أسواق الميلاد في فلسطين حزينة وخالية من زوارها

أسواق الميلاد في فلسطين حزينة وخالية من زوارها


29/12/2020

أمام محلّه في ساحة المهد ببيت لحم، ينهمك جورج سلسلع، صاحب متجر لبيع المنحوتات الخشبية والتحف التذكارية، بنحت قطع صغيرة من خشب الزيتون لصناعة مجسمات تحمل رسوم السيد المسيح ومريم العذراء، في محاولة منه لبيعها لبعض زبائنه المحليين خلال موسم أعياد الميلاد، الذي انطلق في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، لتعويض جزء من خسارته، بعد أن تراجعت أعداد السياح الأجانب القادمين للمحافظة، منذ آذار (مارس) الماضي، بفعل جائحة كورونا.

اقرأ أيضاً: هل يعود "حلّ الدّولتين" للحياة من جديد؟

ويضيف سلسلع ( 52 عاماً)، خلال حديثه لـ "حفريات": "بيت لحم كانت مقصداً للسياح من مختلف أنحاء العالم في مثل هذا الوقت من كلّ عام، أما الآن فقد أصبحت مدينة أشباح، ولا يتجوّل بها سوى بعض السكان المحليين، نتيجة حذر المواطنين وخوفهم من الخروج والتجوّل لانتشار وباء كورونا بشكل واسع في مناطق واسعة من الضفة الغربية، وكذلك بعد تقليص ساعات فتح المتاجر من قبل الحكومة ، لتقليل حركة التنقل بداخلها".

بيت لحم كانت مقصداً للسياح من مختلف أنحاء العالم في مثل هذا الوقت من كلّ عام

وأضاءت محافظة بيت لحم (مهد السيد المسيح)، شجرة عيد الميلاد، السبت الماضي، 12 كانون الأول (ديسمبر)، بحضور محدود من المسؤولين الفلسطينيين ورجال الدين والصحفيّين، بسبب التدابير الوقائية المشدّدة، التي فرضت لمواجهة كورونا؛ حيث تكتسب بيت لحم قدسيتها من وجود "كنيسة المهد" التي يعتقد المسيحيون أنّ المسيح عيسى بن مريم، ولد في الموقع الذي قامت عليه.

وقالت وزيرة السياحة والآثار الفلسطينية، رولا معايعة؛ إنّ "قطاع السياحة في الأراضي الفلسطينية تكبّد خسائر بنحو مليار ونصف المليار دولار هذا العام، بسبب أزمة جائحة فيروس كورونا".

حالة الشلل والركود أصابت كافة المرافق والمحال والمصانع في محافظة بيت لحم، لاعتماد 70% من السكان بشكل أساسي على النشاط السياحي

وذكرت معايعة، في تصريح للإذاعة الفلسطينية الرسمية، في 7 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، أنّ "قطاع السياحة أصيب بحالة شلل كامل بفعل جائحة كورونا، وحظر السياحة الداخلية والخارجية، بما في ذلك خلال احتفالات أعياد الميلاد، ومحافظة بيت لحم تعد الأكثر تضرراً، لاعتمادها بأكثر من 70% على السياحة، سواء من ناحية الفنادق، أو المشاغل، أو الأدلّاء السياحيين، أو النقل السياحي، والتسوق، والمطاعم، ومزودي الخدمات السياحية غير المباشرة".

وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني؛ فإنّ نسبة المسيحيين في الأراضي الفلسطينية لا تتجاوز 1%، بعد أن كانوا يشكّلون، قبل نكبة عام 1948، نحو2.11%، والسبب الرئيس لهذا الانخفاض الهجرة.

اقرأ أيضاً: الرصاص الإسرائيلي يطفئ نور عيون أطفال العيسوية بالقدس

يتابع سلسلع: "الغبار غطّى كافة مقتنيات متجري لضعف الإقبال على شراء التحف والمنحوتات الخشبية، الأمر الذي دفعني إلى العمل لمدة ثلاثة أيام أسبوعياً لتقليل من نفقاتي التشغيلية، وكذلك تقليص عدد العمال لديّ من 13 إلى 5 عمال فقط"،  مشيراً إلى أنّ "محلّه كان يستقبل خلال فترة الأعياد السابقة أكثر من 3 آلاف زائر،بينما لا يتجاوز عددهم اليوم العشرات، وبالتالي خسائر مالية باهظة".

قطاع السياحة في الأراضي الفلسطينية تكبّد خسائر بنحو مليار ونصف المليار دولار هذا العام

وتتراوح أسعار القطع الخشبية والتحف التي يعرضها سلسع داخل متجره المجاور لمصنعه بين دولار و150 دولاراً، وفقاً لحجمها وجودتها وطريقة صناعتها، مشيراً إلى أنّ الحجاج المسيحيين يحرصون على شراء القطع والتحف المصنوعة يدوياً من خشب الزيتون، بالرغم من تنوّع التحف المعروضة، والتي يتمّ استيراد بعضها من الصين وإيطاليا.

اقرأ أيضاً: إسرائيل تفرض الإقامة الجبرية على أطفال فلسطينيين بالقدس

وأكّد أنّ "غالبية تحفه يغلب عليها الطابع الديني لتلبية أذواق السياح والزبائن، إضافة إلى التحف التي ترمز لشجرة الزيتون، وبعض العطور ومياه للتقديس، والتي تعدّ من الأمور المباركة لدى المسيحيين".   

ولفت سلسع إلى أنّه "ينتظر موسم أعياد الميلاد كلّ عام لتحسين أوضاعه الاقتصادية، وسداد جزءاً من ديونه المتراكمة، إلا أنّ أوضاعه الحالية دفعته لعرض مقتنياته وتحفه للبيع "أونلاين"، في ظلّ أزمة كورونا وسوء الأوضاع الاقتصادية"، موضحاً أنّ "الإقبال على الشراء عبر الإنترنت ضعيف جداً، ولا يمكن مقارنته بالبيع المباشر خلال الظروف العادية".

اندثار القطاع السياحي والتجاري

ولم يختلف الحال لدى جريس أبو سعدي (41 عاماً)، صاحب محلّ تحف ومشغولات خشبية ببيت لحم، عن غيره، ويقول خلال حديثه لـ "حفريات": إنّ "الوضع في بيت لحم مأساوي، ونخشى على هذه الحرفة العريقة من الاختفاء في حال استمرت الأزمة الحالية تراوح مكانها، لاعتماد هذه المهنة بالدرجة الأولى على السياحة الخارجية".

اقرأ أيضاً: لماذا تهدد إسرائيل بقطع رواتب الأسرى الفلسطينيين؟

ويعمل أبو سعدي في هذه المهنة منذ 24 عاماً، مؤكداً أنّه لم تمرّ عليه مثل هذه الظروف وحالة الركود والكساد الصعبة منذ عدة سنوات؛ حيث اختفى الزبائن والسياح من المحافظة، وهو ما يهدّد باندثار القطاع السياحي والتجاري في ظلّ الظروف الاستثنائية التي فرضتها جائحة كورونا.

غالبية السكان في بيت لحم باتوا لا يلتفتون لاقتناء هدايا وتحف عيد الميلاد في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة

وتابع: "غالبية السكان في بيت لحم باتوا لا يلتفتون لاقتناء هدايا وتحف عيد الميلاد في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة، حيث تتجه أنظارهم نحو توفير متطلباتهم الأساسية، متوقعاً تراجع المبيعات خلال رأس السنة إلى 90% قياساً بالأعوام السابقة".

اقرأ أيضاً: تهديد إسرائيلي بجلب مليون مستوطن شمال الضفة الغربية

ويستغل أبو سعدي حالة الركود الحالية في سوق عيد الميلاد لإجراء بعض التصليحات على متجره، أملاً منه في عودة الحياة إلي طبيعتها خلال الفترة المقبلة، كي يستطيع تعويض خسارته التي تكبّدها خلال العام الحالي، بفعل الإغلاقات المستمرة وتراجع المبيعات لمستويات كبيرة نتيجة جائحة كورونا.

تعطيل الإنتاج والاقتصاد

بدوره، يقول رئيس غرفة تجارة وصناعة محافظة بيت لحم، د. سمير حزبون؛ إنّ "محافظة بيت لحم كانت من أولى المحافظات في فلسطين التي أعلن فيها اكتشاف حالات مصابة بفيروس كورونا، في آذار (مارس) الماضي، وإثر ذلك تمّ إغلاق المحافظة لمدة 45 يوماً"، مشيراً إلى أنّ "الإغلاقات تسببت في تجميد الاقتصاد في المحافظة، وإيقاف القطاع السياحيّ، الوافد والمحلي، وكذلك تعطيل الإنتاج في المهن والقطاعات المختلفة كصناعة الحجر، والحرف اليدوية، والتجارة، والذي أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة في المحافظة".

رئيس غرفة تجارة وصناعة محافظة بيت لحم، د. سمير حزبون

ويضيف حزبون، في حديثه لـ "حفريات": "محافظة بيت لحم، بما فيها مدينتا بيت جالا وبيت ساحور، تضمّ 250 مشغلاً، مرخصاً وغير مرخص، لصناعة التحف اليدوية من خشب الزيتون والصدف، وتضمّ تلك المشاغل والمصانع ما بين 2000 إلى 2500 عامل، الذين فقدوا أعمالهم نتيجة جائحة كورونا، لعدم استطاعتهم بيع منتجاتهم داخل فلسطين أو تصديرها إلى الخارج نحو الأسواق العالمية".

رئيس غرفة تجارة وصناعة محافظة بيت لحم، د. سمير حزبون لـ"حفريات": الإغلاقات تسببت في تجميد الاقتصاد وتعطيل الإنتاج في المهن والقطاعات المختلفة

وتابع: "أصحاب المشاغل تكبدوا خسائر مالية باهظة، نتيجة تكدس بضائعهم وعدم مقدرتهم على تصريفها داخل الأسواق المحلية، بفعل الإغلاقات المستمرة وغياب السياحة الوافدة"، موضحاً أنّ 75 محلاً لبيع المنحوتات الخشبية والتحف في بيت لحم وبيت ساحور وبيت جالا تمّ إغلاقها بشكل كامل".

وأكّد حزبون؛ أنّ "الخسارة لحقت أيضاً بقطاع الفنادق والمطاعم والمقاهي، والتي تعتمد بشكل كلّيّ على الحركة السياحية في انتعاشها؛ حيث تشكّل محافظة بيت لحم 20% من الناتج المحلي، بالتالي؛ تكبيد الاقتصاد الفلسطيني خسائر مالية باهظة نتيجة لتدهور هذا القطاع المهم بفعل جائحة كورونا".

شلل كامل

ويرى الناطق باسم وزارة السياحة والآثار، جريس قمصية، خلال حديثه لـ "حفريات": أنّ "شللاً كاملاً أصاب محافظة بيت لحم، منذ الخامس من آذار (مارس) الماضي، بعد إعلان حالة الطوارئ في فلسطين بفعل انتشار فيروس كورونا، ما تسبّب بإصابة المحافظة بحالة ركود اقتصادي وسياحي كبيرين".

الناطق باسم وزارة السياحة والآثار، جريس قمصية

وتابع قمصية: "حالة الشلل والركود أصابت كافة المرافق والمحال والمصانع في محافظة بيت لحم، لاعتماد 70% من سكان بيت لحم بشكل أساسي على النشاط السياحي بالمحافظة"، موضحاً أنّ "عدد السائحين الوافدين إلى فلسطين خلال العام الماضي (2019) بلغ 3 ملايين و500 ألف سائح، بالتالي؛ تهديد القطاع السياحي في الأراضي الفلسطينية بخسائر تتجاوز المليار ونصف المليار خلال العام الحالي (2020)".

اقرأ أيضاً: محاولات حثيثة لجعل القدس "قلب دولة إسرائيل والشعب اليهودي"

وعن المطلوب للنهوض بالقطاع السياحي في فلسطين، يقول قمصية: "القطاع السياحي هو نافذة فلسطين إلى العالم، وبالرغم من إجراءات الحكومة الفلسطينية بإعفاء بعض المحال والمصانع بالمحافظة من التراخيص، وكذلك تعويض الفنادق التي استخدمت لحجر المصابين بفيروس كورونا، إلا أنّ ذلك غير كافٍ للنهوض بالقطاع السياحي، وهو في حاجة إلى المزيد من الجهات الداعمة لتجنّب انهياره بشكل كامل".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية