أزمات أحزاب "الإسلام السياسي" حقيقية أم مناورة؟!

أزمات أحزاب "الإسلام السياسي" حقيقية أم مناورة؟!


20/09/2020

الهاشمي نويرة

تعيش حركة «النهضة» التونسية منذ نهاية الأسبوع الماضي أزمة داخلية حادّة، حيث عمد مئة من كوادر الحركة الإخوانية، الجهوية والمحلية والمركزية، إلى تقديم رسالة تطالب رئيسها راشد الغنّوشي بالتنحّي عن الرئاسة قبل المؤتمر 11 المزمع عقده مع نهاية العام الحالي.
وقد قدّر الموقعون على الرسالة أنّ الغنّوشي أصبح عِبْئاً على الحركة، وأنّ انفراده بالرّأي وسياسته عموماً، وكذلك مواقفه، لم يَعُدْ بالإمكان القبول بها.

ومن المعلوم أنّ تيّاراً كبيراً داخل مجلس شورى «النهضة» يرفض استمرار زعامة الغنّوشي للحركة، ويطرح بقوّة مسألة التسيير الديمقراطي داخلها، ويتّهمه بشتّى الاتّهامات.
وتمتدّ جذور هذه الأزمة - التي خرجت إلى العلن - إلى انتخابات البرلمان الأخيرة، عندما قام الغنّوشي بتغيير قرابة 90 في المئة من القوائم التي أفرزتها الانتخابات القاعدية للحركة، واتّهم حينئذٍ بالانقلاب على الديمقراطية، وعلى خيارات القواعد.

ويشكّك بعض المتابعين وبعض الأطراف السياسية، في جدّية هذه الخلافات الداخلية داخل الحركة، ويعتبرونها ضرباً من المناورة وتوزيع الأدوار، تلجأ إليها عموماً الحركات الإخوانية للإيهام بطبيعتها الديمقراطية.

ويرون أنّ الحركة الإخوانية الدولية لجأت إلى هذه الحيلة من أجل الدفع باتّجاه تغيير القيادات الحالية لـ«النهضة» التي اهترأت وفقدت رصيدها الشّعبي بأخرى شابّة ومقبولة من المجتمع.
ويستند أصحاب هذا الرّأي على بديهية تحكم الحركات الإخوانية عموماً، وهي أنّ المبدأ في هذه التنظيمات العقائدية هو «السّمع والطاعة» والبيعة للمرشد أو الإمام.

ويرتّبون على ذلك استنتاجاً بأنّ كلّ ما يرشح عن حركات «الإسلام السياسي» هذه من مؤشّرات على وجود ديمقراطية، إنّما هي مظاهر مضلّلة تفترضها أحياناً الوضعية الداخلية لهذه الحركات، وأيضاً من أجل «تجديد مشروعيتها الشعبية» في المجتمعات التي تنشط فيها.

وتقديرنا للأمر أنّ هذه التقييمات هي سليمة وتنطبق بالكامل على مجمل تنظيمات «الإسلام السياسي» الإخوانية في مرحلة نشاطها السرّية والمعارضة للحكومات القائمة، حيث كانت آلية «طاعة المرشد» ضرورية للمحافظة على تماسك هذه التنظيمات وعلى مركزية قرارها.

غير أنّ هذه التنظيمات شهدت نقلة نوعية بدخولها مرحلة النشاط العلني وممارسة الحُكْمِ في عدد من البلدان.
وفِي تونس تحديداً، مثّل انتقال «النهضة» إلى مرحلة النشاط العلني قيداً على الطبيعة الأولى لهذه الحركة لِجِهَة أنّه أصبح مُلزماً بقواعد العمل السياسي العلني، ومنها الشفافية في التمويل، واعتماد الديمقراطية في التسيير.

وقد كان من الممكن لـ«النّهضة» أن تكتفي بمجرّد التظاهر بما يفرضه القانون التونسي من شفافية وإلزامية التسيير الديمقراطي لَوْلَا أنّها لم تمارس تجربة الحُكْمِ والسّلطة، وهي تجربة ساهمت بشكل كبير في اهترائها المجتمعي وفِي انحسار حاضنتها الشّعبية، وهي إلى جانب ذلك، تسبّبت في ظهور كُسورٍ داخلية بسبب الصراعات الحادّة على السلطة وعلى غنائمها، ما أدّى بالتدريج إلى نَسْفِ مبدأ «الطاعة» ودفع المتضرّرين والغاضبين إلى الاحتماء بآلية الديمقراطية، ورفعها في وجه «مرشدهم» الغنّوشي الذي وجد نفسه مضطرّاً إلى التعاطي مع هذه الموجة حتّى مرور العاصفة.

وبدا من ردّه العلني أيضاً على رسالةِ مطالبته بالتنحّي أنّه لا يزال متمسّكاً بموقعه، إذْ أكّد لخصومه أنّه من طينة «الزعماء الاستثنائيين الذين من المفروض على الأحزاب المحافظة عليهم»، لتجربتهم الكبيرة داخلياً وخارجياً! واتّهم معارضيه بالانقلاب على الديمقراطية لأنّهم يحاولون «دخول المؤتمر القادم للنهضة بشروط إقصائية».

الواضح إذن أنّ «النهضة» مقبلة على أيّام عجاف قد تعصف بوحدتها، وقد تؤدّي إلى تأجيل مؤتمرها، رغم أنّ هذا الاستحقاق مرتبط بآجال لا تتجاوز نهاية السنة الحالية.
الحركة الإخوانية تعرف أزمة فعلية ستكون لها تداعيات كبيرة على وحدتها وعلى طبيعتها، وهي تخوض الآن معركة وجود، فإمّا أن تكون أوّ لا تكون.

ودواعي هذا الاعتقاد ترجع أوّلاً، إلى كون هذا التوصيف للأمور مطابقاً لحقيقة ما يحري داخل التنظيم الإخواني، وهو ما يُضعف فرضية أن ما يجري هو من باب المناورة.

وثانياً، إنّ الإقرار بهذا الوضع من شأنه أن يزيد في انحسار الحاضنة الشعبية، وكذلك القاعدة الانتخابية لحركات «الإسلام السياسي» وللنهضة بشكلها الحالي.
إنّ القول بأنّ ما يجري داخل الحركة هو من قبيل المناورة يجانب الحقيقة والواقع، ويخدم في آخر المطاف التنظيمات الإخوانية.

إنّ «النهضة» غنمت الكثير من وجودها في الحُكْمِ وإنّ للسّلطة والقوّة في مجتمعاتنا جاذبيتها وسحرها وتأثيرها على العامّة والخاصّة.

و«النهضة» التونسية، كما غيرها من التنظيمات الإخوانية، تتغذّى منها، وعندما نقرّ بوجود أزمات - وهي موجودة بالفعل - نمنع عن هذه التنظيمات استعمال سلاح جاذبية السلطة، وهذا مهمّ جدّاً لتضييق الحاضنة الشّعبية لهذه التنظيمات.

عن "البيان" الإماراتية

الصفحة الرئيسية