هل يوقظ اقتحام الكونغرس الغرب من تجاهل إرهاب اليمين الداخلي؟

هل يوقظ اقتحام الكونغرس الغرب من تجاهل إرهاب اليمين الداخلي؟


17/01/2021

أعادت حادثة اقتحام مبنى الكونغرس الأمريكي في 6 كانون الثاني (يناير) 2021، التي قُتل خلالها 5 أشخاص، تسليط الضوء على جدية خطورة الجماعات المتطرفة والإرهابية في الولايات المتحدة والغرب عموماً، خاصة مع وجود شكوك أنّ الأمر لم يكن عفوياً، بعد أن تبين أنّ أكثر من جماعة من هذه التنظيمات اليمينية شاركت في الهجوم.

اقرأ أيضاً: "غزوة" الكونغرس والفهم العربي القاصر

إنّ التطرف العنيف والإرهاب ظاهرة عالمية، ولا يقتصران على ثقافة أو حضارة أو دين بعينه، وفي الوقت الذي ينشط فيه تنظيم داعش والقاعدة؛ يتزامن معه التطرف العنيف وإرهاب اليمين المتطرف في الغرب، الذي أخذ ينافس الإرهاب الإسلاموي، سواء باهتمام الحكومات أو مراكز البحث والدراسات.

من حادثة اقتحام مبنى الكونغرس الأمريكي

وقد جاء ظهور تنظيم القاعدة، وداعش، وبوكوحرام، ضمن ما يُعرف في أدبيات الإرهاب بالموجة الرابعة للإرهاب، حسب نظرية الموجات (waves) الـ4 للإرهاب التي قدّمها أشهر منظّري الإرهاب في القرن الـ21 "ديفيد سي رابوبورت" ( David C. Rapoport)، وهي: الفوضوية، ومعاداة الاستعمار، والاشتراكية، والأصولية الدينية.

 وقد قدّمت نظرية "رابوبورت" رؤى فريدة حول تعقيدات الإرهاب الحديث، ممّا يوفر أداة عالمية للباحثين لفهم المراحل الأولى والتحويلية للإرهاب، والعوامل التي ألهمت ظهور الجماعات الإرهابية.

ومن ضمن جماعات الموجة الـ4 للإرهاب تأتي أيضاً جماعات وتنظيمات اليمين المتطرف ومجموعات تفوّق الأمّة البيضاء في الغرب والولايات المتحدة الأمريكية.  

أعادت حادثة اقتحام الكونغرس تسليط الضوء على جدية خطورة الجماعات المتطرفة في الولايات المتحدة

يقدّم تقرير "مشروع مكافحة التطرف" (CEP) حول "مجموعات التفوّق الأبيض"white supremacist groups في الولايات المتحدة لمحة عامّة عن التاريخ، والدعاية، والأنشطة العنيفة والخطاب لأكثر الجماعات نشاطاً وخطورة في الولايات المتحدة.

ويؤكد التقرير أنّ بعض الجماعات الحديثة لتفوّق الأبيض، مثل: القاعدة، وأمّة هامسكين، والنظام الاشتراكي الوطني (شعبة أتوموافين سابقاً)، والنادي الاجتماعي القومي الاشتراكي القومي (النازية الجديدة)، لا تبذل عموماً أيّ جهد لإخفاء اعتقادها العنصري الواهن بأنّ العرق الأبيض يتفوّق على الآخرين.

اقرأ أيضاً: هل كان اقتحام مؤيدي ترامب للكونغرس مخططاً له؟ ومن تواطأ معهم؟

وإنّ الجماعات الحديثة الأخرى لتفوّق البيض، مع ذلك، تنشر مواقفها الراديكالية تحت ستار القومية العرقية البيضاء، التي تسعى إلى تسليط الضوء على التميز - بدلاً من التفوّق - للهوية البيضاء. وعادة ما تدّعي هذه الجماعات، التي تشمل عصبة الجنوب، والهوية إيفروبا، أنّ الهوية البيضاء مهددة من الأقليات أو المهاجرين الذين يسعون إلى استبدال ثقافتها، وتسعى إلى تعزيز القومية العرقية البيضاء كإيديولوجية شرعية تنتمي إلى المجالات السياسية السائدة.

وتتجنب العديد من الجماعات الحديثة أساليب العنف لصالح استخدام المظاهرات والدعاية للتأثير على الرأي العام وتصوير إيديولوجياتهم على أنّها مشروعة، ومع ذلك، فإنّ إيديولوجياتهم النخبوية العرقية قد دفعت الأفراد المنتسبين إلى المشاركة في مشاجرات عنيفة.

وغالباً ما تستهدف هذه الجماعات الشباب للتجنيد من خلال حملات دعائية في الجامعات ومنصات التواصل الاجتماعي، واستخدام منتديات الإنترنت ومواقع الإنترنت للتواصل وتنظيم ونشر رسائلهم المتطرفة. وهذا مشابه لاستراتيجية القاعدة وداعش في الدعاية والتجنيد.

مجموعات تفوّق البيض في الولايات المتحدة

منذ أن تشكّلت جماعة كو كلوكس كلان (KKK) لأول مرّة في العام 1865، روّجت جماعات التفوّق الأبيض في الولايات المتحدة للعنصرية والكراهية والعنف؛ اتُهم أفراد ينتمون إلى هذه الجماعات بمجموعة من الجرائم، بما في ذلك انتهاكات الحقوق المدنية، والابتزاز، والتحريض على ارتكاب جرائم عنف، وانتهاكات الأسلحة النارية والمتفجرات، والعبث بالشهود. ومع ذلك، فإنّ الجماعات المتطرفة - وإيديولوجياتها المتطرفة - ما تزال قائمة في الولايات المتحدة إلى اليوم.

بعض الجماعات الحديثة لتفوّق البيض لا تبذل عموماً أيّ جهد لإخفاء اعتقادها العنصري

لقد حدّد تقرير "مركز قانون الفقر الجنوبي" الصادر في شباط (فبراير) 2017 (100) قومية بيضاء نشطة و(99) مجموعة نازية جديدة نشطة في الولايات المتحدة. وفي تقييم أجرته وزارة الأمن الداخلي الأمريكية في تشرين الأول (أكتوبر) 2020، أعلن القائم بأعمال وزير الأمن الداخلي تشاد وولف أنّ المتطرفين العنيفين المتعصبين للبيض كانوا قاتلين بشكل استثنائي في هجماتهم المقيتة والموجهة في الأعوام الأخيرة.

وحدّد مشروع مكافحة التطرف (CEP) 8 مجموعات لتفوّق الأبيض متميزة بشكل خاص، والتي تتبنّى أساساً العرق القومي الأبيض و/ أو الاشتراكية القومية (النازية الجديدة)لا تبذل مجموعات النازيين الجدد، مثل الحركة الاشتراكية الوطنية (NSM) ، وأمّة هامرسكين، وقسم أتوموافن (AWD) ، أي جهد لإخفاء اعتقادهم بأنّ العرق الأبيض متفوّق على الآخرين . وتتضمن إيديولوجياتهم أيضاً مكوّنات معادية للسامية، وكراهية للمثليين، والتي تتماشى مع العقيدة النازية.

في المقابل، تنشر مجموعات مثل رابطة الجنوب، والهوية إيفروبا (Identity Evropa) مواقفها الراديكالية تحت ستار القومية العرقية البيضاء، التي تسعى إلى إبراز تميز الهوية البيضاء بدلاً من تفوّقها. علاوة على ذلك، تدّعي أنّ الهوية البيضاء مهددة من الأقليات أو المهاجرين الذين يسعون إلى استبدال ثقافتها.  

لقد شجب أعضاء الجيل الجديد من العنصريين البيض، مثل زعيم حزب العمال التقليدي السابق (TWP) ماثيو هيمباش، السرد التقليدي للتفوّق على دونيّة الأجناس غير البيضاء مركّزاً، هو ومعاصروه، بدلاً من ذلك على الفصل العنصري بدلاً من التفوّق العنصري، ممّا يروّج لفكرة أنّ جميع الأجناس تخدم بشكل أفضل من خلال البقاء منفصلة.

اقرأ أيضاً: رؤساء أمريكيون سابقون يعلقون على اقتحام الكونغرس... ماذا قالوا؟

ويشير تقرير "مشروع مكافحة التطرف" إلى أنه بدافع من صعود هؤلاء القادة والمنظمات العرقية القومية الأصغر سناً، حاول عدد من الجماعات العنصرية الصريحة تخفيف صورهم المتطرفة. ففي أواخر عام 2016 تخلت الحركة الاشتراكية الوطنية NSM عن استخدامها للصليب المعقوف من أجل "الظهور بمظهر أكثر تكاملاً وأكثر انتشاراً"، وفقاً لقائد NSM آنذاك (جيف شويب). وعلى الرغم من التغيير التجميلي، ظلت إيديولوجية NSM وخطابها دون تغيير إلى حد كبير، بينما رفضت مجموعات مثل أمّة هامرسكين (Hammerskins)  تماماً محاولة تغيير علامتها.

عادة ما تدّعي هذه الجماعات أنّ الهوية البيضاء مهددة من الأقليات أو المهاجرين

وفي محاولة أخرى لكسب التأييد والقبول الشعبيين لبرامجها الراديكالية، نبذ العديد من الجماعات المذكورة أعلاه العنف رسمياً، واعتمدوا بدلاً من ذلك على المظاهرات والدعاية للتأثير على الرأي العام. ومع ذلك، ما يزال العديد من الأفراد المنتسبين يشاركون في مشاجرات عنيفة مدفوعة بإيديولوجيات تشجع النخبوية العرقية. علاوة على ذلك، يلعب العنف دوراً محدداً لمجموعات مثل (أتوموافن)، التي عرضت صورة ميليشيا مدججة بالسلاح تستعد لحرب عرقية وشيكة.

وفي آذار (مارس) 2020 قامت الأجهزة الأمنية بتفكيك جماعة (أتوموافن) بعد اعتقال العديد من أعضائها، لكن في تموز (يوليو) 2020، أعاد أعضاء الجماعة السابقون تنظيم أنفسهم من خلال ما يُسمّى النظام الاشتراكي الوطني (NSO) وتعهدوا بـ"بناء عالم اشتراكي قومي آري بأيّ وسيلة ضرورية.

أمّا مجموعات مثل "الهوية إيفروبا"، فقد أغلِقت في آذار (مارس) 2019، لأنّ قادتها أنشؤوا "حركة الهوية الأمريكية" (AIM) التي ترفض العنف رسمياً، لكنّ إيديولوجيتها المُلهمة ما زالت التركيز على الهوية.

المتطرفون والهوية الأوروبية

يقرن المتطرفون -بمن فيهم أولئك المقيمون في دول غير أوروبية مثل الولايات المتحدة وأستراليا- هويتهم الغربية على أنها أوروبية. ويشترك المتحدون باسم الهوية الأوروبية المميزة في نظرية تُعرف باسم "الاستبدال العظيم"، حيث يُهدد المهاجرون غير الأوروبيين باستبدال الثقافة الأوروبية البيضاء المهيمنة.

تستهدف هذه الجماعات غالباً الشباب للتجنيد من خلال حملات دعائية في الجامعات ومنصات التواصل

لقد كان هجوم 15 آذار (مارس) 2019 على مسجدين في كريستين شيرش – نيوزيلندا، والذي خلف ما لا يقلّ عن 50 قتيلاً، مظهراً مباشراً للإيديولوجية المركزة على تميز الهوية التي تشترك فيها جماعات "الهوية إيفروبا "وحركة الهوية الأمريكية"؛ فقد أطلق المهاجم الإرهابي (برينتون تارانت) بيانه بعنوان "الاستبدال العظيم"، وكتب عن "أزمة الهجرة الجماعية التي، إذا لم تتمّ مكافحتها، فستؤدي في النهاية إلى الاستبدال العرقي والثقافي الكامل للشعب الأوروبي. وهنا مثل جماعة "الهوية إيفروبا" حدّد (تارانت) هوية عرقية أوروبية بيضاء أوسع سائدة في العالم الغربي تتجاوز الحدود الوطنية.

أساليب التجنيد والمستهدفون

تتألف معظم المجموعات المتطرفة الإرهابية المذكورة أعلاه من فئة ديموغرافية أصغر سناً من الأفراد في العشرينيات والثلاثينيات من العمر، وتستهدف بشكل أساسي الشباب للتجنيد عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الوسائل. ويلاحظ بأنها أساليب التجنيد نفسها لدى تنظيمات القاعدة وداعش خصوصاً. فقد قامت هذه المجموعات بنشر دعايتها في حرم الجامعات الأمريكية، وأنشأت مجموعات مثل الحركة الاشتراكية الوطنية ورابطة الجنوب أجنحة شبابية وعضوية طلابية.

لقد وفّرت وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت في الأعوام الأخيرة أيضاً منافذ جديدة لجماعات تفوّق البيض المتطرفة لنشر رسائلهم وتجنيد المؤيدين. فقد التقى مؤسسو جماعة (أتوموافن) ونظّموا منتدى ( IronMarch) الفاشي المنحل الآن، وأنشؤوا ثقافة فرعية شبيهة بالعبادة على وسائل التواصل الاجتماعي؛ قاموا من خلالها بنشر إيديولوجيتهم المتطرفة، وبعد اعتقال العديد من قادة الجماعة في شباط (فبراير) 2020، أعيد تنظيم مجموعة من قادتها السابقين - الذين لم يتم القبض عليهم- على الإنترنت في تموز (يوليو) 2020 تحت ما يُسمّى جماعة "النظام الاشتراكي الوطني، الأمر الذي يدلّ على صعوبة السيطرة على نشاط هذه الجماعات على وسائل التواصل الاجتماعي.

كان الهجوم على مسجدي نيوزيلندا مظهراً مباشراً للإيديولوجية المركزة على تميز الهوية

على سبيل المثال؛ لقد تمّت إزالة منتدى (Stormfront)، الذي يُعتبر أقدم وأشهر منتدى للنازيين الجدد على الإنترنت في أمريكا، وقد تأسّس في العام 1995، من قبل مضيف الإنترنت في آب (أغسطس) 2017، لكنه عاد إلى الظهور بعد أشهر وبكلّ بساطة. بينما قامت المنتديات المتطرفة الأخرى، مثل (Daily Stormer)، بنقل عملياتها إلى ما يُسمّى الشبكة العميقة Dark Web، والتي لا يمكن الوصول إليها إلّا من خلال البرامج المشفرة.

واليوم تعمل مواقع مثل مجلة "عصر النهضة الأمريكية" – التي يُشرف عليها (جيرالد تيلور)، والتي يمكن الوصول إليها بسهولة على الشبكة ـ كمنافذ وسائط عبر الإنترنت، حيث تعرض روابط لمقالات فكرية زائفة ومقاطع فيديو ومقاطع صوتية تحاول تقديم تفوّق البيض كعلم اجتماعي شرعي ومسموح به رغم تطرّفه وعنصريته الفاضحة.

ومن هنا يأتي الاهتمام الكبير الذي أصبحت تحظى به هذه الجماعات المتطرفة والإرهابية في الولايات المتحدة؛ خاصة بعد حادثة اقتحام مبنى الكونغرس الأمريكي، وتركيز حديث وسائل الإعلام الأمريكية عن مشاركة عددٍ من أفراد الجماعات المتطرفة المختلفة في عملية الاقتحام مثل: جماعة "الأولاد الفخورون" اليمينية المتطرفة التي تأسست العام 2016، وهي مناهضة للمهاجرين وجميع أفرادها من الذكور وجماعة أخرى تُدعى (كيو أي نون) التي تتبنّى نظرية المؤامرة اليمينية المتطرفة؛ وأشارت وسائل الإعلام الأمريكية إلى أنّ (آشلي بابيت) التي قتلت داخل المبنى، وهي عسكرية متقاعدة من سلاح الجو تنتمي لهذه المجموعة، وعلى إثرها قامت إدارة توتير بشطب 70 ألف حساب لأفراد هذه المجموعة على تويتر.

اقرأ أيضاً: بالفيديو والصور .. ما الذي جرى في الكونغرس؟ .. تسلسل الأحداث

وما زالت الأجهزة الأمنية الأمريكية تحقق في خلفيات ونشطاء هذه المجموعات، وسط جدل وخلاف محتدم سياسياً حول ضرورة إعادة تعريف الإرهاب في التشريعات والقوانين الأمريكية، وتوصيف مثل هذه الأعمال بالإرهاب الداخلي.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية