أردوغان الحائر بين تركيته وإخوانيته

أردوغان الحائر بين تركيته وإخوانيته


23/04/2019

فاروق يوسف

ينظر رجب الرئيس التركي الطيب أردوغان إلى العالم بعينين إخوانيتين. غير أنه ينظر في الوقت نفسه إلى تركيا بعيني الخليفة العثماني الجديد الذي سيعيدها إلى سابق مجدها. بين الموقفين لا يمكن أن يخفي الرجل غرامه بزعامته.

ما لا يدركه أردوغان بسبب ثقافته الغوغائية أن الجمع بين التلمذة الإخوانية والزعامة التركية لا يمكن أن يتم واقعيا ولن يؤدي إلى نتائج محمودة. فهما شيئان متناقضان. أحدهما يعارض الآخر في الدوافع والأهداف وكلاهما لم يعد له مكان في الإعراب كما يُقال في عالمنا المعاصر.

الرئيس الإخواني صار يتدخل في ما لا يعني تركيا في شيء، جريا وراء أوهامه الشخصية.

اما الخليفة العثماني فقد صار يصادر حرية الناخبين في أن يدلوا بأصواتهم ضد حزبه الذي قادت سياساته البلاد إلى وضع اقتصادي سيء لم يكن أحد يتوقعه قبل سنوات قليلة.

بسبب طيشه يبدو الرجل كما لو أنه ضحى بتركيا من أجل الإخلاص لإخوانيته. غير أن سلوكه العنصري في قراءة التاريخ التركي وفي تعامله مع حقوق الأقليات وفي طريقة نظره إلى جيران تركيا يذكر بماضي تركيا، الدولة التي هيمنت بظلامها على الشرق وأجزاء من أوروبا لأربعة قرون.

تلك معادلة لا يمكن الحفاظ على توازنها. فهو أما أن يكون متآمرا على تركيا أو أنه يضحك على التنظيم العالمي للإخوان المسلمين. في الاتجاهين فإن تركيا ستكون الضحية.

يفكر أردوغان في الاستثناء. فباعتباره زعيما استثنائيا فإن تركيا هي دولة استثنائية. وذلك غير صحيح. ما أثبته الواقع أن تركيا ليست دولة عقائدية وأن في إمكان مؤشر العملات أن يغير أمزجة الناخبين. تركيا دولة يحكمها السوق ولا علاقة لشعبها بما يفكر فيه الاخوان المسلمون.

لذلك فإن أردوغان بدلا من سلطانيته سيجد نفسه معزولا في وقت قريب.

فتركيا التي يفكر في استعادتها ليست تركيا الواقع وليسا تركيا المعاصرة.

تركيا اليوم هي بلد سياحي لا صلة له بمعادلات السيد أردوغان. فإن كان إخوانياً فإن عليه أن يذهب وحيداً إلى حيث انتهت الجماعة منبوذة ومتهمة بالإرهاب وإن كان عثمانيا فإن تركيا ليست مستعدة لارتداء الطربوش في عصرها الحالي. هناك تركيا الحديثة التي أنشأها كمال اتاتورك. وهي تركيا العلمانية التي يتعامل معها العالم باعتبارها دولة متحضرة.

في الانتخابات الأخيرة أثبتت النتائج أن تركيا ليست أردوغان. ليست تركيا مضطرة على أن تفكر بالطريقة التي يفكر فيها رئيسها الإخواني. كما أن طريقة نظر شعبها إلى ماضيه تختلف عن طريقة نظر ذلك الرئيس.

الأتراك يفكرون بمستقبل ليرتهم أكثر مما يفكرون بعقيدة رئيسهم.

وإذا ما كان ذلك الرئيس قد ضحى بمستقبل ليرتهم من أجل طموحاته الإخوانية فإنهم ذكروه بتركيتهم الحديثة التي لم يفكر فيها حين استغرق في أحلامه العثمانية. مشكلة أردوغان الحقيقية أنه رجل ضائع بين طموحه الشخصي وانتمائه العقائدي.

لقد دخل الرجل إلى السياسة من باب ضيقة. هي باب المشروع الديني المتصل بفكر جماعة الاخوان المسلمين. عمليا لم يكن في الإمكان تطبيق الإسلام المعتدل إذا تعلق الأمر بالسياسة وفلسفة الحكم.

لذلك نشأ الصدام المتوقع حين زج أردوغان بتركيا في حروب الإخوان التي أثبتت الوقائع أنها حروب خاسرة. ولو كان أردوغان صادقا في نظريته عن الإسلام المعتدل لما فتح حدود تركيا مع سوريا للجماعات الإرهابية لكي تمارس تمارينها في القتل ونشر الرعب والفوضى هناك.

بعد سنوات نجوميته الشعبوية يبدأ أردوغان اليوم رحلة تراجع شعبيته بعد أن بدا واضحا أن الرجل المغرم بإطلاق بالونات التحدي الفارغ لا يملك ما يقدمه للشعب التركي الذي عبر بوضوح عن عدم اهتمامه بأوهام أردوغان الشخصية. فلا اخوانيته تنفع في استرداد الاقتصاد التركي لعافيته ولا حلمه السلطاني قادر على أن يعيد لليرة التركية عافيتها التي فقدتها بسبب مغامراته الطائشة.

عن "ميدل إيست أونلاين"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية