يهدمون منازلهم بأيديهم: فلسطينيون على الأطلال يعانون ويلات الاحتلال

فلسطين

يهدمون منازلهم بأيديهم: فلسطينيون على الأطلال يعانون ويلات الاحتلال


23/09/2018

لم يجد المقدسي خالد بركات (48 عاماً) من بلدة كفر عقب شمال القدس المحتلة خياراً أمامه سوى هدم منزله بيديه لتجنّب تعرّضه لسداد غرامة مالية باهظة تفرضها سلطات الاحتلال عليه في حال عدم قيامه بذلك، في مشهد يدل على الممارسات الإسرائيلية العنصرية بحق الفلسطينيين وعائلاتهم، ولإحكام السيطرة الكاملة على مدينة القدس وتهجير سكانها العرب خارج المدينة المقدسة.

يضطرون إلى هدم منازلهم بأيديهم تجنّباً لدفع الغرامات الباهظة

هدم المنازل ذاتياً

يقول بركات لـ "حفريات" إنه "أجبر على هدم منزله والمكون من ثلاث غرف ومنافعها والذي يؤوي بداخله 5 أفراد من عائلته، بعد تسلمه إخطاراً من قبل المحكمة الإسرائيلية العليا في العام 2017 بضرورة إخلاء منزله، بحجة البناء بدون ترخيص، وأمهلته السلطات الإسرائيلية ثلاثة شهور للطعن على قرار المحكمة الإسرائيلية وإثبات ملكيّته للمنزل، قبل أن يتم هدمه كلياً" .

طالبت منظمة اليونسكو سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالكف عن الانتهاكات التي من شأنها تغيير الطابع المميز للقدس

ويوضح أنه "بعد محاولات عدة داخل المحاكم الإسرائيلية لإثبات ملكيته الخاصة لمنزله، فقد قررت المحكمة أنّ الأرض والمنزل هما أملاك دولة، وعليه أن يقوم بإخلاء منزله وهدمه ذاتياً خلال أسبوع فقط من تسلمه قرار المحكمة، وإلا سوف تضطر السلطات الإسرائيلية لهدم منزله على نفقته الخاصة؛ حيث لم تشفع له أوراق ملكيته للمنزل والأرض المقام عليها لدي المحاكم للتراجع عن قرار إزالته واستعادة حقه المسلوب، لتسير الأمور عكس ما كان يتوقعه، وليتخذ القرار الأصعب على كل مقدسي يعيش في مدينة القدس بهدم بيته بيديه".

"وقلبي يتعصر ألماً قمت بالاستجابة قسراً لقرار المحكمة الإسرائيلية بهدم منزلي، لتجنب الغرامة المالية التي ستفرضها السلطات الإسرائيلية في حال قيامها بهدم المنزل والتي تتعدي أكثر من 20 ألف دولار أمريكي، وهو مبلغ يتجاوز ثمن المنزل الذي أعيش فيه، لتنتهي حياتنا بهذا المنزل بعد أكثر من 25 عاماً من العيش فيه، والذي قضينا فيه أجمل لحظات حياتنا" يقول بركات لـ "حفريات".

ويضيف: "بعد هدم المنزل وقيام الجيش الإسرائيلي بالاستيلاء عليه، لم أجد مأوى آخر سوى استئجار منزل في مخيم قلنديا للاجئين والذي يقع خلف الجدار العازل وخارج أسوار مدينة القدس، وهو الأمر الذي تفعله إسرائيل مع كل مقدسي تقوم بهدم منزله؛ حيث ترفض السماح له بالبحث عن منزل بداخل المدينة المقدسة، وتدفعه للرحيل للقرى والبلدات المجاورة، للقضاء على أي وجود عربي بالمدينة" .

اقرأ أيضاً: دولة الاحتلال تقضي بهدم الخان الأحمر وتهجير سكانها!

ويروي بركات أنّ "الفلسطيني وخاصة المقدسي يعيش حياةً صعبة للغاية، في ظل السيطرة الإسرائيلية الكاملة على مدينة القدس"، لافتاً إلى أنه "على الرغم من أنّ معظم السكان العرب بالقدس الشرقية يحملون الهوية الإسرائيلية الزرقاء، والتي تستوجب معاملتهم كمواطنين إسرائيليين حسب القوانين الإسرائيلية، إلا أنه يجري التمييز بينهم ويتم معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثالثة؛ فالسلطات الإسرائيلية لا تريد للسكان العرب العيش بحياة كريمة، وتحاول بشتى الطرق جعل حياتهم مستحيلة بداخل المدينة، من خلال سياسة تدمير المنازل ومصادرة الأراضي وسياسة تهجير السكان التي تتبعها" .

ويبلغ عدد سكان مدينة القدس 435 ألف نسمة، في حين يقدر عدد المستعمرين في الضفة الغربية 636 ألف و452 نهاية العام 2016، حيث يعيش 222 ألف و325 منهم في مدينة القدس وحدها ويشكلون ما نسبته 47.5% ، وتشكل نسبة المستعمرين إلى الفلسطينيين في مدينة القدس معدلات عالية بلغت  70 مستعمراً مقابل كل 100 فلسطيني.

إخلاء المنازل بقوة السلاح

ولم يكن حال المقدسي مصطفي قراعين (53 عاماً) من بلدة سلوان جنوب مدينة القدس بأفضل من غيره، حين تسلم ظرفاً مغلقاً من قبل بلدية الاحتلال بالقدس المحتلة، تبلغه فيه بضرورة إخلاء منزله المكون من طابقين والذي يعيش بداخله تسعة من أفراد عائلته، تمهيداً لهدمه وإزالته بحجة البناء بدون ترخيص.

ويسرد قراعين بحسرة لـ "حفريات" وطأة الحدث عليه: "المنزل تم تشييده منذ العام 2014، حيث لم أواجه وقتها أي إشكالية من قبل الجهات الاسرائيلية، وخاصة أنني احتفظ بأوراق تثبت ملكيتي للمنزل، وبعد محاولات حثيثة داخل القضاء الإسرائيلي الذي يفترض أن يكون عادلاً، تم إجباري على ضرورة هدم منزلي في مدة أقصاها 48 ساعة فقط من استلام قرار المحكمة الإسرائيلية العليا من قبل بلدية القدس".

اقرأ أيضاً: الذكرى السبعون للنكبة: الاحتلال يحتفل في القدس ويرتكب مجزرة في غزّة!

ويتابع: "لم أكترث لقرار المحكمة الإسرائيلية بهدم المنزل لحين الطعن عليه قانونياً، إلا أنني تفاجأت بعد مضي الوقت الذي قامت المحكمة بتحديده لتنفيذ قرار الهدم، بقدوم قوات كبيرة من الجيش الإسرائيلي ومن طواقم بلدية الاحتلال مصحوبة بالمعدات الثقيلة والجرافات العسكرية بمداهمة المنزل بالقوة وإخراجنا منه تحت تهديد السلاح؛ حيث رفضت قوات الجيش السماح لنا بإفراغ جزء من محتوياته قبل هدمه، ووضعت بلدية الاحتلال بالقدس معيقات أمامنا لاستئجار منزل جديد بداخل مدينة القدس وقامت بتهديدنا بالملاحقة مرة أخرى، مما اضطرنا للبحث عن منزل خارج المدينة".

يعطي قانون البناء والتنظيم الإسرائيلي الصلاحيات بهدم ومصادرة أي منزل في مدينة القدس

غرامة مالية باهظة

ويشير قراعين إلى أنه "بعد هدم المنزل بثلاثة أسابيع قامت بلدية الاحتلال بمطالبتي بدفع غرامة مالية قدرها 110 ألف شيكل ما يقارب (30 ألف دولار أمريكي)، وهي تكاليف هدم المنزل، وفي حال عدم سداد المبلغ سيتم وضعي رهن الاعتقال وقضاء عقوبة لا تقل عن ثلاثة أعوام" .

يقول قراعين: "الحصول على تراخيص لدي الجهات الإسرائيلية لبناء منزل في مدينة القدس هو في غاية الصعوبة ويكاد يكون مستحيلاً، ولاستصدار رخصة بناء منزل من قبل بلدية القدس، يتطلب ذلك الانتظار لما يقارب من سبعة أعوام، وقد تتجاوز الفترة أحياناً لأكثر من ذلك" مضيفاً أنّ "السلطات الإسرائيلية تضع عراقيل كبيرة لمنع حصول العرب في المدينة على التراخيص اللازمة، حيث تفرض رسوماً باهظة للحصول علينا تتجاوز أكثر من 35 ألف دولار أمريكي، لذا لا نجد وسيلة سوى البناء بدون الحصول على تراخيص مسبقة، لتجنب تشردنا نحن وعائلاتنا".

مواطن مقدسي لـ "حفريات": وقلبي يتعصر ألماً قمت بهدم منزلي لتجنب الغرامة المالية التي ستفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي

ومنذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 6 كانون الأول (ديسمبر) 2017 الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبنقل سفارة بلاده إليها، تصاعدت وتيرة الاستيطان والتطهير العرقي للسكان العرب بالقدس المحتلة "لإجبارهم على ترك المدينة، من خلال هدم منازلهم ومصادرتها للتأكيد على صهيونية المدينة، ورفضاً للتواجد العربي بداخلها"، كما يؤكد الباحث في شؤون القدس جمال بكيرات لـ "حفريات"، مضيفاً أنّ "الحكومة الإسرائيلية ماضية في تهويد المدينة وإخلائها من سكانها العرب، وذلك ببناء العديد من الوحدات الاستيطانية كان آخرها إقرار لجنة التخطيط والبناء التابعة لبلدية القدس في 14  الشهر الماضي، بناء 20 ألف وحدة استيطانية جديدة، على مساحة  3 ملايين متر مربع، وتشمل مشاريع استثمارية وتطوير بنى تحتية ومناطق تجارية وصناعية واسكانية بتكلفة تزيد عن 1.5 مليار شيكل".

ويلفت بكيرات إلى أنه "منذ إقرار الكنيست في 27 من حزيران (يونيو) 1967 بضم مدينة القدس إلى إسرائيل، خضعت المدينة في ذلك الحين للانتهاكات الإدارية والسياسية الإسرائيلية المتعمدة، وتزايد النشاط الاستيطاني بداخلها بمصادرة المزيد من أراضي القرى والتجمعات البدوية في جبل البابا والخان الأحمر شرقي القدس، لتهجير مئات العائلات قسراً من أراضيهم ومنازلهم وربط هذه القرى بمستوطنة معاليه أدوميم بالقدس، لاستكمال المشروع الصهيوني الذي يسعى لتهويد المدينة وتجريدها من سكانها ومعالمها العربية والاسلامية".

اقرأ أيضاً: القدس عاصمة فلسطين

ويعطي قانون البناء والتنظيم الإسرائيلي والصادر العام 1965، الصلاحيات للسلطات الإسرائيلية بهدم ومصادرة أي منزل في مدينة القدس تحقيقاً للمصلحة العامة وحفاظاً على أمن وسيادة دولة الاحتلال، و"كل هذه الإجراءات تهدف بالدرجة الأولى لمنع ربط مدينة القدس بالضفة الغربية ولعرقلة التوصل إلى أية اتفاقية مستقبلية للتسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين"، كما يقول بكيرات لـ "حفريات".

أصدر الاحتلال الإسرائيلي أوامر بهدم 1،030 مبنى في الضفة الغربية والقدس

تهويد متواصل


وتشير احصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني خلال العام 2017، إلى قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بهدم وتدمير433 مبنى، 46% منها في مدينة القدس وحدها، وتوزعت المباني المهدومة بواقع 170 مبنى سكنياً (منها 148 في القدس) و263 منشأة، مما أدى الى تشريد 128 أسرة تتألف من حوالي 700 فرد نصفهم من الأطفال، كما أصدر الاحتلال الإسرائيلي أوامر بهدم 1،030 مبنى في الضفة الغربية والقدس، في الوقت الذي تزداد فيه حاجة الأسر الفلسطينية للوحدات السكنية، حيث أفادت معطيات مسح ظروف السكن 2015، بأنّ حوالي 61% من الأسر في فلسطين تحتاج إلى بناء وحدات سكنية جديدة خلال العقد القادم (وحدة سكنية واحدة أو أكثر).

اقرأ أيضاً: حين قال أبو خالد: القدس إلنا غصبن عن راس أبو ترامب الأوّلاني

وبحسب إحصائية لمركز أبحاث الأراضي التابع لجمعية الدراسات العربية في القدس، فإنّ السلطات الإسرائيلية قامت خلال الأعوام من 2000-2017 بهدم 1706 مسكن بالقدس، وأدى ذلك إلى تشريد 9422 فرداً. وعلى خلفية بناء الجدار العازل منعت بلدية الاحتلال في القدس المواطنين من إقامة مئات البيوت، إضافة لأضرار الجدار الهائلة على البيئة بمدينة القدس والتي حرمها من حقها في الهواء والشمس.

وأوصت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، خلال اجتماعها الـ42 الذي انعقد في العاصمة البحرينية المنامة 2018، بالحفاظ على بلدة القدس القديمة وأسوارها. وطالب القرار المتعلق بالقدس سلطات الاحتلال بالكف عن الانتهاكات التي من شأنها تغيير الطابع المميز للمدينة، وعليه يبقي القرار القديم للقدس وأسوارها مدرجة على لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية