أزمة السودان وإثيوبيا الحدودية... فرص الحوار مقابل الحسم الميداني

أزمة السودان وإثيوبيا الحدودية... فرص الحوار مقابل الحسم الميداني


20/12/2020

اجتمع رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك اليوم مع نظيره الإثيوبي آبي أحمد،  في جيبوتي، على هامش القمة الطارئة للهيئة الحكومية للتنمية (الإيقاد)، والتي دعت إليها إثيوبيا لإطلاع القرن الأفريقي على أزمة الانفصاليين في إقليم التغراي.

وقد أبدى رئيسا وزراء الدولتين أجواءً إيجابية خلال اللقاء الذي تطرّق، بحسب بيان سوداني، إلى "العلاقات الثنائية بين البلدين والأوضاع في المنطقة"، وبالطبع إلى المشهد الحدودي المشتعل. وقال البيان: إنّ اللقاء "تطرّق إلى مسألة انعقاد اللجنة العليا للحدود بين السودان وإثيوبيا في 22 كانون الأول (ديسمبر) الجاري"، ولكنّ فرص الحوار في تحقيق حلٍّ للأزمة يبقى ضئيلاً.

تجدّدت المواجهة في منطقة الفشقة السودانية الأسبوع الماضي، إثر نصب الميليشيات الإثيوبية المسلحة في المنطقة كميناً للقوات السودانية

وقد تجدّدت المواجهة في منطقة "الفشقة" السودانية الأسبوع الماضي، إثر نصب الميليشيات الإثيوبية المسلحة في المنطقة كميناً للقوات السودانية التي توغلت في المنطقة مستغلة المواجهة المسلحة بين الحكومة الإثيوبية والانفصاليين في إقليم التغراي، وقد أسفر الكمين عن مقتل قائد عسكري و3 آخرين، إضافة إلى جرح نحو 27، بحسب ما أورده موقع "سودان تريبون".

رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك

وعزّز الجيش السوداني تواجده عقب الهجوم المباغت، وتابع القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان الأوضاع ميدانياً في المنطقة الشرقية المشتعلة على مدار 3 أيام، قبل أن يعود إلى الخرطوم أمس، في وقت أعلن فيه الجيش السوداني استرداده مناطق جديدة كان الجيش الإثيوبي والميليشيات قد وضعوا أيديهم عليها.

اقرأ أيضاً: السودان يخرج من حفرة الإخوان

ونقل موقع "سودان تريبون" عن مصادر عسكرية موثوقة أنّ الجيش تقدّم نحو "خور شد" و"قلع لبان"، بعد أن بسط سيطرته على جبل أبو طيور بالفشقة التابعة لولاية القضارف، مشيراً إلى أنّ "خور شد" و"قلع لبان" تُعدّان من أهم المواقع الاستراتيجية في الشريط الحدودي بين السودان وإثيوبيا، وتقعان داخل الأراضي السودانية بعمق 7 كيلو مترات من جبل أبو طيور.

بحسب المعطيات الأخيرة، فإنّ الجيش السوداني متقدّم في الميدان، غير أنّ ذلك التقدم يظلّ غير متوازن أو محسوم، في ظل التوقع بشنّ الميليشيات هجمات جديدة

ومن جانبها، أفادت وكالة الأنباء السودانية بأنّ القوات المسلحة تواصل تقدمها داخل منطقة الفشقة "لإعادة الأراضي المغتصبة"، مؤكدة إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة إلى الشريط الحدودي مع إثيوبيا.

وأوضحت الوكالة أنّ قيادة الفرقة الثانية مشاة استقبلت اليوم قافلة الدعم والمؤازرة التي قدّمتها قبيلتا البني عامر والحباب بولايتي كسلا والقضارف، في إشارة إلى توافر الحاضنة والدعم الشعبي القبلي للتقدم السوداني في مواجهة الميليشيات الإثيوبية.

اقرأ أيضاً: ما أواصر العلاقة بين إيران وإخوان السودان؟

وعلى الرغم من أنّ المنطقة المتنازع عليها حالياً هي تاريخياً تتبع السودان، منذ ترسيم الحدود الذي وقعته إثيوبيا في العام 1902 مع الاستعمار البريطاني نيابة عن السودان، غير أنّ التوغل الذي صمت عليه الأهالي السودانيون في العام 1957 للإثيوبيين الذين يفتقرون إلى مناطق صالحة للزراعة، فيما يواجههم بعد حدود منطقة الشفقة شديدة الخصوبة، كان بداية الأزمة المستمرة حتى الآن.

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد

وتقول الباحثة شيماء البكش: "استغلالاً لتراخي الحكومة السودانية وقتذاك، تمدّد المزارعون الإثيوبيون في الأراضي السودانية، وبدؤوا في وضع اليد على الأراضي السودانية برصف الطرق وبناء المعسكرات ليفرضوا الواقع الديموغرافي في المنطقة، لتصل بذلك المساحات التي اعتدت عليها إثيوبيا إلى حوالي 700 ألف فدان"، وفقاً لبيان والي القضارف الأخير، ووصل عدد المزارعين الإثيوبيين إلى 1786 مزارعاً، وفقاً لوزير الدولة بالخارجية السودانية عمر قمر الدين، بحسب ما أورده المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.

اقرأ أيضاً: ما النتائج المترتبة على إخراج السودان من قائمة "رعاة الإرهاب"؟

وتجددت المناوشات بين الجانبين من وقت إلى آخر، وعقدت جلسات الحوار، ولم تسفر في غضون أعوام عن شيء، سوى ما تفرضه سياسة الأمر الواقع، قبل أن تشهد الأمور تطوراً ذلك العام الذي "بدأت فيه الهجمات مع بداية الصيف، فقد شهدت المنطقة هجوماً في  آذار (مارس) الماضي، عندما سرق الإثيوبيون عدداً من الأبقار، ودخلوا في اشتباكات مع الجيش السوداني، ما أدّى إلى إعادة انتشار الجيش في الشفقة بعد غياب 25 عاماً"، بحسب المصدر ذاته.

وعقب شهرين من إعادة انتشار الجيش السوداني الذي جاء لينقض اتفاقاً سابقاً بعدم تدخل جيوش الدولتين في المنطقة، أعلنت إثيوبيا في 18 أيار (مايو) الماضي التزامها بالبدء في وضع العلامات الحدودية بين البلدين، بحسب ما هو متفق عليه بين لجان تعيين الحدود المشتركة بين الجانبين.

اقرأ أيضاً: ماذا فعل الترابي بالسودان؟

وكان يفترض أن تعقد اللجنة المشتركة لترسيم الحدود اجتماعاً في حزيران (يونيو) الماضي، غير أنّ تجدد الاشتباكات بين الجيش السوداني والميليشيات الإثيوبية آنذاك حال دون اجتماعها، ويُنتظر أن تعقد في غضون يومين، في ظل مشهد لا يختلف من حيث استمرار المناوشات، وإن كان قد شهد انقلاباً في موازين القوة.

الأمر الواقع

وبحسب المعطيات الأخيرة، فإنّ الجيش السوداني متقدّم في الميدان، غير أنّ ذلك التقدم يظلّ غير متوازن أو محسوم، في ظلّ توقع بشنّ الميليشيات هجمات جديدة، فضلاً عن احتمالية  دخول الجيش الإثيوبي على خط المواجهة.

ورغم الأجواء المشتعلة والاحتمالات المفتوحة، تبدو خطوط الاتصال السياسي على درجة عالية، ما يشير حتى اللحظة إلى تجنّب الدولتين التصعيد السياسي والدبلوماسي، مع المراهنة على الميدان.

اقرأ أيضاً: كيف أصبحت إثيوبيا فجأة على حافة حرب أهلية؟

ويقول المحلل السياسي السوداني إبراهيم ناصر لـ"حفريات": إنّ السودان استغل الأوضاع الإثيوبية خلال الفترة الماضية للتوغل في الأراضي السودانية المغتصبة من قبل الميليشيات الإثيوبية (الأمهرة) المدعومة من الجيش والحكومة الإثيوبية، لافتاً إلى التقدّم الكبير الذي أحرزه السودان، وجعل المواجهة شبه محسومة لصالحه.

المحلل السياسي السوداني إبراهيم ناصر

وأضاف: إنّ اجتماع لجنة ترسيم الحدود المرتقب لن يسفر عن حلحلة الأزمة، يمكن فقط أن يمتصّ الأزمة بصورة مؤقتة، لكن ستندلع مرّات أخرى، والحلّ هو أن تنتشر القوات الشرعية للبلدين في نقاط الحدود منعاً لتسلل الميليشيات.

واستبعد أن يقدّم السودان أيّ تنازلات عن أراضيه المغتصبة، مشدداً في الوقت ذاته أنّ الحسم يبقى ميدانياً، وأنّ السودان شبه حسم الأوضاع.

واختتم المحلل السوداني: إنّ السودان اليوم يسقي إثيوبيا من الكأس نفسها التي أذاقتها لمصر والسودان في ملف سدّ النهضة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية