أحداث الزاوية الحمراء.. عندما رقص الإخوان على أطلال المذبحة

أحداث الزاوية الحمراء.. عندما رقص الإخوان على أطلال المذبحة

أحداث الزاوية الحمراء.. عندما رقص الإخوان على أطلال المذبحة


12/03/2024

قامت الإستراتيجية التي اتّبعها الرئيس الراحل، أنور السادات، في جزء كبير منها، على استدعاء جماعة الإخوان المسلمين، وإعادة موضعتها في المجال العام، في ظلّ رغبته في استئصال سياسات عبد الناصر، وتوجهاته ذات الطابع الاشتراكي، وهو ما يلزمه بالضرورة، في ظنّه، صعود تيار يميني، مثل جماعة الإخوان، يُفضل الولايات المتحدة على الاتحاد السوفييتي (المُلحد)، ولا يرى غضاضة في انتهاج خطط الاقتصاد الرأسمالي/ الريعي، ويمارس باسم الدين نوعاً من التوجيه الاجتماعي، الذي يصبّ في صالح سياسات النظام الجديدة، وهو ما استغلّته الجماعة جيداً في نشر أفكارها، وتوسيع قاعدتها الشعبيّة، ودفع السادات ثمنه فادحاً فيما بعد.

اقرأ أيضاً: العنف في الشرق الأوسط: من السلطة إلى الإسلاميين
مع صعود الإخوان بصورة عامة، بعد أعوام من المنع والحظر، وفي ظلّ صراع سياسي حادّ أربك المشهد السياسي، بات واضحاً أنّ الأمور انفلتت بشكل كامل، وقد خرجت من عباءة التنظيم عدة تشكيلات جهاديّة، كانت الجماعة الإسلامية أبرز تجليّاتها، وفي ظلّ أجواء مفعمة بخطاب الاستقطاب الديني الحادّ، كانت الحالة الطائفيّة هي الحلقة الأضعف، والأكثر عرضة للانفجار، في ظلّ توتر العلاقة إلى حدّ غير مسبوق بين رأس النظام، وبطريرك الأقباط البابا شنودة، مع الشعور القبطي العام بالاضطهاد.
تراخيص الكنائس بداية تقليدية للنزاع
وفق تقرير النيابة العامة؛ بدأت مقدمات الحادث قبل خمسة أيام من وقوعه، ففي يوم 12 حزيران (يونيو) 1981، تقدمت إدارة أحد المصانع التابعة للمؤسسة المصرية العامة للدواجن، بالزاوية الحمراء، ببلاغ يفيد بحدوث تعدٍّ من مواطن قبطي، يدعى كامل مرزوق سمعان، على قطعة أرض مملوكة للمصنع، معدّة لإقامة مصلى للعاملين به، وفي اليوم التالي؛ صدر قرار من حيّ شمال القاهرة، بتمكين المصنع من قطعة الأرض، وهو ما خلق شعوراً عاماً بعدم الارتياح لدى الأقباط، نظراً لسرعة البتّ في النزاع، في حين سادت حالة من الشماتة والاحتفاء بين عدد من المتشددين بالمنطقة الشعبية، خاصة أنّ كامل سمعان كان ينوي إقامة كنيسة، على قطعة الأرض التي ادّعى ملكيتها، لكنّه لم يحصل على التراخيص اللازمة.

مع صعود الإخوان بعد أعوام من المنع خرجت من عباءة التنظيم عدة تشكيلات جهاديّة كانت الجماعة الإسلامية أبرز تجليّاتها

مع تزايد وتيرة الاحتقان، وفي ليلة حزينة من مساء يوم السابع عشر من حزيران (يونيو) 1981، شهدت منطقة الزاوية الحمراء مشهداً جنونياً من مشاهد العنف الطائفي، وسمعت أصوات طلقات نارية متتالية، وسادت موجة من التعدي على منازل الأقباط وحرقها، وقام ملثمون بالسطو المسلح على محلات الذهب المملوكة لهم، كما ذُبح القمص مكسميوس جرجس بدم بارد، وسحلت جثته في الطرقات، وقُتل كامل مرزوق سمعان، وعشرات آخرين من الأقباط، كما سقط عدد من المسلمين قدرتهم تقارير بسبعة قتلى، في معارك جانبية، استمرت حتى الصباح بالأزقة والطرقات المحيطة، قبل أن تتمكن قوات الشرطة من إحكام سيطرتها على الحي الشعبي.
كان المشهد شديد الغرابة، وقد عكس حالة من التربص بين الطرفين، إلّا أنّ فارق العدد حسم المعركة لصالح الجانب المسلم، وقد أجّج حمل الأقباط للسلاح مشاعرهم الدينية، في ظلّ حالة الشحن الطائفي التي مارستها التيارات الأصولية، التي استباحت المجال العام وفرضت سيطرتها عليه، بعد أن فتح لها النظام الأبواب على مصراعيها، على رأس تلك التيارات؛ جماعة الإخوان، التي صعّدت من خطابها الطائفي في أعقاب الحادث، وحاولت توظيفه لفرض المزيد من الأسلمة على قضايا المجتمع.
الإخوان وممارسة التحريض على الأقباط
في العدد (63) من مجلة الدعوة، تموز (يوليو) 1981، التي تصدرها جماعة الإخوان المسلمين، جاء تقرير على صفحتين، تحت عنوان "حقائق نقدمها للمسؤولين حول أحداث الزاوية الحمراء"، والتقرير في مُجمله يكشف نزعة طائفية متعصبة، لا تخطئها العين، تتفق والبنية الذهنية المتأصله في العقل الجمعي الذي يحرك الإخوان ومن يتبعهم.

مع تزايد وتيرة الاحتقان وفي مساء 17 حزيران 1981 شهدت منطقة الزاوية الحمراء مشهداً جنونياً من العنف الطائفي

يقول التقرير عن أسباب الحادث: "بدأت الأحداث يوم الأربعاء 17 حزيران (يونيو) 1981، عقب صلاة المغرب، أمام مسجد النصر؛ حيث كان المسلمون يصلّون، وتفاجؤوا بكرة قدم تصيب المصلين داخل المسجد، والتي كان يلعب بها بعض الشباب النصراني، وعندما خرج المصلون يعتبون عليهم، كان ردّهم فيه سوء أدب واستفزاز، مما دفع أحد المصلين إلى تحذير إخوانه من الاستدراج وطلب منهم الانصراف، ولكن قبل أن ينصرف المسلمون؛ إذ بوابل من الرصاص ينطلق من البناية المواجهة للمسجد، فأصابت رصاصة مقتلاً من واحد من المصلين، فحدث هرج ومرج، فانتشر الخبر في كلّ الحي، فكانت هناك ردود أفعال من بعض المسلمين ضدّ المسيحيين".
يمارس التقرير حالة من المظلومية الساذجة، وفق نظرية مستحيلة، تفترض أنّ المسلم أصبح مضطهداً في وطنه، من أقلية، تستهين بشعائره الدينية، وتنكر عليه حقّ الاعتراض على ذلك؛ بل وتقتله بدم بارد على أبواب المسجد! ويواصل التقرير المريب السردية الإخوانية في إصرار على التحريض، وسكب الزيت على النار المشتعلة، فيقول: "عقب صلاة العشاء وعند خروج المصلين من مسجد النذير، الذي يبعد خمسمئة متر تقريباً عن مسجد النصر، أطلق النصراني كامل سمعان وأولاده الرصاص على المسلمين، داخل المسجد وخارجه، من مسدساتهم الأتوماتيكية، واستمروا في إطلاق الرصاص حتى الثانية صباح يوم الخميس، ولم يتوقف إطلاق الرصاص حتى تمّ القبض عليهم، كما أطلق نصارى آخرون الرصاص على المسلمين، في منطقة الجنينة، وعزبة أبو ليلة".

اقرأ أيضاً: بشهادة "القاعدة".. العنف خرج من رحم "الإخوان"
وهكذا، بدأ الأقباط في ممارسة خطتهم الإجرامية بالمرور على المساجد، واستهداف مَن فيها من مسلمين عُزل، وفي غيبة من أجهزة الدولة، التي تركتهم يمارسون نوعاً من التطهير العرقي في الزاوية الحمراء! وعليه؛ سقط المزيد من الضحايا، يقول التقرير: "سقط من المسلمين حتى صباح يوم الخميس أكثر من ستين شخصاً، ما بين قتيل وجريح، ولم يصب، حتى صباح الخميس، أيّ نصراني بأذى، علماً بأنّ كلّ الإصابات التي حدثت للمسلمين كانت بالرصاص"، وهو ما يتنافى مع تأكيد وزير الداخلية اللاحق، اللواء حسن أبو باشا، أنّ عدد القتلى في حادثة الزاوية الحمراء من الأقباط بلغ أكثر من 81 شخصاً.

اقرأ أيضاً: مراجعات الصحوة والعنف... قراءة مغايرة
كما أكّد شهود عيان أنّه في حوالي الساعة التاسعة مساءً، شاهدوا أطفالاً وصبية يجرون، وبعضهم يهتف بهتافات عدائيّة ضدّ المسيحيين، وقام ملثمون يحملون سيوفاً باقتحام محلات الصاغة، كما أكّد السادات نفسه، في خطابه الأخير، أنّ هناك بيانات ومنشورات للتحريض ضدّ الأقباط، وزّعت فور اشتعال الموقف! وأنّ إمام مسجد النور بالعباسية جمع نحو 1500 من أنصاره، عازماً التوجه بهم إلى الزاوية الحمراء، لولا تدخل وزير الداخلية ليثنيه عن ذلك، كما خرجت مجموعات أخرى من أحياء الشرابية وحلوان للانتقام من الأقباط.

تقرير الإخوان يصر على استخدام كلمة (نصارى) بكل ما تحمله من دلالات دينية

من الملاحَظ؛ أنّ تقرير الإخوان يستخدم نوعاً من التمييز الديني الصارخ، مع الإصرار على استخدام كلمة (نصارى) بكل ما تحمله من دلالات دينية، وما بين مسلم ونصراني تنكأ الجماعة جرحاً دامياً بإصرار، يعكس عدم قدرتها على معالجة الفتنة بنوع من المسؤولية؛ لأنّها (أي الفتنة)، خرجت ببساطة من تحت عباءتها.
يواصل التقرير مزيداً من التحريض، بادعاء روايات كاذبة، لا يستسيغها المنطق، فيقول: "يروي المصابون أنّ مواقف الأطباء النصارى منهم في المستشفيات التي نقلوا إليها، كانت مواقف غير إنسانية؛ حيث رفض طبيب التخدير في مستشفى أحمد ماهر تخدير أحد المصابين، لإجراء عملية جراحية سريعة، وأجرى الطبيب المسلم العملية الجراحية من دون بنج! كما رفض طبيب آخر التدخل لإيقاف نزيف أحد المصابين، وأهمله حتى تقيّح الجرح، ولما نُقل المصاب إلى مستشفى آخر، قرّر الأطباء عدم إمكانية إنقاذه لفوات الوقت".

اقرأ أيضاً: المنشق عن الجماعة الإسلامية عوض الحطاب: العنف لن يتوقف بوجود أمراء الدم
ولا ندري كيف ومتى تحوّل الأطباء الأقباط، إلى مراكز قوى في المستشفيات الحكومية، ليمارسوا أعمالاً تندرج تحت مسمى الجريمة العلنيّة، والتحدي الفجّ للأغلبية المسلمة من أطباء ومرضى، دون وازع من ضمير، أو خوف من عقاب؟
في موقع الآخر؛ تحاول الجماعة غسل أيديها من تبعات الجريمة، وإلقاء اللوم على الجانب القبطي وحده، مؤكدة أنّ "أحداث الزاوية الحمراء جاءت نتيجة لسياسة اتبعها البطريرك شنودة".
وإذا كانت أحداث الزاوية الحمراء قد كشفت هذا الفشل الذريع لسياسات الرئيس السادات، الذي أراد الاستناد إلى الشرعية الدينية، كشرعية نهائيّة وناجزة للحكم، ضارباً بعرض الحائط الأسس المركزية لمفهوم الدولة ككيان اعتباري، يقوم على المساواة في الحقوق والواجبات دون تمييز، فإنّها في الوقت ذاته أماطت اللثام عن انتهازية جماعة الإخوان المسلمين، والمدى الذي يمكن لخطابها العنصري أن يذهب إليه، في تأجيج الطائفية، وممارسة الكذب والتدليس دون حدود.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية