هل يكون "الخان الأحمر" ملحمة صمود في وجه عنجهية إسرائيل؟

فلسطين

هل يكون "الخان الأحمر" ملحمة صمود في وجه عنجهية إسرائيل؟


18/09/2018

داخل مساكن شيدت من الصفيح، وأخرى ليست سوى كرفانات (بيوت متنقلة)، تسكن قرابة 41 عائلة فلسطينية في التجمع البدوي "الخان الأحمر" والمعروف أيضاً بـ"خان السامري" جنوب شرق القدس المحتلة. ويصل عدد سكان هذا التجمع إلى 350 نسمة، ما بين أطفال ورجال ونساء يعيشون على رعي الأغنام والمواشي وبيع منتجاتها.

اقرأ أيضاً: دولة الاحتلال تقضي بهدم الخان الأحمر وتهجير سكانها!

وينحدر سكان "الخان الأحمر" من صحراء النقب التي هُجروا منها قسراً من قبل الاحتلال الإسرائيلي عام 1948. سكنوا في هذا المكان، وشيدت مساكنهم بتمويل خارجي مقدم من الدول الأوروبية.

ولم يسلم سكان "الخان الأحمر" من ممارسات الاحتلال بعد تهجيرهم، فمارسوا بحقهم سياسة المنع ومنعوهم من الرعي في بادية القدس، إضافة إلى حرمانهم من مصادر المياه في "وادي القلط" القريب من التجمع، ومؤخراً صدر القرار الصادم الذي يقضي بهدم مساكنهم، وترحيلهم مرة أخرى، وهدم المدرسة الوحيدة التي يدرس فيها قرابة 180 طالباً وطالبة، وتخدم خمسة تجمعات بدوية قريبة من الخان الأحمر، وهو ما يرفضه الأهالي الذين يسطّرون ملحمة صمود جديدة في وجه العنجهية الإسرائيلية.

استنكرت السلطة الفلسطينية قرار الهدم وترحيل سكان الخان الأحمر

المحكمة العليا الإسرائيلية، صادقت في الرابع من الشهر الجاري، على هدم قرية الجهالين في "الخان الأحمر" والمدرسة التي أقيمت هناك في أي توقيت تراه دولة الاحتلال الصهيوني مناسباً، بدءاً من مطلع الشهر المقبل، ورفض القضاة التماسين ضد أوامر الهدم تقدم بهما سكان القرية نفسها، وذوو الطلاب الذين يأتون للدراسة في مدرسة القرية من التجمعات الفلسطينية البدوية القريبة من المنطقة.

تنفيذ مشروعه الاستيطاني E1

ويحيط بالتجمع عدد من المستوطنات الإسرائيلية؛ حيث يقع ضمن الأراضي التي يستهدفها الاحتلال لتنفيذ مشروعه الاستيطاني المسمى "E1"  بهدف الاستيلاء على 12 ألف دونم، تمتد من أراضي القدس الشرقية حتى البحر الميت، لتفريغ المنطقة من أي تواجد فلسطيني، كجزء من مشروع لفصل جنوب الضفة عن وسطها.

أعلن سكان الخان الأحمر عن بدء الاعتصام المفتوح للتصدي لمحاولة هدمها من قبل جرافات الاحتلال

واستنكرت السلطة الوطنية الفلسطينية قرار الهدم وترحيل السكان، وتوجهت إلى المحكمة الجنائية الدولية لتقديم شكوى والتحقيق في "جريمة حرب" إسرائيلية جديدة بحق الفلسطينيين. وأوضح أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات في تصريحات صحفية،  أنّ الشكوى ركزت على جرائم النزوح القسري والتطهير العرقي وتدمير ممتلكات سكان التجمعات البدوية في الخان الأحمر، وهدم مدرسة "الإطارات".

جريمة حرب

واعتبرت منظمة التحرير الفلسطينية قرار المحكمة العليا الإسرائيلية، بأنه "جريمة حرب وانتهاك للقانون الدولي والاتفاقيات الدولية"، في حين طالبت وزارة الخارجية الفلسطينية بالتدخل الدولي، وقال الناطق باسمها إنّ "القرار يثبت أن النظام القضائي في إسرائيل يخضع للقيادة السياسية، وبالتالي يجب على المحكمة الدولية التدخل ضد هذه السياسة والأمر بإجراء تحقيق ضد إسرائيل".

رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وليد عساف، رأى في قرار هدم "الخان الأحمر" وترحيل سكانه، بأنه بداية الانتقال إلى مرحلة الهدم الجماعي والتطهير العرقي، وأنها "جريمة إسرائيلية جديدة تضاف لسجل جرائمه النكراء بحق أبناء الشعب الفلسطيني".

اقرأ أيضاً: مثقفون مصريون: المقاومة سبيل الفلسطينيين الوحيد إلى الحرية

وقال عساف لـ "حفريات": "لن نعترف بمثل هذه القرارات؛ لأنّ هذه المحاكم أداة تنفيذية لسياسة الاحتلال الظالمة، ومحاولة تسويق للعالم الخارجي بأنها دولة قانونية تعمل وفق القانون وأصوله؛ ولكننا لن نصمت حيال ذلك، فقد استنفدنا سائر الإجراءات القانونية على المستوى المحلي، وسنتوجه للمؤسسات الدولية لندافع عن حقوقنا، ومواجهة هذا القرار".

وأعلن سكان التجمعات البدوية في "الخان الأحمر" عن بدء الاعتصام المفتوح، للتصدي لمحاولة هدمها من قبل جرافات الاحتلال الإسرائيلي، فهم يرفضون تدمير مساكنهم ونقلهم إلى منطقة النويعمة في أريحا شرق الضفة الغربية المحتلة، لذا أقاموا خيام الاعتصام على الطرقات، وقرروا عدم الرحيل، والبقاء في القرية.

محاولات التصدي لجرافات الاحتلال في الخان الأحمر

"لن نسمح بتهجيرنا"

عبد الجليل أبو داهوك (52 عاماً)، أحد سكان التجمعات البدوية في "الخان الأحمر"، أكد لـ "حفريات": "قرارانا واضح لا يقبل النقاش والجدال؛ لن نسمح بتهجيرنا مرة أخرى، وسنصمد  في مساكننا حتى لو هُدمت على رؤوسنا، فإما أن نبقى في بيوتنا التي ولدنا بها أو الموت، فلا يوجد أمامنا خيارات أخرى".

اقرأ ايضاً: الاحتلال يقرّ قانوناً يستهدف أسر الأسرى والشهداء..هذه تفاصيله

الاحتلال الإسرائيلي، كما يقول أبو داهوك، يسعى إلى إفراغ المنطقة من العرب "لتطبيق قانون القومية اليهودية؛ ولكننا لن نسمح بذلك، وسنبقى في ديارنا. لقد قررنا عدم الرحيل من الخان الأحمر إلا في حال عودتنا إلى أراضينا (النقب) التي هجرونا منها قسراً، فنحن بنينا حياتنا في هذا المكان بجد وتعب، ولن نسمح للاحتلال بهدم أحلامنا، وتهجيرنا مرة أخرى".

مدرّس في "الخان الأحمر": لن نخضع للاحتلال، وسنواصل التعليم حتى لو درس الطلاب تحت أشعة الشمس وفوق الركام

ويروي أبو داهوك معاناته مع الاحتلال الإسرائيلي: "يحاول التضييق علينا منذ أعوام، فمنعنا من رعي الأغنام في  بادية القدس، والتنقل بين القرى والمدن الفلسطينية، إضافة إلى منعنا من تشيد منازلنا؛ وكانت هذه الإجراءات لإجبارنا على ترك الخان الأحمر وإفراغه بالكامل؛ ولكننا، تحدينا العقبات كافة، وبقينا في مساكننا واليوم نواجه القرار الجائر الذي يقضي بتهجيرنا من القرية".

ويوضح أبو داهوك أنهم قدموا وثائق وعقود إيجار قانونية تثبت ملكيتهم للمنازل والأراضي المحاذية لها؛ إلا أنّ محكمة الاحتلال رفضت هذه الوثائق وأبلغت المحامين أنّ هذه العقود باطلة وعارية من الصحة، وتم إصدار قرار الهدم والترحيل، مشيراً إلى أنهم يخوضون منذ عام 2009 نضالاً في المحاكم الإسرائيلية ضد قرارات الهدم، والأوامر التي تمنع إقامة مبان عامة، كالعيادات والمدارس.

صمت دولي

ويشاطره الرأي أحدُ سكان التجمع البدوي  أحمد الناعوق (46 عاماً)، الذي قال لـ "حفريات" بحماسة: "سندافع عن هذه الأرض بصدورنا وأجسادنا، وسنبقى فيها ولن نخرج منها أبداً؛ فالاحتلال هجّرنا من أراضينا بالنقب قبل 70 عاماً، واليوم يسعى لتهجيرنا من جديد، لنعيش نكبة، وسط صمت دولي".

اقرأ أيضاً: هذه مقترحات الأمم المتحدة لحماية الفلسطينيين..

وأعرب الناعوق عن رفضه "أية مقترحات بديلة، ولن نسمح للاحتلال بتنفيذ مخططاته الساعية لتفريغ المنطقة من أجل البناء الاستيطاني. يريدون هدم منازلنا  وترحيل العائلات وتشييد مبانيهم على أنقاض منازلنا، ولكنهم لن يستطيعوا فعل ذلك، وسنقاوم بأقل الإمكانيات لدينا لمنع هذه المخططات".

ويسرد كيف أنّ القوات الإسرائيلية داهمت منازلهم واعتدت على النساء والأطفال والشيوخ ولم يراعوا حرمة البيوت، "إنهم يريدون إجبارنا على الرحيل بشتى الطرق؛ ولكننا لن نتنازل عن حقوقنا، فلا يوجد أرض لنا، سوى هذا المكان، نموت هنا ولن نخرج، هنا ولدنا، فلن نقبل أن نعيش حياة تشرد من جديد".

تسكن قرابة 41 عائلة فلسطينية في بيوت متنقلة في تجمع الخان الأحمر

ويحرص عشرات الفلسطينيين والمتضامنين الأجانب على البقاء في خيمة الاعتصام ليلاً ونهاراً، وتصل إلى التجمع العديد من الوفود التضامنية من الأراضي الفلسطينية؛ ومن هؤلاء، يقول الداعوق "نستمد صمودنا".

لا بنى تحتية ولا ماء ولا كهرباء

في "الخان الأحمر" لا بنى تحتية ولا ماء ولا كهرباء، ولا أي شيء يدل على مقومات الحياة الإنسانية؛ فالاحتلال يمنع تشييد سقوف المنازل وبناء الجدران، ومساكن الأهالي أشبه بالمغارات، ومع ذلك يتمتعون بحياة سعيدة وكأنهم يسكنون داخل قصور، بحسب وصف "أم أحمد" التي تقطن في منزل سقفه السماء وجدرانه أغطية من القماش.

الناعوق: يريدون إجبارنا على الرحيل بشتى الطرق؛ ولكننا لن نتنازل عن حقوقنا

لكنها تقول لـ"حفريات": "نحن سعداء في المعيشة؛ فاعتدنا عليها منذ عشرات الأعوام؛ فالاحتلال يمنعنا من تشييد المنازل وبناء الجدران، وحتى لو قمنا  ببناء طوبة واحدة يهدمها على الفور، فلا نريد سوى البقاء في هذه الأرض وزوال الاحتلال الإسرائيلي الذي يضايقنا، فبعد زواله نستطيع تصليح منازلنا والعيش بسلام".

مدرسة "الإطارات"

ويشمل قرار الهدم الإسرائيلي مدرسة "الإطارات" الوحيدة في "الخان الأحمر" والتجمعات البدوية المجاورة، من أجل تعميم سياسة تجهيل الشعب الفلسطيني، كما يقول أحمد الجهالين أحد المدرّسين لـ "حفريات"، موضحاً:  "بدأنا العام الدراسي مبكراً لنحافظ على المدرسة وبقاء الطلاب بها، ولكن الاحتلال يريد هدمها، فليس هناك بديلاً للطلاب إذا هدمت هذه المدرسة، فالمدارس الأخرى بعيدة عن التجمعات البدوية ويصلون إليها بصعوبة بالغة".

اقرأ أيضاً: قانون أمريكي جديد يمسّ اللاجئين الفلسطينيين.. هكذا يُعرفهم

وتخدم المدرسة خمسة تجمعات بدوية: تجمع "أبو فلاح، وأبو رائح، وأبو عراره، والتنبة، وأبو الحلو"، وتضم مجموعة من العائلات التي سكنت في محيط تجمع المدرسة التي تشمل صفوفاً من الأول حتى التاسع، "وجميعها صفوف ضيقة وصغيرة وتفتقر لجميع الخدمات، وخاصة مع ارتفاع درجة الحرارة في الفصل الدراسي"، كما أفاد الجهالين الذي يحذّر من هدم المدرسة الوحيدة في "الخان الأحمر" كونه يهدد المستقبل التعليمي للطلاب، قائلاً بنبرة تحدٍ: "لن نخضع لسياسة الاحتلال، وسنواصل سير العملية التعليمية، حتى لو درس الطلاب تحت أشعة الشمس وفوق الركام".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية