أخطار الشعبوية ... وتسلل الاستبداد إلى الديموقراطيات

أخطار الشعبوية ... وتسلل الاستبداد إلى الديموقراطيات


08/08/2018

زيد رعد زيد الحسين


ليس بروز الشعبوية وانتهاك حقوق الإنسان في دول ديموقراطية، طارئاً وجديداً. ففكرة الأمة «أولاً»، سواء كانت أميركا أولاً أم غيرها، هي فكرة قديمة سبق أن أدت إلى نتائج كارثية. فالنفخ في الخوف في صدور شعوب قلقة من التغيرات التي تحيط بها، والتلويح بخطر المقبل من وراء الحدود أو بخطر الأقليات، هو من بنات تكتيكات قديمة. ولا يخفى أن هذه التكتيكات قد تنعقد ثمارها على الأمد القصير: الفوز بالانتخابات. ولكن نتائجها الطويلة الأمد كارثية. فحين ترجح كفة القومية، تتعذر العودة عنها إلا من طريق نزاع. وتتعذر، بعد بث شعور في مجتمع ما بأنه استثنائي أو لا نظير له أو متفوق على غيره، العودة بين ليلة وضحاها عن هذا الكلام والقول: «... أخطأنا، ونحن كلنا سواسية ولنا حقوق واحدة». لذا، مثل هذه السياسة (النفخ في القومية والتفوق...) بالغة الخطورة. ومشاهدة الاستبداد ينبعث في أجزاء من العالم حسِبنا أن المبادئ الديموقراطية والحقوق المدنية واحترام حقوق الإنسان، راسخة فيها، مقلقة.

وأعتقد أن بروز القومية يعود إلى حقبات سياسية قصيرة الأمد (مراحل قلق وأزمات اقتصادية...) وسياق حافل بالتغيرات في أصقاع الكوكب كله. وفي مثل هذا السياق تدور عجلة الخطابة القومية. وتلقى اللائمة على المهاجرين. ولكن في الواقع 4.5 في المئة فحسب من مجمل السكان في العالم، تحمل الرحال. و95.5 في المئة من الناس يبقون حيث هم! وليست حملات الهذيان والضغوط على الاتحاد الأوروبي والكلام عن خطر اللاجئين ناجمة عن (خطر فعلي)، بل عن حمل 4.5 في المئة من الناس (على وجه المعمورة) الرحال، على رغم أن شطراً منهم لا يتوجه إلى أوروبا: فشطر كبير من حركة المهاجرين يوجه من الجنوب إلى الجنوب. والخطابة المعادية للهجرة تؤتى ثمارها سياسياً (الانتخابات)، ولكنها ليست على بصيرة من نتائجها على الأمد البعيد.

ومن جهة أخرى، استضافت بنغلادش 600 ألف شخص (من الروهينغا القادمين من ميانمار)، على رغم أن البلد هذا لم يصادق على اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، وكان في إمكانه زرع الألغام على حدود بذريعة الخطر الأمني. ولب المشكلة هو رهاب الأجانب. فالمصاب بهذا الرهاب يخشى الغرباء في جواره، سواء كانوا ثلاثمئة أم واحد فحسب. ولكن كيف الخلاص من رهاب الأجانب والتمييز العنصري؟

ولا يخفى أحد النتائج التي خلفها مثل هذه الأفكار في يوغوسلافيا السابقة حيث بدأت مسيرتي المهنية، حين تحولت إلى دعوات إلى حمل السلاح. فشهد العالم الأفظع. ولكن ما كانت أهداف هؤلاء (دعاة الحرب والنقاء): بلدان صافية عرقياً؟ أو عودة إلى الماضي؟ وتاريخ البشرية كان دموياً وقاسياً، وهؤلاء أرادو العودة إلى التعسف وغياب العدالة. وهذا يعصى الاحتمال.

ومرحلة إنشاء المفوضية العليا لحقوق الإنسان في 1993 والمحاكم الخاصة بيوغوسلافيا السابقة ورواندا، ثم محكمة الجنايات الدولية، كانت وازنة ويعتد بها. وكان ثمة شعور حينها بأن الأبواب مشرعة أمام الاحتمالات (العدالة). ويكفي المرء القاء نظرة على عدد الاتفاقيات والمعاهدات: ففي التسعينات أنجز الكثير. ولكن مع هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) وحرب العراق، تعقدت الأمور. وكانت الأزمة العراقية منعطفاً ترافق مع العودة إلى القبول بالتعذيب.

ولا مناص من الإقرار بأن المجموعات المتطرفة والعنيفة قادرة على بث الاضطراب في المجتمعات من طريق هجماتها المرعبة. ولكن هذه المجموعات غير قادرة على تدمير المعمورة كلها، على خلاف الحكومات. ففي محاربة المتطرفين، يجب التزام القوانين التزاماً دقيقاً وذكياً، واحترام حقوق الإنسان وإلا صارت الدولة، مع مرور الوقت، تشبه المجموعة التي هي تكفاحها.


عن "الحياة"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية