أردوغان وحلفاؤه فرحون بنتائج الانتخابات البلدية الفرنسية: ماكرون باقٍ

أردوغان وحلفاؤه فرحون بنتائج الانتخابات البلدية الفرنسية: ماكرون باقٍ


30/06/2020

تصدرت نتائج الدور الثاني من الانتخابات البلدية في فرنسا وسائل الإعلام التركية والإخوانية والخليجية الحليفة، في تغطية حملت طابع هجومي على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وكأنّ النتيجة التي لم يُوفق حزبه فيها بمثابة هزيمة له كرئيس للدولة.

لم يدرك هؤلاء طبيعة المشهد السياسي والحزبي في فرنسا، فاختيار عمدات البلديات يخضع لحسابات محلية، لم يكن بمستطاع حزب الجمهورية إلى الأمام الوليد أن يحقق فيها نتائج كبرى، أمام منافسين لهم تاريخ طويل في تولي المناصب البلدية.

وماذا يهم الإعلام الإخواني-التركي من نتائج الانتخابات البلدية غير ما يظهر للوهلة الأولى على أنه تدني لشعبية الرئيس ماكرون، العدو الأوروبي اللدود لأردوغان، الذي يقف له بالمرصاد في اليونان وقبرص، وليبيا، ويقطع عليه طريق استغلال المسلمين الفرنسيين، وحليف الرئيس المصري السيسي الذي يعتبره أردوغان من ألد ألدائه العرب والإقليميين.

هزيمة بلدية لحزب ماكرون .. لكن

أظهرت نتائج الدور الثاني من الانتخابات البلدية الذي جرت الأحد، 28 حزيران (يونيو)، فوز مرشحي حزب "البيئة" أو الخضر برئاسة بلديات عدة مدن كبرى لأول مرة، وهي مدينة ليون، ستراسبورغ، تور، بيزانسون، بواتيي إضافة إلى بوردو التي ظل يدير الشأن المحلي فيها اليمين منذ 73 عاماً، بجانب بلدية غرونوبل في الجنوب التي كان الحزب يدير بلديتها، وغير ذلك من المدن الصغرى.

سياسة الدولة الفرنسية مع ماكرون أو سواه لن تقبل بالعربدة التركية التي تضر بالأمن الإقليمي، رغم أنّ حظوظ ماكرون الانتخابية ما زالت في مستوى مرتفع للغاية

وفق نتائج الجولة الأولى من الانتخابات البلدية، لم تكن المنافسة محصورة بين حزب الخضر، وحزب ماكرون، الجمهورية إلى الأمام، بل كانت محصورة بشكل أساسي بين الحزب الجمهوري والاشتراكيين والخضر، ثم يأتي حزب ماكرون. ففي باريس تصدرت الاشتراكية آن هيدالغو نتائج الجولة الأولى، وتلتها الجمهورية اليمينية رشيدة داتي، ثم مرشحة الجمهورية إلى الأمام أنياس بوزان، وفازت بها آن هيدالغو، التي كانت تشغل المنصب.

في ليون فاز مرشح الخضر على العمدة الاشتراكي، وفي بوردو فاز مرشح الخضر على المرشح الجمهوري اليميني آلان جوبيه، وفي مارسيليا فازت ميشال روبيرولا مرشحة الخضر على مرشحة الحزب اليميني الجمهوري، وبشكل عام لم يكن الحزب الحاكم الأقرب للفوز سوى في مدينة لوهافر، مسقط رأس رئيس الوزراء إدوار فيليب، والذي نافس فيها جون بول لوكوك مرشح الحزب الشيوعي الفرنسي، وفاز فيليب بالعمودية. وفازت مارتين أوبري في مدينة ليل، بعد أن دعمتها مرشحة الحزب الحاكم.

ولا يبدو من ردود فعل ماكرون أنّه يعطي هذه الانتخابات أكبر من حجمها، فهي قضية محلية بالأساس، وتختص بقضايا المواطنين في المدن والبلدات، لا السياسة الخارجية للدولة، وهي التي تثير غيظ الإعلام التركي-الإخواني على ماكرون.

ارتفاع شعبية ماكرون

نشرت "فرانس 24" تقريراً جاء فيه: ورغم أنه من المستبعد إسقاط نتائج هذه الانتخابات البلدية على الاستحقاقات الوطنية لجس نبض الكتلة الناخبة، إلا أنّ آثارها ستتجلى في الحياة السياسية في المرحلة المقبلة. فهل هذه النتائج تعد بعودة جديدة لليسار لكراسي المسؤولية وطنيا؟

ما تدل عليه هذه النتائج ليس هزيمة ماكرون أو تدني شعبيته، بل تدل على عودة محتملة لليسار في مواجهة اليمين المعتدل في الأساس. على عكس ما نشرت وسائل إعلام أردوغان وحلفائه، التي صورت النتائج على أنّها "استفتاء سحب الثقة من الحكومة"، و"هزيمة ثقيلة لماكرون"، وغير ذلك.

أمّا عن شعبية ماكرون، فيقول الإعلامي المستقل، والباحث في الشؤون السياسية، شريف عبد الغفار، إنّ شعبية ماكرون مرتفعة بشكل كبير على الرغم من جائحة كورونا، التي تركت آثاراً كبرى على الاقتصاد والمجتمع في فرنسا، إلّا أنّ الفرنسيين يرون أنّه نجح في العبور بهم خلال الأزمة.

ويشرح عبد الغفار في حديثه لـ "حفريات" توقعات المشهد الانتخابي الرئاسي المقبل في 2022 بقوله، خلال الأيام الماضية سُرب مقطع فيديو لماكرون خلال لقائه مع مجموعة من المانحين يتحدث عن نيته في الاستقالة والدعوة إلى انتخابات مبكرة، ليستغل النجاح الكبير الذي حققه في مواجهة أزمة كورونا للفوز بفترة رئاسية ثانية.

ونشرت صحيفة تليغراف الخبر، بتاريخ 11 يونيو (حزيران). ويعلل الإعلامي شريف عبد الغفار إقدام ماكرون على هذه الخطوة بقوله، لكي يفوز ماكرون بولاية ثانية عليه أن يحقق نجاحاً كبيراً مثلما فعل مع أزمة كورونا، أو يتجنب الإصلاحات الجذرية التي تتسبب في احتجاجات معارضة لسياسته (حركة السترات الصفراء).

أمّا عن تأثير السياسة الخارجية لماكرون أو لأيّ رئيس فرنسي على حظوظ انتخابه لفترة ثانية، فيرى عبد الغفار أنّها غير مؤثرة، خصوصاً أنّ سياسة ماكرون الخارجية مرضيّ عنها من الفرنسيين.

وفق ذلك؛ ليس هناك من مبرر لهذه الفرحة التي عمت وسائل الإعلام التركية- الإخوانية والخليجية الداعمة لهذا المحور، إذ لم تتغير حظوظ ماكرون الانتخابية، بل مثّلت أزمة كورونا مخرجاً له، بما حققه من نجاح كبير، غطى على أزمة حراك السترات الصفراء والاضرابات العمالية الكبرى.

ماكرون .. أردوغان

لم تقتصر حرب إعلام أردوغان- الإخوان على نتائج الانتخابات البلدية، بل راحوا يشنون حرباً إعلامية منظمة ضد فرنسا بشكل عام، والرئيس ماكرون بشكل خاص.

فبعد تصريحات للرئيس ماكرون ندّد فيها بالتدخل التركي في ليبيا، مساء أمس، خلال مؤتمر صحفي مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في زيارة رسمية إلى برلين، انطلقت آلة الدعاية التركية عبر قناة "الجزيرة" ووكالة الأناضول وغيرهما للتنديد بماكرون.

وكان الرئيس الفرنسي قال في كلمته، إنّ أكبر طرف يتدخل الآن في الشأن الليبي هو تركيا، موضحاً أنّها تتحمل مسؤولية جنائية وتاريخية عما يجري في الأراضي الليبية، وندّد بانتهاكها لمخرجات مؤتمر برلين، وإرسالها للمرتزقة إلى ليبيا.

ورداً على ذلك نشرت وكالة الأناضول تقريراً عقب التصريحات بعنوان "قبيل الاستحقاق الرئاسي.. "صفعة" لماكرون في المحليات"، كما نشرت مقالاً منقولاً عن صحيفة "الإندبندنت" يهاجم فيه الكاتب سياسة فرنسا في ليبيا. بينما لجأ موقع "الجزيرة نت" إلى تحريف كلمة ماكرون التي قال فيها "نريد وضع حد لفكرة خاطئة: فرنسا لا تدعم المشير حفتر، لكنها تسعى بالأحرى إلى حل سلمي دائم"، ليحولها إلى عنوان عريض يقول: "عاجل: ماكرون نرفض هجوم حفتر على طرابلس".

الإعلامي شريف عبد الغفار لـ"حفريات": أردوغان يريد التأثير على حكومات أوروبا باستخدام المواطنين من أصول تركية، ممن لهم حق التصويت، واستغلال قضية اللاجئين

 

وهناك أسباب عديدة لهذا العداء، ترجع إلى العداء الشخصي بين أردوغان وماكرون، بسبب غضب الأول من تصدي ماكرون لمشاريع أردوغان التوسعية على حساب دول المنطقة، ومحاربة ماكرون لقوى الإسلام السياسي المتطرفة، وموقف فرنسا من الأرمن، ورفضها لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

وفي هذا السياق، يضيف الإعلامي شريف عبد الغفار بأنّ أردوغان يريد التأثير على حكومات أوروبا باستخدام المواطنين من أصول تركية، ممن لهم حق التصويت، واستغلال قضية اللاجئين، ثم انتهاك سيادة قبرص واليونان، ومعارضة مصالح فرنسا في ليبيا، وهو أمر يرفضه ماكرون بحزم، بصفته رأس السياسة الخارجية الأوروبية، كما ترى فرنسا نفسها.

بالإضافة إلى ذلك؛ هناك قضية جوهرية في الخلاف بين شخص أردوغان وماكرون؛ وهي الموقف اليقظ لماكرون بخصوص خطر الإسلام السياسي، وإدراكه لتعاونهم مع أردوغان في السيطرة على المنطقة العربية، ومشاريع أخونة المجتمعات، مما يغذي التطرف والإرهاب، الذي طالت نيرانه فرنسا كثيراً، وجعلتها تضع قضية الأمن أولوية قبل المصالح الاقتصادية في تعاملها مع تركيا، على نقيض إيطاليا وبريطانيا.

يضيف عبد الغفار بأنّ علاقات فرنسا توثقت بمصر في إطار حربهما المشتركة ضد الإرهاب والتطرف الديني، وهو أمر يزيد غضب أردوغان، كونه يكره كليهما، بسبب تصديهما لأطماعه في المنطقة. بجانب تضييق فرنسا على تركيا في الناتو، وتوبيخها بشدة في اجتماع وزراء دفاع الحلف الأخير الذي ناقش ضمن ملفاته حادث تحرش سفن حربية تركية بسفينة حربية فرنسية تابعة لعملية إيريني في المتوسط.

في السياق ذاته كان نجاح التعاون الفرنسي- المصري في ليبيا في صدّ أطماع أردوغان، والتعاون المثمر بين الدولتين ودول منتدى شرق المتوسط في مجال الغاز، وقضايا مكافحة الإرهاب، وغيرها من جملة الأسباب التي رسخت عداوة أردوغان لشخص الرئيس ماكرون، وجعلت آلته الإعلامية لا تنفك عن الهجوم عليه ليل نهار، غير أنّ ما لا يدركه أردوغان وآلته الإعلامية أنّ سياسة الدولة الفرنسية مع ماكرون أو سواه لن تقبل بالعربدة التركية التي تضر بالأمن الإقليمي، وفوق ذلك فما زالت حظوظ ماكرون الانتخابية في مستوى مرتفع للغاية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية