أزمة "النهضة" مع نفسها والشارع والدولة.. ما مصير المشروع الإخواني في تونس؟

أزمة "النهضة" مع نفسها والشارع والدولة.. ما مصير المشروع الإخواني في تونس؟


14/02/2022

ماتزال حركة "النهضة" التونسية في صلب اهتمام المراقبين والباحثين بخصوص مصير المشروع الإخواني في المنطقة، خاصة أنها تعد آخر النماذج الإخوانية الحاضرة عملياً وفي الواجهة، مقارنة مع باقي الفروع الإخوانية التي تراجعت إلى الوراء أو تعرضت إلى التقزيم والتهميش لعدة أسباب، إما عبر خروج الشارع ضد المشروع كما جرى في مصر مع أحداث 30 حزيران (يونيو) 2013، أو عبر بوابة الهزيمة الانتخابية كما جرى في المغرب مع انتخابات 8 أيلول (سبتمبر) 2021.

 

اقرأ أيضاً: قيس سعيد يطوي صفحة سيطرة الإخوان على القضاء

ومما يساهم في تغذية المحددات التي تجعل هذه الحالة الإخوانية تحت الأضواء أكثر، هو أنّ تونس كانت المحطة التي انطلقت فيها "الفوضى الخلاقة" [2011 ــ 2013]، والتي كانت حينها منعطفاً جعل إخوان تونس ينتقلون من المعارضة والنفي نحو المشاركة في الإمساك بزمام الحكم، بما فتح شهية باقي الفروع الإخوانية في سياق تكرار السيناريو نفسه، وهذا ما جرى في مصر والمغرب على الأقل، ضمن نماذج أخرى، لولا أنّ مصير أغلب هذه النماذج كان الفشل، بينما الأمر مختلف مع إخوان تونس لأنهم لا زالوا في الواجهة.

على أنّ أحوال واقع الفرع التونسي للمشروع الإخواني تفيد أنّها قد تتعرض لمصير باقي النماذج، بسبب تراكم مشاكل تنظيمية داخلية خاصة بالمشروع، أو تفاعل باقي القوى السياسية والمدنية في تونس، ضمن أسباب أخرى تفيد أنّ مشروع "التمكين" الذي سطرته الأدبيات الإخوانية منذ عقود، أبعد عن التحقق إن لم يكن مستحيل التحقق.

 أحوال واقع الفرع التونسي للمشروع الإخواني تفيد أنّها قد تتعرض لمصير باقي النماذج العربية

وزاد الأمر تعقيداً عند إخوان تونس، تورّط بعض أعضاء المشروع في عدة قلاقل قضائية وأمنية، لعل أخطرها ما أعلِن عنه رسمياً في 9 شباط (فبراير) 2022، عندما اتهمت هيئة الدفاع عن السياسي التونسي الراحل شكري بلعيد، قاضياً محسوباً على حركة "النهضة" بالتواطؤ والتستر وتعطيل سير التحقيقات في الاغتيال، ويتعلق الأمر بالقاضي البشير العكرمي، والملاحق من القضاء العسكري بتهمتي الخيانة والتجسس كما هو ملاحق من القطب القضائي المالي والاقتصادي في جرائم فساد مالي، على ذمة ما كشفته الهيئة المهنية في مؤتمر صحفي.

 

اقرأ أيضاً: هل يكشف تطهير القضاء التونسي عن ملفات الجهاز السري لحركة النهضة؟

واغتيل القيادي اليساري عن حزب الوطنيين الديمقراطيين شكري بلعيد في السادس من شباط (فبراير) 2013، فيما اعتبر حينها أول اغتيال في تاريخ تونس الحديث، وفي السنة نفسها، وتحديداً في 25 تموز (يوليو) 2013، اغتال جهاديون على صلة بتنظيم "داعش" النائب المعارض محمد البراهمي، قبل إعلان السلطات الأمنية في مطلع السنة الموالية عن قتل المتهم الأول في العملية، كمال القضقاضي، لولا أنّ الرأي العام انتظر أربع سنوات بعد ذلك حتى يتم الكشف عن معطيات جديدة وسابقة في نوعها لأنّها تهم المشروع الإخواني، عندما كشفت هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي عن تورط حركة "النهضة" عبر "تنظيم سري" في اغتيال المعارضين التونسيين، كما كشفت عن وثائق وصفتها بـ"الخطيرة"، قائلة إنّها كانت مودعة في "غرفة سوداء" بوزارة الداخلية.

وصرح عضو الهيئة، كثير بوعلاق في السياق ذاته، بأنّ "الشعب ينتظر ما سيؤول إليه التتبع في قضيتي الشهيدين بلعيد اولبراهمي؛ لأن المسألة تمثل منعرجاً مهماً بالنسبة للمستقبل السياسي لتونس، كما أّننا ننشد تطوير العمل السياسي بأساليب ديمقراطية لا بالاغتيالات والاعتداءات وأساليب لم يتعود عليها الشعب التونسي"، إلى أن جاء المنعطف الثاني الذي زاد موقف "النهضة" تعقيداً موازاة مع الأزمات القائمة، عندما قررت السلطات القضائية التونسية في 22 كانون الثاني (يناير) 2022، فتح تحقيق في الجهاز السري لحركة "النهضة" باعتباره الجهاز المتهم بالتورط في اغتيال بلعيد والبراهمي من جهة، مع إضافة مجموعة تهم أخرى، وفي مقدمتها "ممارسة التجسّس واختراق مؤسسات الدولة التونسية".

من مؤشرات أزمة النهضة الإعلان عن سلسلة من الاستقالات الجماعية لحوالي 100 من قياديي الجماعة

ويأتي هذا المستجد مباشرة بعد إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد حل المجلس الأعلى للقضاء، معتبراً أنّه "يخدم أطرافاً معينة بعيداً عن الصالح العام"، والحال أنّ مجرد الإحالة على اسم الرئيس التونسي الحالي بالنسبة لقيادات وقواعد إخوان تونس، يُحيل على أكبر نكسة تعرض لها المشروع، وجرت في 25 تموز (يوليو) 2021، عندما قرّر الرئيس التونسي تفعيل الفصل 80 من الدستور الذي أقرّ بموجبه جملة من التدابير الرئاسية والإجراءات القضائية والإدارية، كما اتضح حينها ولاحقاً مع مجموعة من الإعفاءات والتعيينات والترقيات والإيقافات، طالت 16 مؤسسة وهيكلاً رسمياً، وضمن هذه القرارات، صدرت متابعات قضائية وإجراءات أمنية في حق نواب وسياسيين ومسؤولين، ومن ذلك ما جرى مع بعض رموز حركة "النهضة".

ساهمت هذه التطورات في إحداث خلخلة تنظيمية داخل أوساط حركة "النهضة"، ومن مؤشرات الخلخلة التي تغذي أزمة المشروع، الإعلان عن سلسلة من الاستقالات الجماعية لحوالي 100 من قياديي الجماعة، في سياق الاعتراض على تفاعل "النهضة" مع قرارات الرئيس التونسي، موثقين ذلك في 16 أيلول (سبتمبر) 2020، عبر رسالة غاضبة إلى الغنوشي عبّروا فيها عن رفضهم ترشحه لرئاسة الحركة في عهدة أخرى، في ما يُشبه موجهة ثانية من استقالة القياديين في المشروع، بعد موجات جرت قبل 25 تموز (يوليو) 2021، من قبيل استقالة زبير الشهودي، عضو مجلس شورى النهضة ورئيس مكتب راشد الغنوشي، والذي أعلن في 17 أيلول (سبتمبر) 2019 عن إنهاء كل مهامه القيادية داخل الحركة، أو استقالة زياد العذاري الأمين العام للحركة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، ثم استقالة القيادي التاريخي عبد الحميد الجلاصي في آذار (مارس) 2020، ضمن استقالات أخرى.

 زاد الأمر تعقيداً عند إخوان تونس تورط بعض أعضاء المشروع في عدة قلاقل قضائية وأمنية

لم تسلم مؤسسات "النهضة" من حالة الاحتقان التنظيمي، إلى درجة أنّ "المجلس الوطني للشباب في النهضة" وجه الدعوة بشكل علني في مطلع آب (أغسطس) 2021 إلى "تكوين قيادة وطنية للإنقاذ تتضمن كفاءات شبابية، وتكون بداية لمسار التجديد في القيادة التنفيذية للحركة"، كما أوضح القيادي في الحركة سليم بسباس لموقع إلكتروني مقرب من المشروع أنّ "التوجه نحو التغيير في قيادات النهضة كان في مسار الإعداد للمؤتمر الانتخابي الجديد، وأنّ كل ما وقع من تأجيل وترضيات وتوافقات داخلية كان باتجاه عقد مؤتمر انتخابي قائم على التداول"، خاصة أنّ "الأحداث الجارية جعلت هذه المسألة أكثر إلحاحاً بخاصة مع تحميل المسؤولية السياسية لحركة النهضة"، وهو "ما يتقاطع مع مطلب داخلي باتجاه تجديد القيادة"، مؤيداً تقريب المؤتمر الانتخابي الذي كان سيعقد أواخر 2021، وهو المؤتمر الذي لم ينظم أساساً.

أما عضو مكتب الشباب الوطني بالحركة، والمكلف بالمنظمات الوطنية، وسيم السبيعي، فاعتبر أنّ "التغيير الجوهري في قيادة النهضة واجب، وما سوى ذلك سيكون عبثاً، بسبب وجود قيادات أدّت إلى الأزمة سواء مع رئيس الجمهورية أو الشعب التونسي، بعدم التجاوب مع المطالب الشعبية للشباب وصمّ آذانها عن حقيقة وضع الشارع التونسي".

 

اقرأ أيضاً: بعد كشف جرائمها... حركة النهضة تحاول تحريك الشارع التونسي

لم تعد أزمة "النهضة" تقتصر في علاقتها مع مؤسسات الدولة وفي مقدمتها مؤسسة الرئاسة والمؤسسة القضائية، أو مع الرأي العام، بحكم الاحتقان السائد في تونس تفاعلاً مع أداء الحركة طيلة عشر سنوات مضت، وإنما امتدت اليوم حتى إلى المشروع الإخواني نفسه، سواء جاءت مؤشرات ذلك صريحة مع كثرة الاستقالات، بما في ذلك استقالات قيادات من الصف الأول، أو تعلق الأمر مع تصاعد سخط الصفوف الموالية، وفي مقدمتها شباب إخوان تونس.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية