أكبر قنبلة دبلوماسية دوَّى صوتها في الخطاب الإسرائيلي

أكبر قنبلة دبلوماسية دوَّى صوتها في الخطاب الإسرائيلي


كاتب ومترجم جزائري
23/01/2022

ترجمة: مدني قصري

في 21 كانون الأول (ديسمبر) 2021 كسر منصور عباس، وهو فلسطيني من إسرائيل وعضو في الائتلاف الحكومي، أحد التابوهات التي تجاوز عمرها 70 عاماً، من خلال الاعتراف رسمياً بالطابع اليهودي لإسرائيل.

 يسعى زعيم حزب "القائمة" الإسلامي إلى تغيير طبيعة العلاقات بين إسرائيل وسكانها الفلسطينيين.

اقرأ أيضاً: غزل إسرائيلي تركي حذر..

هذه الأقوال لا لبس فيها: "لقد ولدت إسرائيل كدولة يهودية، وكان هذا قرار الشعب اليهودي، والسؤال ليس ما هي هُوية الدولة. لقد ولدت على هذا النحو وستبقى كذلك"؛ يُظهر تصريح منصور عباس هذا تغييراً جذرياً في رؤية بعض الفلسطينيين في إسرائيل للسياسة الإسرائيلية، فحتى هذه اللحظة كان أولئك الذين انخرطوا في السياسة يرون أنّ إسرائيل يجب أن تكون دولة لجميع مواطنيها.

 من خلال الاعتراف بالطابع اليهودي لإسرائيل، يقرّ منصور عباس للفلسطينيين وضْع الأقلية في البلاد، ومن ثمَّ فهو يضع نفسه في موقف أكثر شرعية في نظر "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" ليطلب من المؤسسات المعنية مساواة في المعاملة.

بعد هذه الجملة الصادمة تابع منصور عباس: "السؤال هو بالأحرى معرفة مكانة المواطن العربي في دولة إسرائيل اليهودية".

يكتسب حلّ "الدولة الواحدة" الذي تمّ اقتراحه كوسيلة لحلّ النزاع، شعبية بين السكان الفلسطينيين، خاصة في الضفة الغربية، إنّه مستوحىً من قرار الفصل العنصري في جنوب أفريقيا

هذا النهج الجديد يثير الدهشة في البلاد، وفي السياق ترى صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية اليسارية؛ أنّها "أكبر قنبلة دبلوماسية دوَّى صوتها في الخطاب الإسرائيلي منذ عدة سنوات"، أمّا صحيفة "جيروزاليم بوست" المحافظة؛ فتشير إلى أنّ منصور عباس قد "خطا خطوة حاسمة لا تراجع فيها".

تصريح قطيعة

غالباً ما كان الاعتراف بالطابع اليهودي لإسرائيل شرطاً مسبقاً للتفاوض على معاهدة سلام بين المعسكرَين، كان أرييل شارون وإيهود أولمرت وبنيامين نتنياهو يصرّون دوماً على مركزية هذا الطابع، بل كانوا يستخدمون هذا الشرط أحياناً لضمان عدم إجراء مفاوضات، مع علمهم بأنّه سيتم رفض ذلك الشرط، فحتى وقت قريب كان هناك بالفعل إجماع فلسطيني على رفض هذا الشرط. ومن ناحية أخرى؛ الإجماع الفلسطيني يرى أنّ الاعتراف الرسمي بالطابع اليهودي لإسرائيل من شأنه أن يهدر بشكل مباشر حقوق الأقليات المسلمة والمسيحية في البلاد. ويُنظر إلى رغبة الإسرائيليين في الاعتراف الرسمي والصريح بالطابع اليهودي للدولة من قبل الفلسطينيين كوسيلة لمنع عودة اللاجئين الفلسطينيين؛ لأنّ هذه العودة ستغيّر التوازن الديموغرافي للمنطقة وستجعل اليهود أقلية في البلاد، مما يعرّض المشروع الصهيوني للخطر في النهاية.

أخيراً، هذا الاعتراف سيؤدي إلى دفن حلّ الدولة ثنائية القومية، إذ يكتسب حلّ "الدولة الواحدة" الذي تمّ اقتراحه لعدة سنوات كوسيلة لحلّ النزاع، شعبية بين السكان الفلسطينيين، خاصة في الضفة الغربية، إنّه مستوحىً من قرار الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ووفق هذه الفكرة؛ فإنّ دولةً ديمقراطية مع تحقيق المساواة بين الفلسطينيين والإسرائيليين هي الخيار الأفضل لكسر الجمود الحالي، من خلال إقرار الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية كشرط مسبق لأيّة مفاوضات يضمن الإسرائيليون أنّ مشروع الدولة ثنائية القومية لن يرى النور.

مواقف مثيرة للجدل

يُعدّ منصور عباس أيضاً جزءاً من استمرارية السياسة البراغماتية التي ينتهجها هذا العضو في البرلمان الإسرائيلي منذ عدة أشهر، تهدف إستراتيجيته إلى تحقيق اندماج سياسي أكبر للفلسطينيين في إسرائيل من أجل تحسين ظروفهم المعيشية، وعلى رأس القائمة العربية المشتركة المتكونة من 4 مقاعد من أصل 120 في البرلمان وجد منصور عباس نفسه في قلب المناقشات أثناء تشكيل الحكومة الإسرائيلية الأخيرة.

اقرأ أيضاً: منصور عباس: زعيم سياسي ذو دهاء أم خادم لإسرائيل؟

في أيار (مايو) الماضي التقى منصور عباس بنيامين نتنياهو في عدة مناسبات، بعد فشل المفاوضات بين الرجلين اتصل به ياير لبيد ونفتالي بينيت وانضم أخيراً إلى ائتلافهما الذي ما يزال في السلطة حتى اليوم، وهكذا؛ ففي مقابل ضمانات بأنّ الظروف المعيشية للفلسطينيين في إسرائيل سوف تتحسّن ربط منصور عباس نفسه بحكومة غريبة وملفّقة بقيادة قوميٍّ يهودي يميني متطرف. في الآونة الأخيرة، خلال أعمال الشغب التي صاحبت تجدّد التوتر المتصاعد الأخير في غزة، زار منصور عباس كنيساً يهودياً أحرقه المتظاهرون وتعهّد بالمساعدة في إعادة بنائه.

هذه المواقف المثيرة للجدل في نظر العديد من الفلسطينيين تمثل تتويجاً لإستراتيجية سياسية انتهجها حزب القائمة العربية الموحدة "parti Ra’am" على مدى عدة عقود، والواقع أنّ منصور عباس هو الوريث السياسي لمؤسس هذا الحزب الإسلامي الشيخ عبد الله نمر درويش. كان الأخير مقتنعاً بأنّ مفتاح تحسين ظروف الفلسطينيين في إسرائيل هو الاندماج في الحياة السياسية للبلاد. بعد ثلاث سنوات قضاها في السجون الإسرائيلية لتأسيس حركة تهدف إلى إقامة دولة إسلامية في فلسطين، غيّر درويش نهجه بشكل جذري، إنّه يعارض العنف السياسي للفلسطينيين في إسرائيل، ويفهم الاندماج على أنه أفضل طريقة لتحسين أوضاعهم.

محمود عباس ينتقد منصور عباس

منذ ظهور هذه المقاربة في أواخر الثمانينيات وجزء كبير من الحياة السياسية الفلسطينية ينظر إلى هذه الإستراتيجية بعين الريبة، لقد انتقد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بشدة، الأسبوع الماضي، منصور عباس في بيان؛ إذ وصف تعليقاته بأنّها "غير مسؤولة"، وأكّد أنّه "يمثّل نفسه فقط".

اقرأ أيضاً: أردوغان يكشف عن تحسّن العلاقات مع إسرائيل

على الجانب الإسرائيلي انتقد بعض البرلمانيين هذا الموقف أيضاً؛ إذ قال عضوا الحزب الصهيوني اليميني المتطرف، وهما بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غفير، إنّ اعتراف منصور عباس بإسرائيل كدولة يهودية هو مجرّد وسيلة لإخفاء المصالح الإسلامية تحت ستار الاندماج. لكن داخل الائتلاف الحكومي لقي هذا الإعلان، على العكس من ذلك، ترحيباً واستحساناً، وقد وصف وزير المالية، أفيغدور ليبرمان، منصور عباس: بأنّه "شجاع"، وأشاد بـ "انفراج في العلاقات اليهودية العربية".

إعلان.. ثمّ ماذا؟

يأتي هذا التصريح في سياق مشاركته في ائتلاف حكومة لبيد/ بينيت، ويلعب منصور عباس لعبة اليمين الإسرائيلي من خلال الاعتراف بالطابع اليهودي لإسرائيل، لكنّه في المقابل يتوقّع تقدماً ملموساً للسكان الفلسطينيين في الدولة، فهو يولي اهتماماً خاصاً لدائرته الانتخابية الرئيسة، فلسطينيي النقب، ويريد اعتراف الدولة بالقرى البدوية في جنوب البلاد، وإلا فإنّ هذه القرى معرَّضة لخطر التفكيك.

ومع ذلك، فمن خلال قبول إسرائيل كدولة يهودية، فإنّ منصور عباس يقدّم أكثر بكثير من مجرد محاولة الحصول على بعض التسهيلات الإضافية من الحكومة الإسرائيلية، فهو يضع النظام السياسي بأكمله أمام تناقضاته ويسعى إلى تغيير طبيعة العلاقات بين إسرائيل وسكانها الفلسطينيين.

قال عضوا الحزب الصهيوني اليميني المتطرف، وهما بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غفير، إنّ اعتراف منصور عباس بإسرائيل كدولة يهودية هو مجرّد وسيلة لإخفاء المصالح الإسلامية تحت ستار الاندماج

على مدى عقود ظلّ ولاء المواطنين "العرب الإسرائيليين" إزاء المشروع الصهيوني موضع تساؤل، وهو ما أسقط عنهم حقوقهم المدنية. وبتصريحه يجعل عباس بقية ملاحظاته تجد آذاناً مصغية من قبل السياسيين والجمهور اليهودي الإسرائيلي.

يسعى منصور عباس لاستخدام النظام لصالحه، مدركاً أنّ هذه المقاربة الجديدة ترافقها شكوك كثيرة.

 إنّ إعادة تحديد العلاقة بين دولة إسرائيل والأقلية الفلسطينية فيها لا تخلو من مخاطر؛ هناك خطر أن تضعف هُويتها الفلسطينية، أو أن تتغير العلاقات بين فلسطينيي إسرائيل وفلسطيني غزة والضفة الغربية، ما أكثر أوجه عدم اليقين المرتبطة باستدامة، أو عدم استدامة إستراتيجية منصور عباس.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

orientxxi.info/magazine

https://orientxxi.info/magazine/israel-mansour-abbas-donne-un-nouveau-gage-a-la-droite-sioniste,5282




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية