هل اغتال صدام وزير الخارجية الجزائري السابق؟

الجزائر

هل اغتال صدام وزير الخارجية الجزائري السابق؟


23/09/2018

استناداً إلى تصريحات وشهادات حصلت عليها "حفريات"، أعاد الجنرال المتقاعد، خالد نزار تفجير القضية التي ظلت محل جدل، ويذهب خبير قانوني إلى أنّ الجريمة التي لا تسقط بالتقادم، لا تزال على الطاولة وتفرض وفاء الدولة العراقية بمطلبيْ الاعتذار والتعويض.

وتستعرض "حفريات" مع فاعلين جزائريين، ملابسات اغتيال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لوزير الخارجية الجزائري السابق محمد صديق بن يحيى (30 كانون الثاني – يناير 1932 / 3 آيار- مايو 1982). وهو ما لم يصدر فيه حتى الآن رد فعل عراقي رسمي يكشف أسرار ما حدث ودوافعه الحقيقية.

صحفي يتهم خالد نزار: يتحدث مثل مسيلمة الكذاب عن أحداث لم يكن شاهداً عليها، ويتحامل على الشاذلي

وفي جزء من مذكراته، التي ستصدر بعد خمسة أسابيع من الآن، يقول وزير الدفاع الجزائري السابق خالد نزار: "عرفت الراحل محمد صديق بن يحيى في الرحلة الرئاسية التي قادتنا إلى بلغراد، نيودلهي وبكين، ثمّ في الرحلة التي قادتنا إلى دولة الإمارات العربية المتحدة".

ويستذكر:" في ختام تلك الرحلة التي استمرت شهراً، أسرّ لي بن يحيى أنّه كان سيسافر من الإمارات إلى إيران، لكني أفتقد ابنتي بشدة بعد غيابي الطويل، لذا سأعود إلى الجزائر قبل سفرية طهران".

ويشير الجنرال المتقاعد إلى أنّ ذلك حصل قبل أسبوع من المأساة التي حدثت في منطقة قطور الإيرانية على مبعدة عشرة كيلومترات عن الحدود العراقية التركية، وأدت إلى مقتل وزير الخارجية الجزائري، برفقة ثمانية من كوادره، فضلاً عن صحفي وأربعة من طاقم الطائرة ليلة الثالث إلى الرابع آيار(مايو) 1982.

ويضيف نزار: "كان الضحايا على متن الطائرة الرئاسية غرومان غولفستريم 2، وجرى تفجير الأخيرة بصاروخ أطلقته طائرة عراقية مقاتلة، ليرحل بن يحيى بعد أن كان نجا من الموت بأعجوبة إثر تحطم طائرة جزائرية في بماكو بمالي".

وجاء في مذكرات نزار: "صدام حسين هو الذي أعطى الأمر لإسقاط طائرة وزير خارجيتنا، والوفد المرافق له في مهمة سلام في المنطقة".

ويجزم نزار باستحالة تورط أطراف أخرى في حادثة الاغتيال، ويتكئ على تغيير محمد صديق بن يحيى للاتجاه في آخر لحظة لأسباب عائلية.

الرئيس الجزائري السابق الشاذلي بن جديد

دليل إدانة

يستدلّ نزار: "ترأس صالح قوجيل وزير النقل الجزائري في ذلك الوقت، لجنة التحقيق التي أرسلت إلى الموقع، وعثر خبراء الطيران لدينا على شظايا صاروخ جو - جو في حطام الطائرة، ذلك الصاروخ جزء من إمدادات كثيرة كان يقدمها الروس للعراق، والجزائر تحوز على الرقم التسلسلي لهذا الصاروخ".

ويؤيد الوزير السابق صالح قوجيل هذا الطرح، بقوله: "الصاروخ المستخدم في تفجير الطائرة من صنع روسي، وكنا نعلم أنّ العراق يملك هذا النوع من الصواريخ، وهو ما يعني بوضوح أنّ العراقيين كانوا ضالعين في الحادث".

اقرأ أيضاً: بعد مرور 15عاماً.. مطالبات بمعاقبة أقارب مسؤولين في عهد صدام حسين

وبمنظور نزار: "من يستطيع غير الدكتاتور السابق، أن يقرّر إسقاط مثل هذه الطائرة؟ وما هو "سبب الدولة" الذي منع الرئيس الجزائري السابق الشاذلي بن جديد من كشف نتائج التحقيق؟ بينما اختار رئيس لجنة التحقيق التعامل بحذر مع مسؤولية صدام عن المأساة".

ويضيف الجنرال الجزائري: "وزيرنا للخارجية مات من أجل السلام في وقت أراد نظاما صدام وخامنئي مواصلة الحرب أكثر بكثير من أي مكان آخر في المنطقة، وموقف المسؤولين العراقيين في تلك الفترة لا يساعد على تبرئتهم، حيث اكتفوا برفض الاتهامات الإيرانية في بيان مقتضب، وارتضى وزير الخارجية العراقي آنذاك، طارق عزيز، عدم حضور جنازة صديق بن يحيى".

وتضمنت مذكرات خالد نزار: "صدام لم يهضم أبداً أن يقوم بلد عربي بمهمة الوساطة بين بلاده وإيران، بالنسبة إليه، عدو العراق هو عدو كل العرب، ووفق تصوره، الجزائريون حشروا أنوفهم في قضية لا تعنيهم".

ويَعِد نزار بتفاصيل مثيرة حول صاروخ صدام وخفايا ما حدث في تلك الليلة السوداء، حين صدور الكتاب نهاية تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.

وعن دواعي صمته المزمن، يبرّر نزار خوضه في الحادثة بعد 36 عاماً، بتموقعه كضابط في الجيش زمن الواقعة، وبُعده عن القرارات السياسية التي اتخذها الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد وحكومته وقتذاك.

الحيثيات التي أعقبت الحادث تشير إلى عدم رغبة بغداد آنذاك الخوض في تفاصيل ما جرى، وفي الوقت نفسه عدم اعترافها بمسؤوليتها عن الحادث أو ضلوعها في التخطيط له، مع أنّ هناك تحليلات أوردها قوجيل، في تصريحات صحفية، قبل عامين، خلصت إلى أنّ العراق شارك في التحقيق في الحادث، من خلال مخاطبة سفير العراق بالجزائر عن طريق وزارة الخارجية، وجرى إرسال وفد عسكري عراقي من الطيران العسكري، وعاين حطام الطائرة، ثم عاد الوفد العراقي إلى بلاده.
ولكنّ قوجيل يلمح إلى أنّ الرئيس الشاذلي لم يشأ أن يبلغ صدام بأنّ بغداد هي المسؤولة عن اغتيال بن يحيى، لكنه أفاد بأنّ الشاذلي طلب منه نقل رسالة إلى الرئيس، فيروي، كما نقلت ذلك صحيفة "الشروق" الجزائرية: وصلت بغداد ليلاً، استقبلني وزير النقل العراقي وكان جنرالاً. انتظرنا في صالة وجاءني صدام حسين، فأبلغته بأنني وزير النقل وموفد الرئيس الشاذلي.. ثم سلمته نتائج التحقيق وأبلغته بأنّ الصاروخ الذي استهدف الطائرة عراقي وسوفياتي الصنع. لم أسمع من الرئيس العراقي غير مناشدته الحفاظ على العلاقات بين الجزائر والعراق".
وسئل: هل استشعرتم الحرج عند الرئيس الراحل صدام حسين؟
فأجاب: "طبعاً طبعاً". ولدى سؤاله: هل قدّم لك صدام حسين توضيحات؟ أجاب: "لا لا".
نزَّار يؤكد أنّ الرئيس الجزائري حينها، كان على دراية بهذه المعلومات، وألمح المسؤولون الجزائريون لنظرائهم العراقيين بهذه الشكوك.
وتساءل، كما أوردت "بي بي سي" عن الأسباب التي منعت بن جديد من الكشف عن هذه النتائج، وأجاب: "الاحتجاج على العراق ومحاسبة صدام حسين كان أمراً أكبر من قدرات الرئيس".

تحامل

يقول الإعلامي المخضرم عبد العزيز بوباكير، كاتب مذكرات الرئيس الجزائري الراحل، الشاذلي بن جديد، إنّ "خالد نزار يتحدث عن أشياء لا علم له بها"، وتابع: "يتحدث الجنرال المتقاعد عن مقتل محمد الصديق بن يحيى، وكعادته يصمت خالد نزار دهراً ثم ينطق خلفاً، ويتحدث مثل مسيلمة الكذاب عن أحداث لم يكن شاهداً عليها، وكعادته لا يضيّع فرصة للتحامل على الرئيس الشاذلي بن جديد".

الإعلامي عبد العزيز بوباكير والرئيس الجزائري الراحل الشاذلي

يروي بوباكير في شهاداته: "طائرة "غرومان" الرئاسية فقدت الاتصال مع برج المراقبة بعد تزودها بالوقود وإقلاعها من مطار لارناكا باتجاه طهران، فشكّل الشاذلي بن جديد خلية أزمة، وخيّم الغموض على الحادث اللغز الذي ظل قائماً".

ويشير، بوباكير، إلى أنّ كلّ الاحتمالات طُرحت، وكانت معلومات الإيرانيين والأتراك والسوفييت والسوريين، شحيحة ومتضاربة، وأفاد الإيرانيون أنّ الطائرة تعرّضت لهجوم جوي من طائرتين مجهولتين، وسط أنباء عن وجود طائرتين عراقيتين في الأجواء التي كانت طائرة بن يحيى بها.

طائرة القذافي

يورد بوباكير معلومة أخرى مهمة، مفادها أنّ القذافي لمّا علم بالوساطة الجزائرية أوفد نائبه عبد السلام جلود إلى طهران على متن طائرة من نفس النوع "غرومان" لإفشال الوساطة.

هذه الجزئية يؤكدها، صالح قوجيل الوزير السابق للنقل، حيث تحدث السوريون عن طائرة جلود التي حطّت بدمشق، قبل إقلاعها مجدداً نحو طهران.

من حق الجزائر وعائلة وزير الخارجية المغتال مطالبة العراق بالاعتذار والتعويض، كما استفادت الكويت إثر اجتياح صدام لأراضيها

وفي منشور له، قال، بوباكير، إنّ الرئيس الشاذلي تعهد حينذاك، بكشف ملابسات حادث الطائرة والمسؤولين عنه، قبل أن تتمكن لجنة التحقيق من الحصول على رقم الصاروخ الروسي الصنع، وكشف الروس للمحققين الجزائريين أنّ الصاروخ المذكور بيع للعراقيين، واتضح أنّ الصاروخ الذي أسقط طائرة بن يحيى، عراقي.
يشير قوجيل: "غداة تسليمي تقرير لجنة التحقيق إلى صدام، وتأكيدي له أنّ الصاروخ الذي فجّر الطائرة الجزائرية، عراقي روسي الصنع، ناشدني صدام بضرورة الحفاظ على علاقات الجزائر والعراق الأخوية.

من جانبه، أكد الكاتب والإعلامي عمار بلحيمر لـ "حفريات"، أنّ صدام استقبل بن يحيى في قصره ببغداد بتاريخ السابع عشر نيسان (أبريل) 1982، لكن لم يتسرب أي شيء عن تلك المقابلة التي أتت بعد تمزيق صدام لاتفاق الجزائر المُبرم مع شاه إيران عام 1975 حول شط العرب.

ونقل بلحيمر عن أحمد طالب الإبراهيمي وزير الخارجية الجزائري السابق، صدمة وذهول الأخير من "برود" و"تباعد" و"صمت" صدام إزاء أدلة المحققين حول تورطه في مأساة أودت بحياة وزير و13 من خيرة أبناء الجزائر.

ويشير بلحيمر إلى الدور الفارق الذي لعبه الوزير الجزائري للخارجية في حلّ أزمة الرهائن الأمريكيين بطهران في كانون الثاني (يناير) 1981. 

 الجنرال المتقاعد خالد نزار

جريمة لا تسقط بالتقادم

رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، بوجمعة غشير، يبدي استغراباً لمن يتعاملون مع ما حدث قبل 36 عاماً على أنّه "اكتشاف جديد"، ويشير غشير لـ "حفريات"، جازماً بأنّ الجميع يعلم بمسؤولية صدام الكاملة عن إسقاط الطائرة الجزائرية، ولم يكن أحد بحاجة إلى مذكرات الجنرال المتقاعد، خالد نزار، حتى يكتشف ذلك.

اقرأ أيضاً: اختلف مع صدام وهو في عليائه: علي الحلي ينطفىء كما شعلة البعث

ويشدّد غشير على أنّه رغم "طي الملف سياسياً باسم العروبة والعلاقات الثنائية"، إلاّ أنّ ما حصل يبقى جريمة لا تسقط بالتقادم، ومن حق الجزائر وعائلة وزير الخارجية المغتال مطالبة الدولة العراقية بالاعتذار والتعويض، على منوال استفادة الكويت من تعويضات ضخمة إثر اجتياح صدام لأراضيها.

وعاد غشير لمطالبة سلطات بلاده بالكشف عن الحقيقة الكاملة لما حدث ليلة الثالث آيار(مايو) 1982، ويبقى القادم كفيلاً بكشف المزيد عن أسرار حادث لا يزال يثير الضجيج.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية