ما الأساليب الإسرائيلية الجديدة لمواجهة إيران؟

ما الأساليب الإسرائيلية الجديدة لمواجهة إيران؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
11/12/2019

ترجمة: إسماعيل حسن


رغم أنّ إسرائيل تبقى دائماً قائمة على حالة الردع فيما يتعلق بالتهديدات الأمنية ما دون حالة الحرب، إلا أنّ الجبهات المحيطة بها، في غزة ولبنان وسوريا، رخوة ومتقلبة للغاية، ما يعني إمكانية تدهور الأمور بشكل سريع في أي وقت، وتحوّلها إلى مواجهة ومن ثمّ إلى حالة حرب على أكثر من جبهة في وقت واحد.

اقرأ أيضاً: الإسرائيليون لا يريدون نتنياهو: هل اقتربت النهاية؟
ويسمّى هذا الاحتمال بالنسبة إلى قيادة الجيش العسكرية "السيناريو الأسوأ"، الذي من الممكن حصوله في أيّ وقت، والذي يتوجب فيه على تل أبيب أن تكون مستعدة له، خاصّة أنّ التدرج المتسلسل لها يبدأ من البرنامج النووي الإيراني، ونقله إلى حزب الله في الشمال، ومن ثم نقل بقية الأنشطة إلى العناصر في الجنوب، ويقصد بها حماس وغيرها في قطاع غزة، التي تعدّ من أكثر المناطق الساخنة التي ستخرج منها شرارة المواجهة، في ظلّ إمكانية قرب حدوث تصعيد مرتقب دوناً عن باقي الجبهات الأخرى.

هناك تقديرات إسرائيلية تقول إنّه في حال وقعت حرب على الجبهة الشمالية، ستتعرض إسرائيل يومياً لحوالي 1000 صاروخ

وزير الدفاع، نفتالي بينت، قدم خطة تتناسب مع التهديد المتواصل لبنيامين نتنياهو، تهدف إلى تقليص الوجود الإيراني في المنطقة، وذلك بضرب قواعد إيران في سوريا وتحميل سوريا مسؤولية الوضع؛ حيث وضع بينت، بعد أسابيع على تعيينيه كوزير للدفاع، الملف الإيراني على رأس أولويات المؤسستين؛ العسكرية والسياسية، بينما تقوم الخطة في مضمونها على إجبار طهران على ترك مواقعها في سوريا وغرب العراق، بعد توصلها إلى قناعة بأنّ تموضعها غير مجدٍ لها، وجاءت المرحلة الأولى من خطة بينت، التي وضع فيها تكثيف القصف على المواقع الإيرانية في سوريا والعراق والجبهات الموالية لها من دون أي توقف، لكنّ الخطة تمّ تقديمها خلال مداولات أجراها مع كبار رجال جهاز الأمن، وحدث خلالها خلاف حول تبعيات الخطة التي عارضتها جهات أمنية وعسكرية، تتناقض مع معظم مواقف قيادة الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك موقف رئيس الأركان، أفيف كوخافي، ورئيس شعبة الاستخبارات، تمير هايمن، وبالنسبة إلى الوزير بينت؛ فهو على قناعة بأنّ سلاح الجو الإسرائيلي قادر على تنفيذ خطته حتى تصل إيران إلى وضع ترى في بقائها في سوريا دماراً لها، وهذا الموقف لا يدعمه القادة العسكريون الذين على قناعة بأنّ بوسع إسرائيل فقط، أن تصدّ الجهود الإيرانية في استمرار التموضع وتعزيز مكانتها وقدراتها العسكرية، من خلال استمرار القصف على مواقع لإيران، كما تفعل حتى الآن، وهذه العمليات بحسب مسؤولين إسرائيليين، لا تدفع بطهران إلى التنازل عن تطلعاتها.

على الأسد تقييد النشاط الإيراني
الخبير العسكري، إسحاق ليفانون، يقول إنّه يتوجب توضيح الوضع لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، أنّ إسرائيل ترى فيه مسؤولاً عما يجري في سوريا، ومن الأفضل له أن يقيد النشاط الإيراني، الذي من شأنه أن يمسّ بنظامه، من خلال شنّ ضربات مباشرة من جانبنا لأهداف إيرانية في سوريا، تضعنا على مسار الصدام المباشر مع طهران، أما الأسد، الذي يسمح لهذا أن يحصل ويدع الإيرانيين يبنون في بلاده قدرات عسكرية ضدنا، فيجب أن يتغير.

اقرأ أيضاً: هل قطع نتنياهو تمدّد السحب الإيرانية إلى غزة؟
ويتابع الخبير العسكري: "علينا ضرب مصالح حيوية في سوريا والإيضاح للأسد بأنّ نظامه في خطر؛ بسبب ما يسمح به للإيرانيين عمله في بيته، وهذا كفيل بأن ينتج ضغطاً سورياً على حزب الله وعلى الإيرانيين، لتقييد نشاطهم، كما سيؤدي إلى تدخل روسي لدى رئيس النظام السوري، بهدف تقييد الإيرانيين كي لا تفقد موسكو إنجازاتها العسكرية والسياسية في سوريا".
في مقابل ذلك؛ يقول الكاتب الإسرائيلي، دان شيفتن، بعد مئة عام من المواجهات والمعارك التي خاضتها إسرائيل مع العرب وغيرهم، يقف أمام إسرائيل، للمرة الأولى، عدوّ إيراني ذكي وخطير بلا قياس، حتى عندما تمتع الأعداء العرب على أجيالهم من تفوق عددي وعمق إستراتيجي، كانوا يعانون من ضعف مجتمعهم وفشله في التصدي لمتطلبات العالم الحديث، لقد ضمن ضعف المجتمع العربي لإسرائيل نجاحات في الصراع القومي الشامل؛ فالحديث في النظام الإيراني، وإن كان يدور عن نظام قمعي ومريض وبربري ومصمم على أن يضمن لنفسه إنجازات وهيمنة في المنطقة حتى على حساب رفاهية مواطنيه، إلا أنّه نظام يجنّد لصراعاته المقدرات الكبرى والمتطورة بنجاح لمجتمع مثير للانطباع، ويتمتع بنفسه بقدرات مهمة للتخطيط الإستراتيجي والتصميم في العمل، لم تقف إسرائيل أمام مثل هذا الخليط الخطير الذي يقام بنجاعة وبمنهاجية وبذكاء مؤسسة إقليمية تعرض وجودها للخطر، إيران على وعي بالضعف البنيوي للدول العربية، وتسعى بمنهجية إلى الهيمنة الإقليمية على حسابها، وتعمل كي تضمن لنفسها سيطرة على مصادر الطاقة في الخليج الفارسي وعلى مسارات التجارة في المنطقة، بشكل تبثّ فيه مكانتها كقوة عظمى إقليمية مؤثرة على الساحة العالمية؛ لهذا الغرض بنت لنفسها مكانة متينة في لبنان وسوريا والعراق واليمن، بكلفة إستراتيجية متدنية نسبياً ومنفعة إستراتيجية عالية؛ كي تحقق أهدافها وطموحاتها داخل الدول العربية وتنشئ قواعد عسكرية لها، ومثال على ذلك حزب الله في جنوب لبنان، كما نجحت أيضاً في ربط قدراتها العلمية والتكنولوجية في مجالات النووي والصواريخ الباليستية، وكذلك في مجالات متطورة نسبياً من حيث الأدوات التقليدية، وبالتوازي أقامت شبكة عالمية من البنى التحتية النائمة للإرهاب، بحجم وعمق غير مسبوق.

العداء المتطرف لإسرائيل

كلّ ذلك استهدف في المرحلة الحالية ردع من يقف في طريق طهران ونزوعها إلى الهيمنة الإقليمية، أو جباية ثمن لا يطاق منه على تدخله، ويوضح شيفتن أنّ العداء المتطرف لإسرائيل لا يعتمد فقط على التزام أيديولوجي عميق، إنّما على اعتبار إستراتيجي محسوب أيضاً لإسرائيل، ولا سيما إذا كانت مسنودة بتصميم أمريكي لتوقف تطلعات الهيمنة الإيرانية، والتي لديها القوة والحزم الكافيين لأن توقف سياق السيطرة الإيرانية في كلّ المفترقات المهمة في المنطقة، الولايات المتحدة لن تبعث بجنودها ليقاتلوا، وأوروبا ليست ذات صلة مثلما هي دوماً، ولا يوجد للقوى العظمى الأخرى دافع للتدخل بمستوى عال، إيران تعمل للتقدم في البرنامج النووي العسكرى كي تقيم في الجبهة الشمالية بكلفة متدنية، وتشكّل تهديداً مكثفاً على المراكز السكانية لإسرائيل، تفترض طهران أنّ إسرائيل سترتدع لهذا السبب عن العمل ضدّ الهيمنة الإيرانية، حتى حين ترى في خطواتها خطراً فورياً وجسيماً، مثل السيطرة على الأردن، ويفترض حكّامها أنّ إسرائيل سترتدع عن التدخّل إذا عرفت أنّ الكلفة ستكون آلاف الصواريخ الدقيقة بعيدة المدى وثقيلة الرؤوس المتفجرة على غوش دان، وتتفوق على الدفاعات الصاروخية لدى إسرائيل، وتمسّ أمنها، وقصة نجاحها في القدرة على صدّ أيّ هجوم معادٍ تحاول إسرائيل منع هذه الإمكانية في العامين الأخيرَين بمئات الهجمات في سوريا والعراق، وبجملة وسائل سرية يدور الحديث عملياً عن حرب وقائية تجد إجماعاً وطنياً واسعاً في إسرائيل؛ على أنّه، وأمام البديل الواقعي، من الجدير بالتدهور حتى المخاطرة إلى حرب واسعة مع إيران، وثمة بديلان؛ إما استمرار الصراع الحالي بحكمة وبكبح جماح لازمَين، رغم خطر التدهور إلى حرب قاسية، أو حرب قاسية بلا قياس تعرض وجود إسرائيل للخطر.

الجبهات المحيطة بإسرائيل، في غزة ولبنان وسوريا، رخوة ومتقلبة، ما يعني إمكانية تدهور الأمور بشكل سريع في أي وقت

إنّ معظم التفوقات في المرحلة الحالية لإسرائيل تقوم على تفوق عسكري في الساحة القريبة ودعم أمريكي وإسناد خفي من الدول العربية عامة، في مقابل ذلك؛ ضائقة اقتصادية في إيران، لكن إذا نجحت إيران في إنهاء استعداداتها وتمكين قواعدها بشكل دراماتيكي، سيميل الميزان في صالح إيران، وإلى جانب الاستعدادات الإسرائيلية التي قدمها الوزير بينت، يقول الخبير في الشأن السياسي، تمير ليبال: إنّ الخطة التي عرضها نفتالي بينت يجب أن تحظى باهتمام من المؤسسة العسكرية والبدء بتطبيقها على أرض الواقع، مهما كلفت الأثمان، ويشير ليبال إلى أنّ الخطة أيضاً يجب أن تقوم على ممارسة إسرائيل ضغوطاً متواصلة ومكثفة على إيران في ثلاث جبهات، الاقتصادية والسياسية والعسكرية، في حين يؤمن بأنّ إسرائيل أخطأت عندما قلصت في الأشهر الأخيرة حجم نشاطها ضدّ طهران، وأنّ عليها أن تعود لتكون نشطة أكثر بكثير، وأن تعمل ضدّ كلّ عناصر الوجود العسكري الإيراني، في سوريا وفي دول أخرى في المنطقة.

ما يجري في إيران فرصة ذهبية لإسرائيل

وأوضح قائلاً: "الوضع الذي تعيشه إيران عبارة عن فرصة ذهبية لإسرائيل لا يمكن تكرارها"، وقال أيضاً: "لدى إسرائيل الآن ساعة مناسبة للعمل، لأنّ النظام في طهران منشغل أساساً بالوضع الاقتصادي في الدولة والاضطرابات التي ثارت في الأسابيع الأخيرة، وعليه فإنّ نافذة الفرص هذه كفيلة بأن تغلق بعد بضعة أشهر، وأنّ على إسرائيل أن تستغلها كي تصعّد الضربات على إيران"، ويرى ليبال أنّ عدم تنفيذ الخطة بشكل فوري خطأ جسيم، كالخطأ الذي ارتكبته إسرائيل عندما لم تضرب التسلح المكثف لحزب الله بقاذفات الصواريخ وبالصواريخ بعد حرب لبنان الثانية.

خطة تدعو إسرائيل إلى ممارسة ضغوط متواصلة ومكثفة على إيران في ثلاث جبهات، الاقتصادية والسياسية والعسكرية

وأضاف محذراً: "إذا لم تعمل إسرائيل الآن على نحو متواصل وبنجاعة ضدّ إيران، فمن شأنها أن تلقى واقعاً مشابهاً في سوريا، وثمن العمل حينها سيكون أكبر بكثير، وفي وجه المقارنة بين مضمون خطة بينت والخطة التي اتبعها وزير الأركان السابق، غادي إيزنكوت، لا يظهر خلاف كبير في الموقف تجاه إيران في سوريا، فخلال فترة إيزنكوت اعترف الجيش بأنّه نفّذ في إطار الحرب بين الحروب، حوالي 1000 عملية مختلفة خلال العامين الأخيرين، والتهديدات الأخيرة لنتنياهو تجاه إيران مدعومة من رئيس الأركان، أفيف كوخافي، حول تكثيف القصف على المواقع الإيرانية في سوريا، وهي أيضاً تدعم موقف بينت، ونقل الخبير عن بينت قوله: "يحظر السماح لإيران بخلق معادلة ردع كهذه مع إسرائيل، ويجب أن يتواصل النشاط الهجومي حتى بثمن المخاطرة بردّ إيراني، من شأنه أيضاً أن يؤدّي إلى أيام قتالية في الشمال".

اقرأ أيضاً: هل حقاً أنّ حكومة أقلية ستعيد إسرائيل إلى العقلانية؟
ومن جهة عسكريين معارضين لموقف بينت؛ فإنّ السبيل الوحيد لإبعاد إيران عن سوريا هو من خلال اتفاق بين القوى العظمى، كما يعتقدون في الجيش أنّ التهديدات التي أطلقها بينت تجاه القيادة في طهران، لم تكن ناجعة، وأنّ على الحملة التي تديرها إسرائيل أن تكون سرية في معظمها، إنّ اللعبة التي تديرها قيادة الجيش تجاه إيران في سوريا، مبنية على قواعد مختلفة عما هي اليوم وسابقاً؛ ففي حين يدعو بينت إلى ضرب مواقع إيرانية مباشرة، وهناك من دعا إلى التعامل مع إيران في سوريا كالتعامل مع حزب الله في لبنان، من حيث الرسائل التي يتوجب على الطرف الآخر فهمها، فبعد عملية أفيفيم في الشمال أعلنت إسرائيل أنّ لبنان، كحكومة ودولة، تتحمل المسؤولية، وأيّ ردّ سيوجّه ضدّ لبنان كلّه وليس حزب الله فقط، واليوم يطالب البعض بنقل رسائل واضحة إلى سوريا بأنّ أيّ اعتداء يخرج من الأراضي السورية، حتى إن أعلنت أطراف غير سوريا مسؤوليتها، فإنّ الردّ الإسرائيلي يوجه مباشرة ضدّ أهداف للجيش السوري وضرب العمق.

ماذا على الحكومة القادمة أن تفعل؟

ويختم ليبال موضحاً؛ بأنّ "الحكومة القادمة، مهما كانت، ستخون وظيفتها إذا لم تبادر إلى إعداد نشر إستراتيجية الأمن القومي، وينبع الإلحاح من التصاعد في حجم وخطورة التهديدات الأمنية على إسرائيل، ومن سلسلة إخفاقات ومشاكل إسرائيلية داخلية؛ ففي الأعوام الأخيرة أهملت الحكومات بناء القوة للوزارات الحكومية الأمنية غير العسكرية، وإلى جانب الإهمال والإضعاف المقصود لأدوات القوة السياسية لإسرائيل، وزارة الخارجية التي أقامت سلسلة من الوزارات الحكومية ذات الازدواجية في الصلاحيات الغامضة في مجال الأمن القومي، مثل وزارة الشؤون الإستراتيجية، ووزارة الاستخبارات، لتضيف تشويشاً وتبذيراً لا داعي له، كما أنّ مخططات بناء قوة للجيش الإسرائيلي مثل الجيش الإسرائيلي 2030، أو الخطة الخماسية جدعون، التي تتضمن ميزانيات طائلة للجيش الإسرائيلي، تنقصها نظرة شمولية ومعمقة إلى احتياجات الأمن القومي ومتطلباتها.

اقرأ أيضاً: هل ينجح بيني غانتس فيما فشل فيه نتنياهو؟
لذا على رئيس الوزراء القادم أن يضمن تفكيراً مسبقاً قبل أيّ فعل عسكري، وفي مجمل حالة التأييد والمعارضة من قبل الأوساط الأمنية والعسكرية في الجيش الإسرائيلي، ورغم القدرات العسكرية التي يتمتع بها الجيش، خاصة سلاح الطائرات، إلا أنّ هناك تقديرات إسرائيلية تقول إنّه في حال وقعت حرب على الجبهة الشمالية، ستتعرض إسرائيل يومياً لحوالي 1000 صاروخ من كلّ الأنواع، وفي تحذير المسؤولين يكفي أن يسقط أربعة أو خمسة صواريخ ثقيلة على موقع حساس أو بنى تحتية حيوية، مثل الكهرباء أو الماء أو مفترقات المواصلات، فهذا لن يؤدي إلى تشويش خطير في نشاط الجبهة الداخلية فقط، وإنما سيشوش القدرة الهجومية للجيش الإسرائيلي المبنية على استدعاء قوات الاحتياط، ومتعلقة بحركة سريعة لقوات مدرعة باتجاه أرض المعركة.


مصدر الترجمة عن العبرية: يسرائيل هيوم
https://www.israelhayom.co.il/article/711351
https://www.israelhayom.co.il/opinion/711993
https://www.israelhayom.co.il/opinion/712313



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية