أزمة تركيا... رابحون وخاسرون

تركيا

أزمة تركيا... رابحون وخاسرون


30/08/2018

عندما حقّق "حزب العدالة والتنمية" فوزاً كاسحاً في تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2002، كانت تركيا تمضي قدماً في تطبيق الإصلاحات التي فرضها صندوق النقد الدولي عَقِبَ الأزمة المالية التي شهدتها البلاد في العام 2001. لكن السنوات اللاحقة التي نعمت تركيا خلالها باستقرار مالي ومعدّلات نمو غير متقطّعة، محت ذكريات اللااستقرار المالي وحُزم الإنقاذ العديدة التي تلقّتها البلاد.

وردة: إنّ الاضطرابات المالية التي تعانيها تركيا ستولّد رابحين وخاسرين وتعيد بالتالي صياغة النظام السياسي

كما كانت الانتصارات الانتخابية المتوالية كفيلة بإبقاء الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان في السلطة، وأتاحت له توطيد أركان حكمه وتأدية دور فعّال على المستويَين؛ الإقليمي والدولي. وهكذا، لم يتورّع "سلطان" تركيا متقلّب المزاج عن استعراض عضلاته العسكرية في سوريا وخارجها، وعن استخدام القوة الناعمة في مختلف أرجاء العالم الإسلامي.

يُضاف إلى ذلك أنّ المشاريع العملاقة التي أطلقتها تركيا لجعل اقتصادها واحداً من أكبر عشرة اقتصادات في العالم، جذبت إليها المصارف الأجنبية والمستثمرين الدوليين، كما يقول الخبير في الاقتصاد التركي بجامعة تافتس الأمريكية، إبراهيم وردة، وهو وضع بدأ يتغيّر منذ فترة على وقع السياسات السلطوية التي ينتهجها أردوغان.

كانت الانتصارات الانتخابية المتوالية كفيلة بإبقاء أردوغان في السلطة

تقييم سياساتٍ وُضعت في مراحل الازدهار الاقتصادي

وينفي وردة، في حديث لـ "مركز كارنيغي للشرق الأوسط" الإثنين الماضي أن تكون الأزمة المالية التي تمر بها تركيا وليدة الإجراءات العقابية الأمريكية الأخيرة بحق تركيا؛ على خلفية قضية القس أندرو برانسون، وهو قس أمريكي من ولاية نورث كارولينا. ويؤكد وردة أنه "مع أنّ التوترات تعتمل (في تركيا) منذ أشهر عدّة، إلا أنّ الأزمة التي اندلعت بين تركيا والولايات المتحدة كانت بمنزلة صدمة مفاجئة. وفيما يتداعى الاقتصاد التركي، سيُعاد على الأرجح تقييم سياساتٍ وُضعت في مراحل الازدهار الاقتصادي".

رابحون وخاسرون

ويرى الخبير الأكاديمي إبراهيم وردة أنّ الاضطرابات المالية التي تعانيها تركيا تولّد رابحين وخاسرين، وتعيد بالتالي صياغة النظام السياسي. ويشرح كلامه كالتالي:

كوك: سعت أنقرة إلى نزع الشرعية عن الحكومة المصرية من خلال دعمها للإخوان المسلمين

1.       ستخضع قدرة ما يسمى "نمور الأناضول" (أي رجال الأعمال المحافظون والرأسماليون المسلمون الذين جنوا ثروات كبيرة في عهد إردوغان، ويعتبرون أحد أهم القواعد الاقتصادية والاجتماعية التي نهض عليها حزب العدالة والتنمية الحاكم) على التكيّف والاختبار.

2.        سيتّسع الاقتصاد غير الرسمي واقتصاد السوق السوداء.

3.        سيتم تعزيز الشبهات حول أنصار فتح الله غولن والأكراد وسائر الجهات المُشتبه في أنها تكنّ العداء للنظام.

اقرأ أيضاً: كيف أثرت عفرين في الليرة التركية؟

4.        مفاقمة التوجّهات السلطوية لدى أردوغان.

5.       يتردّد راهناً صدى هذه الاضطرابات في مختلف أنحاء المنطقة؛ فهي أجّجت التوترات التي يشهدها الشرق الأوسط وزادت تعكير مياه المستنقع السوري العكرة أصلاً، وفاقمت تدهور العلاقات التي تجمع تركيا بكلٍّ من المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، والتي كانت تشوبها أصلاً مشاكل عديدة بسبب دعم تركيا للإخوان المسلمين. وقد حدا كل ذلك بالحكومة التركية إلى الاقتراب أكثر من قطر وإيران.

باحث أمريكي: أنقرة بدأت منذ فترة بالابتعاد عن حلفائها

من جانبه، يرى الباحث في دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، ستيفن كوك، أنه منذ صدور قرار الولايات المتحدة بفرض عقوبات على وزيرين تركيين في أواخر تموز (يوليو) الماضي على خلفية ضلوعهما في احتجاز القس أندرو برونسون، اتّقدت جذوة الخلاف الأمريكي-التركي باطّراد. فقد أعلن الرئيس دونالد ترامب (عبر "تويتر") أن واشنطن ستضاعف الرسوم على واردات الألومنيوم والصلب من تركيا، وهدّد مستشاروه بفرض المزيد من العقوبات في حال لم يتم الإفراج عن برونسون. في المقابل، اتّهم الرئيس أردوغان الولايات المتحدة بشنّ "حرب اقتصادية" على بلاده.

ويرى كوك، في حديث لـ "مركز كارنيغي للشرق الأوسط" أول من أمس أن كل ما سبق يثير المخاوف في أوساط دوائر السياسة الأمريكية حيال مستقبل السياسة الخارجية التركية، ولاسيما في الشرق الأوسط. ويخشى منتقدو ترامب من أنه يدفع بتركيا بعيداً عن الإجماع في حلف شمال الأطلسي "ناتو"، لكن أنقرة كانت في الواقع قد بدأت منذ فترة بالابتعاد عن حلفائها التقليديين. ويستطرد كوك في الحديث شارحاً أنه "في الشرق الأوسط، تحرّك الأتراك والأمريكيون نحو أهداف متباينة في سوريا وإيران وإسرائيل-فلسطين ومصر. ومن المستبعد أن يتغيّر أي من هذا إثر تداعيات قضية برونسون". ويخشى بعض المحللين من أن يشكّل وجود تركيا "خارج الدائرة" تحدياً أكثر من بقائها داخلها، ولو كحليف عنيد. فقد تعمل تركيا على تكثيف علاقاتها مع الدول والمجموعات المُدرجة في خانة أعداء الولايات المتحدة، وإن بشكل محدود. والمعروف هنا، يتابع كوك، أنّ أنقرة سبق أن ساعدت إيران على التملّص من العقوبات، وعمدت إلى تعقيد المعركة ضد تنظيم "داعش" في سوريا، وسعت إلى نزع الشرعية عن الحكومة المصرية من خلال دعمها للإخوان المسلمين.

أنقرة سعت لتعقيد المعركة ضد "داعش" في سوريا

هل تكون الوقائع والمصالح الإستراتيجية أهمّ من المشاعر الشخصية؟

في السياق ذاته، يلاحظ الباحث في مركز كارنيغي، مارك بيريني، أن الصَّدْع القائم بين ترامب ونظيره التركي احتلّ حيّزاً كبيراً من الأخبار على الساحة الإعلامية باعتباره مواجهة نادرة بين قائدين حليفين، وبما أن الرجلين حريصان، هما الاثنان على السواء، على التعبير عن مشاعرهما الشخصية علناً، تصاعدت حدّة الخلاف بسرعة. بيد أن الوقائع والمصالح الإستراتيجية في الشرق الأوسط تُعتبر أعمق بكثير من المشاعر، يؤكد بيريني.

إلى جانب أيّ تحالفٍ ستقف تركيا؟

وفي ظل تصريحات وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أول من أمس بأن الجيش الروسي يجري محادثات مع زعماء جماعات مسلحة في إدلب للتوصل إلى تسوية سلمية، يقول بيريني لـ"مركز كارنيغي للشرق الأوسط": في نهاية المطاف، ستكون سياسة تركيا في سوريا مرهونةً بهدف روسيا المتمثّل في السماح لبشار الأسد باستعادة السيطرة على كامل البلاد. وفي حين أعطت موسكو الضوء الأخضر مؤقتاً لسيطرة الجيش التركي على عفرين، ستكون المعركة في محافظة إدلب هي الاختبار التالي. وفي وقت لاحق، سيشكّل القتال من أجل السيطرة على المناطق الواقعة شمالي شرقي نهر الفرات المواجهة النهائية بين تحالف دمشق-موسكو-طهران من جهة، والتحالف المناهض لـ"داعش" الذي تقوده الولايات المتحدة، ويضمّ وحدات حماية الشعب الكردية السورية من جهة أخرى. ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه في هذه المرحلة، وفق بيريني: إلى جانب أيّ تحالفٍ ستقف تركيا؟، وهو سؤال يكتسب راهنيته مجدداً قبيل زيارة أردوغان إيران رسمياً في 7 أيلول (سبتمبر) المقبل، وإعلان الكرملين، أول من أمس، أنه "يجري التحضير لقمة ثلاثية قد تعقد في طهران".

اقرأ أيضاً: مساعدات قطرية لإنقاذ الليرة التركية.. وهذا رد أردوغان

وعلى الصعيد الاستراتيجي، يبرز عامل تعقيد، برأي بيريني، يتمثّل في عدم التوافق بين قرارين اتّخذتهما تركيا في ما يتعلّق بالمشتريات العسكرية: فشراؤها لأنظمة صواريخ أس-400 الروسية وفي الوقت نفسه المقاتلة الشبح من طراز أف-35 الأمريكية الصنع لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام، من دون أن يشكّل تهديداً كبيراً للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية