هل تكون 2021 سنة تخلي أردوغان عن دعم الإخوان المسلمين؟

هل تكون 2021 سنة تخلي أردوغان عن دعم الإخوان المسلمين؟


08/04/2021

ترجمة وتحرير: محمد الدخاخني

في الأعوام الأخيرة، بعد الانقلاب غير المتقَن وغير الموفّق الذي حاول إطاحته، عام 2016، تبنّى الرّئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان، مواقف وسياسات داخليّة ودوليّة متطرّفة بشكل متزايد لم تعزل تركيا عمليّاً عن حلفائها التقليديّين في حلف شمال الأطلسيّ (والذي كانت جزءاً منه منذ تأسيسه) فقط، بل أيضاً عن كافّة نظرائها الجيوسياسيّين في الشّرق الأوسط تقريباً.

من المحتمل أن يعيد "هجوم العذوبة" تركيا إلى طاولة المفاوضات، بعد التخلّي عن الأصوليّة الإسلاميّة، ممّا يسهم في البحث عن "ذوبان الجليد" في العلاقات الدوليّة

في محاولته القيام بدور قياديّ في الألعاب الجارية في منطقة البحر الأبيض المتوسّط ​​والشّرق الأدنى، من سوريا إلى ليبيا، مروراً بناغورنو كاراباخ، أضفى الرّئيس أردوغان على دبلوماسيّة بلاده انحرافاً إسلامويّاً، انبنى، على وجه الخصوص، على دعم الحركة الأصوليّة للإخوان المسلمين، والتي إذا كانت، من ناحية، قوّته داخليّاً، فإنّها، من ناحية أخرى، قادته إلى تكوين أعداء أكثر من قدرته على التحمّل بشكل معقول.

ظهرت ذروة العزلة الدوليّة لتركيا بشكل صارخ، في تشرين الأوّل (أكتوبر) من العام الماضي، بعد القتل الوحشيّ للمعلّم صمويل باتي في فرنسا، على يد متطرّف مسلم من أصل أذربيجانيّ، لأنّ باتي "أذنب" بعرضه رسوماً كاريكاتوريّة لمجلّة "شارلي إيبدو" عن النبيّ محمّد داخل الفصل الدراسيّ.

انتقد الرّئيس ماكرون أولئك الّذين، "باسم النّبيّ محمّد"، يؤجّجون نيران الإسلامويّة الراديكاليّة في فرنسا بهدف إثارة الشّباب المسلم وتشجيعه على تحويل غضبه المتعلّق بالتّهميش المجتمعيّ الاقتصاديّ إلى فتنة دينيّة.

اقرأ أيضاً: الإعلام الإخواني.. أزمات طاحنة ورحلة "قسرية"

وهكذا، بأوامر من الرّئيس الفرنسيّ، بدأت قوّات الأمن في التّحقيق، وفي إجراء عمليّات تفتيش داخل الدّوائر السّلفيّة الفرنسيّة التي يسيطر عليها حوالي ثلاثمائة إمام تركيّ استقرّوا في فرنسا.

ومن جانبها، أثارت تصريحات ماكرون ومبادرات قوّات الأمن الفرنسيّة ضدّ الأصوليّة الإسلاميّة في فرنسا غضب الرّئيس التّركيّ الذي لم يتردّد في وصف زميله الفرنسيّ بـ "ميّت الدّماغ"، الذي يعامل مسلمي فرنسا "كما عومل اليهود في ألمانيا تحت حكم هتلر".

لقد أضافت كلمات الرّئيس أردوغان البنزين إلى نار العلاقات الصّعبة بالفعل بين فرنسا وأقلّية من السلفيّين النّاشطين في البلاد؛ فبعد أيّام قليلة من تصريحات أردوغان العلنيّة، قتل شابّ تونسيّ في نيس ثلاثة أشخاص داخل كاتدرائيّة.

وعند ذلك المنعطف، استدعت فرنسا سفيرها من أنقرة، وجمّدت علاقاتها مع بلد كان يعدّ لعقود من الزّمان شريكاً تجاريّاً وسياسيّاً وعسكريّاً قويّاً.

وفي نهاية عام 2020، تراجعت العلاقات الدوليّة لتركيا إلى أدنى مستوياتها في التّاريخ الحديث.

حتّى المزاعم المبررة، مثل طلب إعادة تعريف الحدود البحريّة مع اليونان، لم تعد تحظى بدعم الدبلوماسيّين الأوروبيّين، في حين أنّ النّشاط التركيّ في ليبيا لدعم رئيس حكومة الوفاق الوطنيّ، الذي فرضته الأمم المتّحدة ودعمته الميليشيّات الإسلامويّة، وضع أنقرة في مسار تصادميّ مع روسيا ومصر، اللتين انحازتا بدورهما إلى الجنرال "العلمانيّ" في برقة، خليفة حفتر.

وزير الخارجيّة التّركيّ، مولود جاويش أوغلو، وقال إنّه "بعد أعوام من العداء وانعدام الثّقة المتبادل، حان الوقت لاستئناف الاتّصالات تدريجيّاً مع مصر"

في السّابق، وبسبب براغماتيّة سياستها الخارجيّة، لم تُعتبر تركيا جديرة بالانتماء إلى حلف شمال الأطلسيّ فقط، لكن أيضاً كشريك موثوق به، وله مصداقيّة لعقود من جانب أوروبا والولايات المتّحدة. وفي نهاية العام الماضي، وجدت تركيا نفسها في عزلة تامّة على المستوى الدوليّ وتواجه صعوبات كبيرة على المستوى الوطنيّ، بسبب آثار الجائحة والأزمة الاقتصاديّة الزّاحفة.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: مغالطات واتهامات بالتآمر وتحذيرات وجدل في أوروبا

بسبب ما ورد في هذه الخلفيّة، كما هو محتمل، قام الرّئيس أردوغان منذ بداية هذا العام بتغيير إستراتيجيّته، وأطلق ما نعته مراقبون دوليّون بـ "هجوم العذوبة"، في محاولة لإعادة فتح قنوات الحوار بين تركيا والدّول الغربيّة والقوى الإقليميّة في الشّرق الأوسط (من إسرائيل إلى مصر، ومن المملكة العربيّة السّعوديّة إلى الإمارات)، حوار تمّ تجميده بسبب القرار المتهوّر وغير المدروس بدعم جماعة الإخوان المسلمين دائماً وفي كلّ حال.

بعد تدشين قناة سريّة للتّعاون مع إسرائيل في محاولة لإيجاد حلّ للحرب الأهليّة الصّغيرة حول ناغورنو كاراباخ؛ إذ نجحت تركيا، بدعم إسرائيل "الخفيّ"، في دعم قضايا التّركمان الأذربيجانيّين المسلمين، على حساب الأغلبيّة المسيحيّة الأرمينيّة، قرّر الرّئيس أردوغان إعادة فتح العلاقات مع مصر.

بعد ثمانية أعوام من العلاقات المتوتّرة أو الغائبة، أعادت تركيا فتح باب الحوار مع مصر تحت راية "السّياسة الواقعيّة" الّتي بدا أنّ الرّئيس أردوغان قد نسيها.

اقرأ أيضاً: "الإخوان"... العودة إلى الشتات

ومنذ عام 2013، عندما أطيحت حكومة الرّئيس مرسي، زعيم الإخوان المسلمين في مصر والفائز في انتخابات 2012، توتّرت العلاقات بين البلدين، وتزايد هذا عندما منح الرّئيس التركيّ بشكل صارخ حقّ اللجوء السياسيّ لكافّة مساعدي مرسي والمتعاونين معه وكافّة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الّذين فرّوا إلى تركيا.

وفي 12 آذار (مارس) 2021، في بيان مفاجئ، اعترف الرّئيس أردوغان في مؤتمر صحفيّ؛ بأنّه "اتّخذ خطوات دبلوماسيّة" لتحقيق "المصالحة مع مصر".

وأكّد وزير الخارجيّة التّركيّ، مولود جاويش أوغلو، هذا التّغير في السّياسة، وقال إنّه "بعد أعوام من العداء وانعدام الثّقة المتبادل، حان الوقت لاستئناف الاتّصالات تدريجيّاً مع مصر".

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: صراعات داخلية وانقسامات تضرب الجماعة من تركيا إلى المغرب

ووفق مصادر دبلوماسيّة، هناك سببان رئيسان أقنعا الرّئيس التركيّ بتغيير موقفه.

يمكن إرجاع السّبب الأوّل إلى عزلة تركيا الكاملة والخانقة في منطقة البحر الأبيض المتوسّط ​​والشّرق الأوسط بأكمله.

والثّاني، وهو أكثر عمليّة وواقعيّة: يمكن لمناقشة تعريف جديد لحدود تركيا البحريّة في البحر الأبيض المتوسّط ​​مع مصر أن تمكّن تركيا من التّفاوض، من موقع أكثر صلابة، على مشكلة الـ "12 ميلاً" وتوسيع، ضمن الحدود المقبولة، لطحدود المياه الإقليميّة "المخنوقة" حالياً بسبب قرب الجزر اليونانيّة من السّاحل التّركيّ.

ووفق الحكومة التّركيّة؛ فإنّ اتّفاقاً تركيّاً مصريّاً بشأن الحدود البحريّة يمكن أن يؤدّي إلى اتّفاق إضافيّ حول الموضوع نفسه مع إسرائيل.

ووفق مصادر موثوقة للغاية، تلقّى رئيس جهاز المخابرات التّركيّة، الجنرال هاكان فيدان، أوامر مباشرة من الرّئيس أردوغان بإعادة إقامة الاتّصالات والعلاقات (الّتي توقّفت منذ 2013) مع المخابرات المصريّة.

اقرأ أيضاً: التضييق الأوروبي على الإخوان.. هل يشمل استثمارات التنظيم؟

وبسبب الالتزام الشّخصيّ لأمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، الحليف الأخير المتبقّي في المنطقة للرّئيس أردوغان، أقامت المخابرات التركيّة اتّصالات مع نظرائها المصريّين، في أوائل آذار (مارس) من هذا العام، وكبادرة تعاون تجاه مصر، وضعت السّلطات الأمنيّة التّركيّة ثلاثين مصريّاً من الإخوان المسلمين، ممّن استُقبلوا لاجئين في تركيا، تحت رقابة أمنيّة مشدّدة لاحتمال تسليمهم.

في غضون ذلك، طلبت السّلطات التّركيّة من القنوات التلفزيونيّة المصريّة الثّلاث "المستضَافة" في تركيا، وهي شبكات: "الشّرق"، و"مكملين"، و"الوطن"، تخفيف حدّة انتقاداتها للحكومة المصريّة، كما طُلب من القنوات الثّلاث فجأة "مراجعة سياساتها التّحريريّة" إذا أرادت الاستمرار في الاستمتاع بالضّيافة التّركيّة.

ووفق مصادر صحفيّة سعوديّة، فقد تمّ وضع العديد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الّذين لجؤوا إلى تركيا رهن الإقامة الجبريّة.

بدأت دبلوماسيّة المقعد الخلفيّ التي وضعها الرئيس أردوغان من خلال المخابرات التّركيّة تؤتي ثمارها: أدّت الاتّصالات بين الجنرال فيدان ونظيره المصريّ، الجنرال عباس كامل، إلى اتّفاق في ليبيا فضّل تعيين عبد الحميد الدّبيبة رئيساً لحكومة الوفاق الوطنيّ، ليحلّ محلّ فايز السّراج الذي فقد مصداقيته.

اقرأ أيضاً: السرديات الانعزالية لجماعة الإخوان: ثمانية عقود من تدمير الهوية الوطنية

وبفضل التزام المخابرات التّركية والمصريّة وراء الكواليس، بدأ "هجوم العذوبة" الذي شنّه الرّئيس أردوغان يؤتي ثماره، وبعد أعوام من القرارات المتهوّرة والطّائشة والمغامِرة، من المحتمل أن يعيد "هجوم العذوبة" هذا تركيا إلى طاولة المفاوضات، بعد التخلّي عن الأصوليّة الإسلاميّة، ممّا يسهم في البحث عن "ذوبان الجليد" في العلاقات الدوليّة، وهو ذوبان يحتاجه العالم لإصلاح الضّرر الهائل الذي تسبّبت فيه الجائحة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

جانكارلو إليا فالوري، مودرن دبلوماسي، 2 نيسان (أبريل) 2021



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية