مصر تقرر المواجهة مع التيار المدخلي

مصر والسلفية

مصر تقرر المواجهة مع التيار المدخلي


22/09/2018

نجح التيار السلفي المدخلي في مصر بالتمدد على حساب السلفيات الأخرى.. بنى قلاعه الكثيرة، كانت أهمها على الإطلاق معقل الشيخ محمد سعيد رسلان بقرية سبك الأحد مركز أشمون، بمحافظة المنوفية، التي تستقطب وحدها عشرات آلاف الزوار من كل الدول؛ حيث معاهد سلفية تابعة للتيار تعطي الإجازات في مصطلح الحديث، وبيوت استقبال للطلاب ومؤتمرات حاشدة ومدارس للأطفال وحتى مستوصفات طبية.

يحرم التيار المدخلي المعارضة ولكن خرج من قواعده السلفية من حملوا السلاح ضد الدولة

كانت الدولة، التي تقف عاجزة عن مواجهة المد السلفي المدخلي ارتاعت من هذا الحضور، الذي أصبح بوابة خلفية لكل التنظيمات الأخرى، وبقرار وزارة الأوقاف المصرية فجر أول من أمس توقف، شيخ السلفية المدخلية بمصر محمد سعيد رسلان عن الخطابة، وتم إلغاء تصريحه، وذكرت الوزارة في بيانها على الموقع الرسمي أنّ القرار اتخذ لمخالفته التعليمات المتصلة بشأن خطبة الجمعة، مكلفة الشيخ أحمد عبد المؤمن بأداء خطبة الجمعة بالمسجد مع تعيين إمامين متميزين، مؤكدة أنه لا أحد فوق القانون أو فوق المحاسبة.

كانت الخطبة الأخيرة لشيخ المدخلية بعنوان: "الإسلام روح العالم ونوره وحياته"، بالمسجد الشرقي، وخرجت عن موضوع الخطبة الموحدة المقررة من وزارة الأوقاف.

 خرجت الخطبة الأخيرة لشيخ المدخلية عن موضوع الخطبة الموحدة المقررة من وزارة الأوقاف

انصاع الشيخ رسلان لقرار الدولة المصرية، وأصدر بياناً طالب فيه أتباعه بالصبر والتوقف عن الحملة المضادة للدولة قائلاً: إن ولاة الأمر مسؤولون عن مصالح البلاد والعباد أمام الله ثم أمام الناس والتاريخ، وهم أدرى بمصلحة البلاد مِنَّا، وأبصرُ بها عيناً، فلا نَفْتَاتُ عليهم، ونسمع ونطيع لهم ما لم يأمروا بمعصية، ولا يجوز أن يتناول أحدٌ وزيرَ الأوقاف بكلمة خشنة، فضلاً عن الكلمة النابية، وما قَدَّرَهُ الله تعالى وقضاه اختبار لأصحاب منهاج النبوة في التطبيق العملي، بعد ما أدّوا ما عليهم من البيان العلمي، فيما يتعلق بحقوق ولاة الأمر.

اقرأ أيضاً: "السلفية المدخلية" في مصر.. التمدّد فوق الركام

بينما ثار المدخليون على القرار مدعين أنه يخدم جماعة الإخوان فقط؛ لأن شيخهم هو الكاشف الوحيد عن جرائم الجماعة، وهاجمت قنوات الإخوان بدورها قرار الوزير والشيخ رسلان في الوقت نفسه، مدعين أن الوزارة استغلت أتباع الشيخ السلفي في الهجوم على الجماعة، وعقب أن أدى دوره انقلبت عليه!

الانتشار والذيوع

جذب التيار المدخلي منذ ظهوره في المملكة العربية السعودية بداية التسعينيات الكثير من المنتمين للتيار السلفي العام، بل وحتى من بعض شيوخ السلفية ذات الثقل، وتحويلها إلى تياره لتنقلب على تياراتها الأصلية ذات النفس المناهض للدولة والمتبنية لعقيدة الحاكمية، وإن انسحبت من المشاركة في الحياة السياسية.

قبل ثورة كانون الثاني (يناير) العام 2011 في مصر بـ3 أعوام، بدأ محمد بن سعيد رسلان المولود العام  1955، توطيد قواعده، التي نشط لأجلها قبل ذلك بأعوام، وهو أحد أشهر مشايخ الفكر المدخلي في مصر ومن تلامذة الشيخ السعودي ربيع بن هادي المدخلي الذي يُنسب إليه تأسيس هذا التيار مع شيخه محمد أمان الجامي أثيوبي الأصل، وله أتباع ومريدون من دول العالم كافة من إندونيسيا شرقاً حتى كندا والولايات المتحدة الأمريكية غرباً.

تعتبر قرية سبك الأحد بالمنوفية معقل التيار المدخلي

أطلق رسلان من مسجده الكبير، الواقع في إحدى قرى محافظة المنوفية شمال مصر الذي يحتشد فيه كل جمعة الآلاف من أنصاره وتلامذته، المتقاطرين عليه من الأقاليم المجاورة، وبلدان أجنبية، سلسلة من الخطب والمحاضرات، والكتيبات، التي يحذر فيها من ثورة شعبية ستأتي بالوبال على الإسلام والمسلمين، مستنداً في ذلك لقواعد وآراء شرعية تحرم معارضة الحكام والملوك.

خطورة هذا التيار أنه يحمل بعض الأفكار القطبية الخوارجية ضد معارضيه ما لبثت أن أحدثت فتنة داخله

وهنا تبدو الإشكالية؛ فكيف يحرم المعارضة من جهة وقد خرجت من قواعده السلفية من حملوا السلاح فيما بعد؟ وما الذي أدى إلى ظهور فتنة "الصعافقة" التي عصفت بالتيار، فانقلب كثير من الطلبة على كبار شيوخهم ورموزهم، الذين أخذوا يعاملون هؤلاء "الصعافقة" بازدراء وتجنب وتحذير وتبديع، حتى وصل الأمر إلى عدم إجازة الجلوس معهم أو السلام عليهم، من باب هجر المبتدع والخارجيّ؟

فتنة وانقسام

انتشرت وذاعت أفكار المدخلية، بسبب غياب التشخيص الموضوعي له، خاصة أن هذا التيار يحرّم العمل السياسي، والنشاط النقابي، والدستور والقوانين، فالثورات كانت وما تزال عنده محرمة، والاحتجاجات بدعية والسمع والطاعة للحاكم و"إن جلد ظهرك" واجبة، والحاكم هو محور الجماعة المسلمة، بل إن الجماعة هي السلطان، ومعارضته وتشكيل جماعات وتنظيمات وفرق داخل إطار الدولة يمثل خروجاً مباشراً عليه، ومروقاً عن أهل السنة.

اقرأ أيضاً: الجماعة السلفية في مصر: حرب على الإرهاب أم تفريخ له؟ (1-2)

لكن خطورة هذا التيار في أنه يحمل بعض الأفكار القطبية الخارجية في خلفيته الفكرية، حيث يحتل مصطلحا "الخروج" و"الخوارج" أهمية بالغة في عقليته ضد معارضيه، فلا يميز المداخلة بين أنواع مسائل الخلاف، فتراهم لا يفرقون بين مسائل الاجتهاد، ومسائل العقوبات، ومسائل الأصول، ومن خالفهم ولو في سنة من السنن، أو في تقدير المصالح والمفاسد وإن كانوا متفقين على الحكم في الجملة، أو خالفهم في تزكية شخص أو جرحه؛ رموه بأنه شخص مبتدع!

اقرأ أيضاً: الجماعة السلفية في مصر.. حرب على الإرهاب أم تفريخ له؟ (2-2)

ومن قواعدهم أيضاً أن من اشتغل بتحصيل العلوم الشرعية، دون رد على الجماعات؛ فليس بسلفي، أو هو مائع، أو في سلفيته نظر، لا سيما إذا عارض شيئاً من أحكام هذه الجماعات الجائرة! كما أنّ من استشهد بكلام لأحد المخالفين؛ فهو مميع، وملمِّع لأهل الباطل، ومدافع عن أهل البدع، ومن قال: المسلم يُحب ويبغض على حسب ما فيه من خير وشر؛ فهو مائع، ومن أهل الموازنات، وإخواني أو قطبي.

 

وكيل أوقاف المنوفية يؤدي الخطبة بدلاً من رسلان

ومن المعروف عن المنتمين لهذا التيار ولعهم بالتنبيش في أشرطة العلماء والدعاة وتصيد المتشابه في كلامهم الذي يحتمل أكثر من وجه ومن ثم التشهير بالشخصية المستهدفة ، وهذا الميل لمبدأ "الجرح والتجريح" الذي يؤمن به دعاة التيار المدخلي انقلب عليهم في النهاية،  كما فعل أبو جويرية محمد عبدالحي الذي ادعى أنه أحد تلاميذ رسلان السابقين، إذ ألف رسالة "لماذا تركناه؟" وجمع فيها كما يقول "أكثر من 35 مخالفة عقدية لمحمد سعيد رسلان مع بعض كلام أهل العلم الذي يبين غلطه فيها"ّ، وهو ما دفع الشيخ محمد بن هادي المدخلي إلى مهاجمة الكثير من دعاة وشيوخ التيار المدخلي بشكل عام، لاسيما المنتشرين في المغرب العربي وأوروبا الذين انقلبوا على شيوخهم، ووصفهم بالصعافقة، التي تعني "العبيد السود" بل ووضع قائمة بأسماء "رؤوس الصعافقة" لتجنبهم قائلاً عنهم إنهم "شرّ على طلاب العلم وفي تواصلهم معهم البلاء العظيم"، وأنهم "بمجيئهم ودخولهم بين العلماء جاء منهم الشرّ والبلاء وحصلت الفتن والمحن وتزلزل طلاب العلم في كل مكان".

لماذا المنع الآن؟

مر الخطاب السلفي في مصر بمرحلة تحولات مهمة في الخطاب والممارسة في أعقاب ثورة يناير 2011، وهذا يرجع لعمليات التسييس الجذرية التي تحدث لقواعده وقياداته في وقت لم يستكمل فيه السلفيون بعد الشروط المطلوبة للعمل السياسي، لا بمعناها البراغماتي إجرائياً، ولا بمعناها التمثيلي والتفاوضي للمصالح المختلفة موضوعياً.

تعاني السلفية عموماً من التضحية بالإستراتيجية لصالح التكتيك وخواء المحتوى البرامجي

على مستوى التيارات السلفية بشكل عام فقد ظلت المشكلة المنهجية بارزة فرأينا قطاعاً كبيراً منها يتوسع في مفهوم الضرورة لإباحة ما يرونه مخالفاً للإسلام مثل المنافسة على الانتخابات، ودخول البرلمان، وقبول اللعبة الديمقراطية، وتشكيل الأحزاب، وترشيح النساء على قوائمهم الانتخابية لم يكن نتيجة عملية مراجعات فكرية لتحليل هذه المحرمات، فهي ما تزال محرمات، لكنها تُباح باسم الضرورة برغم مخالفتها للإسلام كما يتصورونه في براغماتية انتقائية، ووجه الخطورة في هذا التوجه، هو هذه الرسالة الضمنية التي يحملها والتي مفادها أن الإسلام لا يستجيب لضرورات العصر وأن هذه الضرورات تجبرنا على مخالفته واستباحة محرماته.

اقرأ أيضاً: "ما بعد السلفية".. هل تخلّى السلفيون عن الدعوة لصالح السياسة؟

في مجمل تقييمها، تعاني السلفية من التضحية بالإستراتيجية لصالح التكتيك، وخواء المحتوى البرامجي، وعدم القدرة على التحرر من علاقة التبعية والاستلحاق بمشروع إعادة إنتاج النظام القديم، وهي صفات تتشارك فيها مع الإخوان ولكنها بالتأكيد تعاني من ضعف الخبرات التنظيمية والحزبية نظراً لحداثة عهدها بالسياسة مقارنة بالإخوان المسلمين.

نجاح السلفيين في تحويل رأسمالهم الاجتماعي والدعوي، المعتمد على شبكاتهم الاجتماعية والدعوية والخيرية الممتدة عبر قرى ومدن مصر إلى رأسمال سياسي في فترة زمنية قصيرة ما أهّلهم لتحقيق نجاحات لافتة تعد إنجازاً بالنظر إلى ضعف خبراتهم، وهذا ما أدى إلى تخوف كبير من التيار المدخلي في مصر، الذي تتشارك قواعده الفكرية مع باقي التنظيمات الأخرى.

 

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية