أفغانستان وجحيم المستقبل

أفغانستان وجحيم المستقبل


22/08/2021

ماريا معلوف

أصدرت وزارة الدفاع الأميركية العديد من التحذيرات، حتى قبل أن يتولى بايدن مهام منصبه بشكل رسمي، حول احتمال تفوق طالبان على الجيش الأفغاني.. وأن القادة كانوا على علم بأن المصاعب التي تواجهها القوات الأفغانية لم يتم علاجها، التي تتمثل في الفساد العميق، وفشل الحكومة في دفع أجور جنود الجيش الأفغاني وضباط الشرطة لأشهر، والانشقاقات، وإرسال الجنود إلى الجبهة دون ما يكفي من الغذاء والمياه، ناهيك عن الأسلحة

وحتى لا يقال إننا متحاملون على الرئيس بايدن، فالحق أن واشنطن وقعت في عهد الرئيس دونالد ترمب اتفاقًا مع طالبان في فبراير 2020، حد من العمل العسكري المباشر ضد المتمردين.

وسمح ذلك للمقاتلين بتجميع القوة والتحرك بسرعة، للاستيلاء على المناطق الرئيسية، وعندما أعلن بايدن خططه لسحب جميع القوات الأميركية. وبالعودة إلى الانتخابات الأميركية فقد لاحظنا جميعا أنه ومنذ اللحظة التي تم فيها إعلان فوز بايدن ليكون القائد الأعلى للقوات المسلحة البالغ قوامها 1.4 مليون شخص، فإن مسؤولي البنتاغون كانوا يعلمون جيدا أنهم سيواجهون معركة شرسة لإيقاف الانسحاب الأميركي من أفغانستان.

وبعد أن تولى بايدن مهام منصبه، بدأ كبار مسؤولي وزارة الدفاع الأميركية حملة ضغط للإبقاء على قوة صغيرة لمكافحة الإرهاب في أفغانستان لبضعة سنوات أخرى. وأخبروا الرئيس أن طالبان أصبحت أقوى خلال ولاية ترامب، أكثر من أي وقت مضى خلال العقدين الماضيين، وأشاروا إلى تقديرات استخباراتية تنبأت أنه في غضون عامين أو 3 أعوام، يمكن للقاعدة أن تجد موطئ قدم جديدا في أفغانستان.

ما حدث بعد ذلك كشفت عنه صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير مطول لها، حيث كشفت عن مناشدات وزير الدفاع الأميركي لويد أوستين والجنرال مارك ميلي، قائد القوات المشتركة الأميركية، في يناير الماضي، للرئيس بايدن، بضرورة بقاء قوة أميركية يتراوح قوامها بين 3 آلاف إلى 4500 جندي، في أفغانستان.

وتبع تلك المطالبات توصية من لجنة في الكونغرس، بقيادة جنرال القوات البحرية السابق جوزيف دانفورد، بأن يمدد بايدن موعد بدء الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وأن يتم تقليص القوات الأميركية فقط عندما تتحسن الأوضاع الأمنية.

إلا أن بايدن، المتشكك في الجهود الأميركية لإعادة هيكلة الدول الأجنبية، خلال السنوات التي قضاها في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وفي منصب نائب الرئيس، تساءل حول ما يمكن أن تقوم به بضعة آلاف من القوات الأميركية، إذا تعرضت العاصمة كابل للهجوم.؟

إجابة بايدن لفريقه كانت صادمة، فقد أبلغ فريق الأمن القومي، ومن ضمنه وزير الخارجية أنطوني بلينكين، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، أنه مقتنع بأن الولايات المتحدة لن تستطيع أن تمنع نشوب حرب أهلية ثانية في أفغانستان أيا كانت الجهود التي ستقوم بها، وأكد أن واشنطن لا تستطيع منع هذا الاحتمال شبه المؤكد، ولكنها في الوقت نفسه تستطيع أن تنأى بنفسها عن الانجرار في مثل هذه الحرب.

وختم كلامه بقوله: "أولئك الذين يسلطون الضوء على التفوق العسكري للحكومة الأفغانية من حيث العدد والتدريب والمعدات والقوة الجوية يغفلون النقطة الكبرى، وهي أن كل شيء يعتمد على الرغبة في القتال من أجل الحكومة. وقد اتضح أن ذلك يعتمد على وجودنا ودعمنا، وقد ظللنا نحث الأفغان على إظهار إرادتهم السياسية في وقت تعتمد فيه إرادتهم على إرادتنا، وها نحن ذاهبون".

لكن يلاحظ هنا أنه وبعد توليه منصبه في كانون الثاني يناير، قرر بايدن التمسك بالاتفاق مع طالبان، وسعى بلينكن على الدوام لإثبات أن الصفقة ألزمت الولايات المتحدة بسحب قواتها أو مواجهة احتمالية مؤكدة لهجمات على الأميركيين في أفغانستان، الذين كانوا بالفعل في خطر نظرا لتضاؤل عدد قوات الأمن التي يمكن أن تحميهم.

وبحسب الأخبار المنشورة اليوم، فقد خرج آخر دبلوماسي أميركي من السفارة الأميركية في كابل إلى مطار العاصمة الدولي منذ أيام.

بعد عقدين من الزمن قضتهما الولايات المتحدة في أفغانستان، يمكن القول إن الجيش الأفغاني كان بمثابة (برنامج توظيف) ليس أكثر في بلد لا تتواجد فيه الوظائف ذات الدخول الثابتة، وبالتالي كان العزوف عن القتال عند ضعف الإمدادات ووجود القوة المساندة صاحبة الخبرة مثل القوات الأميركية، سببا رئيسيا للتخلي عن القتال ورمي السلاح.

اليوم انتهت تجربة استمرت 20 عاما في أفغانستان، بمغادرة الرئيس الأفغاني أشرف غني، واستولت طالبان على كل أفغانستان تقريبا فيما يزيد قليلا على أسبوع، على الرغم من مليارات الدولارات التي أنفقتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، على مدى ما يقرب من عقدين من الزمن، في بناء قوات الأمن الأفغانية.

واليوم، لابد أن يتكاتف العالم شرقه وغربه، قبل أن تتمكن طالبان من إعادة فرض حكمها، والقضاء على حقوق المرأة، فالأفغان لن ينسوا كيف أسهمت السنوات الأولى من الحرب، عندما فكك الأميركيون "القاعدة" التي تزعمها أسامة بن لادن في أفغانستان، وهزموا حكومة طالبان التي استضافت الشبكة الإرهابية، في تحسين نوعية الحياة ببعض النواحي، حيث انخفضت معدلات وفيات الرضع بمقدار النصف في 2005، وكان أقل من 1 من كل 4 أفغان يحصلون على الكهرباء، لكنهم حصلوا جميعهم عليها بحلول 2019، لذلك كان المشهد المأساوي عندما رأينا أفغانا يسقطون من الطائرة التي تعلقوا بها هربا من جحيم طالبان الذي خبروه زمنا طويلا.

عن "سكاي نيوز عربية"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية