أطماع تركيا في فلسطين .. اتفاقية التجارة الحرة "النهب باسم الاقتصاد"

أطماع تركيا في فلسطين .. اتفاقية التجارة الحرة "النهب باسم الاقتصاد"


08/06/2019

منذ اعتلائه حكم تركيا في 2002، عمّد رجب إردوغان إلى استغلال القضية الفلسطينية، في شتى أهدافه ومخططاته الدنيئة، تارة كمحاولة لتقديم نفسه كـ"خليفة للمسلمين" وتحقيق عقدته في إعادة أمجاد أجداده العثمانيين المقبورين، متناسيًا أنهم من فرط في فلسطين لليهود، وتارة أخرى للاستفادة من ورائها اقتصاديًا.

في فبراير من العام 2004، وقعت الحكومة الفلسطينية مع نظيرتها التركية اتفاقية "التجارة الحرة"، على أمل أن تسهم في زيادة كل طرف صادراته إلى الآخر بما ينعكس على زيادة حجم التبادل التجاري، وتعود الاستفادة على الجانبين؛ غير أن بنود الاتفاق سمحت فقط لحكومة إردوغان وشركاتها بتحقيق أرباح مهولة، نتيجة تدفق صادراتها بنسب مهولة، في المقابل وضعت العراقيل أمام تصدير المنتجات الفلسطينية إلى تركيا.

الإعلان الرسمي عن الاتفاقية جاء فيه أنها "تمنح إعفاء من الرسوم الجمركية على المنتجات الصناعية"، كما تهدف إلى الإلغاء التدريجي للعقبات أمام التجارة بين الطرفين للوصول التدريجي لمنطقة تجارة حرة بينهما، بما يحقق زيادة في التعاون الاقتصادي، ويقضي على القيود وتعزيز التجارة وتشجيع الاستثمارات؛ لكن ما أكدته الأوراق، نفاه الواقع.

بعد أشهر من توقيع الاتفاقية قفزت الصادرات التركية إلى فلسطين، لتحتل المركز الثاني في قائمة الواردات القادمة للبلاد بنسبة 5%،  متضمنة  المنتجات التي تصل من أنقرة إلى إسرائيل، وتعيد الأخيرة تورديها إلى الفلسطينيين، على حين حرم الفلسطينيون من تصدير منتجاتهم إلى تركيا.

إردوغان الذي يتلاعب بالقضية الفلسطينية، والتي "لا تمثل أهمية بالنسبة له ولا لحزبه"، -حسب صحيفة "ليمانيتي" الفرنسية، لم يتخذ خطوات ملموسة ضد إسرائيل، ومواقفه المعلنة دائمًا "تكون لغرض سياسي آخر وهو حشد أصوات الناخبين" في تركيا، كما حدث خلال الانتخابات المحلية الأخيرة، وأيضًا كما يفعل الآن قبل الإعادة في إسطنبول المقررة 23 يونيو الجاري.

برعاية إردوغان
في مؤتمر "تركيا بوابة فلسطين إلى العالم" المنعقد بمدينة إسطنبول في فبراير من العام 2015 كشف وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي  عن دور إردوغان في هذه الخطة التجارية، قائلًا إن الرئيس التركي يتابع بشكل شخصي قضية التبادل التجاري مع فلسطين، وكذلك مشروع تطوير منطقة جنين الصناعية.

في مارس من العام الماضي (2018)، كشفت هيئة الإحصاء التركية أن اتفاقيات التجارة الحرة الموقعة بين تركيا وعدد من الدول ساهمت في رفع حجم تجارتها بنسبة لم تكن متوقعة ولم يحلم إردوغان نفسه بها، حين وصل حزبه إلى السلطة في عام 2002.

الهيئة التركية أكدت زيادة حجم التجارة الخارجية مع فلسطين خلال العقد الماضي بنسبة 337.7 %، مالت هذه النسبة إلى صالح الصادرات التركية التي بلغت بحسب الأرقام المعلنة من الجانب الفلسطيني في عام 2013 نحو  99 % بقيمة 290 مليون دولار، بينما بلغت الصادرات الفلسطينية نحو 3 مليون دولار فقط في العام ذاته، بنسبة واحد % فقط.

مركز التجارة الفلسطيني "بال تريد" نبه في تقرير أعده  في عام 2014 -عن الحاجة الضرورية لزيادة صادرات فلسطين إلى تركيا، وأشرفت عليه وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطينية- إلى العوار الذي شاب اتفاقية التجارة الحرة الموقعة في عام 2004، ومنها أنها في حين سلهت كثيرا دخول البضائع التركية إلى الأراضي المحتلة، فإنها زادت الصعوبات أمام وصول المنتجات الفلسطينية إلى الأتراك.

اتفاقية مجحفة
الاتفاقية نصت على أن السلع المعفاة من الرسوم الجمركية تنحصر على السلع الصناعية ولا تشمل السلع الزراعية والأغذية المصنعة، التي يبرع ويتميز فيه الفلسطينيون أصلا، وهو جعل العديد من المنتجات الفلسطينية الزراعية والغذائية تواجه صعوبة في دخول تركيا؛ وبعد محاولات عديدة سمح الجانب التركي بناء على اتفاق وقع في مارس من العام 2011 على إعفاء كميات من التمور الفلسطينية المصدرة إلى تركيا من الرسوم الجمركية.

بالرغم من أن التمور الفلسطينية كانت بديلًا للتمور التي تصدرها تل أبيب إلى أنقرة، إلا أن حكومة إردوغان لم تسمح سوى بأن يكون الإعفاء الجمركي على ألف طن سنويًا فقط، بينما كانت الكميات التي يسعى الفلسطينيون إلى تصديرها أكبر من ذلك بكثير.

المنتجات التي تشتهر بها فلسطين لم تشملها اتفاقية التجارة الحرة، ووجدت صعوبة في الوصول إلى تركيا؛ ومنها زيت الزيتون والسجائر ومنتجات الألبان والجلود والمنسوجات، وفق مركز التجارة الفلسطيني "بال تريد".

ونتيجة العوار الذي أصاب الاتفاقية والتي استفاد منها الأتراك بنسبة 99% مقابل 1% للفلسطينيين؛ فإن هناك بعض الأصوات التي طالبت بإلغائها، بهدف زيادة الناتج القومي الفلسطيني الذي يعتمد بأكثر من 85 % منه على التجارة الخارجية والصادرات الموجهة إلى الخارج؛ وذلك على غرار ما فعلت الجارة الأردن.

جرأة أردنية
في مارس 2018 ألغت الحكومة الأردنية اتفاقية التجارة الحرة الموقعة مع تركيا والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 2011، بهدف الحفاظ على قطاع الصناعة الأردني الذي يواجه التحديات نتيجة إغلاق المنافذ الحدودية مع الدول المجاورة وانحسار الأسواق التصديرية التقليدية أمام الصادرات المحلية.

وزير الصناعة والتجارة الأردني قال إن قرار إلغاء الاتفاقية يهدف إلى دعم القطاع الصناعي والزراعي والإنتاجي بالبلاد وزيادة قدرته التنافسية في السوق المحلية والأسواق الخارجية، مشددًا على أن القرار "سيجنب القطاع الصناعي المزيد من الآثار السلبية التي لحقت به، في ضوء المنافسة غير المتكافئة التي يتعرض لها من البضائع التركية".

وكما فعلت حكومة إردوغان مع فلسطين بالاتفاقية المجحفة الموقعة في 2004،  والتي سمحت لها باستباحة الأسواق الفلسطينية ، حاولت فعل الشيء ذاته مع الأردن قبل أن تلغي حكومة الأخيرة الاتفاقية، وتؤكد أن "الاتفاقية  ساهمت في ارتفاع العجز في الميزان التجاري لمصلحة الجانب التركي مع عدم قيام الأخير بإحداث فرق يذكر في حجم التدفقات الاستثمارية التركية للأردن".

مطالبات بالتعديل
مركز التجارة الفلسطيني شدد في تقريره الصادر في عام 2014 على ضرورة "توسيع نطاق التعاون الاقتصادي مع تركيا ليشمل قطاعات اضافية خاصة قطاع الخدمات، وكذلك إعفاء السلع الزراعية والأغذية المصنعة من الرسوم الجمركية، بالإضافة إلى معاملة المنتج الفلسطيني معاملة تفضيلية تمكنه من استهداف السوق التركي والمنافسة فيه".

قيمة الصادرات الفلسطينية إلى تركيا بلغت ذروتها في عام 2005 الذي تلى توقيع الاتفاقية ووصلت إلى 23.1 مليون دولار، فيما بدا أنه مجرد تحرك هدفه إغراء الفلسطينيين بالمضي قدما في الاتفاقية، حتى انخفض هذه الصادرات إلى 3 مليون دولار في 2013، بينما ارتفع حجم الواردات التركية إلى نحو 290 مليون دولار، لتحتل أنقرة المركز الثالث من حجم الواردات.

نبه المركز إلى أن هناك تعقيدات في المواصفات والشروط التي يضعها الجانب التركي لاستقبال البضائع والمنتجات من فلسطين، على حين  يضع الجانب الفلسطيني تسهيلات لاستقبال البضائع التركية.

كما طالب بتخفيض التعريفة الجمركية على أهم المنتجات الفلسطينية التي يتم تصديرها عالميا مثل الزيتون والمخللات والصابون والمطرزات اليدوية، والاعتراف بشهادات المطابقة والجودة، وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي بين البلدين بما يشمل قطاعات الطاقة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتعليم والنقل والسياحة.

في يونيو 2016، قال المحلل الاقتصادي أمين أبو عيشة: إن قطاع غزة يستورد نحو 120 مليون دولار منها 20 مليون دولار من تركيا في غالبيتها سلع استهلاكية، مضيفًا لموقع "دنيا الوطن" الفلسطيني أن الكثير من السلع التركية لا تتمتع بجودة عالية، منبهًا إلى أن المنتجات الفلسطينية التي تم تصديرها إلى تركيا خلال الفترة ما بين 2006 إلى 2014 هي التمور والتبغ والمطرزات اليدوية والجلود.

التنسيق مع تل أبيب
وفي سياق توغلها اقتصاديًا في فلسطين، حرصت حكومة إردوغان على التنسيق مع حكومة تل أبيب، فبناء على اتفاق بين أنقرة والإسرائيليين في عام 2015، سمحت لشركات الأسمنت التركية بالدخول إلى قطاع غزة، ونقل جميع المعدات والمساعدات الإنسانية التي ترغب بها إلى غزة عن طريق ميناء أسدود الذي يشرف عليه جيش الاحتلال، كما سمح للتركيا ببناء محطة لتوليد الكهرباء في غزة ومحطة تحلية مياه بالتعاون مع ألمانيا وبناء مستشفى جديد.

في مارس 2016 قال وكيل رئاسة مجلس المصدرين الأتراك، مصطفى جقريقجي أوغلو، خلال مشاركته في منتدى الأعمال التركي الفلسطيني، الذي عقد في مجمع التجارة الخارجية في مدينة إسطنبول أن قيمة الصادرات التركية إلى فلسطين ارتفعت من 9.4 مليون دولار في عام 2004، إلى 82.2 مليون دولار في 2015، أي بزيادة وصلت إلى 9 أضعاف، لتحتل تركيا بذلك، المركز الرابع بين الدول المصدرة لفلسطين- بشكل مباشر- بعد إسرائيل والأردن وإيطاليا.

أضاف جقريقجي أوغلو: "إذا ما أخذنا بعين الاعتبار شراء إسرائيل للمنتجات التركية وتعيد بيعها في الأسواق الفلسطينية، فإنّ تركيا تكون الدولة الثانية في ترتيب الدول الأكثر تصديراً إلى فلسطين".

وزير الاقتصاد الفلسطيني السابق، مازن سنقرط قال خلال المنتدى ذاته إن تركيا تعدّ ثالث أكبر شريك تجاري لفلسطين، بعد إسرائيل والصين، مشيرًا إلى أنّ إسرائيل تتصدر هذه القائمة، بسبب تحكمها بالمنافذ الجمركية.

عدد المصدرين الأتراك إلى فلسطين والمسجلين رسميًا بلغ  نحو 83 ألف عضو، ما يشير إلى أن جميع الأرقام تؤكد عجز ميزان التبادل التجاري لصالح الأتراك، وهو ما حاول أن يحتويه وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي الذي أقر بأن الأرقام في صالح بلاده فقط، وقال في مؤتمر "تركيا بوابة فلسطين إلى العالم" الذي عقد بمدينة إسطنبول: "سنحل كل المشاكل التي تعيق التبادل التجاري والتي تحد من الاستيراد من فلسطين. سنكون سعداء جدا لو ارتفعت وارداتنا من فلسطين لـ500 مليون دولار".

زيبكجي أضاف: "تركيا أصبحت واحدة من أكبر الدول المانحة، وهي موجودة في كل مكان في العالم. ندرك حجم الصعوبات أمام الاقتصاد الفلسطيني، لكننا مؤمنون بأننا سنرى الدولة الفلسطينية المستقلة يوما ما". وتحدث عن تطلع بلاده إلى "تطوير اتفاقية التجارة الحرة مع فلسطين لتكون شبيهة باتفاقية تركيا مع الاتحاد الأوروبي، التي تنص على إعفاء كامل من الرسوم الجمركية".

حكومة لا تشبع
حكومة إردوغان لم تكتفِ بالأرباح الهائلة المحققة من وراء الفلسطينيين، ففي سبتمبر الماضي استضافت العاصمة أنقرة وزيرة الاقتصاد الوطني الفلسطينية عبير عودة، ووقعت معها وزيرة التجارة التركية روهصار بيكجان اتفاقية بشأن "تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة بين البلدين، ومحضر أعمال اللجنة الفنية المشتركة الذي يتضمن آليات وتفاهمات لتعزيز علاقات التعاون المشتركة في مختلف المجالات".

توقيع الاتفاقية تم خلال الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاقتصادي المشترك الفلسطيني لتطوير وتعزيز العلاقات الثنائية، والذي عقد بناء على بروتوكول تأسيس مجلس التعاون الاقتصادي بين البلدين الموقع عام 2013، وترجمة لاتفاقية التجارة الحرة الموقعة في 2004.

الوزيرة التركية قالت "إن المجلس سيزيد من حجم التجارة والاستثمار، وسيساهم في تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين"، مشددة على ضرورة تفعيل التعاون والشراكة الفلسطينية التركية في مجالات التجارة، الصناعة، الزراعة، الاستثمار، المدن والمناطق الصناعية الحرة، الجمارك، الخدمات، الاتصالات، النقل والمواصلات، الطاقة، السياحة، و التعليم، ودعت إلى " تنظيم برامج تدريبية متخصصة لتطوير الصادرات والترويج لها ، بما في ذلك تطوير المنتجات وبناء قدرات المصدرين للاستفادة من التجربة التركية في هذا المجال".

عن "عثمانلي"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية