أردوغان رجل الجمهورية الأوحد.. لماذا كل هذا العناد؟

أردوغان رجل الجمهورية الأوحد.. لماذا كل هذا العناد؟


04/01/2020

أردوغان؛ رجل قليلاً ما يبتسم، ويتّسم بالعناد أيضاً، ويحبّ فيما يظهر في الإعلام ربطات العنق الحمراء، وليس هذا مهماً، المهم أنّ الرجل جعل من تركيا دولة بمرجعية شخصية، وبعقل واحد يدبّر ويدير، ويحكم ويتحكّم، وينصب ويعزل، ويزيد وينقص في الصلاحيات، إلا أنّ الأخيرة لستُ واثقاً منها تماماً.

الرجل جعل من تركيا دولة بمرجعية شخصية، وبعقل واحد يدبّر ويدير، ويحكم ويتحكّم، وينصب ويعزل

احتج، أو عبّر، وزير ماليته السابق عن رأيه في سياسته المالية المتحكمة والمتصلبة، خلف رؤية قائمة على ضخ الأموال الطائلة في المشروعات الرأسمالية الإستراتيجية، معتبراً - أي وزير المالية السابق - أنّ هذا يضرّ بالسياسة المالية ويضعف موقف الليرة التركية، إلا أنّ الذي حدث أنّ هذا الرأي أضعف موقف وزير المالية، فتمّ عزله، ونصّب أردوغان صهره خلفاً له.

يريد أردوغان أن يمسك بكلّ الخيوط بيد واحدة، ولا يريد لأيّة يد أن يكون لها أثر ضئيل فوق يده؛ فالعزل سلاح فتّاك بيد عقل جريء مثل عقل "السلطان"، فقبل وزير المالية، سقط العقل السياسي الإستراتيجي لتركيا ولأردوغان "داوود أوغلو" في فخّ هذا السلاح، عزِل في ليلة واحدة، دون أدنى تبرير.

اقرأ أيضاً: ماذا طلب أردوغان من الأتراك؟

ليس مطلوباً من أردوغان أن يبرّر، عليه فقط أن يقرّر ويحكم، ويستبدّ أيضاً بالرأي والموقف، فهو على ما يبدو سادن الصواب وسيّد الحقيقة، فالله معه والناس أجمعين، هذا ما قاله في خطاب موجّه إلى الشعب التركي، في ظلّ أزمة الليرة التركية التي تنحدر على أرض زلقة، ملأها أردوغان بأفكار وقرارات فردية تماماً، ويبدو أنّها لزجة لدرجة أنّها سهّلت، أو أتاحت، الفرصة أمام النوايا غير البريئة لمنافسي تركيا وأعدائها، بحسب تصريح أردوغان أيضاً.

يدعو أردوغان: "كلّ من لديه دولار أو يورو أن يحوّلهما إلى ليرة، لقد أعلنوا علينا حرباً مالية واقتصادية، وعلينا أن نواجهها، أقول للوبيات العملات لا تفرحوا لن تنالوا من إرادة شعبنا، من يعمل على محاربة تركيا سيندم عاجلا أو آجلاً، إذا كان لديهم الدولار، فنحن لدينا شعبنا وربنا الله".

ليس مطلوباً من أردوغان أن يبرّر، عليه فقط أن يقرّر ويحكم، ويستبدّ أيضاً بالرأي والموقف

الخطاب جيّد وعاطفي، لكنّ المقربين من أردوغان نفسهم لا يعترفون بهذا السبب الوحيد لهبوط سعر صرف الليرة، إنهم يشيرون بأصبع غليظة للرئيس المتصف بـ "العناد الحاد"، فيبدو أنه لا يثق كثيراً، أو قليلاً، بغير رأسه وأفكاره، وخوفه من فقدان الحلم والمشروع الكبير خوف مستبدّ.

محاولة القناعة بتوصيف زعيم الحركة القومية التركي "دولت بهتشلي" للأزمة وأسبابها، باعتبار أنّ ارتفاع أسعار العملة الأجنبية ليس وراءه الاقتصاد؛ بل الابتزازات السياسية والدبلوماسية، وأنّ الهدف من وراء رفع سعر العملة الأجنبية هو النيل من بلاده، واستكمال ما لم يتحقق في محاولة الانقلاب الفاشلة، ربما يكون منطقياً، لكنّ التغاضي، أو بعبارة أكثر دقة؛ تجاهل ورفض النصائح التي تأتي من داخل تركيا نفسها لأردوغان من قبل خبراء المال والأعمال، بضرر توجيهاته في موضوعة السياسة المالية للجمهورية، يخلق مقداراً كبيراً من القلق الذي بات يندلق في الشارع التركي.

الثقة بالنفس حين تدور حول الذات والأنا العليا والتعويل على رضا الناس تفقد قدرتها على التمييز 

إنّ القدر الكبير الذي يتمتع به أردوغان من الثقة المطلقة، بنفسه أولاً، وبالشعب التركي الذي جعله يتفوق على حزبه نفسه، وبالله أيضاً، ليس كافياً أبداً؛ فالثقة بالنفس حين تدور حول الذات والأنا العليا تفقد قدرتها على التمييز، والتعويل على رضا الناس والرهان على صبرهم، وكظم قلقهم، ليس دائماً رهاناً رابحاً، خاصة في مجتمع مثل المجتمع التركي، الذي جرّب الرفاه الاقتصادي، فلا يريد أن يعود للوراء جراء سياسة رجل واحد، كما أنّ الثقة بالله دائماً مطلوبة، وثمار أشجارها ناضجة، لكن، يكون ذلك حين يكون الزرع صحيحاً وسليماً.

إذا كان أردوغان يتكئ على رصيد ثري من حبّ ناخبيه وناخبي حزبه، وإذا كانت فضائله نحو تركيا؛ اقتصادياً وداخلياً، تشفع له، عليه أن يدرك تماماً، وهو يوجه النقد للأعداء، أنّه إلى جانب من ترفعه الخطيئة، بحسب وليم شكسبير، فإنّ البعض تسقطه الفضيلة، هذا إذا كان للسلطة فضيلة، فطبيعة الناس والشعوب والمجتمعات أنّها دوماً "لا تنظر لما تمّ إنجازه، بل لما لم يتم إنجازه".

اقرأ أيضاً: صحف ألمانية: لقد أفلس "السلطان" أردوغان

في التصريح الأول لأردوغان، بعد تنصيبه رئيساً، عقب الانتخابات الأخيرة، قال: إنّ "تركيا أغلقت أبواب السياسات الخاطئة، وتجاوزت أخطاء النظام السابق"، ولأنّ خطّ سير الدولة، أي دولة، من الطبيعي أن يمرّ بمحطات الخطأ والصواب، فإنه من الطبيعي أن يأتي رئيس جديد لتركيا، ويقول إنّه حان الوقت لتجاوز السياسات الخاطئة، وأمراض النظام السابق؛ فالأخطاء تظهر أكثر من الصواب والنجاحات، وغالباً الذي يمتلئ بالأفكار الخاطئة عن السابق، يكون عرضة لاقتحام شرس للأفكار الخاطئة عن اللاحق.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية