هل تواجه فرنسا انتفاضة السكاكين؟

هل تواجه فرنسا انتفاضة السكاكين؟


كاتب ومترجم جزائري
18/09/2018

ترجمة: مدني قصري


في أوبيركامبف؛ أُلقي القبض على رجل كان يصرخ "الله أكبر"، ويتحدث عن الجهاد، صباح يوم الإثنين، 10 أيلول (سبتمبر).

في اليوم السابق؛ وقعت سلسلة من هجمات الطعن بالسلاح الأبيض، يوم الأحد، 9 أيلول (سبتمبر)، في باريس، في الدائرة 19، فإذا لم يكن هناك أيّ مؤشر يسمح بافتراض المسار الإرهابي في هذه المرحلة، فإنّ هذا الهجوم يظلّ صدى لعدة هجمات من النوع الذي تعلن "الدولة الإسلامية" مسؤوليتها عنه.

كلما انتشرت الأيديولوجيا أعطت شرعية أوسع لمن يريدون الانتقال إلى الفعل

حرب السكاكين

حول هذا الموضوع؛ نشر موقع "أتلانتيكو" (atlantico.fr) الإخباري، رأي الخبيرين الفرنسيين، فرانسوا برنار هويغ وألكسندر ديل فالي.

أتلانتيكو: 900٪ هو الرقم الذي كشف عنه معهد "مونتين" (Montaigne)، الذي يتعلق بزيادة عدد المسلمين السلفيّين في فرنسا منذ عام 1990. واليوم؛ تجمع هذه الأيديولوجيا بين 30000 و50000 شخص، هل يمكننا تأسيس علاقة بين الزيادة التي ذكرها تقرير "مونتين" وهذا النوع من الأحداث؟

اقرأ أيضاً: هتاف "الله أكبر" كاد يودي بحياة فرنسي في إسبانيا

فرانسوا برنار هويغ: نعم، طالما لا يتعلق الأمر بإيعاز أيّ هجوم بسكين من قبل شخص غير أوروبي، إلى هجوم جهادي منهجي. لكن هناك، مع ذلك، علاقة بالفعل، ما دامت الهجمات بالسكين، كالتي رأيناها منذ عام في فرنسا، هي هجمات قام بها أفراد منزوون، أو بمشاركة مجموعة صغيرة من الأصدقاء الذين يدّعون أيديولوجيا جهادية، ولكنهم ليسوا كوماندوز (عصابات) منظمين.

الجهادية هي الالتزام والمشاركة في كفاح مسلح لإقامة الخلافة على أرض الواقع

الجهادية مشروع عالمي

(...) علينا أن نميّز الأشياء قليلاً؛ الجهادية هي الالتزام والمشاركة في كفاح مسلح لإقامة الخلافة على أرض الواقع، والدفاع عنها على الأرض، هذا الجهاد ينطوي على استخدام وسيلة تسمَّى الإرهاب لغرض سياسي، إنه يختلف عن الإسلاموية التي تشترك في الضالة نفسها، لكنّها لا تريد أن ترسيها بمواجهة مسلحة، فهذا الجهاد يريد التسلل إلى الجمعيات والمؤسسات لتغيير الأشياء من الداخل.

اقرأ أيضاً: حادثة طعن جديدة في باريس..هذه هي دوافع المنفّذ

أنا لا أحب المقارنة مع الانتفاضة؛ لأنّ الانتفاضة ثورة شعب، أو على الأقل ثورة شباب، ثورة عفوية لا تملك من الوسائل غير قذف الحصى على الجنود الإسرائيليين، وإذا كان لا بدّ من مقارنة بالانتفاضة الأولى، فستكون هذه المقارنة مع أعمال الشغب التي تجري في الضواحي الفرنسية.

في الجهادية؛ نحن في مشروع كوكبي (عالمي)، علينا ألا نخلط كثيراً بين الإثنين.

في أوبيركامبف أُلقي القبض على رجل كان يصرخ "الله أكبر" في 10 أيلول

دور الأيديولوجيا في شرعية الفعل الجهادي

ألكسندر ديل فالي: أوّلاً؛ "ما بين 30000 و50000 فارق منخفض"، في أواخر التسعينيات، قدّرت وزارة الداخلية بحوالي 50000 متعاطف، لا أرى كيف يمكن أن يكون هذا أقل مما كان قبل 20 عاماً، إلا أنه لا يمكننا إلقاء اللوم صراحة على هذا التقرير، واتهامه بالمبالغة.

ثم يمكننا بسهولة إجراء علاقة بين ما يقوله تقرير معهد "مونتاين" وما يحدث الآن:

هناك، أوّلاً، تحليل أيديولوجي للمشكلة، فكلما انتشرت الأيديولوجيا أكثر، أعطت شرعية أوسع لأولئك الذين يريدون الانتقال إلى الفعل.

التأثير السيكولوجي

ألكسندر ديل فالي: لكن يمكننا أيضاً التحدث عن التأثير النفسي الذي يطلق عليه أيضاً تعبير "تأثير ويرثر" (the Werther effect)، الذي يوضح أنّه عندما تكون هناك هجمات بهذا النوع الذي يحظى بدعاية إعلامية واسعة، فإنه يمكن أن يقدم أفكاراً للكثير من الآخرين.

اقرأ أيضاً: داعش يتبنى هجوم باريس

إذاً، عند 50٪ يُعدّ تقرير مونتين مصدراً جيداً للتفسير الذي يبيّن أن الأيديولوجيا تتوسع، لكنّ تأثير التقليد والمحاكاة، هذا الذي يمكن أن يجذب أي شخص، حتى الشخص الذي لا علاقة له بأيديولوجيا معيّنة، هو النصف الثاني؛ إنّه تأثير التقليد والمحاكاة، المغطى إعلامياً، الذي يمكن أن يجذب أيّ مريضٍ مصاب باضطرابات نفسية.

ألكسندر ديل فالي: وسائل الإعلام هي أوّل من يلام!

الإرهابي يُشعل الفتيل والإعلام يفجّر القنبلة

أتلانتيكو: لوسائل الإعلام مسؤوليتها إذاً؟

ألكسندر ديل فالي: وسائل الإعلام هي أوّل من يلام! أقول هذا في كتابي "إستراتيجية التخويف"، وكما يقول المحلل الأمريكي العظيم والتر ليكر؛ فإنّ الإرهابي يُشعل الفتيل، لكنّ وسائل الإعلام هي التي تفجر القنبلة، القنبلة بمعنى الصدمة النفسية.

تحدث العديد من الجرائم المميتة كلّ يوم، دون أن يتحدث أحد عن ذلك، هذه هي عبقرية الجهاديين، إنّه تحقيق تأثير مضاعف بفضل التغطية الإعلامية، هذه الظاهرة موجودة، لا يمكن إنكارها، لكن أولئك الذين يضاعفونها، هم أصحاب وسائل الإعلام.

الأمر أشبه ما يكون بزوجين، الإرهابيون لا يعيشون دون وسائل الإعلام.

التقليد يمكن أن يجذب أي شخص حتى لو لم تكن له علاقة له بأيديولوجيا معيّنة

كيف تكافَح هذه الظاهرة؟

ألكسندر ديل فالي: علينا أن نواصل الحديث في هذا الشأن بالطبع، لكن يمكن القيام بذلك من خلال المزيد من مدح بطولة الضحايا، من خلال وضعهم في دائرة الضوء، دون إعطاء أهمية كبيرة للجلاد.

يجب علينا ألا ننكر مسؤولية المجرم، لكن مع منحه مساحة أقل، هل تذكرون أنه عند محاكمة الإرهابي (الفرنسي الجزائري الأصل)، محمد مراح، رأينا والدته تبكي؟!

مثال روسيا

(...) هنا أستشهد بمثال روسيا؛ حيث ما كان يمكن لهذا أن يحدث أبداً، هناك، في روسيا، يُتّهم الوالدان بالمسؤولية؛ إذ يتم وضع الأسرة بأكملها في الحجز على الفور.

روسيا لا تعطي فرصة لمعسكر الجلادين للدعاية عن أنفسهم؛ فهنا يكمن هدف الإرهابي، في أن نتحدث عنه وعن أيديولوجيته.

الأمر متروك لنا للقيام بسيناريو محدّد، وحالياً، وسائل الإعلام تصنع وتحاكي سيناريو الإرهابيين.

 هويغ: هذه مشكلة طويلة الأمد بسبب طبيعة وتنظيم العبادة الإسلامية نفسها

كيف نفسّر تضاعف هذا النوع من الهجوم "المرتجل"؟

فرانسوا برنار هويغ: من جهة؛ أوصى بهذا النوع من الهجمات تنظيم داعش نفسه؛ ففي بيان له دعا هذا التنظيم إلى قتل الكفار بكل وسيلة ممكنة، وتستجيب هذه الأفعال بشكل جيّد لتوصيات المنظمة الإرهابية، لكنها أيضاً تعكس ضعف المنظمة الإرهابية؛ لأنّ تنظيم عمليات رئيسة اليوم، مثل عملية 13 تشرين الثاني (نوفمبر)، أمر أكثر تعقيداً وصعوبة، وأيضاً لأنّ أجهزة استخباراتنا اكتسبت خبرة.

عندما تكون هناك هجمات تحظى بدعاية إعلامية واسعة فهذا يمكن أن يقدم أفكاراً للكثير من الآخرين

يمكننا الآن أن نراوغ لساعات حول أصول التطرف، وحول الاضطرابات النفسية المحتملة (التي لا تتعارض بالضرورة مع فعل إرهابي)، لكنّهم جميعاً يفعلون ذلك باسم أيديولوجيا محددة، فإذا ارتفعت هذه الأيديولوجيا فهناك بالضرورة علاقة.

أتلانتيكو: لمواجهة هذاالتقدم؛ يتصور حكيم القروي (3) "إعادة تنظيم العبادة لمحاربة الإسلاموية"، التي ستتمثل في "إنشاء مؤسسة مسؤولة عن تنظيم وتمويل الدين الإسلامي"، الجمعية الإسلامية لإسلام فرنسا (Amif)، كيف تثمن هذا "الحلّ"؟ هل يمكننا فعلاً إنشاء "إسلام فرنسا" في زمن يوتيوب؟

فرانسوا برنارد هويغ: إنها إعادة اختراع "الاتحاد الفرنسي للمنظمات الإسلامية" (UOIF)؛ هذه مشكلة طويلة الأمد، بسبب طبيعة وتنظيم العبادة الإسلامية نفسها، إنها فكرة جيدة، مبدئياً على ما يبدو، أن يكون هناك اتحاد للإسلام في فرنسا، وأن نجمع في مكان واحد محاورين معقولين للوصول إلى وضع حدّ للنفوذ السلفي، ولعلنا سنعثر عليهم بسهولة أكثر، حتى مع تصاعد التأثير السلفي في فرنسا، فإنّ المسلمين السُنّة الفرنسيين ليسوا في غالبيتهم الساحقة من الوهابيين السلفيين، فإسلام فرسنا المعتدل المشهور هذا هو الذي نحلم به، المشكلة الآن هي التطبيق.

خطر التأثير الوهابي

(...) التأثير الوهابي قوي جداً على الشبكات الاجتماعية، فالشباب معرّضون جداً لتأثير هؤلاء، وهم وعاظ معتدلون إلى حدّ ما، لكن قد ينتهي الأمر بهؤلاء الشباب في نهاية المطاف إلى اعتبار إمام مسجدهم كعميل خارجي معتدل، وليس مسلماً حقيقيّاً قوياً.

لم يتمكن أحد أبداً من إنشاء خطاب مضاد حقيقي، العديد من الجمعيات تشجب هؤلاء الوعاظ والنفوذ السلفي على الشبكات الاجتماعية، التي يتم تمويلها وتنظيمها، محاربة هؤلاء فيما نحن لا نملك خطاباً مضاداً ومتماسكاً، أمر يبدو صعباً للغاية.

مجلس العبادة يرأسه صديق مقرب من أردوغان

ألكسندر ديل فالي: إنّني أقول هذا منذ أعوام؛ منذ ثلاثين عاماً، وأولئك الذين يعرفون الموضوع يقولون هذا، لقد تركنا الأمور تسير على عواهنها. إنّ مجلس العبادة المسلمة، الفرنسي، يرأسه أحمد أوجراس، وهو صديق مقرّب لأردوغان، وهذا أمر غير مقبول، فقد حان الوقت لتأسيس عبادة طبيعية تمثل المسلمين الفرنسيين العاديين.

اقرأ أيضاً: هل تنجح باريس في تجفيف منابع تمويل الإرهاب الدولي؟

نعم، إسلامٌ خاص بفرنسا ممكن للغاية، نحن فقط لم تكن لدينا الإرادة في ذلك، إنّ إسلام فرنسا، في الوقت الحالي، هو "ثروة" مدفونة يتصارع من أجلها العديد من المنافسين الأجانب الذين يرغبون في اقتسام السوق.

فيما يتعلق بشبكات اليوتيوب والشبكات الاجتماعية، تمكّنا من محاربة شبكات التحرش الجنسي بالأطفال، ويمكننا أن نفعل الشيء نفسه ضدّ الحركات المتطرفة.

مجلس العبادة المسلمة، الفرنسي، يرأسه أحمد أوجراس وهو صديق مقرّب لأردوغان

مثال النمسا

على مستوى العبادة، يمكننا أن ننشئ نظاماً يمنع بشكل صارم المتطرفين الذين لا يشاركوننا قِيمنا، هذا ما فعلته النمسا، قبل وصول اليمين المتطرف إلى السلطة، عام 2015؛ فهي دولة ذات تقاليد إسلامية قديمة جداً، كان لديها دائماً تقليد لتمثيل العبادة الإسلامية على المستوى الرسمي، في الأعوام الأخيرة، أدركت أنّ الإسلام احتكره المتعصبون، وقد قامت بحظر كامل للمساجد السلفية، وطردت جميع السلفيين الموالين للسعودية، واستبدلت هؤلاء المتعصبين بمسلمين حققوا إسلاماً متوافقاً.

نحن لسنا أكثر غباء من النمساويين، ربما نحن نسير في الاتجاه الصحيح، ومع ذلك، لم تبدأ فرنسا حتى عام 2017 بالتفكير في هذا الاتجاه.

هامش:

(1) ولد حكيم القروي في 1971، في باريس، لأب تونسي قدم إلى فرنسا في 1958، ويعمل أستاذاً جامعياً في الأنثروبولوجيا القانونية للإسلام في جامعة السوربون.


المصدر atlantico.fr

الصفحة الرئيسية