أسلحة تركية إلى ليبيا: موازين قوى أم دمار جديد؟

ليبيا

أسلحة تركية إلى ليبيا: موازين قوى أم دمار جديد؟


12/06/2019

تقع ليبيا في دائرة النيران منذ أعوام، ولم تسفر ثورتها عن أيّ استقرار حتى اليوم؛ بفعل ما نتج عنها من تدخّلات خارجية وجماعات مسلّحة متنوعة تتنازع جسدها الذي أنهكته الحرب تحت مسمّيات مختلفة.

اقرأ أيضاً: نشأة الفكر الإخواني العثمانلي في ليبيا .. تاريخ من الخيانة ونقض العهود
وفي خضم الحديث الدولي عن توازناتٍ للقوى، وسعي لنبذ التسلّح، ومحاولات إنشاء وإصلاح مؤسساتٍ وطنية قوية تضمن الاستقرار مثل مؤسسة الجيش والبرلمان، أطلّت مؤخراً مسألة سباق التسلّح الهادم لأي استقرار، بعد أخبار جديدة تناقلتها وكالات الأنباء، العالمية والعربية، عن دعم تركي بالسلاح لحكومة (الوفاق) الليبية، فما هي أبعاد هذا الدعم، وفي أي إطارٍ يمكن قراءته؟
توازن أم اختلال؟
تزامناً مع إقرار مجلس الأمن بالإجماع، تمديد حظر توريد السلاح إلى ليبيا، وتفتيش السفن المتجهة إلى البلاد "وصلت شحنة جديدة من الأسلحة إلى ميناء مصراتة الليبي (200 كيلومتر شرق العاصمة)، مقبلة من أحد الموانئ التركية خلال العاشر من حزيران (يونيو) الجاري". وفقاً لموقع "اندبندنت عربية".

كشفت تقارير وصول شحنة جديدة من الأسلحة إلى ميناء مصراتة الليبي من أحد الموانئ التركية

وكشفت مصادر ليبية عدة معلومات متطابقة للموقع ذاته، تفيد أنّ "الشحنة وصلت إلى ميناء مصراته مقبلة من ميناء إسكندرون التركي وتحمل أطناناً من الذخائر والأسلحة الخفيفة، إضافة إلى طائرتين مسيّرتَين من بُعد (درون)، وإضافة إلى خبراء عسكريين".
ومنذ شهر نيسان (إبريل) الماضي، أعلنت تركيا "بشكل واضح وصريح أنّ الرئيس  التركي رجب طيب أردوغان يقدم دعم بلاده لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس. ويشمل ذلك الدعم العسكري الذي قد يغير من موازين القوى على الأرض"، وفقاً لتقريرٍ نشرته "دويتشه فيله" في 30 نيسان (إبريل) الماضي.

اقرأ أيضاً: محور تركيا قطر: هل يفقد نفوذه في السودان وليبيا؟‎
ويشير التقرير ذاته، إلى أنّ هذا الدعم العلني ليس مفاجئاً؛ لأنّه "أتى بعد دعمٍ خفيٍ سابق.. هو نتاجُ امتداد لصراعات كبرى بين قوى إقليمية ودولية، نقلت خلافاتها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية إلى أرض جديدة بعد أن كانت الأراضي السورية هي مسرح تلك الصراعات"، مما يشير بوضوح إلى أنّ المصالح الإقليمية هي التي تقف وراء هذا الدعم، وليس السعي لاستقرار ليبيا.

هل يمكن للأسلحة التركية أن تسهم في استقرار ليبيا؟

ورغم النفي التركي المتكرر لمثل هذه التقارير، أو ما تسميه الدبلوماسية التركية أحياناً (أحداثاً مزعومة)، فقد أعلنت حكومة الوفاق في ليبيا "أنّها عززت قواتها المدافعة عن طرابلس بعشرات المدرعات لصد قوات الجيش الليبي التي تحاول السيطرة على العاصمة؛ حيث أظهرت صور وتسجيلات مصورة نشرتها قوات متحالفة مع حكومة الوفاق وصول عشرات المركبات المدرعة من طراز "بي.إم.سي كيربي" تركية الصنع إلى ميناء طرابلس"، وذلك بحسب تقرير نشره موقع "ميدل إيست" في 18 أيار (مايو) الماضي.

الدعم التركي العسكري العلني ليس مفاجئاً، لأنه أتى بعد دعم خفيّ سابق لحكومة الوفاق هدفه المصالح التركية

وكان متحدث باسم حكومة الوفاق قال في حينه "إنّ الحكومة تتواصل مع تركيا للحصول على "أي شيء يلزم لوقف الهجوم على طرابلس" بما في ذلك الدعم العسكري والمدني"، رغم ما هو معروفٌ أنّ ليبيا تخضع لقرار يحظر إدخال السلاح الى أراضيها لأي طرف، منذ أحداث العام 2011 التي أطاحت بنظام معمر القذافي، بحسب التقرير ذاته.
ورغم تأكيد الأمم المتحدة بحصول انتهاكات متكررة لهذا الحظر من قبل مختلف القوى المتواجدة في ليبيا، إلا أنّه قليلاً ما يتم الحديث عن الميليشيات التي تدعمها حكومة الوفاق، والجهات الخارجية الداعمة لها، وما يؤديه ذلك إلى استمرار حالة عدم الاستقرار على أرض الواقع، وحقيقة استقلالية قرار الحكومة في العاصمة.

فيديو عن وصول أسلحة لميناء طرابلس:

مستقبل على فوهة مدفع
بالنسبة إلى تركيا، تكمن فكرة توازن القوى في وجود من تراهم منافسين بارزين لها، أبرزهم "مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة" بحسب تقرير"فرانس 24" المنشور في 20 أيار (مايو) الماضي. إذ يرى التقرير أنّ الصراع في ليبيا يمثل "حرباً بالوكالة بين الدول المتخاصمة في الشرق الأوسط".

مصلحة مصر مع وجود جيش وطني ليبي قوي وحكومة مركزية لا تخضع لأي إملاءات خارجية

استناداً إلى مواقف مصرية سابقة، كالتصريحات التي صدرت عن الرئاسة المصرية عقب لقاء السيسي حفتر في القاهرة في 14 نيسان (إبريل) الماضي، فإنّ مسألة استقرار حدودها مع ليبيا، إضافةً للامتداد الجغرافي والديموغرافي بين البلدين، هي أمورٌ مرهونة بعدم بقاء سيطرةٍ للميليشيات على أراضي ليبيا تحت أي واجهةٍ، ومرتبط كذلك بوجود مؤسسة عسكرية سياسية قادرة على فرض الأمن العام في البلاد، بما يمهد لاستقرارٍ مستقبلي ديموقراطي واقتصادي واجتماعي طال انتظاره، لكن دون وجود ما ينبئ بسقفٍ زمنيٍ قريب وواضح لتحقيق كل ذلك، وإصلاح ما أتلفته حروب الميليشيات خلال الأعوام الماضية.

اقرأ أيضاً: ليبيا تصنّف تنظيم الإخوان المسلمين
ولأجل هذا كلّه، كان طبيعياً أن تكون مصلحة مصر بالذات، مع وجود جيش وطني ليبي قوي وحكومة مركزية لا تخضع لأي إملاءات خارجية تفقدها مشروعيتها، بينما تركيا البعيدة جغرافياً عن ليبيا، تولي اهتمامها غالباً لبوابات إفريقيا الاقتصادية، ووجود مصالح متقدمةٍ لها هناك، بغض النظر عن المكاسب التي سيتم إهمالها في ليبيا، وأهمها الاستقرار طويل الأمد.

لا أحد يفهم طرح أردوغان لفكرة منع ما يسمى المؤامرة في ليبيا!

رغم موقفها العلني الضبابي، إلا أنّه يمكن فهم سياسة تركيا المذكورة تجاه ليبيا، من خلال تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في نهاية نيسان (إبريل) الماضي، وحديثه عن "منع المؤامرة عن ليبيا" وفق تقريرٍ نشرته وكالة "روسيا اليوم" في 30 نيسان (إبريل) الماضي؛ حيث اعتبر مسؤولون ليبيون من الحكومة الوطنية في حينه أنّ أردوغان يشير بتصريحه هذا إلى "انتهاك واضح للسيادة الليبية". كما أشار التقرير ذاته إلى "تحضيرات تركية لدعم مقاتلي ميليشيات حكومة الوفاق بطائرات دون طيار ومقاتلين".

اقرأ أيضاً: أعين إيران تتجه للتركيز على ليبيا
يأتي هذا الموقف التركي منسجماً مع سياستها الخارجية العامة التي لا تنظر إلى عواقب تحقيق مصالحها (الاقتصادية) حتى على حساب إقصاء أطراف أخرى، وفي الحالة الليبية يتجلّى ذلك بعدم مراعاة مصالح دول الجوار في ظل الحرص على استمرار حالة الفوضى ودعم الاستقرار، مما يبقي مستقبل ليبيا في المجهول، وعلى فوهة مدفع.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية