أسرار أشهر جريمة خيانة تركية في الجزائر

أسرار أشهر جريمة خيانة تركية في الجزائر


10/08/2020

ما يزال التعتيم يطغى على أشهر جريمة ارتكبها القائدان التركيان، عروج وخير الدين بربروس، قبل خمسة قرون، بالجزائر؛ حين قتل الشقيقان البحّاران آخر سلاطين الجزائر، سليم تومي، قبل أن يسعى كلّ واحد منهما للزواج غصباً من الأميرة زفيرة، التي فضّلت الانتحار على الرضوخ لرغبة قاتلي زوجها.

خلافاً لمحاولة الأتراك "تلميع" تواجدهم بالجزائر، بين عامَي 1516 و1830، جدّد بحث تاريخي حديث، تأكيد حزمة تجاوزات مسكوت عنها طبعت فترة الحكم التركي بالجزائر، وكانت أكثرها بشاعة؛ تلك التي نفذّها الشقيقان التركيان، عروج وخير الدين بربروس بعد استغاثة الجزائريين بهم ضدّ الغزاة الإسبان.

خلافاً لمحاولة الأتراك "تلميع" تواجدهم بالجزائر، بين عامَي 1516 و1830، جدّد بحث تاريخي حديث، تأكيد حزمة تجاوزات مسكوت عنها طبعت فترة الحكم التركي بالجزائر

وتشير الباحثة عائشة حمي إلى أنّه "اعتباراً لمكانة الجزائر، حضارياً واقتصادياً وإستراتيجياً، منذ تأسيسها قبل ثلاثين قرناً، من طرف قبائل الأمازيغ، وتموقعها كمركز تجاري للقرطاجيين منذ القرن الرابع قبل الميلاد، فإنّها ظلت تُسيل لعاب الرومان والوندال والإسبان وغيرهم، خصوصاً بعد أن تحوّلت الجزائر إلى أندلس ثانية، منذ قيام أبو الفتوح سيف الدولة بلقين بن الزيري الصنهاجي، مؤسس الدولة الزيرية بالجزائر، بإعادة إعمار عاصمة الجزائر، وقلبها النابض "القصبة"، على أنقاض مدينة "إيكوزيوم" القديمة، عام 960.

 قتل الشقيقان البحّاران آخر سلاطين الجزائر، سليم تومي، قبل أن يسعى كلّ واحد منهما للزواج غصباً من الأميرة زفيرة

واعتباراً من مطلع القرن الخامس عشر؛ لاحظ الباحث، حسن شرفيوي، تزايد تكالب الإسبان على سواحل أفريقيا، وأنّهم احتلوا عدة حواضر بغرب الجزائر، عام 1509، وسيطر الغزاة الإسبان على مدينة وهران (400 كيلومتراً غرب العاصمة الجزائر)، في 18 أيار (مايو) من العام ذاته، وقتلوا 4 آلاف مدني جزائري، كما تعرّضت مدينة وهران لكثير من النهب.

ونتيجة اتساع الضغوط الإنسانية على سكان الجزائر، وتهديدهم باحتلال العاصمة، استنجد سلطان الجزائر، سليم التومي، بكلّ من عروج وخير الدين بربروس، للتخلص من الخطر الإسباني المحدق، ونجح عروج وخير الدين في دحر الإسبان.

اقرأ أيضاً: هل تستبدل تركيا النيجر بـ"الجزائر وتونس" في الأزمة الليبية؟

لكنّ عروج بربروس (1474 – 1518) ارتضى لنفسه دوراً أكبر؛ حيث لم يتردّد في اقتحام قصر السلطان الجزائري، سليم التومي، وقام بقتله خنقاً في حمّامه، بتاريخ 17 أيلول (سبتمبر) 1516، ثمّ نصّب نفسه حاكماً على الجزائر.

اقرأ أيضاً: الجزائر إذ تقطع الطريق على التدخلات التركية في ليبيا

وشهدت الساعات اللاحقة صراعاً محموماً بين عروج وشقيقه خير الدين على الظفر بودّ الأميرة زفيرة، زوجة السلطان سليم التومي، وهي آخر أميرات الجزائر، كانت صاحبة جمال أخّاذ أشعل تنافس عروج وخير الدين على الزواج بها، لكنّ الأميرة الشابة رفضتهما، وأصرّت على البقاء وفية لزوجها السلطان، حفيد العلامة الشهير عبد الرحمن الثعالبي، أحد أهم الشخصيات وأبرزها في تاريخ منطقة المغرب العربي.

الشرف ليس للبيع  

تبرز الباحثة عائشة حمي؛ أنّ الأميرة زفيرة (1489 – 1516) ظلّت تردّد: "لبؤة أنا، أميرة شامخة في ساح الأسود، على الوعد أكون، على شرفي أحمل السيف، وعلى أرضي أُسيل دمائي فداءً للزهور"، وتعرضت إلى ألوان دنيئة من المساومات، وسعى عروج بشكل خاص لإقناعها بالزواج منه، لقاء سيل من المغريات، لكنّ بنت الجزائر خاطبته: "أنا امرأة من دماء زكية، علمتني الحياة معنى الشرف والوطنية".

وفي نصّ موثّق تناقله الرواة بالدارجة الجزائرية، نُقل على لسان الأميرة زفيرة، الموجوعة من هلاك السلطان سليم التومي، مواجهتها القوية لقاتل زوجها: "خُنتم السلطان وخانتكم الرجولة، لكن عليكم أن تدركوا قيمة مهمة، الجزائر جمرة لاذعة، دمعات الإخلاص لن تجفّ أبداً، وعليكم أن تعلموا بأنّ الشرف لا يُباع أبداً، أنا أختار الموت بإخلاص على العيش مع الغادرين، أموت على الجزائر النجمة العالية في سماء البلدان، الجزائر الوردة التي تعطّر أرجاء التاريخ، والجزائر الغالية التي تشرّب أبناؤها المبادئ النبيلة، هي شمعة تحترق كي تضيء، نور يبعث أمل الغد".

لم تتردّد أميرة البهاء والحسن المختوم، التي كانت مشيتها تقترن برنين الخلخال، عن غرس خنجر في صدرها بقصر عزيزة الذي يتوسط حي القصبة العتيق بالعاصمة الجزائر

وفي إفادات خاصة بـ "حفريات"، تكشف الأستاذة حمي؛ أنّ عروج، الذي أعمته نزواته، اقتحم مخدع الأميرة زفيرة، ليلة التاسع عشر أيلول (سبتمبر) 1516، محاولاً الزواج بها غصباً، فلم تتردّد أميرة البهاء والحسن المختوم، التي كانت مشيتها تقترن برنين الخلخال، عن غرس خنجر في صدرها بقصر عزيزة الذي يتوسط حي القصبة العتيق بالعاصمة الجزائر، وهي تردّد: "لن يبقى الوطن للغرباء، للجزائر رجال كالنسور".

وحرص الشاعر الشعبي الجزائري الكبير، محمد بن مسايب، على تخليد شموخ وتضحية الأميرة زفيرة في قصيدته العنقاء "سلطانة الريام"، وهذه بعض أبياتها:

أنت سلطانة الريام

فيكِ فرحتي في النغام

محلى الليلة يا كرام

فيكِ العود كالبيان

زفيرة الشريفة

فحلة الفحولة

أميرة الأرض البهيجة

ظلّ خير الدين

بعد أن لقي عروج بربروس حتفه في معركة تلمسان (650 كيلومتراً غرب العاصمة الجزائر) أمام الإسبان، في أيار (مايو) 1518، قام شقيقه خير الدين بربروس باشا، ناظر البحرية (1475 –1546)، بتحريض سكان الجزائر على طلب الحماية من السلطان العثماني، في مقابل الانضواء تحت لواء الدولة العثمانية (الإيالة)، وهو ما لقي القبول عنده، وقام بمساعدة الجزائر بألفي جندي انكشاري، وبمثلهم من المتطوعين، وتمّ تعيين خير الدين "بايلربايا" على الجزائر، وذلك في أواخر عام 1519

.

ويشير الفنان البوخاري حبّال إلى أنّ الأتراك سعوا للتقليل من قيمة موروث الأميرة زفيرة، التي ابتكرت اللباس الجزائري المسمى "البدرون"، كما صمّمت سروال "الشلقى" الشهير، وكانت الجزائريات ترتدين سروال الشلقى قبل دخول الأتراك إلى الجزائر، وكانت الأميرة زفيرة هي أول من صمّمه ولبسه.

وجرى منذ أعوام، تصنيف البدرون كتراث عالمي في منظمة اليونسكو، علماً بأنّ البدرون العاصمي الجزائري هو لباس تقليدي تمّ ابتكاره وتصميمه من الأميرة زفيرة، ولم يستوحَ من أيّ لباس أو عهود أخرى، ولم يتأثر بأي تراث آخر، فهو جزائري 100 %، وأصبح هذا الموروث العريق والجميل، اليوم، لباساً عالمياً مصنفاً من طرف اليونسكو.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة "مناورات" تركيا وقطر في منطقة القبائل الجزائرية؟

وركّز مؤرخون على أنّ العهد التركي بالجزائر شهد تجاوزات بالجملة؛ حيث لم يتحرج الأتراك عن التعامل كإقطاعيين، ما تسبّب في سوء معيشة الجزائريين، بعد أن انحصر النفوذ في أيادي مجموعات من الانكشاريين والقراصنة والمغامرين الذين كانوا يسيطرون على المراكز الفعلية للقرار. 
وجاء في كتاب "الجزائر خلال الحكم التركي"، للباحث صالح عباد: "كان وضع الجزائر فوضوياً، خصوصاً بعد اعتماد الحكام المتعاقبين على أعمال القرصنة التي تسبّب تراجعها في تقويض الاقتصاد، وتزامن ذلك مع إثقال كواهل السكان بالضرائب وحرمانهم من الطعام"، إلى جانب تفشي وباء الطاعون، وتفاقم الصراعات داخل القصر العثماني بالجزائر.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية