مصطفى البرغوثي.. طبيب واجه أمراض الاحتلال المزمنة بمقاومة سلمية

مصطفى البرغوثي.. طبيب واجه أمراض الاحتلال المزمنة بمقاومة سلمية


27/06/2018

كان الشعب الفلسطيني على موعد مع عائلة قدمت نخبة من الوجوه الرائدة على أصعدة عدة. عائلة البرغوثي، الممتدة في قريتي دير غسان وكوبر في محيط مدينة رام الله.

"البراغثة" جادوا بالسياسي المعتقل مروان البرغوثي، والشاعر مريد البرغوثي وابنه الشاعر تميم، والروائي الفذ حسين البرغوثي، فالصحافي المخضرم والروائي حافظ البرغوثي، وواحدة من الشخصيات الأبرز في تكريس المقاطعة لكيان الاحتلال دولياً عمر البرغوثي، وليس انتهاء بالفنانة الصاعدة ناي البرغوثي.

المناخ العائلي العام

لا يمكن بمكان إغفال النقطة هذه؛ إذ يبدو أنّ المناخ العائلي العام الذي ينضج تجربة "البراغثة" على درجة ما من الفرادة، لربما من حيث سوية التعليم التي تمتعت بها هذه العائلة منذ أجيال سابقة، ولربما تكون الطبيعة المميزة لمناطق هذه العائلة قد أثرت أيضاً، أو أنها روح التنافس التي تنشأ على نحو عفوي نبيل، فتكون المحصلة تميزاً جماعياً.

العنوان الأبرز لتجربة مصطفى البرغوثي: الاستقلالية التي وسمت خطواته منذ البداية ما جعله محبوباً وموثوقاً

ولا يبدو السياسي الدكتور مصطفى البرغوثي منتزعاً من هذا السياق؛ إذ تلقّى تعليماً عالياً، فكان الطب (وهذه بحد ذاتها ظاهرة في فلسطين وحركة القوميين العرب، بدءاً بجورج حبش ووديع حداد، مروراً بحيدر عبد الشافي وأحمد الطيبي وليس انتهاء بالبرغوثي)، كما آخى هذا التخصص بآخر في الفلسفة وثالث في بناء المنظومات الإدارية، في قطبي العالم آنذاك: روسيا وأمريكا فاطلع على كلا التجربتين السياسيتين المتناقضتين، بالإضافة لهذا كله برز الجانب الإبداعي ونزعة الأضواء لدى البرغوثي، كما هو دأب عائلته؛ فاهتم باللغة وحرص بالفعل أن يكون متحدثاً متمكناً، عدا عن اهتمامه الأكبر الذي انصب على الجانب الإعلامي، إلى حد لم يكتف فيه بتأسيس معهد الإعلام والسياسات الصحية والتنموية ومن ثم الراصد الفلسطيني؛ بل أمسك بحقيبة وزارة الإعلام في حكومة الوحدة الوطنية في العام 2007.

هل منح المجتمع الفلسطيني فرصة كافية لشخصيات مثل السياسي الدكتور مصطفى البرغوثي؟

الاستقلالية

العنوان الأبرز لتجربة مصطفى البرغوثي: الاستقلالية؛ إذ وسمت خطواته منذ البداية، ولعل هذا ما جعله محبوباً وموثوقاً به من قبل الغرب، فيما قلل من جماهيريته وتأثيره فلسطينياً؛ ذلك أنّ الطابع العام للتجربة السياسية الفلسطينية هو الفصائلية؛ إذ قلّما يلمع نجم شخصية ما لا تنضوي تحت لواء فصيل بعينه.

اقرأ أيضاً: كمال عدوان: حكاية حب انتهت بالاغتيال

ليست الاستقلالية فحسب؛ بل إنّ الخطوات السياسية التي يتخذها البرغوثي تبدو في مرات بعيدة عن السياق الذي اعتاده الشعب الفلسطيني؛ ذلك أنّ الرجل يتحدث عن مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، وعن حركات الإغاثة الطبية، وعن التعاون مع مؤسسات دولية من شأنها الإسهام في حماية الشعب الفلسطيني وعن لقاء نشطاء سلام إسرائيليين وفي الوقت ذاته التضييق على كيان الاحتلال من خلال حملات المقاطعة. بل في الوسع قول إنّ المصطلحات الآنفة باتت أكثر ما ترتبط بالبرغوثي، في الضفة الغربية تحديداً، إلى حد جلب عليه وابلاً من الانتقادات ممن يجابهون تغول المنظمات الأجنبية غير الحكومية في فلسطين.

إحياء شريحة التكنوقراط

وفي الوقت الذي يمسك فيه البرغوثي بتلابيب الخطاب الإعلامي باقتدار بالغ، ما يحيي شريحة التكنوقراط التي قنّنت القيادة الفلسطينية من حضورها على مدار عقود، فإنه يتماهى بشكل متعمد في مرات مع الطروحات الشعبوية، بل إنّ بعض هذه الطروحات جاء مخالفاً لنهج البرغوثي السياسي، كمثل قوله "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" فيما هو على رأس من كانوا ينادون بالمقاومة الشعبية السلمية.

وفي وقت قد يختلف فيه أيديولوجياً مع كل من الرئاسة الفلسطينية وحماس على السواء، فإنه يقف منهما على المسافة ذاتها، ويتزعم في معظم الأوقات إن لم تكن جميعها جهود المصالحة والتوفيق بينهما.

يختلف البرغوثي أيديولوجياً مع كل من الرئاسة الفلسطينية وحماس

هل البرغوثي شخصية براغماتية؟

قد يرى بعضهم أنّ ثمة براغماتية في الأمر، لكن من يراجع المبادئ التي تقوم عليها المبادرة الوطنية الفلسطينية، التي يشغل البرغوثي منصب أمينها العام، يجدها متساوقة تماماً مع شخصيات مؤسسيها: الدكتور حيدر عبد الشافي والمفكر الراحل إدوارد سعيد والمهندس والسياسي إبراهيم الدقاق؛ حيث حاول مؤسسو هذه المبادرة تقديم خطاب فلسطيني لا يثير إلا حفيظة الاحتلال الإسرائيلي، من دون الانحياز لطرف دون آخر، بل بتوازن تام وتأكيد على الثوابت الوطنية.

ما يزال البرغوثي قادراً على تقديم دور قد يغير الخطاب الإعلامي للقيادة الفلسطينية داخلياً وعربياً ودولياً

وبالقدر الذي يرتاح فيه المستقلون لخطاب كهذا وكذلك النشطاء الأجانب في الحق الفلسطيني والمؤسسات الأجنبية غير الحكومية، فإنّ من أدمنوا الحياة السياسية الفلسطينية ونشأوا على فكرة القيادة المركزية والكلاسيكية والفصائل ذات التوجهات الصريحة وإن لم تكن متوازنة، لم يجدوا في المبادرة الوطنية الفلسطينية وشخصياتها ما يغريهم كثيراً.

اقرأ أيضاً: غسان كنفاني: رواية لم تكتمل

فهل منح المجتمع الفلسطيني فرصة كافية لشخصيات مثل البرغوثي وحنان عشراوي وحيدر عبد الشافي وإدوارد سعيد وإبراهيم أبو لغد وغيرهم ممن يمثلون الصفوة الفكرية والأكاديمية؟ لعل هذا هو السؤال الأبرز، وتحديداً حيال شخصية، كمصطفى البرغوثي، ما تزال قادرة صحياً وعمرياً وسياسياً على تقديم دور قد يغير قليلاً ولو على صعيد الخطاب الإعلامي للقيادة الفلسطينية داخلياً وعربياً ودولياً.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية