الإخوان المسلمون.. التعريف الذي لم يعُد قائماً ولا مبرراً

الإخوان المسلمون.. التعريف الذي لم يعُد قائماً ولا مبرراً


18/12/2017

أدخلتْ جماعةُ الإخوان المسلمين نفسها في تحولات منفصلة عن روايتها المنشئة، سواء أكانت المعلنة أو السرية أو الغامضة غير المحسومة، فقد تحولتْ إلى جماعة سياسية، وصار سؤال إعادة تعريفها وصياغتها مطلباً ملحّاً منذ أواخر الثمانينيات عندما بدأتْ تُشارك في الحياة السياسية والعامة على نطاق واسع.

ساهمت الحكومة في تحويل الجماعة إلى طائفة داخل المجتمع بعدم مساءلتها لأنها رأت الأمر ليس خطيراً

وفي الأردن، طرحت في العام 1992 مبادرة داخل جماعة الإخوان المسلمين، للتكيف مع مرحلة العمل السياسي الحزبي العلني، وكانت المبادرة تقوم على التفكير في السيناريوهات المستقبلية المتوقعة، الاندماج في حزب جبهة العمل الإسلامي أو توضيح العلاقة والفرق بين الحزب والجماعة وحل إشكالية التكرار والازدواجية على أساس من الاستقلال التام بين الكيانين، أو تنظيم الأدوار والعلاقات بين الحزب والجماعة وفق أسس قانونية ملائمة للعمل السياسي والإسلامي، أو بقاء الوضع كما هو، وطرحت أسئلة افتراضية، في حينها، يجب مواجهتها: كيف تنظّم وتُدار المشاركة في الانتخابات النيابية؟ كيف تتخذ القرارات السياسية حول المشاركة والعمل السياسي والمواقف السياسية المختلفة؟ كيف تنظّم وتُحدّد العلاقة مع حماس والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين؟ ما الفرق قانونياً وسياسياً وفكرياً بين مرحلتي ما قبل عام 1989 وما بعدها؟

تحوّل حزب جبهة العمل الإسلامي إلى قسم تابع للجماعة ثم وقع الحزب والجماعة معا في قبضة حركة حماس

وقد وُوجهت المبادرة، التي ظل يشار إليها في الصحافة وفي الجدل الداخلي للإخوان المسلمين بـ "ورقة قسم التخطيط"، بصخب واحتجاج منع مناقشتها والحوار حولها، ووصفت المبادرة بأنها مؤامرة على الجماعة واسمها وفكرتها وتاريخها، والواقع أنّ الإخوان المسلمين لم يكونوا قادرين على التصديق أنّ البلد دخل في مرحلة سياسية جديدة، وأنّ احتمال تشكيل حكومة مستندة إلى أغلبية برلمانية وفق التقاليد السائدة في العالم يبدو غير وارد، وتعاملوا مع العمل السياسي على أنّه مشاركة عامة في البرلمان والعمل العام في سياق التأثير والضغط والدعوة، وتحول حزب جبهة العمل الإسلامي إلى قسم تابع للجماعة، ثم وقع الحزب والجماعة معا في قبضة حركة حماس، ولم يجرؤ أحد على طرح إشكالية العلاقة مع الدولة والمجتمع والتكيف مع القوانين والأنظمة النافذة والتحول نحو مرحلة علنية ديمقراطية.

أحدث "الربيع العربي" تحولات كبرى وعاصفة تحتاج إلى وقفات بحثية طويلة ومتأنية

استخدمت في تكريس الغموض وعدم التكيف القانوني والفكري والتنظيمي مع المرحلة مقولات دينية جعلت الجماعة ومواقفها وتنظيمها أمراً ربانياً تحكمه أفكار ومبادئ إسلامية لا علاقة لها بقوانين الدولة وسياساتها، وتنظر إلى الجماعة باعتبارها مقدسة، وتسمو فوق الدولة والقوانين بل ولا تعترف بها، واعتبرت كل محاولة لتنظيم ومأسسة العلاقة مع حماس تحالفاً مع الصهيونية ضد الشهداء والمقاومة والتحرير، وليس سرّاً اليوم ولم يكن سرّاً أنّ الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الممكن فهمها في مجالات العمل العام والجماعي والتنظيمي اعتبرت تخص الإخوان وحدهم، وكأنها نزلت فيهم، فقوله تعالى، على سبيل المثال "وأطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم" أولو الأمر هنا هم؛ قادة الجماعة ولا ينطبق المفهوم على أي قائد أو رئيس في المجتمع والدولة، والعبارات الواردة عن الجماعة والبيعة والالتزام تخص الإخوان من دون المسلمين، وما يحرم أيضاً من مشاركة أو انتخاب أو عمل فهو يخص الإخوان المسلمين وليس كل مسلم، لقد استخدمت تقاليد ومفاهيم باطنية لتكريس مجتمع داخل المجتمع له قوانينه الخاصة والتي لا تعترف بقوانين الدولة والمجتمع، وكانت ترفض قطعياً وبسخرية وبداهة كل الدعوات للتنظيم والتكيف القانوني والمجتمعي، إنه تفكير راسخ ينشئ تقاليد وعلاقات وقرارات متقبلة ومتواطئ على احترامها وتقديسها والتعامل معها على أنها أمر من الله تعني مخالفتها المعصية والإثم، والنبذ داخل الجماعة وفي مجتمعها، ويجب القول إنّ هذه التقاليد والقيم والأفكار كانت جامعاً مشتركاً بين جميع التيارات والاتجاهات، ولم يكن يجرؤ أحد على رفضها أو التصدي لها.

استخدمت لتكريس الغموض وعدم التكيف مع المرحلة مقولات دينية جعلت الجماعة ومواقفها أمراً تحكمه أفكار إسلامية لا علاقة لها بالقوانين

وكان ومازال محيراً أكثر موقف السلطة التنفيذية من الجماعة، لماذا لم تطلب الحكومة من الجماعة أن تكيف أوضاعها حسب القوانين والأنظمة المنظمة لمثل هذه المؤسسات والبرامج؟ لماذا لم تطلب الحكومة من الجماعة الإفصاح علناً عن أعضائها ومواردها وأنظمتها الأساسية؟ لماذا لم تخضع الحكومة الجماعة لولاية مؤسسات الدولة ومحاكمها ومرجعياتها؟ لماذا تركت الجماعة تعمل طوال هذه السنين خارج القانون؟

لقد ساهمت الحكومة في تحويل الجماعة إلى طائفة داخل المجتمع والدولة تعمل وفق قوانينها وتقاليدها الداخلية والسرية بلا علاقة أو ولاية لمؤسسات الدولة وأنظمتها وقوانينها.

ربما كان الأمر يبدو للسلطة والجماعة غير ملحّ وليس خطيراً أو إشكالياً لسبب بسيط وواضح أنّ العملية السياسية كانت تبدو بعيدة عن هذه الإشكالية، ولم يكن الإخوان يمثلون سوى حالة ضغط وتأثير، وفي المقابل فإنهم يقدمون للدولة والمجتمع حالة من الاستقرار وقدرة على مواجهة واستيعاب التطرف، وكان ثمة قبول ضمني متواطأ عليه بين الطرفين على قواعد العمل والتأثير والمصالح المشتركة..

لكن "الربيع العربي" أدخل الجماعة والأنظمة السياسية في مرحلة جديدة مختلفة اختلافاً كبيراً.. وصارت الجماعة في مواجهة استحقاقات كبرى جعلتها تتحول في اتجاهات جديدة مختلفة، منها الانحسار الكبير في بلاد عربية وإسلامية، أو الانسحاب بهدوء في بلاد أخرى، أو إعادة التكيف والتشكل بما يلائم "الربيع العربي" وتحولاته، كما حدث في المغرب وتونس.

لقد أحدث "الربيع العربي" تحولات كبرى وعاصفة تحتاج إلى وقفات بحثية طويلة ومتأنية، وربما لم نمتلك بعد المعرفة الكافية لفهم هذه التحولات، لكنّها مغامرة لا بد من خوضها.

 

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية