أردوغان والإخوان: مَنْ يستخدم مَنْ؟

أردوغان والإخوان: مَنْ يستخدم مَنْ؟


15/07/2019

نصر محمد عارف

قد يبدو من ظاهر الدعم اللامحدود الذي يقدمه الرئيس التركي أردوغان لكل فصائل تنظيم الإخوان -في مختلف الدول العربية- أن الرئيس التركي يضحي بكل شيء من أجل نصرة الجماعة التي أقسم على بيعة مرشدها، حتى وإن كان في ذلك تهديدا لمصالح الدولة التي أقسم على الحفاظ على أمنها ومصالح شعبها. والحقيقة قد تكون غير ذلك تماما، فالرئيس أردوغان مسكون بوهم السلطنة، ومأفون بداء العظمة، ومهووس بالنجومية، وحب الظهور في الموقع الأعظم، فهو في حقيقته يعبد ذاته، ويتخذ إلهه هواه، وإن ضحى في سبيل ذلك بكل المقدسات الدينية والوطنية.

ولكي نفهم حقيقة أردوغان يجب أن ننظر بعمق فيما فعل في الإسلاميين في تركيا ذاتها، فقد باع كل تاريخهم، وقامر بكل تضحياتهم من أجل تحقيق أهدافه الشخصية، فمن أجل الفوز في انتخابات الرئاسة التركية التي حولت تركيا من نظام برلماني -تكون السلطة فيه للبرلمان ورئيس الوزراء- إلى نظام رئاسي تكون السلطة مطلقة للرئيس، من أجل الحصول على هذه السلطة المطلقة تحالف أردوغان مع حزب الحركة القومية بزعامة "دولت باهجه لي" وهذا الحزب تأسس عام 1973، وهو امتداد تاريخي لحزب الشعب الجمهوري الذي أسسه مصفى كمال أتاتورك، وظل رئيسا له حتى وفاته 1938، وفي سبيل هذا التحالف تعهد أردوغان بالمحافظة على إرث أتاتورك، وأصبح من المدافعين عن أتاتورك، ويضع صورته دائما بجوار صورة أتاتورك، ويجلس في قاعة وفوق رأس صورة بعرض نصف الحائط لأتاتورك، وفي الاحتفال بمرور 79 سنة على وفاة أتاتورك في 10 نوفمبر 2017 تعهد أردوغان بالاستمرار على نهج أتاتورك.

وبذلك يكون أردوغان قد تخلى عن تاريخ جميع الأحزاب التي أنشأها الإسلاميون في تركيا، منذ عام 1970 حتى اليوم، فتاريخ حركة الإخوان في تركيا التي خرج منها أردوغان نشأ واستمر على شعار واحد هو معاداة أتاتورك، والسعي لهدم دولة أتاتورك، والعمل على القضاء على الكمالية العلمانية، وأردوغان اليوم يفخر بأنه استمرار للكمالية، ويسوق العلمانية التركية هو ومستشاروه الذين يرددون دائما كل القيم التي تستخدمها جماعة الإخوان كذريعة لنزع الشرعية عن معظم الدول العربية.

وللحقيقة والتاريخ فقد كان أتاتورك من أشد المعادين للدين وليس للحركات السياسية الإسلامية، فقد ألغى كل المؤسسات الدينية، ومنع تعليم الدين، وأغلق العديد من المساجد وحولها إلى متاحف، وألغى الحرف العربي، وحول اللغة التركية إلى الحرف اللاتيني، وبذلك قطع تركيا عن تاريخها، ويقول المؤرخ البريطاني "هاملتون جب" في كتاب له بعنوان "تركيا" إن أتاتورك فرض لبس القبعة على جميع الرجال الأتراك، ومنع لبس الطربوش على الرجال والحجاب على النساء، وحين خالف 84 رجلا قراره، وأصروا على ارتداء الطربوش أصدر حكما بإعدامهم جميعاً لأنهم خالفوا قرار لبس القبعة بدلا من الطربوش.

ومن سنة 1970 حين نشأ أول حزب من رحم جماعة الإخوان التركية "حزب النظام الوطني" على يد "نجم الدين أربكان" أستاذ أردوغان؛ كانت كل مبادئ الحزب ضد مبادئ أتاتورك وسياساته، وكان هدف الحزب القضاء على تلك المبادئ الكمالية، والعودة بتركيا إلى حضن الإسلام، وكذلك كان الحال مع الحزب التالي له وهو "حزب السلامة القومي" الذي نشأ في 1973 بعد حل الحزب السابق، ثم حزب "الرفاه"، و"حزب الفضيلة"، وجميعها أنشأها أستاذ أردوغان "نجم الدين أربكان"، وأخيراً حزب العدالة والتنمية وحزب السعادة، كل تلك الأحزاب تكتسب وجودها من مخالفتها مبادئ مصطفى كمال أتاتورك، ولكن أردوغان باع كل ذلك في سبيل كرسي الرئاسة.

وإذا تأملنا في المشهد التركي بدقة وعمق سنجد في ظاهر الأمور أن أردوغان يملك براعة سياسية، واستطاع أن يستخدم بعض الأحزاب العلمانية الكمالية، ويوظفها لمصلحته السياسية في الوصول إلى كرسي الحكم، وأن رئيس حزب الحركة القومية ذلك الرجل الطاعن في السن يبدو بجوار أردوغان ضعيفاً مستسلماً، فيبدو من ظاهر المشهد أن أردوغان يستخدم "دولت باهجه لي" رئيس حزب الحركة القومية لتحقيق مكاسب سياسية.

ولكن النظر العميق في الأمور يقول لنا إن رئيس حزب الحركة القومية استطاع أن يفرغ كل برنامج أردوغان من محتواه، وأن يجبره خلال العامين الماضيين على تمجيد أتاتورك ومبادئ العلمانية، وأن يرغم أردوغان على مقايضة المبادئ بالمصالح، وبذلك لن يستطيع أردوغان تحقيق أيديولوجية الإخوان، وإنما تحقيق مجد شخصي، وسيحافظ حزب الحركة القومية على الأيديولوجية الكمالية التي صنعت تاريخ تركيا المعاصر، وينقذها من اكتساح الإسلاميين لها، بل إن أردوغان سينجح في تفكيك الحركة الإخوانية في تركيا، ويخلق صراعا بين الأردوغانيين وخصومهم، بعد أن خلق صراعا بين الإسلاميين أنفسهم، فحول حركة الخدمة التي نشأ في كنفها، واعتمد عليها في الوصول إلى السلطة.. إلى عدو ينتقم منه، ويتشفى فيه طوال السنوات الثلاث الماضية، ولم يشف من التشفي حتى اليوم.

إنه صراع المبادئ والمصالح الذي عادة ما يتنازل فيه الإخوان عن المبادئ من أجل المصالح، حدث هذا في مصر عندما تحالف الإخوان مع حزب الوفد الليبرالي عام 1984، ودخلوا مجلس الشعب على قائمته، وكذلك عندما تحالفوا مع حزب العمل في مصر عام 1987 وهو حزب اشتراكي يمثل امتدادا لحركة "مصر الفتاة"، التي كانت تعادي الإخوان في ثلاثينيات القرن الماضي.

إن أردوغان هو الابن البار لتنظيم الإخوان، الذي تعود على أن يوظف المبادئ لتحقيق المصالح، فيفقد المبادئ لانتهازيته، ولا يحقق المصالح لعجز قياداته وعدم خبرتها وضعف كفاءتها.

عن "الأهرام" المصرية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية