أحمد الشوربجي: خطورة أفكار قطب أنها لم تعد ملكاً للإخوان فقط

أحمد الشوربجي: خطورة أفكار قطب أنها لم تعد ملكاً للإخوان فقط

أحمد الشوربجي: خطورة أفكار قطب أنها لم تعد ملكاً للإخوان فقط


20/02/2024

أجرى الحوار: صلاح الدين حسن


قال الباحث المصري في الشأن الإسلامي، أحمد الشوربجي، إنّ أفكار سيد قطب، في أصلها وعمقها، لا تختلف أبداً عن أفكار حسن البنا؛ موضحاً في حواره مع "حفريات"، أنّ قطب "إن كان اشتُهر بفكرة الحاكمية والجاهلية وتكفير المجتمعات؛ فحسن البنا هو أستاذه في ذلك".

اقرأ أيضاً: قِدْر قطب الذي فار على القصيمي وكتابه
وأكّد الشوربجي أنّ أصل المشكلة عند سيد قطب؛ أنّه وقع في الفهم المغلوط للقرآن، "وهي الحالة التي حذّر منه الرسول صلى الله عليه وسلم"، لافتاً أنّ ثمّة تقصيراً يقع على عاتق المؤسسات الدينية في مواجهة مثل هذه الأفكار، مبرّئاً في الوقت ذاته "البخاري" من المساهمة في مأزق الإرهاب الذي يضرب منطقتنا، وألقى المسؤولية على الأجيال الجديدة، التي لم تخرج "بخارياً جديداً" يكمل دوره في تنقية السنة والتراث الإسلامي من المغالطات والأكاذيب.
وهنا نص الحوار:
وجهان لعملة واحدة

 

 

هل ترى أنّ هناك تمايزاً بين أفكار حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين وسيد قطب؟
هناك بالفعل أصوات من داخل جماعة الإخوان المسلمين، أو من خارجها، خاصة بعض من انشقّوا عنها، تدّعي أنّ هناك فارقاً كبيراً بين أفكار حسن البنا وسيد قطب، وأنّ مسيرة الجماعة تعثرت بسبب انحيازها لأفكار سيد قطب على حساب أفكار المؤسس الأول، حسن البنا، وأنّ الحلّ "في الرجوع لأفكار البنا".

أفكار سيد قطب التكفيرية في أصلها وعمقها لا تختلف أبداً عن أفكار حسن البنا

وأكثر من يروّجون لهذه الأفكار، سواء داخل الجماعة أو خارجها؛ هم جيل السبعينيات، أو من يُطلق عليهم "أصحاب التأسيس الثاني للجماعة"، أو "الإصلاحيون"، جيل عبد المنعم أبو الفتوح ورفاقه، بقيادة المرشد الثالث للجماعة، عمر التلمساني، إضافة إلى مجوعة من القدامى، أمثال الدكتور كمال الهلباوي.
وفي اعتقادي؛ هؤلاء هم أكثر من يجب الحذر منهم، والانتباه لمراميهم، لأمرين هما غاية في الأهمية: الأول: أنّهم بهذه الادّعاءات يغسلون سمعة الجماعة، ومؤسّسها الأول، حسن البنا، ويطهّرونها من خطاياها وأوزارها، ويجمّلون تشوّهاتها، ويقيلونها من عثراتها؛ بإلقائها على مجموعة معينة أو شخص واحد، وكأنّ الجماعة لم تُنشَأ على الخطأ، ولم تقع في الأوزار، ولم تتلبس بالخطايا، قبل سيد قطب والقطبيين، وبذلك تظلّ صورة "البنا" بريئة نقية وصورة الجماعة مقدسة طاهرة.

اقرأ أيضاً: لماذا أعدموني؟.. نظرة في كلمات "قطب" الأخيرة
والحقيقة؛ أنّ أفكار سيد قطب، في أصلها وعمقها، لا تختلف أبداً عن أفكار "البنا"؛ فإن كان سيد قطب صاحب تنظيم 65، فحسن البنا هو صاحب مشروع العنف والإرهاب والتنظيم الخاص في الأساس، وإن اشتهر سيد قطب بفكرة الحاكمية والجاهلية وتكفير المجتمعات، أو وقوفها تحت مظلة الكفر، على الأقل، فحسن البنا هو أستاذه في ذلك، فقد جعل الحاكمية ركناً من أركان الدين، وأصلاً من الأصول، لا فرعاً من الفروع، والدولة ليست إسلامية، والمجتمعات بعدت عن الدين، فكلّ أفكار "قطب" ليست إلا تجسيداً لأفكار "البنا"، وإعادة صياغة لها، وإلباسها ثوباً جديداً وعرضها للجميع.

لكن ما دليلك على ما تقول؟

دليلي على ذلك أمران، الأول: الاعتراف والشهادة والبحث والمقارنة، أما الاعتراف؛ فهو لسيد قطب ذاته، حين قال: إنّ كلّ ما يقوله وما يطرحه من أفكار تمثل حسن البنا؛ إذ كان يطرحها ويقول بها في السرّ، وليس في العلن، وأما الشهادة بذلك؛ فقد جاءت على لسان علي عشماوي، القيادي الميداني لتنظيم 65 في مذكراته.
لكنّ هناك قطاع من الجماعة، ربما بدهاء أو بسذاجة، جعل سيد قطب هو مسيح الجماعة، الذي يتحمّل أوزارها، وبالتالي تغافل الجميع عن حسن البنا، والحقيقة أنّ "البنا" هو المتن، وكلّ من جاء بعده بتنظير كان هامشاً لهذا المتن.
لماذا، إذاً، اشتهر سيد قطب بهذه الأفكار دون حسن البنا؟
ربما لاختلاف شخصية الرجلين؛ فالبنا رجل تنظيمي في الأساس، لديه قدرة على القيادة، وكاريزما التأثير في الأتباع، في حين أنّ سيد قطب كان رجلًا أديباً معنيّاً بالأفكار والكتابة والتنظير والتأطير، وبالتالي كان البنا يعتمد في توصيل أفكاره على ما يلائم فكرة التنظيم، والجندية القائمة في الأساس على السرية، وإلقاء الأوامر والتلقين والشفوية والبعد عن التوثيق والكتابة قدر المستطاع، وصنع الدوائر العامة، والخاصة، وخاصة الخاصة، ولهذا لم يكتب "البنا" كتاباً، وإنّما نُقلت أفكاره وجمعت رسائله وخطبه وكلماته ورويت من قبل أتباعه.

البنا اعتمد في توصيل أفكاره على ما يلائم فكرة التنظيم والجندية القائمة في الأساس على السرية

في حين اهتم سيد قطب بالكتابة، وتجسيد هذه الأفكار والتنظير لها بشكل مكثف وموثّق، وبفعل عاملين في غاية الأهمية، هما: شخصية الأديب "سيد قطب"، وصبّ هذه الأفكار في كتاب يتضمّن تفسيراً للقرآن الكريم، خرجت هذه الأفكار من حالة الجماعة والتنظيم والتخصيص إلى حالة العموم والشيوع، لتصنع حالة تعدت حدود الجماعة والتنظيم، فتسللت ودخلت إلى المساجد والمعاهد والمدارس والجامعات، وتبنّاها علماء ومفكرون ومثقفون، ونطقت بها أفواه لا علاقة لها بالجماعة، وأصبح من يتعرض لسيد قطب يتعرض لمفسّر للقرآن، ومدافع عن الإسلام، وأديب، وشهيد، وليس عن حامل لأفكار الإخوان والخوارج الجدد، ومجرم ترأّس تنظيماً للقتل والدمار.
تفسيرات مغلوطة

 

 

لماذا لم يقدّم أحد من العلماء المجددين مفهوماً مختلفاً عما طرحه قطب كي يمحو تأثيره في الأجيال الحالية والقادمة؟
بلا شكّ إنّ أصل المشكلة عند سيد قطب؛ أنّه وقع في هذا الفهم المغلوط للقرآن، وهي حالة تكفلت السنّة النبوية ببيانها، وتحذيرنا منها بوضوح تام، وذلك في الحديث الذي رواه ابن حبان، والبخاري في "التاريخ الكبير"، وغيرهما، عن حذيفة رضي الله عنه قال: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ حَتَّى إِذَا رُئِيَتْ بَهْجَتُهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ رِدْئًا لِلْإِسْلَامِ، غَيَّرَهُ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ، فَانْسَلَخَ مِنْهُ وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَسَعَى عَلَى جَارِهِ بِالسَّيْفِ، وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالشِّرْكِ، الْمَرْمِيُّ أَمِ الرَّامِي؟ قَالَ: بَلِ الرَّامِي"؛ فهناك ثلاث مراحل يمرّ بها المتطرف، حدّدها الحديث السابق، وهي: مرحلة "الاتصال"، ثم "الانتقال"، ثم "الانفصال".

طرح مواجهة التكفير موجود ومؤثر ولا يحتاج لعلماء مجدِّدين بل لإرادة وإدارة

فمرحلة "الاتصال" عبّر عنها الحديث بقوله: "قَرَأَ الْقُرْآنَ حَتَّى إِذَا رُئِيَتْ بَهْجَتُهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ رِدْئًا لِلْإِسْلَامِ."
وهي مرحلة عبّر عنها الرسول بالجدّ والاجتهاد في الطاعة وظهور علامات التدين فقال: "يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتكم، وصيامه إلى صيامكم، وقيامه إلى قيامكم"، أما مرحلة "الانتقال" فهي التي عبّر عنها الحديث بقوله: "غَيَّرَهُ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ، فَانْسَلَخَ مِنْهُ وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ"؛ أي غيّر معنى القرآن وتأويله، لا نصّ القرآن؛ فمعلوم أنّ النصّ القرآني ثابت مكتوب ومسطور ومحفوظ في الصدور فكيف يغيره؟ وهذا هو مكمن الخطر؛ أن يأتي بتأويل مغلوط للقرآن والسنّة، فيغير الدليل، ويأتي بأشياء تخالف إجماع الأمة والسلف وأكابر التابعين والمفسّرين. 
هنا تأتي مرحلة "الانفصال"، التي عبّر عنها الحديث بقوله: "خرج على جاره بالسيف، ورماه بالشرك"، فيقع التكفير والتفجير حتى لأقرب الناس للجار، دون اعتبار أيّة مودة، ودون مراعاة لأيّة حرمة.
أما لماذا لم يقدم أحد من علماء المسلمين المجددين مفهوماً مختلفاً عما طرحه سيد، ويتميز بالتأثير بحيث يمحو به أفكار قطب على الأجيال الحالية والقادمة؛ فالحقيقة؛ أنّ هذا الطرح موجود ومؤثر ولا يحتاج لعلماء مجدِّدين، وإنما يحتاج فقط لإرادة وإدارة، إرادة لإنهاء هذه الأفكار وتعريتها وكشفها وأخذ التحصينات اللازمة منها، وإدارة لمعركة فكرية حقيقية على الأرض، لا في الفضاء.

اقرأ أيضاً: سيد قطب وقصته مع يوسف شحاتة
معركة يلزمها وجود جيش حقيقي مدرَّب ومسلح بالعلم والفكر وقوة الحجة والمنطق، جيش يقاتل بكافة أنواع الأسلحة الفكرية المكتوبة والمسموعة والمشاهدة، جيش يدخل بنفسه أو بسلاحه للمدارس والمعاهد والجامعات والمساجد ويكون له حضور في الشارع.
فدولة مثل مصر، توجد بها مؤسسة الأزهر، ودار الإفتاء، ووزارة الأوقاف، وتعاني منذ ما يزيد على تسعين عاماً من هذه الأفكار التي تؤدّي للدمار والخراب، والقتل وتشويه الدين هل هي عاجزة عن إنهاء هذه الأفكار؟!   
خرق إجماع

 

 

ثمة من يرى أنّ تفكيك أفكار سيد قطب يلزمه تفكيك تراث ابن تيمية، أم أنّ سيد حالة مستقلة وجديدة لا ترتبط بالأقدمين؟
كلا الرجلين خرق الإجماع العام، وجاء بمشروع فكري جديد، عارض به السابقين واللاحقين، وإن كنا نرحب بالجديد والتجديد، ولكن حينما يمسّ هذا الجديد عقائد الناس والحكم عليهم من جهة الكفر والإيمان، هنا المجهود الفردي والاجتهاد الشخصي، مع الخروج عن حالة الإجماع يمثل خطورة كبيرة.

إشكالية ابن تيمية وسيد قطب أنّهما "اكتشفا" أنّ الناس ليست على الصراط المستقيم وأنّ المجتمعات المسلمة في ضلال

فإشكالية ابن تيمية وسيد قطب من ناحية الأصل واحدة؛ أنّ كلاً من الرجلين "اكتشف" أنّ الناس ليست على الصراط المستقيم، وأنّ المجتمعات المسلمة بكلّ أطيافها وعلمائها لا تعرف الإسلام الحقّ؛ فابن تيمية يرى أنّ الناس لا تعرف التوحيد، وأنّ هناك خللاً في عقديتهم، وكذلك سيد قطب، كانت مشكلته التي يدور حولها منطلقة من المعنى ذاته؛ الناس لا يعرفون الإسلام، حتى أنّه يصرّح بأنّ الإسلام توقف منذ قرون، ولم يعد موجوداً، فالمجتمعات مسلمة اسماً لا حقيقة.
هذا من ناحية الشكل، أما مضمون المشروعَين؛ فبينهما اختلاف تام، حتّى أنّ أتباع ابن تيمية يتهمون سيد قطب بأنّه مبتدع من ناحية العقيدة، والحقيقة أنّ منهج سيد قطب في العقيدة هو المشروع الذي كان يحاربه ويقاومه ابن تيمية.
قطب والمراجعات

 

 

هل ترى أنّ أفكار سيد قطب هي التي تمنع الإخوان حالياً من الدخول في مراجعات فكرية؟
أفكار سيد قطب لم تعد ملكاً لجماعة الإخوان وحدها؛ فمعظم جماعات الإسلام السياسي اليوم تملك رصيداً من هذه الأفكار، وتتبناها؛ فقضية مراجعات الأفكار ليست هي العائق، وإن كانت مؤثرة، لكنّ العائق الأساسي هو مدى امتلاك الجماعة من أوراق القوة وأسبابها. 

اقرأ أيضاً: السلفّية التجريبية.. الصراع بين واقعية ابن تيمية ومثالّية سيد قطب

لكن، الجماعة ليست عصية على الدخول في مراجعات، وهي تاريخياً فعلت، بصرف النظر عن جوهر هذه المراجعات، لكنّ الفكرة ذاتها فكرة المراجعات كانت مطروحة ونفذتها الجماعة، المخرج والمنتج النهائي لهذه المراجعات هذا شيء آخر لكنّ المراجعات حدثت. 
ما الفرق بين جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية في هذا الشأن؟
الفارق؛ أنّ الجماعة الإسلامية خسرت المعركة تقريباً، هُزمت هزيمة ساحقة، لم تعد تملك من أوراق المواجهة ما يوحي بإمكانية حلّ المشكلة، كلّ القادة التاريخيين والأفراد تقريباً داخل السجون.
اليوم الموقف مختلف؛ فلا جميع قادة الإخوان في السجون، ولا كلّ أفرادهم في المعتقلات، ولا انتهت عناصر القوة بالنسبة إلى الجماعة.

أفكار سيد قطب لم تعد ملكاً لجماعة الإخوان وحدها فمعظم جماعات الإسلام السياسي اليوم تملك رصيداً منها

هنا يصعب الحديث عن المراجعات، بينما يظلّ الحديث عن التفاوض هو الأقرب للطرح والتنفيذ، والتفاوض يمكن أن يخرج في شكل مراجعات، ويأخذ الاسم ذاته لكنّ الفارق بينهما من ناحية المعنى بعيد جداً.     
هل ترى أنّ تفسيرات السلف والخلف، بحاجة لمراجعة، أم الانقطاع الكامل عنها، وبدء الاجتهاد بتفسيرات جديدة؟
حينما يكون لديك كنز ثمين، لكن بداخله بعض العملات الزائفة، هنا تصبح مهمتك أن تنقب عن هذه العملة الزائفة لا أن تلقي بالكنز؛ فالانقطاع الكامل عن التراث إهدار لكنز ثمين، كما أنّه مستحيل من الناحية العملية.
أما الحاجة إلى تفسير جديد للقرآن، فهذا -بلا شكّ- مطروح وبقوة، وسيظلّ مطروحاً أبد الدهر؛ لأنّه ما كان كتاباً يناسب كلّ عصر إلا لأنّه كتاب لا تنقضي عجائبه، ولم تستنفَد أغراضه بعد. 
مهاجمة البخاري

 

كيف تنظر إلى دعوات هدم قدسية صحيحي البخاري ومسلم بدعوى الاكتفاء بنصوص القرآن الكريم؟
احترام البخاري على وجه التحديد، ومسلم وتقديرهما، واجب على كلّ من يحترم العلم ويقدّره؛ فكلاهما شرف لهذه الأمة، ونموذج يحتذى به في التجديد والاجتهاد.
الإمام البخاري نظر في الأحاديث فوجد فيها غثّاً ينسَب للرسول الكريم زوراً وبهتاناً، ولاحظ كثرة التحديث والأقوال، فماذا فعل؟ ندب نفسه للدفاع والذبّ عن رسول الله عليه السلام، فاجتهد وجاء بمنهج عبقري لم يسبقه إليه أحد، فوضع شروطاً لاعتبار الحديث صحيحاً مقبولاً من عدمه، فماذا كانت النتيجة؟

 

الحاجة إلى تفسير جديد للقرآن مطروح وبقوة وسيظلّ مطروحاً أبد الدهر

حصّل الرجل كلّ ما يستطيع تحصيله من أحاديث وأقوال تنسب للرسول الكريم، فوجدها ستمئة ألف حديث، وبدأ يختبرها وفق المنهج الذي وضعه، فلم يجد منها سوى 2600 حديث تقريباً هي التي يمكن نسبتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهل يعقل أن نقول إنّ الرجل جنى على الأمة؟
إنني أتعجب ممن يهيلون التراب على البخاري، أمجانين هؤلاء؟! الرجل عبقري بالمقاييس العلمية، والعباقرة يحفر له التاريخ مكانتهم.
وأقول لكل من يحاول النيل من البخاري، بنية صادقة، نية التجديد والشعور بأزمة حضارية؛ ليست المشكلة في البخاري، بل على العكس؛ المشكلة أنّه لا يوجد بخاريّ جديد، المشكلة أنّ هذه الأمة، بطولها وعرضها، توقفت عن إنتاج العبقريات، وعن النقد والفرز، فلم يأتِ بعد البخاري بخاري آخر، حتى تلميذه مسلم، بدل أن يزيد في شروط قبول الحديث، ويحطاط لأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر وأكثر، نزل بشروط قبول الحديث عن شيخه البخاري، وجاء من بعده من نزل حتى عن شروطه، وهكذا؛ بدل أن ترتقي الأمة في الشروط، نزلت بها، فظلّ كتاب البخاري هو الأعلى من حيث شروط قبول الحديث، وهنا يكمن عمق الأزمة.

اقرأ أيضاً: سيد قطب والكتاب القادياني المُرضع
باختصار؛ نحن نحتاج إلى بخاري آخر، ينظر أولاً في كتاب البخاري ويبحثه، وهل التزم بشروطه التي وضعها لنفسه في كلّ أحاديث كتابه، ثم يأتي بمنهج علمي جديد، أكثر صرامة لقبول الحديث؛ فالبخاري ليس أزمة الأمة، بل أزمة الأمة أنّها عقمت أن تلد بخارياً جديداً، وهو شيء لا يصدَّق، ومن ثم فتقدّمنا مرهون بولادة عبقريّ، بل عباقرة جدد، وإن ظللنا ننفي إمكانية ذلك، وأنّه ليس في الإمكان أفضل مما كان، فنحن حقيقة ننفي إمكانية تقدّمنا ولو شبراً واحداً. 
الحاضر الغائب

 

 

هل يمكن أن تلخّص لنا أزمة تجديد الخطاب الديني، إذا كان ثمة أزمة، ورؤيتك للخروج منها؟
الخروج من هذه الأزمة يمرّ بثلاث خطوات محددة، الأولى: يمكن أن نطلق عليها مرحلة الإطفاء؛ فحينما يشبّ حريق في بيت ما يكون التفكير في تجميله وتزيينه ضرباً من العته والجنون، والبيت العربي والمسلم الآن تلتهمه نيران التطرف والتعصب، وتحيطه من كلّ أرجائه، ومن ثمّ فالمهمة الأولى الآن؛ هي محاربة هذه الأفكار، وهدمها وإطفائها، فنحن لن نتقدم قيد أنملة واحدة، في أيّ اتجاه، من دون إنهاء هذه الأفكار التي تحارب وتهدم كلّ تقدم وكلّ تجديد.
تأتي بعد مرحلة الإطفاء، أو بالتزامن معها، ما يمكن أن نسميها مرحلة الانتقاء والغربلة للتراث، وهي مرحلة لها ضوابطها وشروطها التي تجعلها فاعلة وناجزة، بعدها مرحلة وضع النظريات الكلية؛ التي تساهم في مسيرة الإنسانية، وتقدّم الجديد للبشرية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية