هل فوز أردوغان محسوم بالانتخابات التركية؟

هل فوز أردوغان محسوم بالانتخابات التركية؟


20/06/2018

يتّجه أكثر من ثلاثين مليون ناخب تركي (أي أكثر من حوالي نصف من يحق لهم الانتخاب)، الأحد المقبل، إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم لانتخاب رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان، في أول انتخابات تجري بعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي جرت العام الماضي، بتحول تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.

ويخوض الرئيس أردوغان هذه الانتخابات ممثلاً لتحالف العدالة مع الحركة القومية، مقابل خمسة مرشحين يمثلون أحزاب المعارضة، أبرزهم: محرم أنجه عن حزب الشعب الجمهوري، وأميرال أكشينار، إضافة إلى صلاح الدين ديميرتاش، الذي يقبع بالسجن، ممثلاً لحزب الشعوب الكردي، في ظل برنامجين مختلفين يعكسان الخلاف حول مستقبل الدولة التركية بين الانتماء لعمقها الإسلامي، كما يطرح العدالة، أو العودة إلى العلمانية، وانتماء تركيا للفضاء الأوروبي والغربي، وما ينسحب على ذلك في القضايا الاجتماعية والاقتصادية على الصعيد الداخلي.

تقوم الحملة الانتخابية للعدالة على إرسال رسائل بأنّ المعركة الانتخابية محسومة لصالح أردوغان

تقوم الحملة الانتخابية للعدالة على إرسال رسائل بأنّ المعركة الانتخابية محسومة لصالح أردوغان، إلا أنّ نتائج استطلاعات متعددة تشير إلى أنّ أياً من المرشحين ربما لا يحقق نسبة الحسم المطلوبة من الجولة الأولى، بمن فيهم أردوغان نفسه، وهو ما يعني الذهاب إلى جولة ثانية، يرجَّح أن تكون بين أردوغان ومحرم أنجه؛ حيث أشارت استطلاعات إلى أنّ أردوغان ربما يحصل على 54% من الأصوات، مقابل 46% لأنجه، علماً بأنّ تفكّك المعارضة، وفشلها في الإجماع على مرشح يعدّ أحد أبرز عوامل القوة لأردوغان في هذه الانتخابات.

يدرك الرئيس أردوغان عوامل قوته في هذه الانتخابات، وفي مقدمتها أنها تجري في ظلّ قانون أحكام الطوارئ، الذي أقره البرلمان التركي، منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة العام 2016، والمتهم فيها الداعية فتح الله غولن، وما تبعها من إجراءات استثمرها حزب العدالة في إزاحة خصومه والتضييق عليهم، إضافة إلى استثمار الانتصارات العسكرية التي تحققت في عفرين خلال عملية غصن الزيتون ضدّ الأكراد، وتداعياتها بتعزيز الشعور القومي التركي، وهو ما يراهن عليه أردوغان، باستثمار أصوات الكتلة "الحرجة"، ممن لم يحددوا مواقفهم بالتصويت لأردوغان أو منافسيه.

اقرأ أيضاً: الانتخابات التركية تحت نير حالة الطوارئ: مواجهة شرعية القمع

وبموازاة ذلك، فإنّ طول مدة حكم العدالة أفرزت العديد من المشكلات أمام أردوغان وحزب العدالة، ومن المؤكد أنّها ستشكل عقبات في طريق إعادة انتخابه، أبرزها الأوضاع الاقتصادية الصعبة في تركيا، وأبرز مظاهرها التراجع المتواصل لليرة التركية، وازدياد نسب التضخم في البلاد، وعدم تحقيق نتائج مرضية فيما يتعلق بتشجيع الاستثمار الخارجي واستقطاب رؤوس الأموال إلى تركيا، إضافة إلى العلاقات المتوترة مع الاتحاد الأوروبي وأمريكا، مقابل علاقات "قلقة" مع روسيا والصين، مرتبطة بتقديرات روسية وصينية بإمكانية انقلاب أردوغان على مواقفه وتحالفاته، واستخدام العلاقة معهما في إطار مساومة مع أمريكا وأوروبا.

وبصرف النظر عن نتيجة انتخابات الرئاسة، التي يرجَّح أن تكون وفق سيناريوهات معقدة، فإنّ المتغير الآخر في هذه الانتخابات، المتمثل بالانتخابات البرلمانية، سيكون أحد أبرز العوامل الحاسمة في تحديد اتجاهات تركيا ما بعد الانتخابات، خاصة أنّه من المؤكد أن تغييراً ستشهده الخريطة السياسية في البرلمان، عنوانه الإطاحة بالأغلبية التي يتمتع بها حزب العدالة منذ أعوام؛ حيث سيكون حضور أحزاب المعارضة فاعلاً بعد هذه الانتخابات، خاصة إذا ما تجاوز حزب الشعوب الديمقراطي عتبة الـ 10%، وهو أمر مرجَّح بقوة.

يدرك الرئيس أردوغان عوامل قوته في هذه الانتخابات، وفي مقدمتها أنها تجري في ظلّ قانون أحكام الطوارئ

وفي الخلاصة: فإنّ تساؤلات تطرح اليوم على نطاقات واسعة، في إطار متابعة هذه الانتخابات حول شكل ومضمون تركيا الجديد، وما الذي سيقدمه حزب العدالة في حال فوزه من برامج جديدة، ومدى قدرته على تحقيق تلك البرامج، في ظلّ علاقات متشنجة مع أوروبا وأمريكا، وفيما إذا كانت أوروبا ستقبل بجار تركي يطمح بالانضمام لاتحاد دولها، في ظلّ برنامج يقوم على استئناف الخلافة الإسلامية، ويتناقض مع علمانيتها، إضافة إلى التدخلات الواسعة في أزمات المنطقة، خاصة في سوريا، وتناقض مواقف الرئيس أردوغان تجاه القضية السورية وتحولاتها، على مدى سبعة أعوام، بين المطالبة بالإطاحة بالأسد، ثم القبول به، والتعاون والتنسيق خلال ذلك مع تنظيمات إرهابية؛ كالقاعدة وداعش، إضافة إلى تساؤلات حول قدرة الرئاسة التركية الجديدة على إنقاذ البلاد من أزماتها الاقتصادية، ومن المرجح، في حال فوز "العدالة"، ستضيق آفاق وخيارات الحلول، وربما تذهب باتجاه التأزيم والتفاقم، خاصة أنّها مرتبطة بالمواقف السياسية للقيادة التركية، خاصة بعد إفرازات أزمة قطر مع جيرانها وانحياز تركيا بوقوفها إلى جانب قطر، الأمر الذي حرمها من القيام بدور الوساطة، في ظلّ علاقاتها المتشنجة مع مصر والإمارات، والشكوك العميقة بينها وبين السعودية.

الصفحة الرئيسية