ما بعد "قمة مكة": هل ينجح الرزاز في تدشين مرحلة أردنية جديدة؟

ما بعد "قمة مكة": هل ينجح الرزاز في تدشين مرحلة أردنية جديدة؟


12/06/2018

ذهب سياسي أردني مخضرم في حديث تلفزيوني انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي إلى أنّه في حال حازت الحكومة المقبلة لرئيس الوزراء الأردني المكلف عمر الرزاز على 30% من الولاية العامة فإنّ ذلك سيكون إنجازاً مذهلاً.

الأزمة الاقتصادية في الأردن بدأت تتفاقم منذ 2004، بعد سقوط نظام صدام حسين، وفي الفترة ما بين 2006-2009 ازدادت حدّة التجاذب والصراع في أروقة صناعة القرار بين تيار أردني محافظ وآخر نيوليبرالي، ودشّن الصراع الشديد بينهما مرحلة جديدة من الحراك الأردني على مدى أكثر من عقد حتى الآن؛ حيث غطّى البعد المطلبي، بسقفه العالي، على القضايا السياسية المعهودة، وكان الفصل بينهما ليستقيم لو توافر مجلس نواب أردني مقتدر أو سلطة تشريعية فعالة. ما اكتشفه الأردنيون، أنّ المطلبية لا تنفك بتاتاً عن الشروط السياسية؛ فالسياسة، بمفهومها العالمثالثي وقواها العميقة، هي المبتدأ والخبر. المهم أنّ التجاذب الخشن أفضى في النهاية إلى فشل أركانٍ ثلاثة؛ فالمحافظون أخفقوا في تجديد أنفسهم وابتعادهم عن الإقصائية، كما لم ينجحوا في تقديم رؤية أخرى ذكية وفعالة للبيروقراطية؛ في عالم جديد يتحدث عن الثورة الصناعية الرابعة، وشبع تحذيراً من مخاطر محاولة هيمنة الشوفينات الكبرى على الشوفينات الصغرى، فيما أخفق النيوليبراليين (الركن الثاني) في اجتراح خريطة طريق اقتصادية-اجتماعية تحفظ قوة الطبقة الوسطى وتحارب البطالة والفقر والفساد، وترسم خططاً إنتاجية بدلاً من تكريس نمط استهلاكي لا يقوى عليه سوى الفاسدين والمتنفعين وشريحة صغيرة من المقتدرين. وفي ظل بيئة سياسية مشتبكة كهذه لم يقتنع الأردنيون بأن يكون التيار الحزبي الأعرض في البلاد (الإخوان المسلمون) قادراً على تقديم بديل عملي نافع، بعيداً من الشعارات والمزايدات والانتقادية المجانية، ناهيك عن أنّ هذا التيار تفكك مجموعات وأحزاباً مع موجة "الربيع العربي"، التي أظهرت عمق بنية التطرف والسلطوية فيه (التيار).

لم يقتنع الأردنيون بأن يكون التيار الحزبي الأعرض في البلاد(الإخوان المسلمون)قادراً على تقديم بديل عملي نافع

اليوم تتصاعد المراهنات على "لحظة الرزاز"؛ بما قد تحمله من سعي صادق لتدشين مرحلة أردنية جديدة، تحاول الإفلات من ألغام القوى التقليدية التي حكمت المشهد، ولم تزده إلا تأزماً. ولا شكّ في أنّ ثمة ارتباطاً جوهرياً بين ذاك الإفلات المرتجى وتمتع حكومته المرتقبة بحق الولاية العامة، هذا الحق أصبح أكثر إلحاحاً في ظل تصاعد التشكك في مزايا الجغرافيا السياسية، وفي ظل التغيرات التي طرأت على طبيعة وحجم المعونات الأجنبية التي ارتبطت بالبلد منذ تاسيسه.

الرزاز محظوظٌ بلا شك بالوقفة السعودية-الإماراتية-الكويتية الثمينة، التي أسفرت عن حزمة مساعدات اقتصادية قيمتها 2.5 مليار دولار، وكذلك، من جانب آخر، باستعداد الاتحاد الأوروبي لتقديم مساعدات (كاستثمار وليس عملاً خيرياً، وفق فيديريكا موغيرني)، لكنّ الأمرين (على أهميتهما) ليسا بديلاً عن العمل على الأسباب الداخلية التي تقف وراء استمرار الأزمة، التي تستحث على اجتراح أدوات جديدة، يكون فيها الدور الإقليمي مستنداً إلى عمق الداخل.

اقرأ أيضاً: لماذا غاب الإخوان المسلمون عن الحراك الشعبي في الأردن؟

الرزاز بعد "قمة مكة" رأى أنّ "الأردن يمر بلحظة تاريخية"، وأشاد بالمساعدات التي قدمت لبلاده. وزاد "أنّ الحكومة الأردنية لن تكون لديها عصا سحرية"، وأكد "أنّ الأشقاء في السعودية والكويت والإمارات بادروا بالوقوف إلى جانب الأردن في هذه الظروف الصعبة". أما محافظ البنك المركزي الأردني زياد فريز فقال في حديث لصحيفة "الحياة" إنّ "حزمة المساعدات وتوقيتها جاءا مناسبين جداً للاقتصاد الأردني، ويساهمان بتنشيط النمو". وعن أثر الحزمة في الاقتصاد الأردني قال فريز "إنّ من شأنها تعزيز الاستقرار النقدي والمالي للأردن، واستئناف مسيرته التنموية". وأشار فريز إلى أنّ زيادة مساهمة الصناديق الإنمائية ستؤدي إلى "زيادة الاستثمارات في البلد وبالتالي التخفيف من البطالة"، التي يبلغ معدلها في الأردن 18.5 في المئة.

الوقفة السعودية الإماراتية الكويتية الثمينة ليست بديلاً عن العمل على الأسباب الداخلية الواقفة وراء الأزمة

واللافت للنظر حقاً أنّ الرزاز يتبنى ضرورة سلوك "الطريق الصعب نحو عقد اجتماعي جديد... من دولة الريع إلى دولة الإنتاج"، وقد أشار كتاب التكليف الملكي للرزاز إلى أنّ "على الحكومة (المقبلة) أن تقوم بمراجعة شاملة للمنظومة الضريبية والعبء الضريبي بشكل متكامل، ينأى عن الاستمرار بفرض ضرائب استهلاكية غير مباشرة وغير عادلة لا تحقق العدالة والتوازن بين دخل الفقير والغني، ويرسم شكل العلاقة بين المواطن ودولته في عقد اجتماعي واضح المعالم من حيث الحقوق والواجبات". وبعد التكليف ذهب الرزاز إلى أنّ ثمة طريقاً آخر للخروج من الأزمة غير جباية الضرائب، وهو الداعي إلى رؤية متكاملة تكفل "التحول" إلى دولة مدنية مستدامة ومنتجة وتتحقق فيها درجة أعلى من العدالة الاجتماعية؛ ضمن عقد اجتماعي جديد بين الحاكم والمحكوم. الرئيس المكلّف لا يعتبر ذلك مستحيلاً، لكنّ حذر الرزاز واضحٌ في تقصّده استخدام مصطلح "التحول" وليس "الإصلاح"، وحجته في ذلك أنّ أنموذج الدولة الريعية العربية "مناقض للإنتاج ومقتضياته، وبالتالي غير قادر على إصلاح سياسات الدولة نحو المسار الإنتاجي التشغيلي من دون إعادة النظر في بنيتها السياسية والاقتصادية، وفي طبيعة العقد الاجتماعي الذي يشكل مصدر شرعيتها في نظر المجتمع".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية