أصوات كويتية تحذر من تآكل المجال العام الاجتماعي

أصوات كويتية تحذر من تآكل المجال العام الاجتماعي


22/02/2022

يفتخر مواطنو ومواطنات الكويت بأسبقيتهم في الأخذ بالتحديث وإقرار العديد من الحقوق الاجتماعية، ما جعلهم قدوةً للجيران في التطلع للمستقبل، لكن يبدو أنّ تلك الحالة المميزة تتعرض لعداء ممنهج من التيارات الدينية والاجتماعية المنغلقة في الكويت، فيما يشبه ردةً عن مسار كان محطّ إعجاب وقدوةً من كثيرين.

اليوم تتقدم دول الخليج، خاصة الإمارات والسعودية، ودول عربية أخرى مثل مصر، خطوات اجتماعية وسياسية واقتصادية كبيرة، وتعمل بعزمٍ على ترقية الحقوق الاجتماعية، بينما ترتفع أصوات كويتية تحذر من التراجع الذي بات يطارد المجال العام الاجتماعي.

اقرأ أيضاً: بعد دعوته لإحياء فتوى "حق الكد والسعاية".. هل ينتصر الأزهر لحقوق المرأة؟

ودوماً كانت قضايا المرأة مقياساً لفهم الأوضاع الاجتماعية في الدول، وفي الكويت تحذّر أصوات حقوقية واجتماعية ناشطة من تغول وهيمنة أصوات تتسم بالتخلف الاجتماعي، وتحاول الانتقاص من الحقوق التي راكمتها المرأة الكويتية على مدار عقود.

فعالية اليوغا

وإثر إلغاء وزارة الداخلية الكويتية فعاليةً لليوغا دعت إليها مدربة كويتية، للنساء فوق الثامنة عشر، وكانت مقررة في الثالث من شهر شباط (فبراير) الجاري، بناءً على طلب أحد نواب مجلس الأمة، اندلع نقاش واسع حول حقوق المرأة الكويتية بشكل عام، خاصةً أنّ هناك العديد من القضايا التي تخص المرأة والتي كانت محل نقاش خلال الأعوام الماضية.

جانب من الوقفة الاحتجاجية في ساحة الإرادة

وجاء إلغاء الفعالية، التي كان من المقرر تنظيمها في الصحراء، بعد مطالبة النائب حمدان العازمي بإلغائها بحجة أنها أمر "خطير" و"دخيل" على المجتمع.

ورداً على ذلك دعت الجمعيات الناشطة في حقوق المرأة إلى وقفة احتجاجية، جرى تنظيمها في الثامن من الشهر الجاري، في ساحة الإرادة، أمام مجلس الأمة، للتعبير عن الاحتجاج على تردّي الأوضاع الحقوقية للمرأة، وخضوع الحكومة للأصوات المتطرفة في مجلس الأمة.

اقرأ أيضاً: تقلّد المناصب: هل تنظر الأديان بعين التمييز بين الرجل والمرأة؟

ودانت المشارِكات في الوقفة الدور المعادي من العديد من النواب للمرأة، في الوقت الذي يغضّون الطرف فيه عن القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعدّ من صميم عمل المجلس.

دانت ناشطات كويتيات الدور المعادي من العديد من النواب للمرأة، في الوقت الذي يغضّون الطرف فيه عن القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعدّ من صميم عمل المجلس

ورفعت المتحدثات في الفعالية الاحتجاجية جملة لاءات، قائلات: لا لإلغاء فعالية اليوغا، ولا لمصادرة الحريات، ولا لتحويل الكويت من دولة مدنية إلى بلد بعيد عن الترفيه والانفتاح.

وشدْدن على أنّ الأنشطة الترفيهية مطلوبة للغاية، وضرورية لاحتضان طاقات الشباب، كما يحتاجها جميع أفراد المجتمع.

ولم تقتصر الوقفة على حضور المرأة فقط، بل حضر العديد من الرجال الداعمين للحريات الاجتماعية، والرافضين للتردي الذي تحاول فئة متشددة دينياً فرضه على المجتمع، كما يقولون.

اقرأ أيضاً: الحجاب والرياضة: أولمبياد طوكيو يفجر الجدل حول لباس المرأة

وتقول رئيسة الجمعية الكويتية للإخاء الوطني، بيبي عاشور: "مع الأسف الشديد، توجد أحداث تعمل على إيقاف بعض المناسبات والفعاليات دون دراية بتفاصيل ما يحدث، بالتالي، تأخذ الزخم الإعلامي بأنّ هناك فعالية معينة ستقام بهذا الشكل وبالتالي يجب إيقافها لسبب ما، قد تكون العادات والتقاليد أو التصاريح، وهذه أمور متداولة بين الوقت والآخر في الكويت، وتسبّب تعطّل العديد من الأنشطة التي تتعلق بالمرأة".

د. عاشور: حراك المرأة الكويتية ليس نخبوياً

ومن جانبها، قالت الكاتبة الصحفية الكويتية، وعضو جمعية الصحفيين الكويتية، والاتحاد العام للصحفيين العرب، الجازي طارق السنافي: "إننا لم نغضب ونستنفر لمنع فعالية يوغا، والموضوع له أبعاد أكبر وأعمق من ذلك؛ توقيف هذه الفعالية ومنعها سيجرّ خلفه العديد من المنع والتحكم والتسلط، خاصةً فيما يتعلق بأنشطة وقضايا المرأة. وهذه الشرارة الأولى للحريق القادم، وهذا التشدّد والتسلط اللامبرر بحجة العادات والتقاليد والمجتمع المحافظ هو ما نرفضه وسنرفضه".

اقرأ أيضاً: أمثال تمتهن النساء: ما سر تواطؤ الإرث الشفوي ضد المرأة؟

وشدّدت السنافي، في تصريح لـ "حفريات"، على أنّ "ما يحكم الكويت هو الدستور المدني، لا مجموعة من النواب المتشددين الدخلاء، والسلطة تنفذ بعض القرارات التي يمكن الطعن فيها بكل سهولة، وملاذنا هو الدستور الذي لا يفرق بين امرأة ورجل ويكفل الحريات".

ليست مجرد يوغا

وعلى الرغم من استغلال العديد من المعارضين لحقوق المرأة في الكويت لحادثة فعالية اليوغا، لشنّ هجوم واسع على العمل النسوي في البلاد، ووصفه بالانشغال بصغائر الأمور، وترك القضايا الجدية مثل الأوضاع الاقتصادية للمرأة، إلا أنّ المتابع لمثل هذه القضايا في سائر البلاد العربية، يجد الحجج نفسها تتكرّر.

وحتى إذا دافعت الجمعيات الحقوقية النسوية عن القضايا الاقتصادية فلن تسلم من الانتقاد من التيارات الدينية والاجتماعية المعادية للانفتاح والمساواة.

اقرأ أيضاً: هل تمكّنت الاجتهادات النسوية من تجاوز موروثات صورة المرأة؟

واكتسب النقاش حول قضية فعالية اليوغا زخماً كبيراً، كونه يأتي ضمن سياق أوسع يشمل عدد من القضايا التي تخص المرأة، والتي كان لمجلس الأمة، الذي لا يضمّ بين عضويته امرأةً واحدة، موقفاً معادياً، وكان آخر ذلك استجواب نواب المجلس لوزير الدفاع بعد قرار السماح بالتحاق المرأة في القوات المسلحة.

وحول ذلك، قالت بيبي عاشور، لـ "حفريات": "هذا اتّهام غير صحيح؛ فحراك المرأة الكويتية ليس نخبوياً؛ وكلّ أطياف المجتمع تشارك فيه، ونحن نتحدث عن حقوق دستورية لكل مواطنة، وهي قضايا تتعلق بالعمل والمساواة في الرواتب والوظائف وكافة القضايا التي تمسّ المجتمع، مثل قضية الكويتيات المتزوجات من أجانب".

الجازي السنافي: بعض النواب يعملون لأجندات خارجية

وأفادت الكاتبة الجازي السنافي: "هناك لغط كبير وخلط أوراق تجاه الحركة النسوية خاصة في الكويت، فهدف الحركات النسوية هو المساواة فقط والمطالبة بحقوق المرأة، ورجال كثيرون لا تعجبهم فكرة "المساواة" ولا يؤمنون بها من الأساس؛ لذلك نجدهم أول من يخوّن هذه المطالبات والتحركات، ويحاولون إيجاد ثغرة للاصطياد في الماء العكر وخلط الحابل بالنابل، حتى يشوهوا صورة هذه المطالبات ويضعفوا من عزم النساء من المطالبة بحقوقهن، لكنّنا على يقين بأنهم مثل الفقاعات تكبر وتختفي فجأة. وسنحصل على حقوقنا كاملة عاجلاً أم آجلاً وبالقانون".

مجلس الأمة: دور سلبي

وتعرض نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، الشيخ حمد جابر العلي لاستجواب برلماني، على خلفية موافقته على التحاق المرأة بالسلك العسكري. وسبق أن التحقت المرأة بالشرطة، عام 2007، وتأخر تنفيذ قرار التحاقها بالجيش حتى الحصول على ضوابط ذلك من هيئة الإفتاء، وكان الحديث حول حجاب المرأة كشرط محل جدل كبير في المجتمع.

بيبي عاشور لـ "حفريات": نرفض فرض رؤية واحدة للمجتمع والمرأة، خاصةً أننا في مجتمع يقوم على التعايش، فكيف نفرض قيوداً على فئة معينة، بالمخالفة للحقوق التي أقرّها الدستور؟

وأوضحت بيبي عاشور: "حين يكون كلّ أعضاء مجلس الأمة من الرجال، فمن الطبيعي أن نشهد ممارسات ضدّ المرأة. ونحن نرفض فرض رؤية واحدة للمجتمع والمرأة، خاصةً أننا في مجتمع يقوم على التعايش، فكيف نفرض قيوداً على فئة معينة، بالمخالفة للحقوق التي أقرّها الدستور".

وأضافت الكاتبة السنافي: "مجلس يخلو من النساء، بالطبع لن يكترث للمرأة إلا أثناء الانتخابات، وبعض النواب يعملون لأجندات خارجية وآخرون يعملون من أجل مصالحهم الشخصية، والوقوف مع قضايا المرأة "لن يوكلهم خبزه" لذلك نجد أنّ أغلبية النواب يتجنبون قضايا المرأة، ويهرعون للقضايا التي تدرّ عليهم الأموال أو الأصوات".

المرأة الخليجية: تقدم وتراجع

وشهدت دولتَا الإمارات والسعودية تدعيماً كبيراً لحقوق المرأة خلال الأعوام الماضية، خاصة في السعودية، وكذلك في العديد من القضايا الاجتماعية والتشريعية والتي تهدف إلى نهضة اجتماعية واقتصادية تواكب التحوّلات الكبرى التي يشهدها العالم.

وفد نسائي في زيارة لوزير الدفاع

ومقابل ذلك، تبدو الكويت بعيدة عن هذه التحوّلات، بل وبحسب مراقبين تتراجع عن مسار كانت سباقة فيه. وتقول رئيسة الجمعية الكويتية للإخاء الوطني: "المرأة الكويتية بشكل عام وضعها جيد، وهناك نساء فاعلات في الشأن السياسي والمجتمع المدني، ونساء يتولين مناصب قيادية، ولكن ما يزال دون الرقم المطلوب، لتحقيق المساواة".

وتابعت بيبي عاشور: "نرغب في تمثيل أكبر للمرأة في مجلس الأمة والحكومة والمناصب القيادية. ونحن في بلد فيه دستور مدني، ويضمن حقوق المرأة مساواةً بالرجل، ولا نريد سوى الحقوق التي أقرها دستورنا".

اقرأ أيضاً: كيف سعت أدبيات الإخوان لتشكيل عقل المرأة؟

وحول مقارنة وضع المرأة الكويتية بنظيراتها في الخليج، أثنت عاشور على التقدم الذي تشهده حقوق المرأة الخليجية، وقالت: "نحن مع حقوق المرأة في أيّ مجتمع كان، لكن يحزّ في نفوسنا تراجع الحريات في بلدنا الديمقراطي، السباق دوماً. ولهذا على السلطتين التشريعية والتنفيذية معالجة ذلك".

وشددت الكاتبة الجازي السنافي على أنّ المرأة الكويتية تنعم بحقوق لابأس بها، وتنعم بالرخاء والأمن، لكننا: "نطمح لأن نصل لمرحلة أن نكون متساوين 100% بالرجل، وأقصد بها، تمرير الجنسية لأبناء الكويتية، وحقّ السكن بمفردها، وحقّ المساواة في الميراث، وحقّ منع الوصاية عليها تحت أيّ مسمى، وحقّ حملها السلاح والدفاع عن الوطن ودخولها السلك العسكري".

وكان وزير الدفاع الكويتي تعرض لمطالبة نواب بسحب الثقة منه، وذلك على خلفية النقاش في المجلس حول التحاق المرأة بالسلك العسكري.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية