أزمة جورج قرداحي: إقالة الوزير أم تفجير الحكومة؟

أزمة جورج قرداحي: إقالة الوزير أم تفجير الحكومة؟


30/10/2021

في عام 2018، وخلال مقابلة على تلفزيون قناة "المنار" التابعة لحزب الله، اختار الإعلامي اللبناني ووزير الإعلام الحالي جورج قرداحي، الأمينَ العام لحزب الله حسن نصر الله كشخصية العام في لبنان "بلا منازع".

ويرصد كثيرون في المقابل مواقف متناقضة لقرداحي بدا فيها يهاجم حزب الله ويدعو أمينه العام إلى إعادة النظر والقراءة فيما إذا كان سلاح  الحزب عائقاً أمام قيام الدولة اللبنانية.

اقرأ أيضاً: حزب الله يُعقد أزمة قرداحي بهذه الطريقة

وانشغل الرأي العام العربي، مؤخراً، بجورج قرداحي بعد تصريحات سابقة أدلى بها في حوار تلفزيوني مع مجموعة من الشباب بشأن الحوثيين وحرب اليمن أغضب دول الخليج، وتبرأت منه الحكومة اللبنانية، في حين دافع قرداحي عن نفسه ورفض الاستقالة أو الاعتذار.

فهل تنتهي هذه الزوبعة، باستقالة أو إقالة قرداحي من موقعه في وزارة الإعلام، كما جرى من قبل مع وزير الخارجية شربل وهبة قبل خمسة أشهر، حيث اضطر للاستقالة، بعد أن وصف في مقابلة تلفزيونية السعوديين بالبدو، بطريقة تحمل نبرة دونية؟

جورج قرداحي اختار 2018 حسن نصرالله كشخصية العام في لبنان (بلا منازع)

إذاً، وهبه أقيل تحت ضغط الملف ذاته: التهجم على دول الخليج، والنيل من مواقفها، رغم إقرار الكثير من اللبنانيين بأنّ هذه الدول، وفي طليعتها السعودية والإمارات، وقفت وما زالت مع لبنان ودعمت اقتصاده في أكثر اللحظات قسوة، في حين عملت دول أخرى كإيران على تفتيت الدولة اللبنانية عبر الدعم غير المحدود وغير الشرعي لحزب الله الذي يمارس دور "القبضاي" في لبنان.

ماذا قال قرداحي؟

تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لمشاركة جورج قرداحي، ضيفاً، في برنامج "برلمان الشباب" بينما يجيب عن أسئلة تطرح عليه.

وقال قرداحي في معرض إجاباته إنّ "الحوثيين في اليمن يدافعون عن أنفسهم أمام عدوان خارجي"، وفق "بي بي سي".

وعندما سئل عما إذا كان يعتقد أنّ ما تفعله السعودية والإمارات هو اعتداء على اليمن قال "إنّ هناك اعتداء بالتأكيد، وإنّ الحرب في اليمن حرب عبثية يجب أن تتوقف".

هذا التصريح خلق أزمة سياسية ودبلوماسية، رغم أنّ الحلقة التي ورد فيها كانت في شهر آب (أغسطس) الماضي، أي قبل أن يتولى قرداحي وزارة الإعلام في لبنان، وكان آنذاك مقيماً في الإمارات.

اقرأ أيضاً: بعد تصريحات قرداحي... الأزمة الخليجية اللبنانية تتفاقم

وفي وقت لاحق، قال قرداحي إنه لم يقصد بأي شكل من الأشكال الإساءة إلى السعودية والإمارات، لافتاً إلى أنه "يُكنّ لقيادتيهما ولشعبيهما كل الحب والوفاء"، وفق بيان نشرته الوكالة الوطنية للإعلام في بيروت. لكنه أصر في الوقت نفسه، وفي مؤتمر صحفي: لم أخطئ بحق أحد، ولم أتهجم على أحد، ولن أعتذر.

هذا التصريح لن يُبطىء من تسارع وتيرة هذا الأزمة التي قدمت لدول الخليج صورة قاتمة عن نوايا بعض المسؤولين اللبنانيين المرتبطين بمحور حزب الله الذي لا يكفّ أمينه العام عن مهاجمة دول الخليج، وبخاصة السعودية التي اتهمها نصرالله، في آخر خطاباته، في الثامن عشر من الشهر الجاري، بتمويل حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع، ودعمه عسكرياً.

أمين عام مجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف: على قرداحي الاعتذار

دول الخليج غاضبة، ويُقرأ من مواقفها أنّ التجاوزات بلغت حداً لا يمكن احتماله، فنحن، وهذا لسان حالها ندعمكم بكل ما أؤتينا من صدق، وأنتم تطعنوننا في الظهر. ويتعين لهذه التطاولات أن تنتهي، لأنّ من يحركها هو تيار سياسي يسيطر على الحكومة والرئاسة، ويحتجز لبنان وشعبه كرهينة.

دولة الإمارات العربية المتحدة استنكرت، الأربعاء، بشدة التصريحات التي أدلى بها قرداحي ضد تحالف دعم الشرعية الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن.

هبّ مناصرو حزب الله وما يُعرف بـ"محور المقاومة والممانعة" للدفاع عن جورج قرداحي، واعتبروا أنه يتعرض إلى "حملة إرهابية شرسة" كما كتب الصحفي عبد الباري عطوان

وأعربت وزارة الخارجية والتعاون الدولي عن "استنكارها واستهجانها الشديدين إزاء هذه التصريحات المشينة والمتحيزة، التي أدلى بها جورج قرداحي وزير الإعلام بالجمهورية اللبنانية، والتي أساءت إلى دول تحالف دعم الشرعية في اليمن"، حسب ما نقلت وكالة الأنباء الإماراتية (وام).

واستدعت وزارة الخارجية والتعاون الدولي "سفير الجمهورية اللبنانية لدى الدولة وأبلغته احتجاجها واستنكارها على هذه التصريحات، التي تعد مهاترات تتنافى مع الأعراف الدبلوماسية وتاريخ علاقات لبنان مع دول التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، وتنم عن الابتعاد المتزايد للبنان عن أشقائه العرب".

وفي سياق الاحتجاجات على تصريحات قرداحي، أعلنت وزارة الخارجية السعودية استدعاء السفير اللبناني لديها.

دول الخليج غاضبة، ويُقرأ من مواقفها أنّ التجاوزات بلغت حداً لا يمكن احتماله، ويتعين لهذه التطاولات أن تنتهي، لأنّ من يحركها هو تيار سياسي يحتجز لبنان وشعبه كرهينة

وكتبت الخارجية السعودية على حسابها الرسمي بموقع "تويتر": وزارة الخارجية تستدعي سفير الجمهورية اللبنانية لدى المملكة وتسلمه مذكرة احتجاج رسمية بعد التصريحات المسيئة الصادرة من وزير الإعلام اللبناني حيال جهود تحالف دعم الشرعية في اليمن".

وجاء في البيان: "تعرب وزارة الخارجية عن أسفها لما تضمنته تلك التصريحات من إساءات تجاه المملكة ودول تحالف دعم الشرعية في اليمن، والتي تعد تحيزاً واضحاً لمليشيات الحوثي الإرهابية المهدِدة لأمن واستقرار المنطقة".

وأكدت الخارجية السعودية أنّ "تصريحات قرداحي تتنافى مع أبسط الأعراف السياسية ولا تنسجم مع العلاقات التاريخية بين الشعبين الشقيقين".

وأصدر أمين عام مجلس التعاون الخليجي، نايف الحجرف، بياناً رسميّاً وصف فيه تصريحات قرداحي بأنّها "تعكس فهماً قاصراً وقراءة سطحيّة للأحداث ويجب عليه الاعتذار".

اقرأ أيضاً: إعلاميون وسياسيون لبنانيون يطالبون بإقالة قرداحي... هل تغلق mbc مكاتبها في لبنان؟

وكان رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي دخل على خط تصريحات قرداحي، وعبر عن رفضه لها. وقال ميقاتي، في بيان نشرته الوكالة الوطنية للإعلام: "بخصوص كلام وزير الإعلام جورج قرداحي، الذي يجري تداوله، والذي يندرج ضمن مقابلة أجريت معه قبل توليه منصبه الوزاري بعدة أسابيع، فهو كلام مرفوض، ولا يعبر عن موقف الحكومة إطلاقاً، خاصة في ما يتعلق بالمسألة اليمنية وعلاقات لبنان مع أشقائه العرب، وتحديداً الأشقاء في المملكة العربية السعودية وسائر دول مجلس التعاون الخليجي".

وتتضح حقيقة تصريحات قرداحي من طبيعة المنابر والأطراف والأشخاص الذين أيدوا تلك التصريحات، إذ تساءل أحد قادة الميليشيات الحوثية، عضو المجلس السياسي الأعلى في اليمن محمد علي الحوثي: "إذا كانت تصريحات الوزير قرداحي مثلّت إساءة لدول التحالف السعودي فبمَ توصف الحرب على اليمن؟".

النائب نهاد المشنوق: الحل المؤقت هو استقالة الوزير قرداحي تخفيفاً للضرر الذي يتم إلحاقه بلبنان من هذه البيئة وهذا المناخ. والحل النهائي هو باستعادة الهامش بين الدولة والدويلة

وأرفق الحوثي تغريدته على "تويتر" بوسم: "نعم جورج حرب اليمن عبثية"، وطالب "كافة الأحرار بالتفاعل مع الوسم".

وفي سياق متصل، هبّ مناصرو حزب الله وما يُعرف بـ"محور المقاومة والممانعة" للدفاع عن قرداحي، واعتبروا أنه يتعرض إلى "حملة إرهابية شرسة" كما كتب الصحفي عبد الباري عطوان في موقع "رأي اليوم"، لافتاً إلى أنّ قرداحي يتعرض لضغوط "تُطالب الحكومة اللبنانيّة بفصله من منصبه، مثلما تُطالبه بالاعتذار رسميّاً لأنّه تجرّأ وقال نصف الحقيقة عمّا يجري في اليمن من قتل وتجويع وحِصار لشعبه مُنذ ما يَقرب من الثماني سنوات، وإلا فإنّ عليها، أيّ الحكومة اللبنانيّة، تحمّل كلّ العواقب".

وأردف عطوان: "إنّها (المكارثيّة) الجديدة في أسوأ أشكالها في تكميم الأفواه، ومحاكاة متطابقة مع أساليب العنصريّة الإسرائيليّة أيضاً، أيّ النّبش في تاريخ الشّخص، وإخراج بعض التّصريحات القديمة عن سياقها، وتوظيفها لإدانته وتشويه صورته، والقصاص منه".

إلى أين تتجه الأزمة؟

ما انفك الوزير قرداحي، حتى كتابة هذه السطور، يرفض الاستقالة أو الاعتذار لدول الخليج، ما يعقّد مساعي المسؤولين اللبنانيين من التنصل من تلك التصريحات وآثارها على العلاقات اللبنانية الخليجية ومع اليمن، في ضوء المواقف الحادة التي عبر عنها اليمن عبر سفيره في بيروت. وكشف صحيفة "الشرق الأوسط" أنّ اتصالات عالية المستوى جرت في لبنان قادها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي للملمة تداعيات الموضوع، وأشارت مصادر وزارية لبنانية إلى أنّ ميقاتي طرح مع رئيس الجمهورية ميشال عون إقالة الوزير قرداحي، لكنّ الأخير رفض القيام بهذه الخطوة، معتبراً أنّ ما قاله قرداحي "تم قبل أن يكون وزيراً".

وفي ضوء ذلك، يرى النائب نهاد المشنوق، أنّ تصريحات قرداحي "تؤكد مجدداً على طبيعة الأزمة في علاقات لبنان بالعالم العربي، وهي أزمة إلغاء الهامش الذي كان موجوداً بين الدولة والدويلة". وقال إنّ "سيطرة الدويلة على الدولة لم يعد بالإمكان كتمانه أو تمويهه بالتصريحات الرمادية، مثل أنّ قرداحي يعبر عن رأيه، ولا يعبر عن رأي الحكومة، أو عن رئيس الجمهورية".

المشنوق أوضح لـ"الشرق الأوسط" أنّ "كلام الوزير هو ابن بيئة سياسية أشرفت على تشكيل هذه الحكومة، وأعطتها الثقة، من موقع يغلب عليه العداء العلني للعروبة. وكلامه قبل شهر من تسميته وزيراً، كان هو البيان السياسي الذي نصّبه وزيراً". وختم: "الحل المؤقت هو استقالة الوزير قرداحي تخفيفاً للضرر الذي يتم إلحاقه بلبنان من هذه البيئة وهذا المناخ. والحل النهائي هو باستعادة الهامش بين الدولة والدويلة".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية