أسرار علاقة قطر بحماس

قطر وحماس

أسرار علاقة قطر بحماس


09/11/2017

بعد الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك ووصول الإخوان المسلمين، بقيادة محمد مرسي، إلى السلطة، استفادت حماس من دعم القاهرة، كما نمّت أوثق العلاقات مع شركائها "الإخوان" في تركيا وقطر، وبرّدت علاقاتها مع إيران و"حزب الله" في لبنان بنسبة معينة.

بعد إزالة حكم مرسي و"الإخوان" في مصر، وانتخاب المشير عبد الفتاح السيسي رئيساً، اتّخذت القاهرة موقفاً متشدداً من حماس، لا سيما بعدما كثرت العمليات الإرهابية ضد الجيش المصري وقوى الأمن في سيناء، وتهديد القيادي الإخواني المصري محمد البلتاجي بأنّ "عمليات الإرهاب ستتوقف بمجرد عودة مرسي إلى الحكم"؛ حيث أغلقت مصر معبر رفح بشكل كامل تقريبا، ودمّرت الأنفاق، وحرمت قطاع غزة من السلع المهربة والأموال التي كانت تتدفق من صحراء سيناء. كانت النتائج على حماس مدمرة: عزلة سياسية شبه كاملة، وأزمة اقتصادية خانقة ما حملها على اللجوء إلى جمع الأموال في دول مثل؛ تركيا وقطر.

قطر على الخط الحمساوي مالياً

الدعم المالي يعتبر البوابة الحقيقية لعلاقة حماس بقطر، وبروز قطر لم يكن مفاجئاً؛ بل زاد منذ فوز الحركة بالانتخابات التشريعية العام 2006.
حين عقدت "قمة الدوحة" خلال الحرب الإسرائيلية الأولى على غزة 2008-2009 أعلنت قطر تقديم 250 مليون دولار، ثم زادت هذه العلاقة تدريجياً خصوصاً بعد زيارة أمير قطر لقطاع غزة، وأخذ الدعم المالى شكلين؛ فمنه الظاهر عبر التبرعات والهبات، والآخر الأهم هو "الدعم عبر صفقات السلاح والدعم اللوجستى والتدريبات وغير ذلك"، كما تشير الكثير من التقارير الصحفية.

الغطاء الدولي لحماس وفّرته قطر بشكل كبير، وسهلت حركة قياداتها عربياً ودولياً، والأهم من ذلك هو ما اعتبره المحللون محاولة الدوحة "المتاجرة" بالقضية الفلسطينية، واستخدام حماس لتصفية حساباتها مع الدول التي تقف عقبة في طريق توسيع النفوذ القطري.

سقوط الأقنعة

علاقة حماس وقطر علاقة مركبة فكلاهما بحاجة للآخر، وكلاهما مطارد يبحث عن دور في المنطقة بعد سقوط الأقنعة، ووضوح الحقيقة للجميع، فحماس كانت تبحث عن مقر لتحركاتها، ودعم مادي، وغطاء سياسي، وفى المقابل تحلم الدوحة بتنامي وتعظيم دورها، والمتاجرة بالقضايا العربية، لتبحث لنفسها عن مكان الرجل الكبير في الشرق الأوسط، وإيهام الغرب وأمريكا بذلك، ولذا دعت مشعل للقاء أمير قطر، وهذا تم بالفعل.
في آب (أغسطس) العام 2011، تلقّى رئيس المكتب السياسي لحماس آنذاك خالد مشعل أثناء وجوده في دمشق، اتصالاً هاتفياً من رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري ناقلاً له دعوة عاجلة من أمير قطر لزيارة الدوحة، وبعد أسبوع من هذا الاتصال لبّى مشعل الدعوة على رأس وفد من قيادة حماس،؛ حيث التقى فور وصوله مع أمير قطر بحضور عزمي بشارة.

تحلم الدوحة بتنامي وتعظيم دورها والمتاجرة بالقضايا العربية لتبحث لنفسها عن مكان الرجل الكبير في الشرق الأوسط

ووفق ما ورد في تقارير نقلها مركز "أطلس" للدراسات بقطاع غزة، وهو مركز مقرب من حماس، فإنّ أمير قطر تحدث مع وفد حماس بالتالي: "بشار الأسد انتهى وعليكم إنقاذ أنفسكم قبل فوات الأوان، عندما يسقط الأسد يسقط كل من معه، وستخسرون في معركة ليست معركتكم، كل ما أنجزتموه سيسقط، ولكم عبرة كيف سقط عرفات عندما حالف صدام حسين وسقط معه، ولم يشفع له كل ما قدمه من اتفاقيات مع إسرائيل من أجل البقاء.. سقط؛ لأنّ العالم أجمع على ضرورة إسقاطه.. نحن جاهزون لمساعدتكم، أمريكياً وأوروبياً إذا ما تعاملتم بإيجابية بما نطرحه عليكم.
لا تراهنوا على صمود الأسد، الكل متفق الآن على أن بشار الأسد قد سقط ويجب أن يختفي، ولا تراهنوا على روسيا، فالدولة التي لا تستطيع أن تطعم شعبها خبزاً، لا تستطيع حماية الآخرين.. الكل يعرف موقف روسيا، فهي تؤزم وتصعب ليكون الثمن الذي تقبضه كبيراً، فالأمريكيون والأوروبيون بدأوا بعقد صفقة مع روسيا، ونحن في دول الخليج نقلنا موقفنا لروسيا بأننا جاهزون لتعويضها عن أية خسائر ممكن أن تلحق بها في حال تغيير موقفها، وكلنا يعرف أن موسكو أضعف من مقاومة هذا الإغراء.. أما بالنسبة لإيران فلا تراهنوا عليها كثيراً، وإن ما يحدث في سورية هو تهيئة دولية لما سيحدث في إيران لاحقاً، فالعالم قرر أن لا مجال لأي طرف بالتمرد وتهديد مصالح الآخرين، ومسألة ضرب إيران أصبحت بإطار التنفيذ وليست في إطار الإعداد كما توهم إيران نفسها.. نحن في قطر لم نقصر في حق سورية ولا بحق الشعب السوري لا بالماضي ولا بالحاضر ولا بالمستقبل، فقد وقفنا إلى جانب سورية عندما كان هناك تهديد أمني ممكن أن يلحق بها من جارتها لبنان، ورفضنا وتصدينا أن يستخدم العالم لبنان قاعدة لضرب العمق السوري.
في هذا السياق مطلوب منكم أن تفكوا ارتباطكم بمحور سورية – إيران – حزب الله قبل فوات الأوان، لنكون قادرين على حمايتكم وفرض وجودكم، ولا تنسوا أنكم الحلقة الأضعف في هذا المحور".
بدوره شكر خالد مشعل أمير قطر على ما طرحه، واعداً إياه بنقل هذه المواقف لهيئات حماس القيادية بالسرعة القصوى لاتخاذ القرار الذي تمليه مصلحة الشعب الفلسطيني، وأضاف أنه ليس مخولاً باتخاذ موقف بمثل هذه القضايا الحساسة، ولا بد من طرحها بكل تفاصيلها على مؤسسات وهيئات حماس الشورية.

انقسام في مواقف قيادات حماس

بعد أيام غادر خالد مشعل الدوحة إلى بعض الدول ثم عاد إلى دمشق، وخلال تلك المدة دعا بعض القيادات الموجودة في سورية ولبنان والأردن لاجتماع طارئ وعاجل، لينقل لهم ما جرى في الدوحة، وما طلبته قطر، مستعرضاً أمامهم كل التفاصيل والمشاورات التي أجراها بهذا الخصوص مع دول وشخصيات هم على علاقة بهم. في هذا الاجتماع بدا التباين واضحاً في مواقف قادة حماس الموجودين في الاجتماع، والجزء الأكبر منهم اتّهم خالد مشعل بمحاولة تبرير هذا الموقف بالزحف، لأن هذا الموقف هو انقلاب مفاجئ في سياسة حماس، وكاد الاجتماع أن ينفجر لولا خشية الجميع من تسريب ذلك للقيادة والأمن السوريين.

وفرت الدوحة الغطاء الدولي لحماس بشكل كبير وسهّلت حركة قياداتها عربياً ودولياً

بعد يومين من هذا اللقاء العاصف فوجئ خالد مشعل باتصال هاتفي من طلال ناجي، أحد أهم أركان النظام السوري من الفلسطينيين، يطلب فيه لقاءه على عجل.
المفاجأة الكبرى لمشعل كانت أنّ ناجي كان على علم تفصيلي بكل ما يدور في حماس، مبلّغاً إياه أن كل ما يعلمه أبلغه إياه الإخوة السوريون، وأكّد له أنّ سورية لم تمارس أي ضغوط على حماس في تحديد موقفها، مذكّراً إياه أنّ حماس لن تجد حضناً دافئاً وآمناً أكثر من دمشق، بالرغم من الخلاف الأيديولوجي بين الإخوان المسلمين والنظام السوري، وأنّ سورية لن تطلب من حماس أن تكون شريكة معها فيما يحصل، وهي تقدر وتعطي الهامش الواسع بخصوصية حماس.

اصطفاف في حماس لمواجهة مشعل

بعد اللقاء مع ناجي أدرك مشعل أنّ الأمور داخل حماس خرجت عن سيطرته، وأنّ هناك أطرافاً أو أشخاصاً في الهيئات القيادية في حماس على صلة مباشرة مع سورية، وبعدها بدأت سلسلة اغتيالات كان أهمها تصفية أحمد الجعبري، قائد كتائب عز الدين القسام في تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2012، وعلى الفور انسحبت حماس من دمشق، وأغلقت مكاتبها، واتجهت إلى قطر؛ حيث أقام خالد مشعل ومكتبه السياسي بالكامل في الدوحة.
استمرت العلاقة الحمساوية القطرية فترة طويلة بهذا الشكل، إلا أنّ الضغوط الخليجية، والحصار المصري لأنفاق التهريب التي تستغلها حماس، والأزمة السورية، كانت كلها عوامل متعددة لمراجعة حماس لمواقفها، ومن ثم فوجئ العالم أنّ حماس تقوم بما يسمى مراجعات لميثاقها، لكنها في الوقت ذاته حين أعلنت عن وثيقتها الجديدة اختارت العاصمة القطرية، الدوحة، لتخرج منها إلى العالم، والأمر لم يكن مفاجئاً؛ فالعلاقة لم تنقطع بعد، فهي تؤمّن لها دعماً مالياً مهماً، فضلاً عن توفير المأوى للعديد من قادة الحركة.
الكاتب والمحلل الفلسطيني د. أحمد رفيق عوض أوضح، في تصريح لوكالة الأنباء الفلسطينية "معا"، أنّ حماس أمامها عدة خيارات بعد مقاطعة الدول الأربع للدوحة، من بينها "العودة والتنسيق مع السلطة الفلسطينية وحركة فتح ومنظمة التحرير، وهذا أفضل حلف من الممكن أن تكون معه حماس"؛ لأن المصالحة، وفق عوض، خير ما يمكن أن تفعله وتقدمه لحماية نفسها، وتغليب المصلحة الوطنية، وهذا أقلّ الخيارات تكلفة أمام الحركة في ضوء الضغط الدولي الذي تتعرض لها، ومغادرة قطر.
من جهته، قال الباحث الفلسطيني مهند شكارنة لـ "حفريات" كان أمام حماس خيار آخر، وهو العودة إلى حضن إيران، وهو ما حصل بالفعل؛ إذ إنّ الجناح الإيراني فيها اتّجه إلى طهران خلال الفترة الماضية، لترميم العلاقات، أو على الأقل، إصلاح العلاقات مع مصر، وهو ما حصل أيضاً؛ إذ بدأ التنسيق بين حماس وبين السلطات المصرية، حول مراقبة الحدود ومراقبة الجماعات التكفيرية.

ورغم أنّ الدلالات تشير إلى أنّ حماس ستضطر إلى التراجع عن الكثير من المواقف التي اتخذتها مؤخراً، إلا أنّ الأيديولوجية التي تسير حسبها الحركة يمكن أن تجعلها تستمر في العلاقة مع قطر.


 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية