أزمة ارتفاع أسعار الغذاء العالمية.. ما أسبابها؟ وإلى متى تستمر؟

أزمة ارتفاع أسعار الغذاء العالمية.. ما أسبابها؟ وإلى متى تستمر؟


09/11/2021

بعدما بدأ العالم يتنفس الصعداء جراء خروجه من إغلاقات كورونا، بدأ يواجه موجة تضخم عالمية واسعة، بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، الناجمة عن عدة عوامل مثل؛ مشكلات سلاسل التوريد التي جاءت مع تخفيف قيود جائحة كورونا، وارتفاع أسعار المواد اللازمة لإنتاج الطاقة، ناهيك عن سوء الأحوال الجوية، والجفاف في أمريكا الشمالية والجنوبية والأمطار الغزيرة في أوروبا.

وكشفت منظمة الأغذية والزراعة الدولية "الفاو" عن ارتفاع أسعار الغذاء العالمية للشهر الثالث على التوالي في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي لتصل إلى أعلى مستوياتها خلال الأعوام الـ 10 الماضية.

أعلى مستويات منذ 10 أعوام

وبلغ متوسط مؤشر "فاو" لأسعار الغذاء، الذي يقيس الأسعار العالمية لأكثر المواد الغذائية تداولاً في الأسواق العالمية، 133.2 نقطة الشهر الماضي مقابل قراءة معدلة عند 129.2 نقطة في أيلول (سبتمبر).

وكانت القراءة السابقة لأيلول (سبتمبر) حوالي 130 نقطة، وقراءة تشرين الأول (أكتوبر) هي الأعلى على المؤشر منذ تموز (يوليو) 2011. وعلى أساس سنوي ارتفع المؤشر 31.3 بالمائة في تشرين الأول (أكتوبر).

 ارتفاع أسعار الغذاء العالمية للشهر الثالث على التوالي

وبلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الحبوب 137.1 نقطة في تشرين الأول (أكتوبر)، بزيادة قدرها 4.3 نقطة (أي 3.2 بالمائة) عن مستواه في أيلول (سبتمبر)، و 25.1 نقطة (22.4 بالمائة) عن مستواه المسجل قبل عام واحد، فيما بلغ متوسط مؤشر المنظمة لأسعار الزيوت النباتية 184.8 نقاط في أكتوبر؛ أي بزيادة قدرها 16.3 نقاط (أي 9.6 بالمائة) عن الشهر الماضي محققاً أعلى مستوى له على الإطلاق. 

اقرأ أيضاً: الغاز الطبيعي... كيف يتم تحديد الأسعار وتنظيم السوق العالمية؟

كما بلغ متوسط مؤشر منتجات الألبان 120.7 نقاط في أكتوبر، بزيادة قدرها 2.6 نقطة (أي 2.2 بالمائة) عن مستواه في أيلول (سبتمبر) و 16.2 نقطة (أي 15.5 بالمائة) عن مستواه في الشهر نفسه من العام الماضي، وفق الموقع الرسمي للمنظمة الدولية.

بلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الحبوب 137.1 نقطة في تشرين الأول، بزيادة قدرها 4.3 نقطة (أي 3.2 بالمائة) عن مستواه في أيلول

أما متوسط أسعار اللحوم، فقد بلغ 112.1 نقطة في أكتوبر، بتراجع قدره 0.8 نقطة (أي 0.7 بالمائة) عن قيمته المعدّلة في أيلول (سبتمبر)، وهو في تراجع للشهر الثالث على التوالي ولو أنه لا يزال أعلى بـ 20.3 نقاط (أي 22.1 بالمائة) من قيمته في الشهر نفسه من العام الماضي، فيما بلغ متوسط مؤشر المنظمة لأسعار السكر 119.1 نقطة في شهر أكتوبر، بتراجع قدره 2.1 نقطة (أي 1.8 بالمائة) عما كان عليه في شهر أيلول (سبتمبر)، مسجلًا بذلك أول تراجع له بعد الارتفاع لـ 6 أشهر متتالية. 

وتوقع صندوق النقد الدولي في تقرير حديث، استمرار ارتفاع معدلات التضخم عالمياً خلال الأشهر الأخيرة من هذا العام، قبل أن يرتدّ إلى معدلات أقل خلال النصف الأول من عام 2022. 

اقرأ أيضاً: "مدينة أشباح".. سماسرة يستغلون بيوت بيروت المنكوبة للشراء بأسعار زهيدة

وذكر الصندوق أنه من المثير للدهشة أن تشتت الأسعار أو مدى تباينها عبر القطاعات لا يزال محدوداً نسبياً حتى الآن بمعايير التاريخ الحديث، خصوصاً إذا ما قورنت بالأزمة المالية العالمية في 2008، والسبب في ذلك هو التقلبات الأصغر والأقصر نسبياً في أسعار الوقود والغذاء والمساكن بعد الجائحة، وهي التي تمثل في المتوسط أكبر 3 مكونات في سلال الاستهلاك.

ما أسباب موجة التضخم العالمية؟

ارتفاع أسعار السلع الأساسية خلال الموجة الحالية من التضخم مدفوعة بمجموعة من العوامل، تشمل عوامل ارتفاع أسعار المواد الخام، والاختناقات اللوجستية والنقل، ونقص السلع الوسيطة، والعمالة.

توقع صندوق النقد الدولي في تقرير حديث، استمرار ارتفاع معدلات التضخم عالمياً خلال الأشهر الأخيرة من هذا العام

ووفق موقع "أرقام" المختص بدراسات السوق، فإن أحد أسباب الأزمة هو الطلب المرتفع، الذي بدأ يتزايد مع توسع التطعيمات وانتشار اللقاح، وكذلك أيضاً أزمة سلاسل الإمداد، التي ظهرت في البداية بقطاع أشباه الموصلات ثم توسعت لتشمل كل شيء تقريباً.

ويشير الموقع أيضاً إلى حدوث أزمة في الموانئ وخطوط الملاحة، ظهرت في البداية في الصين مع تفشي الجائحة في عدة مناطق تتسم بدورها المحوري في الصناعة البحرية مثل ميناء "شينزن"، وكذلك أزمة الحاويات والشحن.

يمكن تلخيص التوقعات في أنه يجب الانتظار حتى منتصف العام المقبل قبل متابعة تحسن ومن ثم انخفاض في الأسعار وهدوء في موجة التضخم المستعرة حالياً

 

ويعدد الموقع عوامل أخرى هي؛ أزمة في العرض / الإنتاج، حيث إن قفزات الأسعار بدأت بالتضاعف مع تزايد الضغط من جانب الطلب وثبات عدد الحاويات المتاحة للاستخدام في عمليات الشحن البحري والتجارة الدولية بين المستوردين (الطلب) والمصدرين (العرض)، ونتج عنها انخفاض كمية المعروض من السلع والمنتجات.

ويوضح أنّ أزمة المناخ، تسببت بفيضانات وسيول وانهيارات في التربة أدت إلى مشكلات في المحاصيل الزراعية والإنتاجية من عدة سلع زراعية خاصة في الدول الرئيسية مثل الولايات المتحدة وروسيا والبرازيل وشرق أوروبا.

اقرأ أيضاً: تركيا ترفع أسعار الخبز وتخفّض أسعار الذخيرة!

كما تسببت أزمة الطاقة في الصين، التي ظهرت في البداية بمقاطعات "جواندونج" و"جيانج سو" و"زهينجيانج"، وامتدت لتشمل المصانع في 20 من 31 مقاطعة صينية لترشيد استخدام الكهرباء وتقليل استهلاك الطاقة، بخفض الإنتاج والمخرجات.

إلى متى ستستمر الأزمة؟

 يشير البنك الدولي إلى أنّ أسعار الطاقة - التي يتوقع أن ترتفع في المتوسط أكثر من 80 بالمائة في عام 2021 مقارنة بالعام الماضي- ستظل عند مستويات مرتفعة في عام 2022، لكنها ستبدأ في التراجع في النصف الثاني من ذلك العام -أي 2022- مع تخفيف قيود العرض.

ومن المتوقع أن تنخفض أسعار السلع غير المرتبطة بالطاقة، بما في ذلك المنتجات الزراعية والمعادن، في عام 2022، بعد تحقيق مكاسب قوية هذا العام، وتعليقاً على هذه الأرقام، يقول أيهان كوسي، رئيس الخبراء الاقتصاديين بالبنك الدولي: "إن الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة يشكل مخاطر كبيرة في الأمد القريب على التضخم العالمي، وإذا استمر فقد يؤثر أيضاً على النمو في البلدان المستوردة للطاقة".

اقر أيضاً: كيف يؤثر التغيّر المناخي على حياتنا؟ وما الدول الأكثر تأثراً على الصعيد الاقتصادي؟

أما بالنسبة للمعادن، ومع تراجع النمو العالمي وتعطل الإمدادات، فمن المتوقع أن تنخفض أسعار المعادن نحو 5 بالمائة في عام 2022، بعد ارتفاعها بنسبة تقدر بنحو 48 بالمائة في عام 2021، أما المحاصيل الزراعية، فبعد أن حققت زيادة بنسبة 22 بالمائة في عام 2021، من المتوقع أن تنخفض انخفاضاً طفيفاً في العام المقبل مع تحسن ظروف العرض واستقرار أسعار الطاقة.

من المتوقع أن تنخفض أسعار السلع غير المرتبطة بالطاقة

ويقول جون بافيز، الخبير الاقتصادي الأول بالبنك الدولي: "يؤثر ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والفحم على إنتاج السلع الأولية الأخرى ويشكل مخاطر على توقعات الأسعار، فقد تقلص إنتاج الأسمدة بسبب ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والفحم، وأدى ارتفاع أسعار الأسمدة إلى زيادة تكاليف مستلزمات المحاصيل الغذائية الرئيسية،  وانخفض إنتاج بعض المعادن مثل الألومنيوم والزنك بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة أيضاً".

ويمكن تلخيص التوقعات في أنه يجب الانتظار حتى منتصف العام المقبل قبل متابعة تحسن ومن ثم انخفاض في الأسعار وهدوء في موجة التضخم المستعرة حالياً، لكن بالطبع هناك متغيرات قد تعكر صفو هذه الآفاق الإيجابية بحلول منتصف 2022، منها على سبيل المثال، مخاطر التقلبات المناخية المعاكسة وغير المواتية لهدوء موجة التضخم، والتعافي غير المتكافئ بين بلدان العالم من آثار جائحة كورونا، تهديدات ظهور متحورات جديدة أشد وأكثر تعقيداً للوباء.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية