أفغانستان: مرحلة جديدة في "الحرب ضدّ الإرهاب"

أفغانستان: مرحلة جديدة في "الحرب ضدّ الإرهاب"


كاتب ومترجم جزائري
13/09/2021

ترجمة: مدني قصري

طالبان حركة إسلامية أصولية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بشبكات القاعدة، بالتالي، بالجهاد الدولي، وعلى الرغم من جذورهم القومية ورغبتهم القديمة في التميّز عن القاعدة بغياب أجندة سياسية دولية؛ فإنّ انتصار الحركة على القوات المسلحة الغربية، وعلى الحكومة المحلية التي تدعمها، يمثّل إشارة قويّة لحركات التمرّد الجهادية كلها في جميع أنحاء العالم، بالتالي، فإنّ التداعيات طويلة المدى لهذه الجماعات والقوّات المسلحة التي تقاتلها عديدة ومتنوعة نسبياً، كما يتضح من ردود الفعل التي أحدثتها هذه الأحداث في الدعاية الجهادية، لكنّ الهجمات الأخيرة على مطار كابول الدولي ما لبثت أن ذكّرت العالمَ بهشاشة موقف طالبان؛ حيث وضعتهم وجهاً لوجه مع مسؤولية تأمين حماية سكانهم من الإرهاب، وهذه المفارقة التي تضع القادة الجدد في أفغانستان في موقف غير مريح، ناجمة عن الصراع العميق القائم بين داعش والقاعدة في جميع المناطق التي تتواجد فيها الجماعتان.

هزيمة الغرب في أفغانستان يمكن أن تغيّر المشهدَ الجهادي في جميع أنحاء العالم، وأن تسجل مرحلة جديدة في "الحرب ضدّ الإرهاب" التي تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها

تنظر القاعدة وتفرّعاتُها الإقليمية إلى انتصار طالبان على أنّه انتصارٌ لها وإنجاز كبير في الإستراتيجية الشاملة للجماعة، في الديناميكية المحلية التي يثيرها هذا التغيير في الوضع في أفغانستان وفي المنطقة، وفي فرصة التماهي مع الجماعة الإسلامية الأولى التي تتولى السيطرة على الدولة بأكملها. بالنسبة إلى تنظيم الدولة الإسلامية، في المقابل، يثير انتصار المتمردين الأفغان ردودَ فِعل معادية، وعلى الرغم من الفرص التي يمثلها ذلك بالنسبة للتنظيم، إلا أنّ التناقض كبير بين نجاح إمارة أفغانستان الإسلامية والسقوط الكلّي لخلافة الدولة الإسلامية في شكلها كدولة.

إن هزيمة الغرب في أفغانستان يمكن أن تغيّر بشكل دائم المشهدَ الجهادي في جميع أنحاء العالم، وأن تسجل مرحلة جديدة في "الحرب ضدّ الإرهاب" التي تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها.

القاعدة: احتفال كتوم وفرص طويلة الأمد

على الرغم من وقوعها في الدرجة الثانية من التصور الدولي لخطر الإرهاب الجهادي، ما تزال القاعدة اليوم المجموعة الجهادية الرئيسة التي تهدّد المصالح الغربية، خاصة الفرنسية منها، فبعد أن أضعفتها كثيراً العملياتُ الغربية في أفغانستان، بعد عام 2001 مباشرة، سرعان ما أعادت المجموعة بناءَ نفسها، والتكيف مع الوضع الدولي الجديد؛ حيث سمح مُنظّرو المجموعة بتشكيل شبكة من الفروع المستقلة نسبًياً التي تعمل بطريقة لامركزية، وتسعى للحدّ، قدر الإمكان، من التأثير الكلي لعمليات مكافحة الإرهاب التي تستهدف سلسلة قيادتها.

لقد مكّن الانتعاشُ التدريجي لعمليات التمرّد المحلية، لا سيما في أعقاب الربيع العربي، عام 2011، القاعدةَ من اكتساب شرعيّة محلية حقيقية في كل من المسارح التي ينخرط فيها المنتسبون إليها، وهذه الشرعية متجذّرة في الرغبة في الحكم على المستوى المحلي الذي يُركّز قبل كلّ شيء على الاستجابة للقضايا المحلية، لكنّ التمييز التقليدي بين النضال ضدّ العدو البعيد (والمقصود الولايات المتحدة وحلفائها) والعدو القريب (المقصود الأنظمة المحلية التي يدعمها الغرب) يظلّ، هنا، تمييزاً غير كافٍ.

اقرأ أيضاً: هل تصبح أفغانستان مقصد الإرهابيين؟.. مسؤول أمريكي يجيب

لم تتوقف القاعدة أبداً عن رغبتها في الوصول إلى الولايات المتحدة وحلفائها مباشرة على أراضيها، وقد أظهرت باستمرار قدرتها على القيام بذلك، وفي الوقت نفسه، تُركّز حركاتُ التمرد المحلية التي تشارك فيها الجماعة، على سقوط الأنظمة القائمة في الدول ذات الأغلبية المسلمة، إنّ ما يميّز الإستراتيجية التي تنفذها القاعدة اليوم بعمق هو قدرتها على إعطاء الأولوية للأهداف السياسية مع مرور الوقت، من أجل ضمان النجاح النهائي لمشروعها، بالتالي، فإنّ توحيد الإسلام في ظلّ منظومة قائمة على الإجماع في الآراء، قريبة من السلفية والوهابية، مؤجّلٌ إلى أوقات أكثر ملاءمة، أي إلى حين تصبح سلطة الدولة قد استقرت بالفعل في أيدي نظام إسلامي، فالمنطق بديهي، وهو أنّ أيّ انقسام داخل الأمة، أي المجتمع الإسلامي، يُضرّ في النهاية بالنجاح النهائي للمشروع الجهادي.

اقرأ أيضاً: أول مسؤول عربي يصل إلى أفغانستان بعد تشكيل حكومة طالبان... ماذا بحث اللقاء؟

أتاح الارتباط القوي بين المستوى المركزي للجماعة وطالبان الأفغانية تطويرَ وتطبيق نظرية الجهاد الجديدة هذه؛ فمن خلال توازنٍ دقيق بين الكفاح المسلح والحكم المحلي، تمكّنت طالبان من استعادة السلطة في أفغانستان، على الرغم من مليارات الدولارات التي أنفقها التحالف الدولي لدعم الحكومة الأفغانية، هذا التوازن هو الذي يمكن تسميتُه الآن بـ "نموذج القاعدة"، والذي يُنظر إلى نجاحه على أنّه وعدٌ بتحقيق المزيد من الانتصارات في مسارح أخرى.

اقرأ أيضاً: النظام العالمي وتوابع ما بعد أفغانستان

رحّب إياد آغ غالي، زعيم جماعة نصر الإسلام والمسلمين، وهو تجمع للجماعات الجهادية تحت لواء القاعدة في الساحل، في خطابه الصوتي الأخير، بما أسماه "انتصارنا"، وأصدرت القيادة المركزية لتنظيم القاعدة بهذه المناسبة، بياناً طويلاً هنّأت فيه الإمارة الإسلامية بفوزها مع ذكرها بالاسم أمير المؤمنين هيبة الله أخون زاده وسلفه الراحلين، الملا عمر والملا منصور، وكذلك مؤسّس شبكة حقاني، جلال الدين حقاني، وأضاف البيان أنّ "الطريق مفتوح أمام تحرير الشعوب الإسلامية".

الواجهة المناسبة لحكومة جهادية

فور زوال حماسة النصر في صفوف القاعدة والجماعات القريبة منها حول العالم، لا بدّ من ملاحظة أنّ تداعياتها بالنسبة لنشاط وعمليات التنظيم قد لا تكون بالاتساع الذي توحي به أسوأ التوقعات، فإذا أصبحت البلاد ملاذاً يمكن للقادة الرئيسين للجماعة أن يلجؤوا إليه دون خوف من استهدافهم من قبل مكافحة الإرهاب الغربية، فمن غير المرجّح أن تسمح طالبان للمنظمة باستخدام أراضيها مرّة أخرى، كقاعدة خلفية لتحضير عملياتها، ومع ذلك، فقد تكون فرصة للعمل السياسي، أي نوعاً من العرض الدولي، لكن أيضاً كوسيط محتمل طويل المدى لحركات تمرّد محلية أخرى.

تقع الحاجة إلى الاستقرار والاعتراف الدولي في صميم انشغالات طالبان، التي لا يمكنها أن تتحمّل خسارة دعم حلفاء، مثل الصين وروسيا، من خلال إبقاء جماعات معادية بشكل علنيّ لهذه القوى النشطة، على أراضيها، ومن المسلّم به أن قدرتهم على إيجاد تسوية مع هذه الجماعات محدودة بسبب صرامة أيديولوجيتهم التأسيسية، لكن من المرجّح أنّهم سيواصلون الضغط القوي على قيادة القاعدة لتقليص وجودها العملياتي في أفغانستان إلى أدنى مستوى ممكن. من ناحية أخرى، فإنّ وجود قوة إسلامية سنية مؤيدة للقاعدة وفروعها الإقليمية يمكن أن يزيد بشكل كبير من قدرة الجهاديين على إجبار الغرب على التفاوض في مسارح أخرى. باختصار، إذا كان استخدام أفغانستان كقاعدة عملياتية محظوراً بالفعل بالنسبة للقاعدة فسيكون من مصلحة هذه الأخيرة دعم المشروع السياسي الوطني لطالبان.

اقرأ أيضاً: بهذه الطريقة تستفيد إيران من أسلحة أمريكا في أفغانستان... تفاصيل

 إنّ أيّة شرعية تكتسبها الإمارة الإسلامية في أفغانستان ستكون مفيدة وستغذّي حجج حركات التمرد الوطنية الأخرى القريبة من القاعدة، لا سيما في منطقة الساحل.

الكشف عن التناقضات

من خلال رغبتها في تشويه سمعة طالبان والحفاظ على مستوى عالٍ من العنف في البلاد، حتى عندما يحاول المنتصرون الجدد تمجيد انتصار خطابهم حول النجاح والاستقرار، يضع تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان "ISKP" حركةَ طالبان، أمام ضرورة استخدام وسائل مكافحة الإرهاب للدفاع عن الشعب الأفغاني وحرمان هذا الإرهاب من أيّة حرية في الحركة.

وقد شجبت افتتاحية جريدة الدولة الإسلامية الأسبوعية "النبأ/ Al Naba"، هذا النصرَ الذي جاء عن طريق التفاوض، وبِربطِ طالبان بـ "الملا برادلي"، وهي مبادرة من صُنع وكالة المخابرات المركزية لتسريب عملاء إلى قلب الشبكات الجهادية لبعثرة وتشتيت المجاهدين، ينتقد تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان النجاح الذي حققته طالبان من خلال التواطؤ عن طريق المفاوضات، بدلاً من الجهاد المسلح.

انتصار الإمارة الإسلامية في أفغانستان حفّز الجماعات الجهادية التي ظلت قريبة من القاعدة، والتي تعمل جماعة هيئة تحرير الشام على تفكيكها واستيعابها منذ عدة أشهر

يُستشهَد بالسهولة التي استولت بها طالبان على السلطة في الأيام الأخيرة من الوجود الأمريكي كدليل على هذا  التواطؤ، وتُنسَب الضمانات التي تكرّرها الإمارة الأفغانية للغرب بلا تحفّظ فيما يتعلق بحكمها المستقبلي، إلى تنازلات عميقة من قبل الأيديولوجية الأصلية للحزب. مرة أخرى، ليست هذه المعارضة جديدة، فقد ظلّ تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان، وداعش المركزية يتّهمان باستمرار طالبان، عبر اتصالاتهم على مدى السنوات القليلة الماضية.

ويشير جزء من افتتاحية النبأ المذكورة إلى الخلافات الداخلية داخل حركة طالبان، لقد أدت الخلافات السياسية بين المجالس المختلفة، بين قيادات شبكة حقاني، الرافضة للمفاوضات والمؤيدة للكفاح المسلح، وقيادة هيبة الله أخون زاده التي اختارت هذه المفاوضات مع الولايات المتحدة، إلى إضعافِ الحركة، وساهمت في إنشاء تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان في المقام الأول، بالتالي، فإنّ الصعوبات المعلنَة لطالبان في تحوّلها إلى حكومة فعّالة، لا سيما على المستوى الدبلوماسي والأمني​​، واستمرار الأدوات التشغيلية لـ تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان في المراكز الحضرية، تجعل السياق الأفغاني في الوقت الحالي لا يقل غموضاً واضطراباً عما كان عليه قبل الاستيلاء على كابول من قبل المتمردين.

الإمارة الإسلامية: أرض الهجرة الجديدة

في سوريا انفصلت جماعة هيئة تحرير الشام، التي تسيطر الآن على المنطقة الشمالية الغربية من البلاد حول مدينة إدلب، رسمياً، عن أيّ انتماء للقاعدة أو الدولة الإسلامية، في محاولة مغامرة حوكمة محلية مدعومة من تركيا، حيث تريد الجماعة أن تكون قريبة من طالبان؛ فقد رحّبت هذه المجموعة أيضاً بانتصار طالبان، وتضع علانية نموذجها في الاعتدال السياسي القومي في صميم إستراتيجيتها للتوسع في سوريا. يقع تقليص الجماعات الجهادية الأجنبية، والرغبة في احتكار الجهاد السوري، في قلب إستراتيجية الشرعية هذه التي تهدف إلى الحصول على مكان متفق عليه بالتفاوض، في سوريا المستقبل بعد تحقيق السِّلم فيها.

ومع ذلك، فإنّ انتصار الإمارة الإسلامية في أفغانستان قد حفّز أيضاً الجماعات الجهادية التي ظلت قريبة من القاعدة، والتي تعمل جماعة هيئة تحرير الشام على تفكيكها واستيعابها منذ عدة أشهر.

اقرأ أيضاً: لماذا ترغب تركيا في لعب دور بأفغانستان؟.. "بلومبرغ" تجيب

 من هذه الجماعات جماعة  فرقة الغرباء، وهي جماعة جهادية يقودها الفرنسي السنغالي، عمر أومسين، وهو شخصية في الدعوة إلى الجهاد والتجنيد على التراب الوطني قبل أن يتوجّه هو نفسه إلى بلاد الشام. وأومسين نفسه موجود في سجون جماعة هيئة تحرير الشام منذ أكثر من عام، ومع ذلك؛ فقد أصدرت الجماعة بياناً أشادت فيه بانتصار حركة طالبان ووصفتها بأنّها "نموذج لكل أمم الإسلام"، تُظهر عودةُ هؤلاء الجهاديين للظهور بعد أن كانوا ينشطون في السرّ الكامل في سوريا، إلى أيّ مدى يُعزز انتصارُ طالبان موقفَهم لصالح الجهاد المسلح.

من بين هذه الجماعات الأجنبية المهدَّدة بشكل مباشر من قبل جماعة هيئة تحرير الشام هناك عدد كبير من الكتائب السابقة القادمة من آسيا الوسطى التي جاءت للقتال في بلاد الشام، لا سيما جماعة الإمام البخاري، وكتيبة التوحيد والجهاد المكونة من مقاتلين من أوزبكستان، ومن وطاجيكستان، والتي اعتقلت جماعة هيئة تحرير الشام زعيمَها في إدلب، كما أنّ وحدات الحزب الإسلامي لتركستان الشرقية، والحركة الإسلامية لأوزبكستان، محاصرة في بلاد الشام، وهي ترى، بلا شكّ، في الملاذ الأفغاني، فرصة لترسيخ نفسها في "أرض الإسلام" دون التعرض لضغوط جماعة هيئة  تحرير الشام.

اقرأ أيضاً: عن تهنئة القاعدة لطالبان على "نصر الله" في أفغانستان

من المؤكد أنّ الترحيب الذي منحته طالبان لهذه الهجرة الجهادية سيكون مشروطاً مرة أخرى، بضرورة عدم معارضتها المباشرة لدول آسيا الوسطى وروسيا، لكن من الصعب السيطرة على الأراضي الأفغانية، حيث إنّ بعض المناطق النائية خارجة عن أيّ سيطرة مركزية. نورستان، والمناطق النائية في بدخشان وغيرها من المحافظات، كلّها أماكن لجوء للذين خاب أملهم في الشام، مع أو بدون اتفاق كابول.

 وحركة طالبان لن تُستثنَى من هذه القاعدة؛ فبعد أن أصبحوا "طغاة السهل"، على حدّ تعبير مايكل باري، فإنّهم سيواجهون الصعوبات نفسها التي واجهها أسلافهم بالأمس في السيطرة على كلّ وادٍ من الوديان الأفغانية.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

 www.lesclesdumoyenorient.com



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية