هل ستصبح أفغانستان ملاذاً آمناً للإرهاب مرة أخرى؟

هل ستصبح أفغانستان ملاذاً آمناً للإرهاب مرة أخرى؟


18/04/2021

ترجمة: محمد الدخاخني

قادت هجمات 11 سبتمبر القوّات الأمريكيّة إلى أفغانستان عام 2001، فيما أصبحت حرباً استمرّت لعقدين، والآن، يثير قرار الرّئيس بايدن بسحب القوّات العسكريّة سؤالاً مركزيّاً: هل سيظهر خطر الإرهاب ضدّ أمريكا من جديد من أفغانستان؟

الجواب: لا، على الأقلّ ليس على الفور، لكن على المدى الطّويل، فإنّ الإجابة عن السّؤال أصعب بكثير، ويحذّر بعض المسؤولين الحاليّين والسّابقين من أنّ الولايات المتّحدة قد تجد نفسها عائدةً إلى أفغانستان مثلما حصل في العراق.

 

لا تعتقد وكالات التجسس الأمريكية أنّ القاعدة، أو الجماعات الإرهابيّة الأخرى، تشكل تهديداً مباشراً لضرب الولايات المتّحدة من أفغانستان، وهو تقييم رأته إدارة بايدن محوريّاً

لقد عرض مسؤولو المخابرات على إدارة بايدن صورةً قاتمةً إجمالاً لمستقبل أفغانستان نفسها، وتوقّعوا أن تحقّق طالبان مكاسب في ساحة المعركة، وأن تكافح القوّات الحكوميّة الأفغانيّة للسّيطرة على الأراضي، وأنّه من غير المرجّح التّوصّل إلى اتّفاق سلام بينهما، وتمّ الإعلان عن الخطوط العريضة لهذا التّقييم في تقرير استخباراتيّ، صدر يوم الثّلاثاء.

ومع ذلك، فيما يتعلّق بالسّؤال الحاسم حول ما إذا كانت التّهديدات المباشرة للولايات المتّحدة ما تزال موجودة في أفغانستان، قدّمت وكالات التّجسّس الأمريكيّة بشكل خاصّ صورةً أكثر ورديّة.

لا تعتقد الوكالات أنّ القاعدة، أو الجماعات الإرهابيّة الأخرى، تشكل تهديداً مباشراً لضرب الولايات المتّحدة من أفغانستان، وهو تقييم رأته إدارة بايدن محوريّاً في وزنها استمرار الحرب أو سحب القوّات هذا العام.

خطّطت القاعدة لهجمات 11 سبتمبر من أفغانستان، وفي الأسابيع التي تلت الهجمات، شنّت الولايات المتّحدة غزوها لطرد الجماعة الإرهابيّة من ملاذها والإطاحة بطالبان، التي كانت تؤوي القاعدة، من السّلطة.

كان غزو أفغانستان إيذاناً ببدء حقبة حرب استمرّت عقوداً، حيث اشتدّ القتال العسكريّ في معارك مكافحة التّمرّد، باسم منع هجمات إرهابيّة جديدة على أمريكا.

علاقة القاعدة بطالبان

ووفق ثلاثة من كبار المسؤولين المطّلعين على المعلومات الاستخباراتيّة؛ ما يزال تنظيم القاعدة وفرع تنظيم داعش في أفغانستان ضعيفين للغاية داخل البلاد، ويركّز مقاتلو داعش في أفغانستان على تحقيق مكاسب محلّية، وليس على تصعيد الهجمات الدّوليّة، وما تزال طالبان معادية لداعش.

اقرأ أيضاً: هل تستعيد طالبان سيطرتها على أفغانستان؟

علاقة القاعدة بطالبان أكثر تعقيداً بكثير؛ فقبل هجمات 11 سبتمبر، قدّمت الحكومة الأفغانيّة، التي تسيطر عليها طالبان، ملاذاً آمناً للقاعدة، وكجزء من اتّفاقية السّلام لعام 2020 مع الولايات المتّحدة، وافقت طالبان على قطع العلاقات مع الجماعات الإرهابيّة، بما في ذلك القاعدة، ومنعها من العمل داخل أفغانستان، ويظلّ من غير المعروف ما إذا كانت طالبان تعتزم احترام هذا الاتّفاق.

لا أحد يستطيع أن يتنبّأ بما إذا كانت القاعدة ستتعافى، أو وفق أيّ سرعة، لكن يعتقد بعض المسؤولين أنّه من غير المرجّح أن تكون الولايات المتّحدة غير مدركة لتهديد القاعدة المتجدّد، مشيرين إلى قدرات مكافحة الإرهاب الأمريكيّة وجمع المعلومات الاستخباريّة الّتي تراكمت على مدى العقدين الماضيين.

وفي مقابلة يوم الثّلاثاء، قال النّائب آدم ب. شيف، وهو عضو ديمقراطيّ عن ولاية كاليفورنيا ورئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النّواب: إنّ "تهديد الإرهاب من المنطقة الأفغانيّة ليس صفراً، لكنّه، في الوقت الحاليّ، أقلّ ممّا هو عليه في أجزاء أخرى من العالم"، وأضاف: "لذا، فإنّ السؤال هو: هل يمكننا الاستمرار في قمع التّهديد الإرهابيّ القادم من جنوب غرب آسيا، دون أن تكون قوّاتنا على الأرض في أفغانستان؟".

 ووفق كبار المشرّعين الذين اطّلعوا على التّقييمات السرّية؛ فإنّه إذا انسحبت الولايات المتّحدة من أفغانستان، فليس من الواضح ما إذا كان بإمكان القاعدة إعادة بناء قاعدة لها هناك لتنفيذ هجمات إرهابيّة ضدّ الولايات المتّحدة، وحتّى إن تمكّنت القاعدة من النّهوض، فقد تساءل بعض المسؤولين عمّا إذا كانت الجماعة قد تختار منطقةً أخرى ينعدم فيها القانون، وليس أفغانستان.

ماذا قال رئيس لجنة القوّات المسلّحة بمجلس النواب الأمريكي؟

"ما الّذي سيكون عليه هذا التّهديد حقّاً؟"، قال النّائب آدم سميث، الدّيمقراطي عن واشنطن ورئيس لجنة القوّات المسلّحة بمجلس النوّاب، الشّهر الماضي، خلال مؤتمر افتراضيّ حول أفغانستان، وأضاف: "هذه ليست التّسعينيّات عندما أقام تنظيم القاعدة معسكرات، وكان لديه طالبان، ولم يكن أحد متنبّهاً إليهما".

اقرأ أيضاً: في أي اتجاه تراجع إدارة بايدن نهجها في أفغانستان؟

لكن مسؤولين حاليّين وسابقين أقرّوا بأنّ جمع المعلومات الاستخباراتيّة سيصبح أكثر صعوبة بمجرّد مغادرة القوّات الأمريكيّة؛ ففي حين أن بعض عمليّات مكافحة الإرهاب ضدّ الإرهابيّين داخل أفغانستان يمكن إجراؤها من قواعد بعيدة في الخليج وأماكن أخرى خارج البلاد، فإنّها محفوفة بالمخاطر ويصعب تنفيذها، وقد يتردّد بايدن، أو الرّؤساء المستقبليّون، في الموافقة عليها.

ويقول بعض مسؤولي مكافحة الإرهاب؛ إنّه مع وجود حكومة أفغانيّة ضعيفة تواجه ضغوطاً من طالبان، ستكون الظّروف مواتية لنموّ خلايا القاعدة.

"تُعدّ المساحات غير الخاضعة للحكم، ناهيك عن منظّمة إرهابيّة معروفة وتُهيمن على دولة مثل طالبان، أرضاً خصبة مثاليّة للجماعات الإرهابيّة المتباينة التي تُهدّد الولايات المتّحدة لإيجاد ملاذ آمن ومأوى"؛ يقول مارك بوليمروبولوس، وهو مسؤول سابق في وكالة المخابرات المركزيّة الأمريكيّة وضابط قضى معظم حياته المهنيّة في العمل على عمليّات مكافحة الإرهاب، بما في ذلك أفغانستان.

تهديد منخفض

ورغم أنّ تهديد الجماعات الإرهابيّة الدّوليّة العاملة من أفغانستان منخفض، فإنّه قد لا يستمرّ على هذا النّحو، كما يقول مايكل ب. مولروي، وهو مسؤول سابق في البنتاغون وضابط في وكالة المخابرات المركزيّة خدم في أفغانستان ضمن عمليّات مكافحة الإرهاب الأمريكيّة الّتي وضعت ضغوطاً متواصلة على الجماعات الإرهابيّة طوال حرب أفغانستان.

ويضيف مولروي؛ أنّه بمجرّد مغادرة القوّات، سينخفض ​​الضّغط وستتأثّر القدرة على جمع المعلومات الاستخباراتيّة في المنطقة.

ويتابع: "في حين أنّه من المفهوم أن نرغب في عودة كافّة قوّاتنا إلى الوطن، فإنّه لا ينبغي أن يكون ذلك على حساب خسارة ما ربحناه من أجل القيام بذلك". ويكمل: "إنّ إعادة تموضع قدراتنا في مكافحة الإرهاب خارج البلاد ستقلّل بشكل كبير من عمليّات جمع المعلومات الاستخباريّة وقدرتنا على القيام بعمليّات أحاديّة الجانب ضدّ التّهديدات المباشرة للوطن".

صرّح الجنرال كينيث ف. ماكنزي جونيور، قائد القيادة المركزيّة للجيش الأمريكي: منذ 11 سبتمبر، يتمثّل هدفنا الإستراتيجيّ في أفغانستان في حماية الوطن من الهجمات

ويشير مسؤولو استخبارات، حاليّون وسابقون، آخرون إلى أنّ قدرات جمع المعلومات تحسّنت بشكل ملحوظ منذ هجمات 11 سبتمبر.

ولطالما حاجج القادة الأمريكيّون، الذين أيّدوا اتّفاق السّلام مع طالبان باعتباره أفضل إجراء أمنيّ للولايات المتّحدة، بأنّ نجاح أيّ اتفاق سيتوقّف على ربط انسحاب القوّات الأمريكيّة بالظّروف الأمنيّة على الأرض.

وصرّح الجنرال كينيث ف. ماكنزي جونيور، قائد القيادة المركزيّة للجيش، في شباط (فبراير)، بأنّه: "منذ 11 سبتمبر، يتمثّل هدفنا الإستراتيجيّ في أفغانستان في حماية الوطن من الهجمات"، مشيراً إلى تنظيمي القاعدة وداعش، "ومنعهما من استخدام أفغانستان كقاعدة وملاذ آمن".

ما هو أفضل طريق؟

وأضاف: "نتّفق جميعاً في أنّ أفضل طريق هو التّوصل إلى تسوية سياسيّة تفاوضيّة بين الأفغان؛ لا أحد يناقش هذه النّقطة الأساسيّة"، وتابع: "ومع ذلك، عليك اتّباع نهج قائم على الظّروف".

لكن هذا هو بالضّبط المسار المفتوح الذي استبعده بايدن الآن، على حدّ قول مساعدين.

بالنّسبة إلى البنتاغون ومجتمع الاستخبارات، يدور النّقاش الرّئيس الآن حول مدى سهولة بدء عمليّات مكافحة الإرهاب من خارج أفغانستان، وتاريخ مثل هذه العمليّات؛ بدءاً من عمليّة "دلتا فورس" الفاشلة عام 1980 لتحرير الرّهائن الأمريكيّين في إيران، له سجل متضارب بالتّأكيد، كما أنّ ضربات صواريخ كروز، التي يتمّ إطلاقها من سفن بعيدة ضدّ أهداف إرهابيّة في أفغانستان لها معدّل نجاح منخفض.

ووفق مسؤولين درسوا هذا السّجل المتضارب، فإنّه كلّما سافرت قوّات العمليّات الخاصّة أبعد لضرب هدف، زاد احتمال فشل العمليّة، إمّا عن طريق إخطاء الهدف أو التّسبّب في فشل ذريع يقتل أفراد الخدمة الأمريكيّين.

اقرأ أيضاً: عبد الرشيد دوستم: من عامل بشركة بترول إلى أبرز أمراء الدم بأفغانستان

ويقول مسؤولون آخرون؛ إنّ الولايات المتّحدة تحسّنت بشكل مطّرد في مثل هذه العمليّات، وعندما تُمنح الموارد الكافية، فإنّ ما تسمّى "هجمات ما فوق الأفق" يمكن أن تكون خياراً قابلاً للتّطبيق لوقف تطوّر أيّة خلايا إرهابيّة في أفغانستان.

منذ وقت ليس ببعيد، سيطرت التّهديدات الإرهابيّة على تقرير "التّقييم السّنويّ للتّهديدات العالميّة"، الصّادر عن مجتمع الاستخبارات، لكن هذا الاهتمام تضاءل؛ ففي التّقرير الذي صدر الثّلاثاء، كان قسم الإرهاب العالميّ أكثر بقليل من صفحة قرب نهاية الوثيقة، المكوّنة من 27 صفحة.

ويحاجج شيف، الّذي يدعم قرار بايدن بسحب القوّات من أفغانستان، بأنّ تراجع التّهديد الإرهابيّ يعكس نجاح المجتمع العسكريّ والاستخبارات على مدى العقدين الماضيّين، ويقول إنّ الحكومة تحوّل الموارد والاهتمام بشكل مناسب لتهديدات الصّين وروسيا والإرهاب المحلّيّ.

ويضيف شيف: "لقد نجحنا، منذ 11 سبتمبر في قمع تهديد الإرهاب"، لكنّه يتابع: "لم نزله، وفي أيّة لحظة يمكن أن نتعرّض لهجوم آخر يجعل فجأةً حساب الأمور مختلفاً تماماً".

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

جوليان إي بارنز وإريك شميت، "نيويورك تايمز"، 13 نيسان (أبريل) 2021


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية