أردوغان والنفط السوري

أردوغان والنفط السوري


16/03/2020

يونس السيد
بعد فشل أردوغان في إقناع بوتين بتركه «وجهاً لوجه مع الأسد» لتصفية الحساب معه، خصوصاً بعدما تلقى جيشه ضربات موجعة في إدلب، واضطراره للقبول بوقف إطلاق النار، وبالتالي فشل مخططاته في السيطرة على الشمال السوري، تحول أردوغان مباشرة، بقدرة قادر، إلى رجل أعمال يقدم العروض للشراكة في استثمار النفط السوري، تارة مع الروس، وأخرى مع الأمريكيين، لكنه، بطبيعة الحال، لم يلق استجابة من كلا الطرفين.
ولكن لماذا عرض أردوغان على «صديقه» فلاديمير بوتين، تقاسم النفط السوري، وفي نفس الوقت قدم العرض ذاته للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على الرغم من إدراكه المسبق بأن حقول النفط الكبيرة في شمال شرقي سوريا تخضع لسيطرة القوات الأمريكية، فيما تخضع بقية الحقول الصغيرة لسيطرة القوات الكردية، وهي المعنية هنا بعرض أردوغان، بذريعة أن هذه الحقول يجب ألاّ تكون تحت سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» التي يعتبرها إرهابية.
في الأصل، الأطماع العدوانية التوسعية في احتلال الشمال السوري وإلحاقه بتركيا أسوة بلواء الإسكندرون معروفة للجميع، في إطار «العثمانية الجديدة» التي ينتهجها أردوغان، وقصة الأطماع التركية في الثروات النفطية السورية معروفة أيضاً منذ زمن «داعش» حين كان يسيطر على هذه الحقول؛ حيث نشأت علاقة شراكة بين الجانبين، كان بطلها حينذاك بلال نجل الرئيس التركي، الذي جنى من ورائها مئات الملايين من الدولارات، حتى لقب آنذاك ب «وزير نفط داعش». اليوم يحاول أردوغان، إعادة إحياء هذه العلاقة النفطية بصورة مغايرة. فهو يريد، بعد كل هذا الفشل، أن يوحي بأن هناك اتفاقاً مع روسيا في هذا الشأن، خصوصاً، عندما يتحدث عن أن موسكو وافقت على دراسة العرض، لكنه، من جانب آخر، يريد زرع بذور الخلاف بين موسكو ودمشق وتحالفاتهما وحتى مع الأكراد. وفي العمق، يذهب إلى أبعد من ذلك، حين يحاول منذ الآن ضمان المشاركة في بنية ما بعد الحرب، إدراكاً منه أن موسكو ودمشق ستخرجانه من سوريا آجلاً أم عاجلاً.
والقصة لا تتوقف عند هذا الحد، فهو بالتأكيد يرغب في زرع الخلاف أيضاً بين واشنطن والأكراد، مع إدراكه المسبق أيضاً أن واشنطن التي تسيطر على الحقول الكبرى في محافظة دير الزور، ليست بحاجة إلى شركاء، وهي أصلاً أعادت قواتها فقط للسيطرة على هذه الحقول بعد أن كانت قررت الانسحاب من سوريا. كما أنه يدرك أن القوات الأمريكية لن تبقى في سوريا إلى ما لا نهاية، لكنها لن تنجر إلى فك تحالفها مع الأكراد، وإن كان يبدي رغبة شديدة في ذلك، وبالتالي فإن مغامرته باتت تنذر بنهاية ليست سعيدة بالنسبة له، وأن مستقبله ومستقبل نظامه بات على المحك، على الرغم من محاولته كسب الوقت في الرهان على وقف إطلاق النار في إدلب، والذي قد لا يستمر طويلاً، لرغبة موسكو ودمشق في إنهاء هذا الملف بأسرع مما يتصور.

عن "الخليج" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية