أبو عياض التونسي: صدّر آلاف المقاتلين لداعش والقاعدة فأين اختفى؟

الإرهاب

أبو عياض التونسي: صدّر آلاف المقاتلين لداعش والقاعدة فأين اختفى؟


30/01/2019

أن يتحول مؤسس تنظيم "الشريعة" في تونس، الذي صدّر آلاف المقاتلين التوانسة، من ذوي البأس الشديد، إلى أشرس مناطق القتال في سوريا والعراق وليبيا وغيرها، إلى صاحب مصير مجهول أو غامض، منذ 4 أعوام، على الأقل، دون أن يكشف عن ذلك المصير أحد، فإنه لأمر يجذب الانتباه.
ظلّت وسائل الإعلام، منذ عام 2014 وحتى عام 2017، تتحدث عن "أبو عياض" في أخبار تحمل إمّا أنباءً أو تأكيداتٍ بمقتله، أو هروبه من إحدى دول الشمال الإفريقي إلى دولة مجاورة.

ليست وسائل الإعلام هي المتورط الوحيد في إخفاء المصير الحقيقي لأبي عياض

الثعلب المكار
ليست وسائل الإعلام هي المتورط الوحيد في إخفاء المصير الحقيقي لأبي عياض؛ بل ذهب إعلام القاعدة لإشاعة ذلك أيضاً، ويبدو أنّه فعل ذلك متعمّداً، ليساهم في تضليل الأجهزة الأمنية التي تعمل على ملاحقة الرّجل، لكنّ وسائل الإعلام العادية وإعلام القاعدة، على السواء، مارست الصمت المطبق على أخباره منذ عامين تقريباً.

تحوّل أبو عياض فجأة إلى صاحب مصير مجهول منذ 4 أعوام دون أن يكشف عن ذلك المصير أحد

تبدو المراوغة والثعلبية جزءاً من شخصية "أبو عياض"؛ الذي قال في إحدى حواراته: "إنني أوصي أعضاء جماعتنا أن يلفّ الغموض حركتنا وحقيقتنا".
فلم يكن غريباً على هذا المولود في منزل "بورقيبة"، في 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 1965، أن يذهب ليتعلم في الغرب، ثم يندرج في صفوف حركة "الاتجاه الإسلامي"، التي تحوّلت فيما بعد لحزب "النهضة".
كما أنّ الهروب كان جزءاً من مكونات شخصية سيف الله بن حسين، وهو الاسم الحقيقي لأبي عياض، الذي فرّ شاباً إلى المغرب، بعد أن قمعت سلطات زين العابدين بن علي، الحركة الطلابية الإسلاموية، فحكم عليه غيابياً، عام 1987، بالسجن عامين من قبل المحكمة العسكرية بتونس، بتهمة المشاركة في الاحتجاجات.
الهروب الطويل
بدأت رحلت الهروب والانتقالات بعد أن فرّ من المغرب إلى بريطانيا، ومنها إلى أفغانستان، عندها التقى بأسامة بن لادن، رأس القاعدة، وذهب مع طارق المعروفي لتأسيس وحدة أسماها جماعة المقاتلين التونسيين في جلال أباد.

اقرأ أيضاً: داعش والقاعدة... من الافتراق إلى الاندماج
والتفّ الغموض سيرة الرجل منذ البدايات، إلى حدّ اتهامه بالتورط في اغتيال أحمد شاه مسعود في أفغانستان؛ إذ إنّ القاعدة، قبيل تنفيذها هجمات 11 سبتمبر، فكّرت في التخلّص من عدوّها اللدود على الأراضي الأفغانية، أحمد شاه مسعود، فأرسلت له عنصرين، ادّعيا أنّهما صحفيان، يريدان إجراء حوار مع مسعود، وفجّرا نفسيهما فيه بمجرد اقترابهما منه، لقد كانت الكاميرات مفخخة، إلّا أنّ أصابع الاتهام وجهت لأبي عياض.

التفّ الغموض سيرة الرجل منذ البدايات
صنّف مجلس الأمن جماعة "بن حسين" على أنّها جماعة إرهابية، تابعة للقاعدة، فهرب بعد انسحاب قوات طالبان من كابول، إلى تركيا، إلّا أنّه اعتقل هناك، فوجد نفسه أمام المحكمة العسكرية التونسية، التي قضت بالحكم عليه بـ 43 عاماً، لكنّه عُدَّ سجيناً سياسياً.
وميض النار
ظهر أبو عياض على منبر مسجد الفتح في العاصمة التونسية، بعد أن سقط "بن علي"، وأمامه آلاف السلفيين الجهاديين، وهو يحذّر ممّن يسميهم "الطواغيت" من الاقتراب من أنصاره، وعندما اقتربت القوات منه لاعتقاله، وحاصرت المسجد، مارس هوايته في الهروب، فاختفى بين آلاف المصلين.

بدأت رحلة الهروب بعد أن فرّ من المغرب إلى بريطانيا ثم أفغانستان حيث التقى ببن لادن

عند اشتداد الثورة السورية، لم يرحّب "بن حسين" بذهاب أعضاء تنظيمه، الذي كان يتصف بالسيولة، إلى مناطق القتال في الخارج، بل كان يرى أنّ بقاء الآلاف من أعضاء تنظيمه في تونس سوف يمهد لعمل مادي كبير، وهو محاولة للاستيلاء على السلطة، بينما رأى جناح آخر أنّ تونس "أرض بور" للعمل الجهادوي المسلح، وأنّ الأفضل هو الذهاب لمناطق القتال في سوريا، حتى تقام عاصمة للخلافة هناك، بعدها يبدأ الزحف المقدس حتى يصل إلى الشمال الإفريقي.
إلا أنّ الجناح الراغب في الهجرة، كان قد تغلّب، بعد اغتيال السياسيين؛ شكري بلعيد، ومحمد البراهمي؛ إذ سقطت خلايا تابعة للتنظيم في أيد الأجهزة الأمنية، وشاعت اتهامات لأبي عياض نفسه بأنّه على علاقة مع أجهزة الأمن، استطاع من خلالها الإيقاع بمعارضيه المناوئين له داخل التنظيم.
شكري بلعيد، ومحمد البراهمي

مستر إكس
اختفى أبو عياض من تونس كلّها، وإثر ذلك الاختفاء؛ أذاعت وكالات الأنباء خبر اعتقاله من قوات قبل المارينز الأمريكية في مدينة مصراته الليبية، إلّا أنّ عدداً من المقرّبين منه نفوا تلك الأخبار.

اقرأ أيضاً: "داعش" و"القاعدة" في الصومال.. من ينتصر؟
وتحدّثت مصادر أخرى عن صحّة اعتقال الرجل لعدة أيام، لكنّها أكدت الإفراج عنه بعد خطف دبلوماسيين، عرب وأجانب، في طرابلس من قبل جماعة "أنصار الشريعة"؛ حيث تمّت مبادلة أبي عياض بهم جميعاً.
وقد اعتقِل قيادي في تنظيم القاعدة في ليبيا، وسأله المحقق عن مصير أبي عياض، فأجاب بأنّ "الرجل يستمع لتلك الأخبار ويشاهدها ثم يضحك"، وفق صحيفة "الشرق الأوسط".
الراقص مع الذئاب
لا يعرف أحد على وجه التحديد، موقف هذا الرجل من القاعدة وداعش، وإلى أيّ الفريقين يميل؟

أبو عياض: لم أنتمِ للقاعدة تنظيمياً وشاركت فقط في معركة الانسحاب من جلال آباد

فمع أنّه لم يبايع القاعدة مباشرة؛ بل عمل تحت لوائها، باسم تنظيم جديد، إلا أنه يقول في فيديو على الإنترنت: "لم أنتمِ لتنظيم القاعدة تنظيمياً، وشاركت فقط في معركة الانسحاب من جلال آباد، إلا أنني حُكمت على انتمائي للقاعدة بـ 20 عاماً".
ومع ذلك؛ فابن حسين، يعلن إيمانه بأفكار القاعدة، قائلاً: "أقولها صراحة، ولا أخشى في الله لومة لائم؛ إنّني أحمل فكر القاعدة ومنهجها، وأرى أنّ عناصر تنظيم القاعدة هم أهل الحقّ الذين تجب مناصرتهم في العالم".

رغم إعلانه القرب من القاعدة إلّا أنّه هنّأ داعش بانتصاراته في العراق

في المقابل، ورغم إعلانه القرب من القاعدة، إلّا أنّه ذهب لتهنئة داعش بانتصاراته في العراق، عام 2014، واستيلائه على الموصل؛ إذ أصدر بياناً جاء فيه: "إنّني إذ أبارك لأمتنا، وعلى رأسها تاج رؤوسنا المجاهدين في أرض العراق، بفتوحات بلاد الرافدين".
لكنّه لا ينسى أن يفصح في رغبته في الصلح بين المتصارعين من الفصائل، فيقول: "لا بدّ من أن نسعى في تقريب وجهات النظر بين الإخوة جميعاً، وإعادة النظر في سياسة الجهاد على أرض الشام، وفق المستجدات الإقليمية، وعلى الجميع أن يجددوا نياتهم ويجلسوا إلى بعضهم البعض لإحياء سنّة الشورى والحوار اللذين غابا عن الساحة".

اقرأ أيضاً: "حراس الدين" وريث "القاعدة"... صداع جديد في العراق
كانت هذه آخر إطلالة لأبي عياض، عبر منصات التواصل الاجتماعي، ثم اختفى بعدها، ولم يبقَ من أثره سوى أخبار وسائل الإعلام التي ردّدت مرات عديدة أخباراً عن مقتله واعتقاله، ثم صمتت تماماً، في انتظار ما ستكشفه الأيام بشأن مؤسس "أنصار الشريعة" الذي دخل السرداب، ولم يخرج بعد.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية