أردوغان بين الحقيقة والأوهام

أردوغان بين الحقيقة والأوهام


08/09/2019

مها محمد الشريف

في أحيان كثيرة يتساءل المرء بعفوية عن القلائل الذين فطنوا لملامح شخص أردوغان خلف قناع متلون عاشه في شبابه حتى وصوله للرئاسة، ولكنهم التزموا الصمت، فمن المؤكد أن أصدقاءه المقربين يظهرون تحفظاً شديداً بعدما اكتشفوا هذه الشخصية المتعددة الأوجه، بعد تغير تحالفاته السياسية باستمرار داخل الحزب الذي ينتمي له، وإقصائه للمقربين منه، مثل داود أوغلو، وعلي باباجان مهندس الاقتصاد التركي الحديث، وأكثر ما يخشاه منافستهم له، وبالتالي تشكلت صورة نمطية سلبية لدى الساسة الأتراك حول مزاجية سياسته وتقلباتها، وبالتالي يصعب عليهم أن يثقوا به.
ويتبين من هذه المفارقات أن الرجل لديه جانب مغامر في شخصيته أفقده كثيراً من التهليل من شعبه. وبناء عليه، تم انتزاع إعجاب الآخرين في غياب الأمان السياسي والاقتصادي في البلاد، بعد أن تنافس الأكاديميون ومنسوبو الجيش والقطاعات الأخرى على إطالة بقائه في الحكم، ولكن هذا التطلع والحب أعقبه مساء حافل بالمفاجآت، فكان انقلاب غامض مرتب سجن على أثره الآلاف من البشر، وسرح كثير من وظائفهم، ولم تظهر الخلية الأساسية التي خططت للانقلاب، ونفدت أي مستندات أو أوراق حوله، ومن ثم تحول الأمر من إيحاء إلى أوامر حكومية بخيانة نسبة كبيرة من قطاعات الدولة العسكرية والمدنية. ومع كل ذكرى للانقلاب، يتعهد إردوغان ملاحقة المتورطين.
ويتفق كثير بدافع الاستياء أن إردوغان قد لا يطاق في فترة من فترات حكمه، حتى مع أفراد حكومته، بسبب فشله داخلياً، وتدهور البلاد اقتصادياً، وإقحام تركيا في حروب وعداءات مع الدول العربية، وعدد من الدول الغربية. وكان رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، الذي دفعت به الظروف إلى الاستقالة من الحكومة في 5 مايو (أيار) الماضي، قد أعلن عدم ترشحه مجدداً لرئاسة حزب العدالة والتنمية، في المؤتمر الاستثنائي الذي عقده لانتخاب رئيس جديد للحزب.
الأمثلة كثيرة، وكلها تثير التساؤلات، فقد لعب العامل الشخصي والثقل السياسي أو الشعبي دوراً مهماً في المعادلة السياسية التركية، والعلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. وفيما عدا ذلك، لم يتخلَ الرئيس التركي عن طموحاته العثمانية، وعاد من جديد إلى أرض سوريا التي أصبحت ميدان قتال وأرضاً مفتوحة للروس والإيرانيين والأتراك للتدخل في تحديد مصيرها.
واليوم، نسمع النبرة نفسها من الرئيس التركي في رغبة بلاده في امتلاك أسلحة نووية «على غرار دول الجوار»، فهل يسعى إردوغان إلى إشغال الرأي العام بمطالباته وحيازة قوة رادعة؟ وهل يثق المجتمع الدولي بنواياه بعد مواقفه المتباينة مع أميركا والعالم العربي أم هي الفرص الضائعة التي يبحث عنها، ليرفع الضغوط المفروضة على بلاده، ويجعل منها غطاءً سياسياً لحربه على الأكراد، وتغلغله في الداخل السوري، وتصدره النشرات الإخبارية، كما هو الحال مع حليفته إيران؟
لا شك أن رئيس تركيا يعمل من أجل استراتيجية تعطي أكلها على المدى الطويل، ولها أثر عميق في التاريخ القديم يعمل على تجديده، ويرغب في امتلاك أسلحة نووية، موضحاً أن «بعض الدول تمتلك صواريخ برؤوس حربية نووية، ليست واحدة أو اثنتين، لكنها تقول لنا إنه لا يمكننا أن نمتلكها. وهذا ما لا يمكنني القبول به».
وعلى المستوى التطبيقي، نجد تأكيداً على أهمية اللعب على عدة جهات، بالإشكاليات التي يثيرها، من المطالبة بالأسلحة النووية إلى تهديد مباشر للاتحاد الأوروبي بأن بلاده ستفتح الطريق أمام اللاجئين الراغبين الوصول إلى أوروبا، في حال لم تتلق دعماً دولياً للتعامل مع اللاجئين السوريين، حسب ما أوردته وكالة «رويترز».
يحاول إردوغان جاهداً أن يعطي نفسه صورة متناقضة من التعالي والتواضع، ولكن مع إدراكه بأنه سيخسر على بعض الجهات، أصبح يسرّع من خطواته للسيطرة على تركيا، والانفراد بالسلطة، ونسف ديمقراطية بلاده المزعومة، وهو الآن يبحث عن تأسيس إمبراطورتيها العثمانية على مقاسه، من خلال متاجرته بالدين والسياسة والقضايا الرئيسية بالمنطقة بالسلوك الشعبوي الذي يجيده.
بينما في الواقع يطبق سياسات مختلفة تماماً، كادعائه الدفاع عن الأقصى بالخطب الرنانة، وهو في الحقيقة يقيم أفضل العلاقات مع الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين، فهل استوعب العرب الدرس التركي؟

عن "الشرق الأوسط" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية