أردوغان وسياسة "الذئب الرمادي": مشهدية استعراضية تخفي الواقع

أردوغان

أردوغان وسياسة "الذئب الرمادي": مشهدية استعراضية تخفي الواقع


01/10/2019

في خطاب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي جاء خلال أعمال الدورة 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، في نيويورك، لا يبدو أنّ ثمة تغييراً جوهرياً في العقلية البراغماتية والذرائعية، التي تتحكم في مجمل رؤيته وأهدافه السياسية، ما انعكس في مضمون حديثه، الذي حشد فيه كافة عناصر التعبئة والتجييش، كدولة وظيفية.

اقرأ أيضاً: هل يسعى أردوغان لتوطين 3 ملايين لاجئ سوري في المنطقة الآمنة؟
بدا أردوغان، وحسب، رئيساً يجيد الخطاب الشعبوي، بمهارة لافتة، ويهدف إلى كسب حالة معنوية زائفة وباهتة، عبر مجموعة من المقولات المفخخة التي تبدو مثيرة ومدهشة، في مشهدية استعراضية متقنة، يستثمر من خلالها منصة دولية ليبدو أمام العالم، شخصاً آخر، عكس الصورة التي تخفيها، في المقابل، سياساته الواقعية، وتناقضاتها الجمة.

أزمة خطاب
ومن بين الشقوق والتصدعات التي تتسع في فراغات السياسة التركية، المحلية والإقليمية، وواقعهما المأزوم، حاول الرئيس التركي، أن ينفذ ويقفز بمهارة "الذئب الرمادي"، على كل تلك القضايا الملحّة التي ينوء بأعبائها الشعب التركي، على مستوى وضعه الاقتصادي والمعيشي المتراجع، والخروقات المتنامية في الحريات والملف الحقوقي؛ بداية من اعتقال الصحفيين، وتشريدهم، وفصلهم تعسفياً، وغلق مؤسساتهم، مروراً بتعقب السياسيين ورموز الأحزاب وحبسهم، وشبهات الفساد السياسي والتزوير الانتخابي التي تلاحق أردوغان شخصياً، وحتى تعامله مع القوميات الأخرى، سيما الأكراد بصورة ترقى إلى أن تكون "جريمة حرب".

انبرى أردوغان للهجوم على إسرائيل والدفاع عن فلسطين في حين أنّ إسرائيل واحدة من أهم 5 أسواق لتركيا

وثق مركز ستوكهولم للحريات مجموعة من الأرقام والإحصائيات، حول الأشخاص الموقوفين في السجون التركية، وكشف عن الأوضاع المتردية، غير القانونية والصحية التي يتعرضون لها، وكذا، المعاناة التي يعيشون تحت وطأتها، حيث أوضح المركز، نقلاً عن إحصائيات رسمية، أصدرتها وزارة العدل التركية، أنّ 260,144 شخصاً مسجوناً، في مختلف أنحاء البلاد، وأنّ السجون التركية البالغ عددها 385 سجناً، تشهد تضخماً واكتظاظاً شديداً؛ حيث إنّ تضاعف أعداد الوافدين، المقدر عددهم بعشرات الآلاف من النزلاء في السجون، نجم عنه تقلص المساحة المخصصة لكل سجين، الأمر الذي يعد انتهاكاً لحقوق السجناء التي يكفلها القانون.
ومن بين الوسائل غير القانونية، التي اتبعتها إدارة السجون التركية ضد المسجونين، واعتبرتها المنظمات الحقوقية، المحلية والأجنبية، شكلاً من أشكال التعذيب، منع المسجونين من إجراء الاتصالات بمختلف أشكالها، بما فيها الوسائل البريدية، كما هو الحال، في سجن سيليفري، في مدينة اسطنبول، سواء كان التواصل مع أفراد أسرهم أو أصدقائهم أو محاميهم، ناهيك عن شهادات أخرى عديدة، لما يعانيه بعض السجناء في تركيا من تعذيب؛ إذ يجري عزلهم في غرف مظلمة لأشهر متواصلة، وضربهم بالصاعق الكهربائي.

عزلة أنقرة.. ما الأسباب؟
إذاً، تفادى أردوغان رتق الثغرات التي تملأ بالونه السياسي المنتفخ بالأزمات، وشرع بالهجوم والمزايدة القائمين على الاستفادة بأقصى ما يمكن، من بيئة الاستقطاب السياسي المتنامية، منذ الربيع العربي، والتي فقد داخل تحولاتها السريعة حلفاء مهمين، بينما خسر بعدها استحقاقات إقليمية، كان يبحث من خلالها عن موطئ قدم، يثبت نفوذه، ويحقق أحلامه نحو مشروع "الخلافة"، واستعادة الزمن "العثماني" المفقود، سيما بعد سقوط الإخوان المسلمين في مصر، الذي ترتب عليه، استقبال عدد من قياداتهم وأعضائهم، في تركيا، وتوفير منصات إعلامية لهم، بغية الهجوم والتشنيع، باستمرار، على القاهرة، وبث الخطابات، والترويج للدعاية السياسية السوداء.

اقرأ أيضاً: هل سيتمكن أردوغان من الإفلات من ضغوطات موسكو وطهران في قمة أنقرة؟
يبرز هجوم أردوغان على القاهرة، عبر سياقين محددين؛ الأول، محلي، يحقق من خلاله انتشاره الدعائي أمام مكونات وتيار الإسلام السياسي ومؤيديه، كسحابة دخان يقع تحت تأثيرها هذا الطرف، فقط، للاستهلاك المؤقت، والآخر، وهو الأكثر ديمومة، يتمثل في الشحنة النفسية الهائلة التي تركتها التغييرات الإقليمية، التي تلت سقوط الإخوان، العام 2013، وهو ما يوضحه الباحث سونر چاغاپتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية، في معهد واشنطن، حيث ترتب على سقوط مرسي، وغيره من القادة والحركات المرتبطين بجماعة الإخوان المسلمين، في الشرق الأوسط، والمدعومين من أردوغان، أن تُركت أنقرة شبه محرومة من أي حلفاء أو أصدقاء، في المنطقة.

الاستفزاز السياسي للقاهرة
ويضيف الباحث التركي: "بشكل أساسي، توقفت الطموحات "العثمانية الجديدة" الكبرى لأردوغان، بأن يرسم معالم الشرق الأوسط انطلاقاً من إسطنبول، وبالتالي، أصبحت أنقرة شبه معزولة، في منطقة الشرق الأوسط. وباستثناء قطر، ليس لتركيا أصدقاء أو حلفاء في المنطقة".

دان عدد من النشطاء والحقوقيين الأكراد ما ورد في خطاب أردوغان عن الأكراد، واعتبروه عدواناً عليهم

من جهته، يستغرب الباحث المصري، رامي شفيق، عدم ملل أردوغان، من تكرار الاستفزاز السياسي لمصر، في ظل حالة الاستقطاب التي تعانيها منطقة الشرق الاوسط، خاصة بعد ثورات العام 2011، وحالة الفراغ الإستراتيجي في المنطقة العربية؛ الأمر الذي سمح للطموح الزائف لطهران وأنقرة، محاولة تقويض استقرار المنطقة، من خلال أدوات الضغط المختلفة؛ إذ تحتضن أنقرة قيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وتنطلق من خلال أراضيها عدة منصات إعلامية تهاجم القاهرة ليل نهار.
وتأسيساً لعدة منطلقات إقليمية؛ فإنّ أنقرة، وفق شفيق، ترى أنّ حلحلة النظام القائم في مصر، إنما "يصب في إطار أهدافها الجيوإستراتيجية، في دمشق، وليبيا، وشرق المتوسط. وفي نهاية الحال، فإنّ أردوغان يعمل على محاولة جر أزماته في الداخل، سياسياً واقتصادياً، بعيداً عن أعين المراقبين وجماعات الضغط في الداخل".
أردوغان إذ يضلل نفسه
"الشعبوي يبدأ بتضليل نفسه قبل الآخرين". تفضح هذه العبارة التي أوردها الفيلسوف الفرنسي، بيير تاغييف، الدور المراوغ الذي يؤديه أردوغان، والمسافة البينية التي تعكسها خطاباته التحريضية وسياساته العملية؛ إذ يتبنى مزيجاً من الشعارات الكلامية الشعبوية والقومية الإسلامية، وتوظيف كل البنى المقدسة، الدينية والوطنية، ليحشدها ويراكمها في الشخصية التركية، بغية تأسيس فاشية لا تقل في راديكاليتها عن التنظيمات الحركية الدينية.
انبرى أردوغان في خطابه بالأمم المتحدة، للهجوم ضد إسرائيل، والدفاع عن فلسطين، وحقوقها التاريخية، لكن، في المقابل، كانت الحقيقة تكاد لا تتجاوز المسافة بين يديه المرفوعتين، بخريطة توضح المساحة المتآكلة من أرض فلسطين، على إثر التوسع الإسرائيلي، منذ العام 1948، وبقدر الحقائق التي فقط حاول عرضها، بدت تناقضات الرئيس التركي الفجة، والتي تبرزها الأرقام والعلاقات بينه وبين تل أبيب.

اقرأ أيضاً: أوراق أردوغان المحروقة
وبحسب تقرير صادر عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، في العام 2017، فثمة 20 دولة، تقدم الدعم والتبرعات لدولة فلسطين، لا يتواجد بينها اسم تركيا أو قطر أو إيران.
من ناحية أخرى، فإنّ إسرائيل واحدة من أهم 5 أسواق، تستثمر فيها تركيا بضائعها، بحسب الأرقام الرسمية المحلية في تركيا، وقد بلغت المبادلات التجارية بين البلدين، في العام 2016 أكثر من 4.2 مليار دولار، بينما اترتفعت بنسبة 14% في العام 2017.

تركيا وإسرائيل.. أكثر من مجرد حليف
كما تعد تركيا ثاني دولة بعد الولايات المتحدة تضم أكبر مصانع أسلحة للجيش الإسرائيلي؛ حيث زادت التعاون العسكري مع إسرائيل منذ الاحتلال التركي لشمال جزيرة قبرص، العام 1978، والذي أدى إلى عقوبات أمريكية أوروبية على قطاعها العسكري، فاعتمدت، أنقرة، آنذاك، على الجانب الإسرائيلي في تحديث الجيش التركي.
دان عدد من النشطاء والحقوقيين الأكراد ما ورد في خطاب أردوغان عن الأكراد، والذي اعتبروه عدواناً عليهم، ويحمل استخفافاً مباشراً على أمنهم، وتهديداً لقوميتهم، بيْد أنّ الناشط الكردي، نيجرفان سعيد، يرى أنّ أردوغان الذي رفع صورة فلسطين، للحديث عن حقوقها التاريخية، لا يرى في ذلك تناقضاً فاضحاً؛ إذ يحتل جيشه منطقة عفرين، ويعمل على إنشاء المنطقة الآمنة في سوريا. فلماذا لا يقدم لنا صورة عما هو موثق من تجاوزات، وجرائم حرب، تمارسها قواته، ضد الأكراد في سوريا وتركيا والعراق؟

اقرأ أيضاً: الإخوان في تركيا.. صناعة التطرف برعاية أردوغان
ويضيف لـ "حفريات": "جنود أردوغان نهبوا ثروات أهالي عفرين، وهدموا العديد من الرموز الكردية؛ مثل، تمثال كاوا الحداد، وعمدوا إلى تغييرات ديموغرافية، في شرق سوريا، وبناء جدار عازل ومنطقة آمنة على طول الحدود التركية السورية، بغية القضاء على القومية الكردية، في ممارسات يومية موثقة، تعكس احتلالاً تركياً لأراضينا، لكنه (يقصد أردوغان) يتحدث عن صورة الطفل السوري، آلان كردي، الذي طفا جثة على أحد الشواطئ التركية، وينسى عمداً آلاف الأطفال الكرد والسوريين وأهاليهم الذين يتعرضون للاعتقال من جنوده، ويمارس ضدهم التعذيب والاغتصاب والقتل".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية