ثورة 25 يناير.

يجب التفريق جيداً بين الحوادث التي تعرّض لها الأقباط في مصر منذ السبعينيات والتي تجري اليوم

لكن سياق الأحداث ودوافعها بعد الثورة بدا مختلفاً، خصوصا بعد "ثورة 30 يونيو" 2013 التي وضعت حداً لطموحات هذه الجماعات في وراثة الحكم في مصر، على أنقاض حكم الإخوان الذي اعتبرته تلك الجماعات مرحلة ممهِّدة لاستلامهم حكم أهم البلاد العربية.

بقيت الساحة المصرية هادئة منذ لحظة وصول الإخوان للحكم فيما بدا أنّه اتفاق ضمني بين تلك الجماعات، سواء الإخوان أو غيرهم، وانطلقت عجلة العنف فور سقوط الإخوان، ويمكننا هنا أن نقول باطمئنان إنّ استهداف الأقباط بعد سقوط الجماعة كان في إطار سعي ممنهج لدى "داعش" والإخوان للدفع باتجاه فوضى، تعيد الدولة إلى مربع ما يسمى بالثورة التي لا تعني سوى الفوضى العارمة، التي لا تتيح سوى لتلك القوى أن تفرض منطقها الخاص على الأحداث.

اقرأ أيضاً: أقباط مصر يحتفلون بعيد الميلاد المجيد

لا يزعج الإخوان أو "داعش" شيء مثل حالة الاندماج القومي تحت راية المواطنة في دولة مدنية، لذا كان استهداف الأقباط سواء في ليبيا بإعدام 21 مصرياً قبطياً، أو تفجير الكنيسة البطرسية في أيلول (ديسمبر) 2016، أو قتل سبعة أقباط في العريش في شباط (فبراير) 2017، أو الهجومان المتزامنان في نيسان (أبريل) من العام 2017 اللذان استهدفا كنيسة مار جرجس في طنطا ومحيط الكاتدرائية المرقسية بالإسكندرية، أو الهجوم على حافلة تقل مسيحيين في المنيا وسط مصر في أيار (مايو) 2017، ثم قتل خمسة في هجوم على كنيسة بضاحية حلوان، قبل الحادث الأخير الذي حاول استهداف كنيسة بمسطرد ومولد للسيدة العذراء يمتد من 7 آب (أغسطس) وحتى 21 من هذا الشهر.

تكرّرت سابقاً حوادث فردية تجاه الأقباط كان يقف وراءها دوماً جماعات التطرف أو بعض عناصرها

الحوادث الأخيرة منذ العام 2016 أعلن المسؤولية عنها تنظيم "داعش"، الذي خسر دولة الخلافة المزعومة في سوريا والعراق وعاد من جديد لما يسميه شوكة النكاية والإنهاك.

لكنه في استهداف الأقباط في مصر وبعد اندحاره في سوريا والعراق وما يسمى بولايات التنظيم خصوصاً في سيناء، لم يعد يراهن منذ العام 2016 سوى على محاولة إنتاج الفوضى في مصر، وفتح ثغرة في هذا السياج القوى، الذي يجسّده الاندماج القومي للمصريين على اختلاف دياناتهم وخلفياتهم الثقافية، وهم يتشاركون هوية واحدة هي المواطنة المصرية الجامعة، التي يبقى تحطيمها أو إضعافها هدف "داعش" وباعثه الحقيقي من كل العمليات التي يلجأ لها في مواجهتهم.

ولا يغيب عن المراقب أيضاً أنّ مصر استعصت على كل سيناريوهات الفوضى التي أُعدت لها من قبل جهات مشبوهة، دعمت هذا المنحى داخل تلك التنظيمات، متصورةً أنّ هذا الأمر هو الحلقة الأضعف بعد فشل كسر معنويات أو قدرات الجيش والشرطة المصرية .


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية