ما الذي تفتقر إليه الصّين حتى تصبح قوّة مهيمنة؟

ما الذي تفتقر إليه الصّين حتى تصبح قوّة مهيمنة؟

ما الذي تفتقر إليه الصّين حتى تصبح قوّة مهيمنة؟


كاتب ومترجم جزائري
09/02/2021

ترجمة: مدني قصري

يرى البروفيسور إيف بيريز؛ أنّ الصين تصنَّف، الآن، القوة التجارية الرائدة في العالم، لكن ما يزال يتعيّن عليها تطوير "قوّتها الناعمة"؛ حتّى يتسنى لها الأمل في أن تصبح قوة مهيمنة.

"هل يمكن لنظام استبداديّ أن يحلّ محلّ ديمقراطيّة غربيّة على رأس العالم؟"

حدّد الزعيم الصيني، شي جين بينغ، أن تصبح الصين القوة الرائدة في العالم قبل عام 2049، وهو ما يوافق الذكرى المئوية لتولي الشيوعيين الصينيين السلطة

إيف بيريز؛ أستاذ فخري والعميد السابق لكلية الحقوق في الجامعة الكاثوليكية الغربية في أنجيه (فرنسا)، ومؤلّف كتاب "فضائل الحمائية" (L’Artilleur)، كانون الثاني (يناير) 2020. ويتساءل: هل يمكن لنظام استبداديّ أن يحلّ محلّ ديمقراطية غربية على رأس العالم؟.

الصين هي القوة الاقتصادية الثانية في العالم، بعد الولايات المتحدة، لقد صعدت إلى هذه المرتبة فيما يزيد قليلاً عن 30 عاماً؛ هل يمكنها الآن اتخاذ الخطوة الأخيرة لتحلّ محلّ الولايات المتحدة كقائدة للاقتصاد العالمي؟

هكذا، في أواخر الثمانينيات، خاطر أستاذ مشهور في جامعة هارفارد، عزرا فوغل، بالتنبؤ بأنّ اليابان ستصبح رقم 1 على مستوى العالم، وتحلّ محلّ الولايات المتحدة، لقد كتب أفضل الكتب مبيعاً، تحت عنوان "اليابان في المرتبة الأولى"، لكن اليابان لم تتقدم أبداً على الولايات المتحدة؛ لذلك يلزم توخي الحذر الشديد عند إجراء مثل هذه التنبؤات.

بادئ ذي بدء، تجدر الإشارة إلى أنّ هذا الامتياز كان نادراً جداً في التاريخ. في العصور القديمة كانت هناك روما بالطبع، وفي العصر الحديث، سنذكر إسبانيا شارل الخامس وفيليب الثاني، أظهرت الإمبراطورية البيزنطية عمراً استثنائياً (1000 سنة)، لكنّها لم تكن قطّ قلب العالم.

اقتربت فرنسا من هذا الامتياز مرّتين، لكنّها فشلت؛ كانت المرّة الأولى في عهد لويس الرابع عشر، والثانية في عهد الإمبراطور نابليون الأول، كما حاولت ألمانيا هذا، مرّتين؛ عام 1914، ومرة ​​أخرى عام 1939، لكنّها لم تنجح أبداً، وحاول الاتحاد السوفييتي، بعد عام 1945، أن يجرّب حظّه حتى تاريخ انهياره عام 1990.

البَلدان الوحيدان اللذان نجحا في قهر صولجان العالم هما: بريطانيا العظمى والولايات المتحدة، على التوالي، ما الذي جعل هذين البلدين قويَّين؟ ما الذي ساعد في منحهما هذا الامتياز الهائل؟

تبدو اللغة الإنجليزية منيعة ولا شيء يزعزع عرشها، ناهيك عن أنّ الأبطال الخوارق الذين يثيرون إعجاب الشباب حول العالم هم أمريكيون وليسوا صيني

استندت هيمنتهما على العالم إلى ثلاث ركائز: الأولى كانت، بلا شكّ، تفوّقهما البحري خلال القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، بفضل البحرية الملكية بالنسبة إلى بريطانيا العظمى، ثم البحرية الأمريكية بالنسبة إلى الولايات المتحدة بعد عام 1945؛ فبفضل تحكمها في البحار انتصرت القوى الأنجلوسكسونية في الحربين العالميتين ضدّ ألمانيا واليابان، ثمّ الحرب الباردة ضدّ الاتحاد السوفييتي.

أمّا الركيزة الثانية؛ فكانت سيطرتهما على التجارة والتمويل العالميين، ومع ذلك، فإنّ قوتهما لم تأتِ فقط من سيطرتهما على تدفق السلع ورأس المال، لكن أيضاً من قدرتهما على إملاء معاييرهما على بقية العالم.

لقد أتاحت لهما هذه القوة المعيارية رسم معالم النظام النقدي الدولي، وقواعد التشغيل للتجارة الحرة والتمويل.

اقرأ أيضاً: كيف ستواجه أمريكا الصين في قضية الإيغور؟

أمّا الركن الثالث؛ فيرتبط باللغة والثقافة، بعد عام 1945، حين أصبحت اللغة الإنجليزية لغة العالم، وتغلغلت الثقافة الأنجلو سكسونية في أذهان الناس حتى يومنا هذا.

هل تستطيع الصين، غداً،  بحلول عام 2030، أو بعد ذلك، أن تأخذ المركز الأول في العالم من الولايات المتحدة؟

ربما، إذا نجحت الصين في إتقان العناصر الرئيسة الثلاثة للهيمنة العالمية، وهي: إعادة تشكيل شبكات التجارة العالمية التي هيمنت عليها القوى الأنجلو ساكسونية منذ بداية القرن العشرين، وسنّ المعايير الاقتصادية والتكنولوجية لـعالم ما بعد الغرب، واكتساب "القوة الناعمة" التي ما تزال، حتى الآن، من اختصاص الدول الأنجلوسكسونية.

قطعت الصين بالفعل ثلاثة أرباع الطريق الذي يمكن أن يقودها إلى سقف العالم؛ فقد أصبحت القوة التجارية الرائدة في العالم قبل الولايات المتحدة وألمانيا، ويعدّ اقتصادها الثاني في العالم بعد اقتصاد الولايات المتحدة عندما نأخذ الناتج المحلي الإجمالي محسوباً بالدولار كمعيار. لكنّها الأولى بالفعل إذا فضلنا، على العكس من ذلك، الناتج المحلي الإجمالي المحسوب بتساوي القوة الشرائية التي تميل إلى تحييد الآثار النقدية وتفضل إمكانات الإنتاج للبلدان المعنية.

اقرأ أيضاً: أمام المال تضيع الحقوق والقربى.. ذعر إيغوري من تقارب تركيا مع الصين

على الصعيد التكنولوجي؛ حقّقت الصين تقدّماً كبيراً في مجالات المعلومات والذكاء الاصطناعي والروبوتات والفضاء، في كلّ هذه المجالات، تجد الولايات المتحدة نفسها في موقف دفاعي ضدّ الصين، وعلى الصعيد العسكري، قامت الصين، التي تمتلك الآن ثاني أكبر ميزانية في العالم، ببناء جيش حديث لا صلة له بجنود "ماو" الفلاحين.

أخيراً، في السباق نحو النفوذ العالمي، يتبدى وجود الصين بوضوح في جميع القارات، وكذلك في المنظمات الدولية؛ فما انفكّت تواصل جمعها للمكاسب على الأرض، بصبر وعناد، إذ حدّد زعيمها، شي جين بينغ، المسار عندما انعقد المؤتمر الأخير للحزب الشيوعي الصيني: وهو أن تصبح الصين القوة الرائدة في العالم قبل عام 2049، وهو التاريخ الذي يوافق الذكرى المئوية لتولي الشيوعيين الصينيين السلطة.

طريق طويل وشاقّ

لكن دعونا لا ندفن الولايات المتحدة بسرعة كبيرة؛ فنهاية الطريق الذي على الصين أن تقطعه ليس طويلاً جداً، لكنّه طريق شاقّ للغاية؛ لوصفه، سوف نتناول العناصر الثلاثة الرئيسة المذكورة أعلاه، والتي يجب على الصين أن تتحكم فيها تماماً كي تصبح قائداً عالمياً.

فبحكم كونها قوة برية، وليست بحريّة، شرعت الصين في مشروع "طرق الحرير" في محاولة لإعادة تنظيم شبكات التجارة العالمية؛ فأوّل طريق بري يمتد عبر مدن صينية الكبرى عبر آسيا الوسطى، والسهل الروسي، إلى أوروبا الغربية.

اقرأ أيضاً: هل تبيع تركيا الإيغور مقابل لقاح "كوفيد-19" الصيني؟

وطريق بحري ثانٍ، ينطلق من الموانئ الصينية في شنغهاي وكانتون، فهو يحاذي سواحل الهند الصينية وماليزيا وبورما وسريلانكا وباكستان وإيران حتى قناة السويس، ثم ينتهي به المطاف في البحر الأبيض المتوسط​​؛ حيث أنشأت الصين بالفعل العديد من الموانئ المحلية، مثل: بيرايوس، وجنوة، وتريست، وفالنسيا وبلباو.

 أما الطريق الثالث، البحري أيضاً؛ فهو طريق المحيط المتجمد الشمالي، ويتبع سواحل سيبيريا، وينتهي في شمال الدول الأسكندنافية، أيسلندا، جرينلاند، وصولاً إلى خليج هدسون في شمال كندا.

هذا المسار الثالث  يميل إلى إظهار أنّ الاحترار العالمي لن يتسبب إلا في خاسرين، وأنّ بعض البلدان قد بدأت بالفعل "تفرك" أياديها تفاؤلاً بآفاق التنمية التي يفتحها هذا الطريق الجديد؛ هذا هو الحال، خاصة بالنسبة إلى بلدان مختلفة، مثل روسيا والسويد والنرويج والدنمارك وأيسلندا وكندا.

على الصعيد العسكريّ؛ ستركّز الصين على حماية طرقها التجارية الجديدة من خلال إقامة قواعد بحرية على طول هذا المسار.

هذه المهمة معقّدة للغاية، ويتطلب إعدادها وقتاً طويلاً؛ فالأمر ليس أقلّ من إعادة بناء نظام عالمي جديد قائم على معايير جديدة تضعها الصين، سوف يمرّ هذا التحوّل من خلال قنوات متعددة، مثل: توقيع معاهدات تجارية، والتدويل التدريجي للعملة الصينية، وتحديد المعايير التكنولوجية التي ستوجِّه انتقال الطاقة في عالم ما بعد الكربون، وتصاعد قوة المراكز المالية في هونغ كونغ وشنغهاي، مقابل تلك الموجودة في لندن ونيويورك.

اقرأ أيضاً: الصين تمنع البريطانيين والبلجيكيين من دخول أراضيها... لماذا؟

المعركة التكنولوجية حول 5G ليست سوى واحدة من الخطوات الأولى في هذا الاتجاه، ومن نتائج هذه المعارك سنعرف ما إذا كانت الصين ستصبح القوة الرائدة في العالم أم لا، وستكون لهذه المعارك في مجال التكنولوجيا للاستخدام المدني نظيرتها أيضاً في المجال العسكري.

فالحال، في الوقت الحالي؛ أنّ هذه التكنولوجيا هي المجال الذي تظلّ فيه ميزة تفوق الولايات المتحدة هي الأكثر تأثيراً.

تبدو اللغة الإنجليزية منيعة ولا شيء يزعزع عرشها، ناهيك عن أنّ الأبطال الخوارق الذين يثيرون إعجاب الشباب حول العالم هم أمريكيون وليسوا صينيين؛ يبدو من غير المحتمل أن تنجح الصين، بحلول عام 2049، في اللحاق بالولايات المتحدة، لكن هنا مرة أخرى، يجب أن نظل يقظين، وسيراهن الصينيون على جامعاتهم أوّلاً، قبل طرح أبطالهم الخارقين لتحدي هوليوود.

بالتالي؛ يمكن أن تواجه الولايات المتحدة انتكاسات على مدى العقد المقبل، وأن تشهد انحطاط تفوّقها الجامعي، ومع ذلك؛ فإنّ التحدي الحقيقي، بالنسبة إلى الولايات المتحدة؛ هو أنّه، وللمرّة الأولى، سيحلّ نظامٌ استبداديّ غير غربيّ محلّ الديمقراطية الغربية على رأس العالم.

هذا التطور، إذا تحقّق، سيكون محفوفاً بعواقب اقتصادية، لكن أيضاً بعواقب سياسيّة وإستراتيجيّة.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

ww.lefigaro.fr/vox


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية