كيف وقف "الإخوان" في الإمارات أمام التحديث؟

كيف وقف "الإخوان" في الإمارات أمام التحديث؟


26/11/2017

كانت صفة "تعطيل التنمية" صفةً أساسية في مسيرة انخراط "الإخوان المسلمين" في الإمارات في العمل العام، ومن يراجع أدبيات "الإخوان" في الإمارات في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وبخاصة اللسان الناطق باسم الجماعة، أي مجلة "الإصلاح"، سيعثر على كثير من الأدلة والقرائن والشواهد التي تؤكد هذه الصفة، وتُظهر ما ينطوي عليه الوعي الإخواني من نزعة للسيطرة والتغلغل و"اختراق" المؤسسات الحكومية تحت مسمّى "الأسلمة" وتمثيل الحقيقة الدينية. كما أنّ هذا الوعي الإخواني ينطوي، كما سنشرح تالياً، على تأخرٍ فكري، يجعل من أوهام الحفاظ على الهوية سجناً يحول دون التجدد المستمر والانفتاح على العصر والثقافات والدخول في فرص عصرنة الدولة والمجتمع. وفي دولة كالإمارات اشتهرت في المنطقة وخارجها بسمعتها كـ"مُحسِنٍ إنساني" وكقوة ناعمة مهمة في المساعدات الدولية والتخفيف عن ضحايا الحروب والكوارث والمجاعات، لا نجد كبيرَ أثرٍ لـ"الإخوان" في تشييد هذه السمعة الإماراتية وتوطيدها.

وصفت مجلة "الإصلاح" الناطقة باسم الإخوان السيرك بأنه "وكر متنقل للفساد". كما اعتبرت السياحة والترفيه والفن فساداً

لم يبلور "إخوان" الإمارات تجربة عميقة في تطوير مجتمعهم المحلي. كان عقل الدولة الناشئة يتقدم عليهم اجتماعياً واقتصادياً، فبدتْ بضاعتهم منحصرة في سياق "الحِسبة"، فلا برامج ولا سياسات بديلة مقنعة، برغم أنهم في موقع المسؤولية. لقد تساءلت مجلة "الإصلاح" الصادرة عن "إخوان" الإمارات في العدد (24) الصادر في العام 1980:"كيف يجتمع في قلب الطالب صوت الطبل والموسيقى مع حب التضحية والإيثار وحبّ الدين؟"، وهو تساؤلٌ ينمّ عن وعيٍ وذائقةٍ متأخرين، في صياغة هرم الأولويات، وفي التعاطي مع الفنون والثقافة ودورهما في رقي الأمم والمجتمعات وتحضّرها.
إنه وعيٌ إخواني يقدّم صورةً للتدين لا تتماهى إلا مع التشدد والخشونة والوجومِ وقتل البهجة، عبر صورةٍ سلبية وقاتمة عن التسلية والترفيه، ولعلّ ما يؤكد ذلك حديث مجلة "الإصلاح" في العدد ذاته عن استضافة بعض المدن الإماراتية آنذاك لاحتفالية "السيرك المتنقل"؛ حيث وصفت المجلة السيرك بأنه "وكر متنقل للفساد"!!، كما رأت المجلة في العدد نفسه أن السياحة والترفيه والفن ليست سوى فساد، ودعت "الإصلاح" في عددها (28) خطباء المساجد إلى تحريم الفن والموسيقى، بعدما قال العدد (24) من المجلة الإخوانية إن "دعوة البعض للإقبال على المسرح هي دعوة إلى الفجور والفساد". بل اتجهت المجلة في عددها (122) إلى القول "ما الفن الإ رذيلة"، واستهجنت المجلة الإخوانية في العدد نفسه أنْ تضمّ صحيفةٌ إماراتية محلية صور شهداء الانتفاضة الفلسطينية وصور لاعبي كرة القدم في الآن نفسه!!، كما استنكرت المجلة أن يشتمل منهاج مادة اللغة العربية في الإمارات على أسماء شعراء من غير الإسلاميين. وحين تم التنسيق بين حكومة الإمارات ومنظمة اليونسكو لتشكيل لجنة مشتركة بين المنظمة الدولية ووزارة التربية والتعليم الإماراتية لمراجعة المناهج الدراسية وتطويرها، اعتبر "الإخوان" في الإمارات اللجنة آنذاك "معادية للإسلام" (وفق العدد 130 من مجلة "الإصلاح")، بحسب ما أفاد بحثٌ مفيد للكاتب السعودي منصور النقيدان.

أعلن "إخوان" الإمارات بأن ابتعاث الطلبة إلى بلدان غير إسلامية يزيد الطالب جهالةً بدينه وتعلّقاً بقيم الغرب

والواقع أن ما تقدّم ذكره هو المنهج ذاته الذي طبقه الوزير الإخواني سعيد عبد الله سلمان، الذي تقلّد منصب رئيس جامعة الإمارات بعد عامين من تأسيسها، واشتهر برفضه كثيراً من طلبات التوظيف الخاصة بأصحاب الكفاءات والشهادات العليا المؤهلين، وبخاصة من الوافدين، بسبب أنهم من غير "الإخوان" أو من غير المناصرين للإسلام السياسي. ولعل ذلك كله يؤكّد كيف صارت المعايير الحزبية الضيقة ومصالح الجماعة تتقدم على المصلحة العامة في الإمارات، التي أدركتْ مؤسسات صناعة القرار فيها، أن جماعة "الإخوان" باتت عقبةً رئيسية وكأداءَ أمام مسيرة التحديث والتطوير وتسريع عجلة التنمية، التي كانت الدولة على موعد معها، وفي شكلٍ واضح في عقد التسعينيات، ولم يعد بالمستطاع ملاقاة هذه الطموحات من دون تطوير قطاع التعليم، والاستثمار في الكوادر الوطنية، واستقدام الكفاءات وأصحاب المعرفة والمهارات، ممن كانت دولة الإمارات بأمسّ الحاجة إليهم؛ للمشاركة في بناء البلد وتوسيع مجالات نهضته وتعميق تجربته.
لكنّ "إخوان" الإمارات وجدوا في ذلك سحباً للبساط من تحت أقدامهم المتغلغلة في قطاع التعليم، وراحوا ينتقدون مبكراً سياسات الدولة الإماراتية في تطوير التعليم، وفي ابتعاث أبنائها إلى الخارج لتلقي أفضل الخبرات والمهارات في الجامعات المرموقة؛ من أجل توطينها فيما بعد في بلدهم الذي يعيش نهضة متسارعة تقف في طريقها أفكار التحزّب الضيق وتسييس التعليم والدين، والأيديولوجيا التي تخاف الحرية والتنوع، وتعتبرهما "غزواً فكرياً" و"استلاباً"، وتتغذى، بذلك، على أوهام "الاكتفاء الذاتي". ولا أدلَّ على ذلك من إعلان "إخوان" الإمارات بأن ابتعاث الطلبة إلى بلدان غير إسلامية هو "مما يزيد الطالب جهالةً بدينه ومُثله، ويزيده تعلّقاً بقيم الغرب"!! وللحديث بقية...


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية